ميرفت سيوفي: مؤامرة الوطن المسيحي/لبنان كان للشيعة حتى العام 1760»/مأساة تاريخ لبنان المزّيف

800

مؤامرة «الوطن المسيحي»!!
ميرفت سيوفي/الشرق/22 آب/15

نختم اليوم بمقالة رابعة ما كنّا بدأناه على مدى مقالات ثلاث عن «حكم الشيعة للبنان حتى العام 1760 وتعيين الحاكم الشيعي لبطريرك وتثبيه في منصبه، ولحديث الأكثرية الشيعيّة والأقليّة القليلة من المسيحيين»، ونعتبر أن هذه المقالات الأربع ـ تماماً كما حذرنا منذ العام 2010 من الخطر الذي يتهدّد المملكة العربية السعودية من بوابة اليمن عبر مقالات أربع أيضاً حذرّنا فيها من مخطط «يمن خوش هال، والذي جرى تطبيقه هذا العام ـ الحديث منذ العام 2008 عبر كتاب «تاريخ الشيعة في لبنان» للدكتور سعدون حمادة.
وبعد صدور الكتاب في العام 2008 عن دار الخيال، هناك من اجْتَهَدَ لتكريسه أطروحة ومرجعاً أكاديميّاً عبر الباحث الأكاديمي الكندي «ستيفان وينتر» وكتابه «شيعة لبنان في ظل الحكم العثماني 1516 ـ 1788» والصادر في العام 2010  كلّ هذه مجتمعةً، «تشكّل نُذراً خطيرةً لما ينتظرُ لبنان بمسيحيّيه خصوصاً، وأنّ كلّ ما يحدث سيقود إلى «مؤتمرٍ تأسيسي» ينتزع من المسيحيّين اللبنانيّين حقّ المناصفة وهو حقّ من حقوقهم ضمنه الطائف الذي عطّل الاحتلال السوري تطبيقه، وللأسف تورّط كلّ الذين تعاقبوا على الرئاسات الثلاث في التغاضي عن ذكر الطائف، إلا متى احتاج نظام الوصاية السوري لهزّ عصا إلغاء الطائفيّة لصخرة لبنان وبطريرك استقلاله الثاني مار نصرالله بطرس صفير ـ أطال الله عمره ـ كلّما ذكّر مطالباً بالانسحاب السوري وتطبيق الاتفاق…يتحدث د. سعدون حمادة في كتابه عن حصوله على 845 وثيقة من شأنها ان تكشف وتكتب تاريخاً جديداً للبنان غير الذي نعرفه، ومن هذا الذي لا نعرفه والمدسوس كذباً على تاريخنا ينقل حمادة في كتابه «مما لا نعرفه او نعرفه مغلوطاً معركة عنجر وهي الكذبة الكبيرة فهذه المعركة حصلت بين الجيش العثماني والشيعة، ولكن هناك من قلب هذه الواقعة وجعلها بين فخر الدين والعثمانيين، وكان قائد المعركة منذر الحرفوش بينما فخر الدين باعتباره حاكم جبل الشوف ومعيناً من الدولة العثمانية فقد قاتل الى جانب الجيش العثماني، بينما التاريخ الذي نقرأه اليوم يقول ان المعركة حصلت بين فخر الدين وبين العثمانيين والامير يونس الحرفوش الشيعي وقف الى جانب العثمانيين، ونقلاً عن وثيقة للقنصل الفرنسي في ذلك الحين، فإن اربعة آلاف عسكري شيعي خاضوا معركة عنجر ضد العثمانيين»…ويروي حمادة تاريخ «الجمهوريّة الشيعيّة» التي نشأت في لبنان  وحمت اسم انتهت الثورة سنة 1710 ونشأت بعدها «جمهورية العصاة الحرة» وأنها استمرت حتى العام 1760 تاريخ بدء حملة عسكرية عثمانية واسعة ضد الوجود الشيعي في لبنان، فانهارت بعدها جمهوريتهم وبدأ حكمهم ومن ثم وجودهم بالانحسار في مختلف المناطق، فشرّدوا وهجّروا من أماكنهم، وتعرضوا لموجات إبادة واقتلاع».ومباشرة بعد هذه الرواية يسرد الكاتب أسباب قيام الحملة العثمانية على «جمهوريّة العصاة»، ثم يردّها إلى إنشاء وطنٍ قوميَ مسيحيي، وهنا سنبرز ما نصّ عليه الكاتب في تاريخه: «حصل اتفاق دولي بين البابوية وفرنسا والدولة العثمانية، على اثر بروز فكرة أوروبية بإنشاء دولة في لبنان شبيهة ببعض الدول البلقانية التي كانت تتمتع ببعض الاستقلال الذاتي، وتكون مسيحية الوجه والتوجه، وموالية للغرب».