عبدالباسط سيدا: السقوط الأخلاقي لحزب الله في سورية/نبيل بومنصف:07 آب المحترم/ميشيل تويني: بالعربي الدارج، عيب أن نقبل العيش بالزبالة

294

السقوط الأخلاقي لـ «حزب الله» في سورية
عبدالباسط سيدا/الحياة/05 آب/15
يتحدث كثر من المحللين والمهتمين المتابعين هذه الأيام، عن خسائر «حزب الله» في معاركه إلى جانب قوات النظام في سورية. ويتناول هؤلاء حجم هذه الخسائر، وأبعادها، ومآلاتها الآنية والمستقبلية. ومن الملاحظ أن التركيز في هذا المجال ينصبُّ على الخسائر البشرية في المقام الأول، وعلى مدى إمكانية الحزب في ميدان تقديم المزيد من المقاتلين، وذلك لتلبية الحاجات المتنامية في مختلف الجبهات القتالية التي فتحها عبر تحالفه مع النظام ضد الشعب السوري. وقد أعلن السيد حسن نصرالله بنفسه في خطابه يوم 24 أيار (مايو) 2015، أن قواته موجودة في سائر أنحاء سورية، وستستمرّ في الوجود والانتشار، وستُعزز بالمزيد.
ولكن الخسارة الأكبر التي مُني بها حزب الله منذ بداية انطلاقة الثورة السورية في آذار (مارس) 2011، تتمثّل في فقدانه تأييد الشعوب العربية والإسلامية التي وجدت فيه أيام معاركه مع القوات الإسرائيلية – وهي المعارك التي تمحورت حول قضية تحرير الجنوب اللبناني – مخلّصاً في زمن التراجعات والانهيارت في مختلف الميادين.
وقد تمكّن حزب الله بفعل معارك الجنوب، والهالة الإعلامية التي أُحيطت بها، إلى جانب تمكّن هذا الحزب من دغدغة المشاعر بخطابه العاطفي الإيثاري الزاهد، من كسب قلوب العامة من العرب والمسلمين، وكان في طريقه نحو كسب عقول النخب أيضاً، على رغم إدراك هذه الأخيرة أن موضوع حزب الله برمته يدخل في إطار حسابات الاستراتيجية الإيرانية في مرحلة ما بعد الشاه. ولعلّ هذا ما يفسر مدى الاهتمام العام الذي كان بخطابات نصرالله، وثقة الناس بما كان يقوله، واحترامهم لآرائه. وذلك كله أكسب الحزب قوة مضاعفة.
غير أن الحزب المعني لم يتمكّن من الحفاظ على هذا المستوى من التأييد، نتيجة ارتباطه بالاستراتيجية الإيرانية التي وضعته في حلف غير مقدس مع النظام السوري، وبدأ باتخاذ موقف مفارق مواجه لكل اللبنانيين الذين كانوا قد تجاوزوا خلافاتهم، والإرث الثقيل لخصوماتهم وصراعاتهم السالفة، وتوافقوا على ضرورة الخلاص من نير النظام السوري. وقد بلغ التباين أشدّه بين حزب الله وأتباعه، وبين فريق الاستقلال الثاني اللبناني بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، واغتيال العديد من القيادات السياسية والرموز الثقافية الوطنية اللبنانية. وجاء اجتياح الحزب لبيروت والجبل في 7 أيار 2008، ليؤكد دخوله مرحلة الالتزام الصارم بالاستراتيجية التي أوجدته، وحدّدت له المسار.
ومع الوقت، بدأ الحزب بفقد رصيده الشعبي والقيمي في لبنان، وفي المحيط القريب من لبنان، وهو المحيط المدرك لأبعاد الدور الحقيقي المناط بحزب الله.
