الياس حرفوش: نجاح مع الأسير وفشل مع النفايات/داود الشريان: ليلة القبض على منتصر عبدالغفور الأسير

350

ليلة القبض على «منتصر عبدالغفور الأسير
داود الشريان/الحياة/19 آب/15

«وصلت سيارة الأجرة (بيضاء اللون) التي كانت تقلّ خالد العباسي من بلدة جدرا في ساحل إقليم الخروب إلى مطار رفيق الحريري الدولي. ناول خالد السائق المبلغ المطلوب، وتقدم إلى البوّابة الرئيسية، ثم دخل إلى أول حاجز لأمن المطار عند «السكانر» من جهة اليسار. قدّم أوراقه إلى العسكري ووضع محفظته أمام جهاز الكشف، وتولى أحد العسكريين تفتيشه يدوياً، وبعد ذلك اتجه صوب «الكونتوار» التابع للخطوط الجوية المصرية. تبلّغ الضابط المعني أن خالد العباسي صار موجوداً في المكتب. التقطت له أكثر من صورة، وأُرسِلت بواسطة «واتس آب» إلى الضابط المعني في مكتب المعلومات في المديرية العامة للأمن العام. ما إن تسلم الضابط الكبير الموقوف خالد العباسي، حتى كان يخاطب المدير العام للأمن العام الموجود في مسقط رأسه بلدة كوثرية السياد: مبروك سيدي. أحمد الأسير صار في ضيافتنا في المديرية». ما سبق جزء من رواية جريدة «السفير» اللبنانية، لتفاصيل القبض على أحمد الأسير. تعددت روايات الصحف اللبنانية، واحتفى بعضها باعتقال الأسير الهارب، ونقل الخبر بطريقة قصصية تشبه تلك التي صاحبت القبض على الزعيم الكردي عبدالله أوجلان. وعلى رغم أن المتأمل في تفاصيل اختباء الأسير، وتنقلاته، سيجد أن الرجل يتمتع بسذاجة مفرطة، ومتأثر بمسلسلات «الميلودراما» البوليسية، فإن بعض الصحف جعله في نظر الناس أذكى من رأفت الهجان، وأخطر من أبو بكر البغدادي. قصة القبض على أحمد الأسير تذكّرك بفيلم «الهروب» الذي يجسّد فيه الفنان أحمد زكي شخصية الشاب الصعيدي «منتصر عبد الغفور» الذي حوصر، بمصادفات درامية، فأصبح سفاحاً خطيراً. لكن السفاح المفتعل منتصر يتحول في أحداث الفيلم إلى أداة لإشغال الرأي العام عن قضايا أهم وأخطر، فيسهل له الهرب والاختباء، مرة تلو أخرى، إلى أن ينتهي دوره كوسيلة لأجهزة الاستخبارات فيُحاصَر ويُقتل. لماذا تُرك أحمد الأسير حراً طليقاً كل هذا الوقت؟ ولماذا يُقبض عليه الآن، وتُصنع من مطاردته حكاية أشبه بقصص الأفلام؟ وما هو سر احتفاء بعض الصحف بقصة اعتقاله، ونقل تفاصيلها على مدى أيام وبروايات وصيغ متعددة؟ لا شك في أن بقاء أحمد الأسير مختبئاً كل تلك المدة، على رغم وجوده في مخيم عين الحلوة، الذي لا سرّ فيه، وتوقيفه بطريقة درامية، يذكّران بتصفية أسامة بن لادن، ويثيران أسئلة كثيرة. الأكيد أن نهاية أحمد الأسير، ستكشف هذا الغموض. هل سيُقتل في نهاية هذا الفيلم اللبناني، ويموت سرّه معه، مثلما حدث مع منتصر عبدالغفور، في الفيلم المصري، أم سيبقى الأسير حياً، ويكشف لنا بقية الحكاية؟ سننتظر ونرى.

 