وهنا ننبّه الى خطورة الكلام الآتي والذي قاله سعدون حمادة في لقاء صحافي: «هذا يفسر مقولة لبنان ذو وجه عربي، أيّ له وجه آخر غربي، ويفسّر أصل الدعوات المتداولة لإنشاء الوطن المسيحي في لبنان، أنا أقول ما ورد في الوثائق، وفي هذه الوثائق أنّ أوّل من فكّر، أو أنّ صاحب فكرة إنشاء دويلة مسيحيّة هو قنصل فرنسا في حلب فرنسوا بيكيت الذي كان له مراسلات ديبلوماسية عديدة في هذا الشأن مع فرنسا والبابوية التي كان يوجد فيها مركز أو دائرة اسمها «مجمع الإيمان» او «البروباغندا» وقد تبنى هذه الفكرة لبناني لامع كان له دور كبير في الكنيسة البابوية هو سمعان السمعاني وكان يجيد أكثر من سبع لغات، وبتأثير منه بدأ العمل على فكرة انشاء دويلة مسيحية، او «بيت ماروني» أو «وطن قومي» ومن ثمّ لقيت هذه الفكرة تأييداً من مسؤولين كبار في فرنسا منهم وزير الخارجية حينها الكونت دي جوفنيل، والكاردينال بازاران الذي اعتبر هذه الفكرة أمراً هاماً وحيوياً لأوروبا، ولم يعارضها السلطان العثماني لأن مبالغ طائلة من المال عرضت عليه».هذا الكلام يقود إلى معادلة واحدة يطرحها الكاتب «مواربة» أو «تقيّة» بأنّ لبنان الوطن المسيحي قام على أنقاض «جمهوريّة الشيعة العصاة»، وأنّ الوقت قد حان لاسترداد «جمهوريّة الشيعة»، هذا إن قامت لهم جمهوريّة في الحقيقة!!أختم فأقول: من دون مسيحيي لبنان لا وجود للبنان بأي طائفة حكمته هم أصله وحماته وحماة العرب بلغتهم وقرآنهم، وهم أصل لبنان ومؤسسوه، وكلبنانية من مسلميه السُنّة، أرفض أن أعيش في وطن لا كنائس تقرع أجراسها فيه، أرفض العيش في وطن بلا أديرة وبلا رهبان وراهبات وبلا أهلي وإخواني مسيحيي لبنان وشركائي في هذا الوطن، لن يكون في لبنان «مؤتمر تأسيسي»، بصرف النظر عن الأحاديث التاريخية الشيعيّة ووثائقها  التي لم تنشر بعد، وللمناسبة هي لن تقلب تاريخ لبنان ولن تعيد كتابة تاريخه!!

 

« لبنان كان للشيعة حتى العام 1760»!!
ميرفت سيوفي/الشرق/20 آب/15
لا يختلف حال لبنان السياسي عن المشهد الذي كرّسه الكاتب «سعدون حمادة» في كتابه «تاريخ الشيعة في لبنان»، ثمّة الكثير ممّا يُثير التساؤلات حول الكتاب وتوقيت إعداده وصدوره مع عرض المثالثة الذي قدّمه علي لاريجاني للفرنسيين قبيل انعقاد مؤتمر»سان كلو»، وبكلّ أسف يتلّهى المسيحيّون اللبنانيون عن واقع «المؤتمر التأسيسي» الذي يُطلّ برأسه بشكلٍ سافر، والمشهد اللبناني اليوم تماماً كما وصفه كتاب سعدون حمادة: «هناك وثائق موجودة في مقر البطريركية المارونية، وإحداها رسالة من الحاكم الشيعي الى البطريرك بتأمين الحماية بحسب قول الله ورأيي محمد وعلي، وهي موجودة بأرشيف بكركي في جارور البطريرك سمعان الدويهي، وهناك وثيقة اخرى تتحدث عن رسالة من الحاكم الشيعي تؤكد للبطريرك «تأييد سلطانه وإلزام العصاة بطاعته وتأمين المنـزلة العالية له والكرامة والعزة وتنفي حكم روما في حال وقع الخلاف بينه وبين أساقفته»… اليوم، يُعيّـن أمين عام حزب الله حسن نصرالله الرئيس المسيحي الماروني للبنان، وقد قال قبله نائبه نعيم قاسم: «إمّا ميشال عون وإمّا لا انتخابات رئاسة»!!
