سامي خليفة: جمهور حزب الله: غضب معيشي صامت/يارا نحلة: المندسون لن يغادروا الساحة/كارول معلوف: هل هزّت طلعت ريحتكم عرش نبيه بري

469

هل هزّت طلعتريحتكم عرش نبيه بري؟
كارول معلوف/جنوبية/الأربعاء، 26 أغسطس 2015
للمرّة الأولى منذ تولّيه رئاسة المجلس النيابي منذ أكثر من 20 عامًا، شعر الرئيس نبيه بري أنّ الشعب فعلاً يريد التغيير. كان هدف مسيرة يوم السبت التوجه من ساحة رياض الصلح إلى ساحة النجمة، حيث مقر المجلس النياني. يومها كانت التظاهرة عفوية شعبوية وسلمية تطالب بحلّ نزيه وجذري لمشكلة النفايات بعيدا عن المحاصصة الطائفية والفساد السياسي.
ماذا حصل؟
لبّى الشعب نداء شباب حملة “طلعت ريحتكم” على التواصل الاجتماعي، واحتشد الآلاف مساء في ساحة رياض الصلح. بينما كان المتظاهرون يحاولون بطرق سلمية اختراق الحواجز للوصول إلى ساحة النجمة. فتح عناصر مكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي خراطيم المياه على المتظاهرين وأطلقوا الغاز المسيل للدموع بكثافة على النساء والاطفال.
هذا بالإضافة إلى الرصاص المطاطي الذي أصاب عدد من الناشطين بجروح طفيفة. ومن ثم بدأت رشقات الرصاص الحي تسمع من حول المجلس النياني. سأل المتظاهرون الجيش اللبناني لماذا تطلقون النار علينا؟ أجابوا إنه ليست لديهم أي أوامر بإطلاق الرصاص. بعدها علمنا أن حرس المجلس النيابي هم من أطلقوا الرصاص في الهواء لمنع المتظاهرين من الوصول إلى ساحة النجمة.
ردًا على تلك الممارسات القمعية، إعتصم الناشطون في ساحة رياض الصلح وأمضوا الليل في الساحات مطالبين بمحاسبة كل من أطلق النار على المتظاهرين، ليستيقظوا يوم الأحد على واقع جديد وأوجه جديدة لم يروها خلال الأسابيع الماضية من حراك طلعت ريحتكم.
منذ الصباح الباكر توافد عدد كبير من مناصري المقاومة إلى ساحة رياض الصلح للإدلاء بتصاريح لا علاقة لها بمطالبة حملة طلعت ريحتكم، ولم يستثنوا أي وسيلة إعلام مرئي موجودة في الساحة إلا وعبّروا عن مطلبهم من خلالها وهو إسقاط حكومة الرئيس تمام سلام. لم يعد باستطاعة شباب حملة #طلعت_ريحتكم السيطرة على الوضع أو على الرسائل خصوصًا أنّهم طالبوا أيضا باستقالة الحكومة. فاختلطت الأوراق. المفارقة الأساسية بين السبت والأحد، أنّ حرس المجلس النيابي لم يطلقوا رصاصة واحدة لتفرقة المتظاهرين كما فعلوا يوم السبت أمّا قوى الامن بدورها مارست مستوى عال من ضبط النفس بعدما تعرض لها شبان يهتفون بعبارات طائفية على مسمع الجميع. استفز هؤلاء الشبان معظم المتظاهرين والقوى الأمنية بألفاظهم النابية والطائفية الموجهة الى رئيس الحكومة وتحول الحراك من حراك مدني سلمي مطلبي من ساحة رياض الصلح باتجاه ساحة النجمة الى أعمال شغب وعنف باتجاه السرايا الحكومي. لعلّ الرئيس نبيه بري شعر بأن حراك يوم السبت يستهدفه ويستهدف مركزه ومؤسسته التي لا نجرؤ حتى على التفكير بأن تترأسها أي شخصية أخرى. يوم الأحد، وبعد انسحاب حليفه التاريخي وليد جنبلاط من دعمه لحملة طلعت ريحتكم، نجح الرئيس بري بتصويب الحراك باتجاه السرايا الحكومي للمطالبة بإسقاط الرئيس تمام سلام بدلا من توجه المتظاهرين الى ساحة النجمة. في لبنان اعتدنا ألا نسمي الاشياء بأسمائها. اعتدنا أنّ نجلس وراء شاشات التلفزة ونستمع الى ما يسمى بالمحللين ونبدأ بالتنظير السياسي على التواصل الاجتماعي، دون أي معاينة ميدانية. من ثم يأتي الاعلام وأجندته وينسف كل الحقائق ويركب سيناريوهات تخدم مصالح حزبية وطائفية. أصبحنا شعباً مقسماً طائفياً الى حد أنّ البعض يظن أن الرئاسات الثلاث تعني الطائفة المعنية فقط، فينتفض السنة في بيروت وطرابلس وسعدنايل لدعم رئيس الوزراء بوجه الحملة الشيعية التي يتعرض لها من قبل المدافعين عن رئيس مجلس النواب، ليطل علينا الزعماء المسيحيين بمطالبة إجراء انتخابات رئاسية.

