الياس الديري: الحكومة والمجلس والمعطِّلون/نبيل بومنصف: آخر فصول الممنوعات/روزانا بومنصف: هل حشَرَ التيار نفسه أم حشرَهُ الآخرون

300

الحكومة والمجلس… والمعطِّلون!
الياس الديري/النهار/7 آب 2015
ليس مطلوباً، ولا يجوز أن يطلَّ بعض قادة التعطيل ويطلبون من هذه الحكومة أن تجترح العجائب التي لم يأت بمثلها الأوائل ولا ناخت في ساحاتهم إبل الحكومات التي عرفناها في الزمن الرديء الذي نعيش بنعَمه وأفضاله في هذه المرحلة الحرجة. ولا حتى في الزمن الجميل حيث كان السياسيون قادة بكل معنى الكلمة يغارون على مصلحة لبنان، ويعملون لازدهاره ولما يخدم تطوّره وتقدّمه… حكومة “الوحدة الوطنية” عملت ما عليها، وجاهدت الجهاد الحسَن، وحافظت على سياسة النأي بلبنان على رغم كل المحاولات التخريبيّة التي قادها لبنانيّون، و”غذّوها”، وشجّعوها، لكنهم خسئوا وفشلوا فتراجعوا. أجل، وبكل موضوعيّة وإنصافاً للحقيقة، حكومة تمَّام سلام التي حقّقت “أعجوبة” جمع الماء والنار أقدمت وأنجزت وحقَّقت كل ما تتطلَّبه المصلحة الوطنية. أما إذا كان هناك متضرّرون، وخائبون، وشخصانيّون لا يهمّهم أن تخرب البصرة ولبنان بقدر ما يهمّهم ما يلبّي شهَواتهم، فما على هؤلاء سوى أخذ دروس خاصّة في الوطنيَّة والديموقراطيَّة والأصول والتقاليد والقيَم، ثم سلوك الطُرق والأساليب القانونيَّة وفقاً لما ورد في النصوص الدستوريَّة. البلد تُحاصره الأزَمات من كل حَدبٍ وصَوب. وفي كل الحقول والمجالات، حتى وصل الدور إلى الزبالة التي كادت أن تتقدَّم بأهميّتها وأولويّتها على أزمة الكهرباء، وأزمة الفراغ الرئاسي، وأزمة التعطيل الشامل وضِيق الحال وذات اليد بالنسبة إلى السَواد الأعظم من اللبنانيين. فالمطلوب، إذاً، من الغيارى الحقيقيّين، ومن أولئك الذين لا يهمّهم من التعيينات والتمديدات إلا أقربائهم وأنسبائهم، أن يتحلّوا بما تيسَّر من الخجل واللياقة، ويحاولوا أن يُظهروا مظهر القلق ولو صوَريّاً على البلد المعتَّر والشعب البائس. وعلى الجميع، وخصوصاً أولئك الانتفاعيّين الباحثين عن المزيد من التكسُّب والإفادة، أن يضعوا حجراً في المدماك، لا في الطريق. هذه الحكومة هي في واقع الحال حكومة تصريف أعمال لأسباب منشورة في أرجاء المعمورة. وكل الاتجاهات والكُتل والعناتر متمثِّلون فيها. والمفروض في هؤلاء “النشامى” أن يتولّوا هم الدفاع عنها، لا اللجوء إلى المزايدات والبحث عن وسائل التعطيل فوق التعطيل. وقد يكون بيت القصيد وبيت التعطيل في مكان آخر، حيث ثارت ثائرة الرئيس نبيه برّي من استمرار توقف العمل التشريعي. نقول معه، ويقول الناس أيضاً إنه من غير الجائز التساهل حيال التعطيل والمعطّلين.

آخر فصول “الممنوعات”!