وهذه الوضعية تذكّرنا في أوجه عديدة منها، بوضعية الحزب الشيوعي السوري قبل وبعد مجيء حافظ الأسد إلى الحكم في سورية. فقد كان الحزب المذكور بقيادة خالد بكداش في ذلك الحين، يستمدّ قوته الأساسية لا من عدد المنتسبين إليه، وإنما من القيم التي كان يجسّدها، ومن الحاضنة الشعبية التي كان يحظى بها، إلى جانب دعم النخب الثقافية السورية، التي كانت تجد في الحزب المعني مشروعاً حداثوياً من شأنه ترسيخ الوحدة الوطنية ضمن المجتمع السوري المتعدد الأديان والطوائف والقوميات. كما أن دعوة الحزب إلى العدالة الاجتماعية، والمساواة، والقيم المدنية، كانت هي الأخرى موضع تقدير النخبة السورية، التي لم تتمكن من الانسجام مع المشروع القوموي بوجهيه البعثي والناصري، وهو المشروع الذي كان يسعى الى فرض وحدة قسرية على واقع متعدد متنوع بطبيعته، وبتوجهاته.
ولكن مع سيطرة حافظ الأسد على مقاليد الأمور في سورية بعد الانقلاب الذي قاده في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، وتشكيله «الجبهة الوطنية التقدمية»، التي كانت أداة لتعطيل دور الأحزاب الموجودة في المجتمع السوري، لتغدو جزءاً من آلة النظام بقيادة حزب البعث، الذي أصبح هو الآخر واجهة تزيينية للأجهزة المخابراتية التي كانت هي الحاكم الفعلي من وراء الستار، وبإشراف مباشر من حافظ الأسد نفسه. بعد هذه التطورات كلها، تحوّل الحزب الشيوعي إلى جزء هامشي من السلطة، بخاصة أنه كان قد انقسم على ذاته، وفقد احترامه لدى الناس، وابتعدت منه النخب. ولم يتمكّن الحزب المعني من استعادة الثقة، على رغم تذرّعه بضرورة الدفاع عن «السياسة التقدمية الخارجية لسورية»، وغضّ النظر عن السياسات الداخلية التي كانت تؤسس لوضعية الاستبداد والإفساد المسدودة الآفاق، وهي الوضعية التي جاءت الثورة السورية للقطع معها، وتجاوزها، وذلك بهدف ضمان الحرية والعدالة والكرامة لسائر السوريين، بخاصة للأجيال القادمة.
ونحن، إذا قارنّا بين حالتي كل من حزب الله والحزب الشيوعي السوري ضمن إطار مقاربتنا الحالية، نلاحظ أن الجهة الراعية الموجهة، بل والآمرة – الاتحاد السوفياتي السابق في حالة الحزب الشيوعي، وإيران في حالة حزب الله – كانت هي التي تتحكّم بتحديد السياسات والمواقع للجهة الفرعية التابعة. ولهذا، وجدنا كيف قبل الحزب الشيوعي بدور الكومبارس، وتقلّص دوره وحجمه، بخاصة بعد سلسلة انقسامات أضرّت به، وأخرجته كلياً من دائرة الحسابات السياسية في سورية.
والأمر ذاته هو ما يحصل لحزب الله حالياً، فهو قد فقد قلوب الشعوب العربية والإسلامية، ولم يكسب عقول نخبها. وفقد الكثير من التعاطف والتأييد على المستوى اللبناني، وتكبّد الكثير من الخسائر، وسيتكبد المزيد منها إذا ما استمر في سياسته الراهنة. فهو قد أصبح اليوم، مجرد قوة عسكرية تفتقر إلى مشروع سياسي يطمئن اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، بمن فيهم أبناء الطائفة الشيعية نفسها الذين يشعرون بأنهم قد أُقحموا في معركة لا تخصّهم، وأن التكاليف الباهظة حتى الآن لن تقارن بتلك التي ستكون، إذا ما استمرت المعارك – التي يبدو أنها ستكون طويلة وشرسة – وظلّت المعطيات الراهنة على حالها. وهم على علم تام بأخطار اللعبة السياسة، وبإمكانية أن يتخلّى عنهم الراعي الداعم في أية لحظة، بعد أن يكون قد بلغ المرجو من استثمار دور الحزب في لبنان والمنطقة.