جمهور “حزب الله”: غضب معيشي صامت!
سامي خليفة/المدن/الأربعاء 26/08/2015
إلى الآن لا يزال جمهور “حزب الله” صامتاً إزاء الأزمة المعيشية التي تضرب بلبنان عموماً. شرائح واسعة وإن كانت من جمهور الحزب الملتزم، بدأت تعرب وإن صمتاً عن غضبها من الممارسات، وإن كانت هذه اللغة ليست مستجدة إلا أن الجديد فيها تحميل “حزب الله” مباشرة، وليس “الأعداء” فقط مسؤولية ما وصلت اليه الأمور. تعاطى “حزب الله” على مدار العقود الماضية على أنه خارج اطار الطبقة الحاكمة. يحمل الدولة عند اندلاع كل أزمة المسؤولية، على الرغم من أنه شريك في هذه السلطة حكومياً ونيابياً. هذا الخطاب يتزامن مع محاولة حل أي أزمة معيشية على طريقة الترقيع، كما حصل مع أزمة النفايات في الضاحية الجنوبية عندما جمعها وحرقها بالقرب من المطار. ثمة غضب واضح لدى الطائفة الشيعية. لم تعد تقنع الحجج شارع الحزب. إلى جانب ما يصفونه بأنه إهمال متعمد للقضايا المعيشية، لإعطاء الأولوية للقضايا السياسية وعلى رأسها “مقاومة العدو الإسرائيلي”، و”مقاومة العدو التكفيري”، ثمة تواطؤ هدفه تغطية الحلفاء وخصوصاً حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر”، اللذين يتحملان مسؤولية أزمة الكهرباء مثلاً.
يزداد تململ الناس يوماً بعد يوم في المناطق ذات الاغلبية الشيعية، على وقع مشاهدة الحراك المطلبي الشعبي في العراق، ونظيره في لبنان، وخيبة الامل والقلق، هي الكلمات الابرز التي تصف الحال في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع الشمالي.
لا يخفي معظم سكان المناطق التي يمثلها الحزب امتعاضهم من طريقة تعامل “مسؤولي الطائفة” مع مشاكلهم الحياتية. ويعدد كثر قضايا باتت ملحة منها: تنمية المناطق، والكهرباء، والمياه، والتفلت الامني والمخالفات، وإنتشار الجريمة، اضافة الى ازمة النفايات المستجدة.
الأغلبية الساحقة ترفض الحديث علناً عن النقمة، بعض وفق نظرية “عدم نشر الغسيل”، وبعض خوفاً من سطوة الحزب، لكنهم يجمعون على أن “حزب الله” قادر، لو أراد، على الحد من هذه الازمات، لكن مسؤوليه يتعاملون مع الموضوع، وكأن شيئا لم يكن، مكتفين برفع الصوت ضد الآخرين من دون تقديم اي حلول ملموسة على الارض.
في سياق النقد، لا يجد البعض حرجاً في الحديث عن “طبقة قيادات الحزب”، التي تعيش حياة مترفة مقابل “الذل” الذي تعيشه القواعد الشعبية. أحد الناقمين يردد الشعار الشهير الذي اطلقه الأمين العام السابق لـ”حزب الله” السيد عباس الموسوي: “سنخدمكم بأشفار عيوننا”، ويسأل عن سبب عدم  تحويل هذا الشعار الى واقع. الاصرار على اعطاء الامور الاقليمية الاولوية يدفع كثيرين للتعبير عن سخطهم، ويقول أحدهم غاضبا: وصفنا باشرف الناس وقدمنا من اجل المقاومة الغالي والنفيس، فهل يعقل ان نعامل بهذه الطريقة المذلة؟، فيما يلفت آخر إلى أننا انتصرنا على العدو الاسرائيلي عسكريا لكننا فشلنا داخليا وهزمنا اجتماعيا واقتصاديا.
أبعد من ذلك، وعطفاً على ضريبة الدم التي يدفعها “حزب الله” في سوريا، يصف البعض ما يحصل بأنه سياسة متعمدة، ويقول أحدهم إن الأوضاع تضع الجميع أمام خيارات “السفر أو السقوط في فخ الجريمة، أو الإنضمام الى الأحزاب”.