ويذكر سعدون حمادة في كتابه «تاريخ الشيعة في لبنان» في المرسوم العثماني الذي صدر سنة 1694 بعزله كانت التهمة انه يساند «القزلباش» وهو اسم ترجمته الحرفية «الرؤوس الحمر»، وكان العثمانيون يطلقونه على الشيعة اللبنانيين، وفي الحقيقة «الرؤوس الحمر» اسم نشأ في زمن الدولة الصفويّة ففي العام 1456 في حقبة حيدر بن جنيد بن إبراهيم، من الدولة الصفويّة، و»حيدر» هو الذي أمر أتباعه الدراويش «القزلباش» أن يضعوا العمائم الحمر ويلفوها «إثنتا عشرة» لفّة، واستطاع «إسماعيل بن حيدر» أن يؤسس تكوين وحدات خاصة من الجيش تُعرف بـ»القزلباش»، وهي تعني بالتركية: ذوي الرؤوس الحمر، نسبة إلى التاج أو العمامة الحمراء التي يرتديها أتباع الطريقة الصفوية المغالية، وتُربط العمامة بإثنتي عشرة لفّة، نسبة إلى الأئمة الإثني عشرية»، فكيف ولماذا أطلق اسم الرؤوس الحمر على الشيعة في لبنان، وكيف وصل الاسم من الدولة الصفوية إلى شيعة لبنان، حتى وضعوا العمائم الحمر؟!
حتى جبل لبنان لم يسلم من تاريخ الشيعة في لبنان إذ قال عنه حمادة في لقاء صحافي: «إن جبل لبنان في الوثائق العثمانية كان اسمه «بلاد سرحان» وأحياناً جبال سرحان وأطلقت هذه الوثائق على السكان اسم «السرحانيين»!
ومن طريف ما تقرأه في لقاء حمادة الصحافي الحديث عن الأكثرية والأقلية، وهو نفس الكلام الذي أطلقه حسن نصرالله عن الأكثرية العددية والأكثرية الوهميّة، وفي هذا يروي حمادة: «حتى سنة 1686 واستناداً الى دفتر النفوس العثماني فإن عدد سكان لبنان كان 256746، منهم 98 الف شيعي أي 38 في المئة، والسُنة 76 الفاً أي 30 في المئة والدروز 35 الفاً أي 13 في المئة والنصارى من مختلف المذاهب 44 الفاً أي 18 بالمئة، فالشيعة كانوا أكثرية حتى منتصف القرن الثامن عشر ومن ثم بدأوا يتناقصون، حتى عادوا من جديد في الآونة الاخيرة للتزايد، بينما المسيحيون كانوا اقلية وأخذوا يتـزايدون، وفي المرحلة الاخيرة بدأت اعدادهم بالتراجع نسبة الى الآخرين، اما من ناحية الحكم والادارة فكان الامر للشيعة في جبل عامل وبلاد بعلبك والبقاع وجبل لبنان»!!
وهنا نضع بين يدي إخواننا المسيحيين بعضاً مما يتعلّق بوجودهم في منطقة كسروان قلعة المسيحيين الثانية بعد بشرّي، نضع بعضاً مما قاله سعدون حمادة في لقائه: «كان الوجود الشيعي في كسروان طاغياً لدرجة يمكن القول معها أن كسروان كانت شيعية مئة في المئة حتى أواسط القرن الثامن عشر وجميع القرى فيها كانت شيعية، والوجود المسيحي حتى القرن الثامن عشر لم يكن يتجاوز نهر ابراهيم لجهة الشمال، ومن ثم لا وجود إلا للشيعة، وفي مرحلة تالية في بداية القرن الثامن عشر بدأ المسيحيون بالتوافد إلى كسروان، وأول من قدم إليها من المسيحيين هو فارس شقير عام 1712 وأول كنيسة أنشئت في كسروان هي كنيسة حراجل، وقد عمرها الشيعة للمسيحيين الذين كانوا قدموا إليها»!!

«مأساة تاريخ لبنان المزّيف»!!