حزب الله يواجه اليوم بقوة السلاح، الغالبيّتين العربية والسنية في المنطقة، ولم تعد حججه قادرة على إقناع أحد. بل باتت هذه الحجج موضع التندّر والإدانة من الجميع. كما أنه يواجه ثورة الشعب السوري على نظام فاسد مستبد، أقرّ هو بذاته بضرورة الإصلاح الشمولي. ولكن بعد أن تبيّن للجميع استحالة إصلاح ما قد بلغ مرتبة الفساد المطلق، بخاصة بعد الجرائم المروّعة التي ارتكبها هذا النظام في حق الشعب، كانت المطالبة بالرحيل. واعتقد النظام، ومعه حزب الله والنظام الإيراني والحليف الروسي وآخرون، أن القمع العسكري كفيل بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة. ومن حين إلى آخر، اعتقد النظام وحزب الله أنهما في طريقهما نحو الحسم. وما أكثر التبجّح الذي شاهدناه وسمعناه في هذا المجال. ولكن الأمور قد تغيّرت راهناً، وهي مرشّحة للمزيد من التحوّلات المتسارعة، والمعطيات جميعها تؤكد أن حزب الله قد ورّط نفسه والطائفة ولبنان في لعبة مكلفة جداً، لعبة أفقدته الاحترام والهيبة والشعبية والتعاطف، وأصبح مجرد حزب يدّعي أنه حزب الله، تماماً كما يدّعي «داعش» أنه دولة الخلافة الإسلامية، أي دولة الله.

 

٧ آب … المحترم
النهار/نبيل بومنصف/5 آب 2015
لن نتوقف عند جانب الإثارة وشد الأنظار الى جلسة مجلس الوزراء اليوم واعتبار ما بعدها ليس كما قبلها، هذه العبارة صارت من ابتذالات السياسة في لبنان. نسأل فقط ماذا بقي من حكومة تحمل صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة قسراً ما دام مفهوم الحكم الذي يحاصرها يحول جلساتها عنوان إثارة لمخاوف الناس وما هي القيمة الفعلية والواقعية للملفات الخلافية الشاغلة أبطال التصعيد والتعطيل امام حقيقة أزمات اللبنانيين؟ قد يبدو تساؤل كهذا ساذجاً في ظاهره ولكن الامعان في جعل مواعيد الجلسات الحكومية محطات تجويف منهجي للنظام يستحق العودة الى مربع بدايات الأزمة التي حوصرت فيها الحكومة والبلاد. لم تعد التعيينات الامنية والعسكرية ولا آلية عمل مجلس الوزراء سوى عنوان قتل للوقت الضائع في عصر الفراغ الرئاسي الذي سيمتد ويتمدد بعد طويلا وطويلاً. لا حجة الفريق العوني المهاجم تقنع أحداً بأحقيتها وتجردها، ولا حجج الفريق الخصم تنجح في الدفاع عن المنطق الدستوري. هاكم المعركة المتصاعدة مجدداً بين رئيس المجلس والزعيم العوني. كم أقنعت وتقنع اللبنانيين بأنها معركة ذات افق دستوري حقيقي وليست عارضاً من عوارض الصراعات على ملفات السلطة؟ ثم ان ازمة التعيينات نفسها، وان كان الفريق المهاجم يطرحها في اطار مبدئي صحيح مناهض للتمديد، كم بقي من صدقيتها بعدما قضى على هذه الصدقية الطابع العائلي والشخصي المضاف الى تعطيل الاستحقاق الرئاسي؟ وكم بقي في المقابل لدى أطراف التمديد من صدقية ما داموا لا يرفعون سوى التمديد نهجاً مستسهلاً في سائر نواحي الاستحقاقات؟ يصادف ان تتزامن الجلسة الحكومية اليوم والمخاوف من قطوع في الشارع مع ذكرى القمع السلطوي زمن الوصاية السورية وعهد أميل لحود في واقعة ٧ آب ٢٠٠١ الشهيرة. هي محطة توجب الصراحة المطلقة احتراماً لتضحيات شباب لبناني شجاع زج آنذاك بالمئات منهم في السجون في معركة حريات وسيادة مشرفة وكاملة المواصفات. ولذا نقول، ان هذا التزامن يفاقم فينا الاسى على ما آلت اليه عناوين المعارك الوطنية الكبرى وسط هذا المعترك الجاري في الصراع على السلطة. انحدرت القضايا الحقيقية وتهاوت، ولا يقنعنا أحد بان هذا الصراع المهدد للنظام والمجتمع وسط انهيار الطبقة السياسية برمتها سيأخذ لبنان يوماً الى “تحرير” داخلي وخارجي جديد من أخطار سقوط الدولة هذه المرة، فيما تتمزق بقايا نادرة من هيكل الدولة بقصد او تعمد لم يعد يحتاج الى إثباتات وأدلة وقرائن. ولعلها مفارقة مفجعة ان تسقط الدولة في هذه المعارك الصغيرة على مغانم السلطة بعد طول صمود أمام الأخطار الكبرى منذ ٧ آب وقبله وبعده ولا من يقف لوهلة أمام مجرد مراجعة خاطفة الى الوراء والامام سواء بسواء.