ويعلّق الوزير محمد فنيش على ما يدور في بيئة الحزب عبر “المدن” بالقول إن “المشاكل التي  تعيشها المناطق التي يمثلها حزب الله لا تختلف عن باقي المناطق اللبنانية”، ويشير إلى أن “إمكانيات الحزب محدودة ويفعل ما بوسعه”، مضيفاً ان “تطبيق القانون هو واجب الدولة وليس واجبنا ونحن لسنا رجال اعمال لنقوم بمشاريع استثمارية لخلق فرص العمل، بل يقتصر دورنا على دعم الجميعات”. ولكن ماذا عن دور وزراء “حزب الله” واتهامهم بالتقصير؟ يشير فنيش إلى ان “التركيبة اللبنانية وطريقة اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء تمنعنا من تمرير عدد كبير من المشاريع، واقتراحاتنا لا يؤخذ بها، وهذا ما ينعكس سلباً على الواقع”. وتعليقاً على حراك الشارع في الجنوب رفضاً لتراكم النفايات ولانقطاع التيار الكهربائي، يعتبر أن “ازمة الكهرباء حتى الآن عصية، وحلها جنوباً يكون بربط خط السلطانية كوكبا وهذا الأمر غير متوقع حدوثه قريباً”. وثمة من هو ملكي أكثر من الملك، فرئيس بلدية الغبيري ابو سعيد الخنسا لا يرى عبر “المدن” ان “الواقع بهذا السوء، لأنه حتى مدينة نيويورك تعاني احيانا من التقصير حيال دعم التنمية الاجتماعية”، معتبراً أن “الوضع الخدماتي ممتاز وقد تم انشاء عدد كبير من المؤسسات التربوية والخدماتية في السنوات الماضية”.

“المندسون” لن يغادروا الساحة
يارا نحلة /جنوبية/الأربعاء 26/08/2015
لا تزال الحملة الإعلامية لتشويه صورة المعتصمين قائمة. وبالرغم من أن ما حدث أمس من إعتداء وحشي وإعتقال تعسفي للمتظاهرين في ساحة رياض الصلح من قبل القوى الأمنية أوضح الصورة. فقد بدا واضحاً أن بطش القوى الأمنية وُجه بشكل عشوائي تجاه كل من تواجد في الساحة، ولم يكن حصراً تجاه مجموعة مشاغبة. إلا أن معظم الوسائل الإعلامية ما زالت تستخدم مصطلح “مشاغبين” في حديثها عن الشباب الذين رموا بعض القناني البلاستيكية والمفرقعات، في مقابل قوى أمنية أنزلت المواطنين من سياراتهم وضربتهم. في حين أن هذا الإعلام نفسه لم يتوانَ عن نشر صور السياج المحروق من قبل المتظاهرين بوصفه عنفاً من قبلهم. اتهم هؤلاء بأنهم “مندسون”. وهم أنفسهم من بقيوا في الساحة بعد إنسحاب أطراف عديدة من الإعتصام وإعلان إنتهائه. هؤلاء هم من إغتنمت القوى الأمنية الفرصة المناسبة للدخول ومحاصرتهم. فهل يعقل أن يصبح “المندسون” كبش محرقة؟ واذا كانوا “مندسين” فعلاً ألا يفترض بهم أن يعرفوا اللحظة المناسبة للإنسحاب؟ علماً بأن احتمال دخول قوى الأمن كان قد عرف مسبقاً.
لكن من سمّاهم الإعلام “مندسين” كان موقفهم واضحاً؛ “لن نخرج من الساحة حتى ولو رحلوا جميعاً”. هذا ما ردده العديد من الشباب الذين تحدثت معهم “المدن”. من بين هؤلاء الشباب من أتى من “الضاحية”، و”الشياح” و”الخندق الغميق” وغيرها من المناطق “المصدرة للمندسين”. لم يخف أي منهم تأييده لأحزاب سياسية. فوفق أحدهم “أنا بأيّد حزب الله على راس السطح، بس هلق نازل ضد الكل لأن طفح الكيل”. الأمور واضحة بالنسبة إليهم، اذ أن أحزابهم لم تسعفهم، فإستعانوا بالشارع.
نزل بعضهم إلى الشارع بمطالبه الخاصة التي لم يرفعها له أي حزب أو زعيم سياسي. هتفوا بشعارات جديدة رفعت سقف المطالب بشكل نوعي. فقضاياهم التي كانت مغيبة عن الشارع بسبب غيابهم عنه، ظهرت بشكل مفاجئ وغيرت مسار الأمور. فيقول أحد الشباب، الذي لم يتخطَ عمره السادسة عشرة، “نزلت إلى رياض الصلح للمطالبة بحقوق المساجين. في رومية مساجين ما زالوا ينتظرون محاكماتهم منذ سنوات. لا أحد يطالب بحقهم. لماذا؟”. وهو كان قد طلب من إحدى الناشطات التي كانت تحمل مكبراً للصوت بأن تهتف بشعارات مطالبة بحقوق المساجين. هؤلاء لم ينتظروا إشارة أي من الحملات المنظمة للحراك للإستمرار في النزول إلى الشارع. وعن سؤالهم عما إذا كانوا على علم بإنسحاب حملة “طلعت ريحتكم” من الشارع يوم الأحد، أجاب معظمهم بالنفي. “نحن لم ننزل بدعوة من أحد، نزلنا لأننا رأينا أن الجميع أتوا إلى هنا لإسقاط الحكومة”، على حدّ تعبير أحدهم. في حين أضاف آخر “هؤلاء الذين يقولون عنا مندسين هم أول من هربوا حين هجم علينا عناصر مكافحة الشغب، بينما بقينا واقفين في أماكننا كي يدوسوا على رؤوسنا. وإن غادر الجميع، فنحن باقون هنا”.