نبيل بومنصف/النهار/7 آب 2015
يشكل آخر البيانات الصادرة عن حوار عين التينة بين تيار “المستقبل” و”حزب الله” التجسيد الأمثل لواقع لبنان كله وليس فقط لمسار قيل فيه انه عكس الطبيعة الاقليمية والداخلية. “بحلاوة الروح” قال البيان ان لا شيء لدى المتحاورين يقولانه الآن. معنى ذلك ان المهادنة تقف تماما عند “النقطة الصفر” في مرحلة تسويق الاتفاق النووي التي تتزاحم فيها مشاريع المبادرات الاقليمية والدولية مع مشاريع إلهاب المنطقة اكثر فأكثر. مُعَبّر هذا “اللاقول” داخليا ايضا في وقت كانت تتزامن معه قرارات التمديد للقيادات العسكرية على وقع معادلة منع اسقاط الحكومة ومنع تفعيلها سواء بسواء. واكثر من معبر ان يفضي حوار عين التينة الى لا شيء في وقت يترنح فيه السلم الأهلي حقاً تحت وطأة أزمتي النفايات والكهرباء وليس تحت وطأة الاحتقان السني – الشيعي او احتدام الكباش بين الفريق العوني وسائر خصومه. لا يُصدّق كثيرون ان لبنان الذي مر من خروم الابرة بأعجوبة موصوفة طوال السنوات الاخيرة تتهدد سلمه الأهلي والاجتماعي الآن أكوام النفايات وظلمة التيار الكهربائي. معنى ذلك ان هذا البلد انتظر الى حدود فاقت حدود الطبيعة فبات الان عند مشارف الانفجار ولم يعد مؤهلا لانتظار الفسحة الاخيرة الموعودة مع عاصفة الصفقة النووية. كل ما في لبنان الآن ينذر بالسقوط تعباً وإنهاكاً وإفلاساً. ظواهر السياسة وبواطنها تكشف قوى داخلية تصارع الانهيارات فلم يعد لديها سوى تلك النماذج المفجعة التي تقدمها ازمات النفايات والكهرباء والتعامل بازدواجيات فاقعة مع واقع تعطيل الحكومة والمجلس. هذا الذي يجري وسط انفجار الطبقة السياسية وانكشافها يقول في بعده المفجع ان الهدنة التي تحكم لبنان بقرار دولي وإقليمي باتت أعجز من ان تقاوم وتستمر على أيدي قوى داخلية استنزفت الى الذروة. ولعلها مفارقة ولا اغرب ان تتهدد لبنان اخطار انفجار اجتماعي لا يراه الافرقاء السياسيون وهو قابع على بوابات الازمات التي تنهش حياة اللبنانيين وتحولهم الى ما هو اشد خطرا من التطرف الديني والمذهبي والطائفي. واذا كان بعض المترفين لا يزال يراهن على معادلات قديمة من مثل ان رياح الصفقات الكبرى قد تلفح لبنان بنسائم الانفراج فلا نظن ان سقوط هذه الرهانات سيحتاج الى وقت بعيد ما دامت بقايا مناعة منهكة لدى اللبنانيين تشارف النهايات بأقرب مما يصور هؤلاء. ثم من قال ان مشاريع الصفقات لا تجرف غالبا المناطق الرمادية في حال سلمنا ان لبنان هو منطقة توازن اقليمي حتى الساعة؟ ولعلنا سنكون اشد السذج ان راهنّا بدورنا على استدراك الآتي المخيف على أياد قدمت لنا النفايات والعتمة والتعطيل والفراغ والتهجير والهجرة والفقر والفساد عناوين انجازات باهرة.

هل حشَرَ “التيار” نفسه أم حشرَهُ الآخرون؟ قرار التمديد يوازي الحفاظ على الحكومة
روزانا بومنصف/النهار/7 آب 2015
على رغم الكلام على تسوية تردّد انه كان يجري العمل عليها تقضي برفع سن التقاعد لضباط الجيش بحيث تبقى حظوظ العميد شامل روكز قائمة من اجل تسلم قيادة الجيش لاحقاً في موازاة تأجيل تسريح كل من قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الاركان اللواء وليد سلمان والأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير لمدة سنة، وساهم في الترويج لها وزراء ونواب من “التيار الوطني الحر”، فان هذه التسوية لم تجد صدى فعليا لها ولم تبد قابلة للعيش بل سقطت فوراً لاعتبارات متعددة. لعل أهم هذه الاعتبارات ان اي رفع لسن التقاعد من شأنه ان يرتب كلفة مالية هائلة نتيجة التعويضات التي تترتب للضباط الكبار في الوقت الذي يحتاج الجيش الى هذه الأموال من أجل دعم العناصر وتقوية الجيش كما انه يقلب القاعدة الهرمية للجيش من حيث تضخم عدد الضباط الكبار فضلا عن انه يدحض النظام الذي اعتمدته قيادة الجيش عبر تشجيع الاستقالة للضباط من الرتب العليا من اجل تقليص عدد العمداء في الجيش. وتقول مصادر سياسية حليفة للتيار العوني ان قرار التمديد للقيادات العسكرية بدا