نجاح مع الأسير وفشل مع النفايات
الياس حرفوش/الحياة/19 آب/15

تعمل مؤسسات الدولة في لبنان وكأن كل واحدة منها مقيمة في جزيرة منفصلة عن الأخرى. لا يعني نجاح الواحدة في أدائها نجاحاً للبلد كله، بل يتم تجيير هذا النجاح لمصلحة الجهة او الفئة التي ترعى هذه المؤسسة وتسهّل سبل عملها ونجاحها. وبينما يحتفل جهاز الامن العام بتوقيف أحمد الأسير في مطار بيروت، في إنجاز أمني استثنائي لم تضطر الدولة الى خوض أي مواجهة مكلفة لتحقيقه ضد شخص مطلوب بتهم الاعتداء على الجيش اللبناني وقتل عدد غير قليل من أفراده، لا تجد قضية اخرى، هي قضية تراكم النفايات في شوارع العاصمة وعدد من المدن والمناطق حلاً، على رغم انه يفترض ان يكون هذا الحل أكثر سهولة من توقيف الأسير، الذي كانت تسود المخاوف من تبعات اعتقاله على الوضع الامني، بسبب الانعكاسات المذهبية المفترضة لهذا الاعتقال. وهكذا، فيما كان اللواء عباس ابراهيم يهنئ عناصره في مطار بيروت بإنجازهم، كان وزير الصحة وائل ابو فاعور يطل على شاشات التلفزيون لينعى صحة اللبنانيين وحياتهم، محذراً بأوضح العبارات: نحن على شفير كارثة صحية كبرى. كل شيء في لبنان بات مهدداً الآن: الهواء والمياه والغذاء وبالتالي صحة اللبناني مهددة. هذا الكلام الاستثنائي لوزير الصحة في وصفه الحال التي وصل اليها لبنان كان يفترض ان يكون كافياً لهز ضمير من لا يزال عنده من السياسيين شيء من ضمير، فيبادر المسؤولون الى الاجتماع والبحث في خطة عاجلة لانقاذ ما أمكن من حياة مواطنيهم، بعدما ملأت النفايات الشوارع وبلغت مداخل اهراءات القمح ومخازن المؤسسات الغذائية والمدارس وحتى غرف المستشفيات، ولا من يهتم بالبحث عن حل لهذه الكارثة البيئية والوطنية. في أي بلد آخر، من مجاهل افريقيا الى اقاصي آسيا، يكفي ما هو أقل من فضيحة بهذا الحجم لإسقاط الحكومة ومحاسبة المسؤولين عن هذا التقصير المتمادي والمتعمّد تجاه حياة المواطن، عندما يطاول التهديد سلامة لقمة الغذاء او حبة الدواء. ويحصل هذا عادة لأن المسؤول يعرف انه معرّض للحساب. اما في لبنان فان المسؤول يجرؤ على ارتكاب هذا وافظع منه، في بلد لا يحاسب فيه أحد أحداً، بعدما غاب الهمّ الوطني المشترك الذي تجتمع حوله مصالح الناس، وأصبحت همومهم طائفية ومذهبية، ومناطقية في أحسن الاحوال. وهكذا صارت للنفايات هوية طائفية، وصار السؤال المتداول اليوم ما اذا كانت منطقة مسيحية ملزمة بـ «استقبال» نفايات منطقة مسلمة، وبالعكس! ولعل الوزير ابو فاعور كان يدرك عجز المواطن اللبناني عن العثور على حل، فكان واضحاً في قوله ان على الدولة ان تتصرف لأن مواجهة هذه الكارثة الصحية هي مسؤوليتها وليست مسؤولية المواطن. لكن كيف تتصرف الدولة، وحكومتها، المؤسسة الوحيدة الباقية لادارة شؤون البلد بعدما تم افراغ منصب رئاسة الجمهورية بالقوة، عاجزة عن الاجتماع، بفعل التعطيل المتعمد والمتمادي، اذ تحول مجلس الوزراء الى رهينة في يد عصابة سياسية خطفته، ولا تبدي استعداداً للافراج عنه، الا اذا تم تنفيذ مطالبها وتعيين الأصهار والاقارب في المواقع التي يريدون. هناك كارثة نفايات في الشوارع. هذا صحيح. لكن هناك كارثة يمكن القول من دون مبالغة انها أكبر منها. انها كارثة النفايات السياسية التي لا تعرف حلاً، وتلوّث العمل العام في لبنان، وليس من يعثر على حل لها. واذا أمكن في يوم ما جرف نفايات الشوارع فكيف السبيل لجرف هؤلاء السياسيين الذين يستقوون بما يسمونها حقوق طوائفهم، ويتاجرون بهذه الحقوق من خلال تغذية التعصب على حساب الولاء الوطني، في مسعى لتحويل لبنان الى مزرعة يتم فيها تقاسم الغنائم والحصص بين المحاسيب والأزلام.أثبت اعتقال احمد الأسير ان الدولة تستطيع كسب ثقة الناس عندما تتصرف كدولة. لهذا لم تظهر اية ردود فعل سلبية ممّن كانوا متهمين بأنهم يشكلون «بيئة حاضنة» للأسير، بل على العكس، كان هناك اجماع على ضرورة ان يسير التحقيق الى النهاية لكشف المتورطين معه. ولعل هذا يكون مثالاً لما يمكن انجازه في المسائل الوطنية الاخرى، عندما تضع الدولة المصلحة العليا فوق المصالح الفئوية والطائفية.