ميرفت سيوفي/الشرق/21 آب/15
لا بُدّ لنا من متابعة ما بدأناه أمس مع «لبنان الذي كان للشيعة حتى عام 1760»، إذ يصف الكاتب د. سعدون حمادة تاريخنا اللبناني بـ»المأساة الكبرى»، ويعتبر «حمادة» أنّ التاريخ اللبناني المعروف غير حقيقي وناقص ومجتزأ، وأنّ التاريخ الحقيقي للبنان طُمِس واستُبْدِل بتاريخ الشوف، ويعتبر «حمادة» أنّ التاريخ الكلاسيكي الذي يدرس اليوم في المدارس والمتداول هو تاريخ الشوف، أي تاريخ المعنيين ثم تاريخ الشهابيين، تاريخ «منطقة محددة»، لم تتجاوز في أية مرحلة نسبة 8 في المئة من أرض لبنان جغرافياً و18 في المئة سكانياً، وما تبقى من تاريخ هو لجبل عامل وجبل لبنان وبلاد بعلبك وهو مغيّب تماماً وبشكل شبه كامل!!
ويعتبر صاحب كتاب «تاريخ الشيعة في لبنان»، أنّ ما هو موجود من «الوثائق والخرائط والدفاتر الرسمية للدولة العثمانية»ـ ونتساءل أين هي هذه الوثائق ولماذا لا يتمّ نشرها ـ يُثبت هذه الحقيقة وبالإستناد إلى تلك الوثائق، فإنّ الوجود الشيعيّ كان «وجوداً كاسحاً» في جبل عامل وفي بلاد بعلبك والبقاع ووجوداً رئيسيّاً في جبل لبنان، والمنطقة الوحيدة التي لم يكن فيها وجود شيعيّ قويّ هي جبل الشوف.
وفيما يقدم سعدون حمادة رواية «على سبيل المثال»، يقول فيها إنّ «كل حاكم منطقة من مناطق السلطنة العثمانية كانت تصدر وثيقة بتسميته حاكماً عليها من الباب العالي، وهذه الوثائق تؤكد ان الحاكم في تلك المناطق الثلاث كان شيعياً باستمرار»، وهنا نتساءل: كيف يؤكد حمادة أن الدولة العثمانية أقرت وصدرت وثائق رسمية بتعيين «حكّام شيعة»، فيما يقول في مكان آخر:»إنّ الدولة العثمانيّة كانت تُصدر مراسيم باسم السُّلطة الدينيّة وباسم السُّلطة الزمنيّة وتعتبر الشيعة «متمردين وعصاة» و»خارجين عن الدين وتحل قتلهم، وتعتبر زواجهم زنا والتوارث بينهم باطلاً»، وهناك اكثر من عشر فتاوى بهذه المعاني صدرت عن شيوخ الاسلام في اسطنبول في تلك الفترة اذ كان كلّ شيخ إسلام يعمد حين يتسلم مهامه الى إصدار «مرسوم» يتضمن السياسة العامة وفيه «أن الشيعي خارج عن الدين وأن قتله واجب على المسلم»، فكيف ولّت السلطنة الخارجين عن ملة الإسلام حكاماً على نواحيها ومناطقها؟!
ويذكر حمادة في كتابه الشيعي أبرز الاسماء من قادة الثورة سرحان الذي بدأت الثورة معه بعدما فشلت مفاوضات بدأها مع السلطنة العثمانية سعى خلالها لوقف التوترات وتجنب الحرب، فدعا السلطان العثماني لأن يتراجع عن السياسة المتبعة ضد الشيعة لأنها سياسة لا تترك للشيعة خياراً سوى القتال دفاعاً عن النفس، ولكن السلطان لم يستجب لهذه الدعوة فبدأت الثورة بعد فشل تلك المفاوضات ويشير أن جبل لبنان في الوثائق العثمانية كان اسمه «بلاد سرحان» وأحياناً جبال سرحان نسبة لسرحان الشيعي!!
أما عن مطالب «الثورة الشيعيّة» فيقول حمادة أنهما مطلبان: الأول ان يحكموا انفسهم حكماً ذاتياً ضمن السلطنة العثمانية، والثاني عدم دفع الضرائب، ويقول الكاتب أنه استند إلى كتابات وتقارير القناصل الاجانب وخصوصاً الفرنسيين الذين تابعوا هذه الثورة، وقالوا في تلك الوثائق، إن مطالب الثورة هي هذان الامران: الحكم الذاتي وعدم تدخل السلطنة بالشؤون الشيعية الداخلية، وعدم دفع الضرائب للباب العالي».
غداً.. مؤامرة «الوطن المسيحي»