انه يتخطى الجميع شأنه في ذلك شأن قرار المحافظة على الاستقرار وعلى الحكومة ايضاً. إلا ان ذلك لا ينفي ان القرار حشر التيار العوني بقوة خصوصاً انه ليس قراراً اتخذه خصوم التيار بل ساهم فيه حلفاؤه ايضا بالدرجة نفسها وهم لم يقفوا في نهاية الأمر عند خاطر زعيم التيار العماد عون الرافض للتمديد للقيادات الامنية فيما خسر التيار الرهان على عدم التمديد لقائد الجيش وكذلك الرهان على ايصال البديل اي العميد روكز لهذه القيادة في موازاة تراجع ملحوظ لحظوظ العماد عون في رئاسة الجمهورية. هل حشر الأفرقاء السياسيون من الخصوم والحلفاء التيار العوني أم أنه حشر نفسه؟ تتساءل مصادر وزارية وسياسية على حد سواء استناداً الى اقتناع بان التيار اوصل نفسه الى مكان بات يفتقد فيه الى هامش المناورة. لعل العامل الأبرز الذي قفز أخيراً الى الواجهة وساهم في حشر زعيم التيار العوني كان الموقف الذي اعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي عبر فيه عن تباعد قوي مع حليف الحليف وتمايز كلي في مقاربة الامور الى حد انه شكل مؤشراً مهماً الى مسار الامور من ضمن قوى 8 آذار تحديداً لجهة عدم إمكان الاستمرار في مسايرة العماد عون او مواكبته ودعمه في تصعيد مطالبه في الوقت الذي بات البلد فيه على شفير الهاوية. وكان الحليف المسيحي الابرز للتيار النائب سليمان فرنجيه عبر عن تناقض قوي هو ايضا بين مقاربته للامور ومقاربة التيار لها بحيث نقض الكثير من المنطق الذي يتحصن به من اجل مواجهة خصومه. والمآخذ التي سجلت على زعيم التيار في هذا الاطار انه رمى كل الاوراق التي يملك دفعة واحدة في مدة زمنية قصيرة وأحياناً في ما لا يتعدى المؤتمر الصحافي الواحد مستحضرا عناوين كبيرة لم يتوقف في اثارتها عند أي تنسيق فيها مع الآخرين وما اذا كان طرحها على سبيل المناورة او لاكتساب جدية ما. فكانت هناك حقوق المسيحيين والفيديرالية والانتخابات الرئاسية من الشعب وانتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية واستطلاعات الرأي وما الى ذلك حيث لم تجد هذه الاقتراحات سوى رد فعل سلبي حتى لدى حلفائه. وذلك في حين ان كلا من هذه الاقتراحات تستحق البحث والدراسة لعلها تجد سبيلا للتنفيذ في ظروف مختلفة ويوافقه على غالبيتها معظم الافرقاء المسيحيين الذين لم يتضامنوا مع عون ولم يخفوا انزعاجهم انه ساهم في احراق هذه الاوراق او الجزء الأكبر منها بحيث يصعب استخدامها للحصول على مطالب فعلية حين تتوافر بعض الظروف لذلك. وهناك من يثير ايضا مسؤولية التيار في عدم التقاط الفرصة من أجل محاولة الحصول على قيادة الجيش حين عرض عليه اقتراح ان يتجاوب في البحث عن شخصية وفاقية لرئاسة الجمهورية بدلاً من الاستمرار في الاصرار على شخصه خشية ان يخسر رهانه على الموقعين معاً أي رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش اذا استمر التمسك بالحصول عليهما وفق ما ينقل عن السفير الاميركي ديفيد هيل تحذيره العماد عون في هذا الشأن.
وضيق هامش المناورة يتمثل في ضيق الخيارات المتاحة. ففي ظل السقف الذي رسمه كل من الرئيس بري والامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله حول الحكومة على اساس ان استقالتها هي خط احمر، فان التحرك في الشارع اعتراضاً لا يبدو خياراً يمكن ان يؤدي الى نتيجة. فيما تخشى المصادر الوزارية ان تفعيل الحكومة يحتاج الى ان يتراجع أحد ما عن موقفه او ان تضيق الخلافات، علماً ان رئيس الحكومة تمام سلام أخرج موضوع النفايات من بازار الحكومة الى خارجها. وتعطيل الحكومة قد يكون بات محرجا للفريق المعطل ما دام الرئيس بري يقف في الموقع المناقض تماما للتعطيل وهو يشكل رافعة مهمة للحكومة ما يساهم في شد الخناق على افرقاء من ضمن قوى 8 آذار نفسها. أضف الى ذلك انه يرفع مستوى الضغط عبر الاستحقاقات والمتطلبات المالية الداهمة بحيث ان التقاعس عن تفعيل عمل مجلس الوزراء قد يرتد سلباً على افرقاء من ضمن هذه القوى خصوصا متى كانت معاشات ورواتب المواطنين على المحك.