 

بالعربي الدارج، عيب أن نقبل العيش بالزبالة
ميشيل تويني/النهار/5 آب 2015
بالعربي الدارج، عيب أن نقبل العيش بالزبالة! عيب تصير روايح شوارعنا روايح كريهة وعيب الصيفية تتحول صيفية نفايات ولما يجي سايح منستحي قدامو من هيدا المشهد! هذه الكلمات بالعامية لنقول : عيب، عيب، عيب! عيب أن نتفرج! عيب أن نصبح قابلين بالزبالة!
أي كلمات عسانا نستعمل؟ أي لغة؟ أي طريقة لنقول للشعب، العار على الذين اوصلونا الى هذه الدرجة! عار علينا أن نقبل بكل شيء، بالاجرام والفساد وتعطيل المؤسسات وعدم انتخاب رئيس وعدم إجراء انتخابات نيابية، والآن نقبل بالعيش في القذارة من دون ردة فعل! نقبل أن نصبح متكيّفين مع الواقع المقرف ولا نقول كفى، ولا نثور ولا نغضب ولا نطالب بشيء! نتمشّى بين أكياس النفايات ونسبح في بحر قذر وننمّي الامراض لدى أولادنا ونسمح لهم بالمتاجرة بصحتنا وبتنفسنا، ولا حياة لمن تنادي! لماذا؟ لماذا اتخذنا قرار الرضوخ لهم، خصوصاً انه أصبح واضحاً أن العرقلة في ملف النفايات مقصودة لخلفيات وحسابات معينة، ولانهم لم يجدوا بديلاً يناسب مصالح الزعماء بتقسيم قالب الحلوى بينهم كما العادة! فملف النفايات ليس بالبريء، وتوقيته مقصود وعدم إيجاد الحلول أيضاً متعمد لانه يوم تختار الدولة مكباً أو اثنين أو ثلاثة بقرار حاسم لا أحد يمكنه الوقوف في وجهها. فالمصلحة العامة أهمّ من اعتراض بعض السكان، لأن من الطبيعي أن يعترض البعض عندما تختار الدولة منطقة، لكن إذا كان الخيار الأنسب والأقل ضرراً، فعلى الجميع الرضوخ لأمر الحكومة وتنفيذ قراراتها للمصلحة العامة! لكن ما يجعلك تثور وتغضب هو الرضوخ للأمر الواقع والصمت على هذا المشهد المثير للاشمئزاز! الى متى نسكت؟ الى متى نرضخ؟ الى متى نقبل من دون أي ردة فعل؟ نشعر بالقهر حتى من أنفسنا حين نرى اللبنانيين الذين انتفضوا على جيوش محتلة ووصايات وسلطات قامعة وأسقطوها جميعاً صاروا اليوم خانعين ومستسلمين لهذه الازمات التي تنتهك أبسط حقوقهم الطبيعية في بيئة نظيفة وخدمات الحد الادنى للمواطن. عار وألف عار على كل لبناني أن يقبل بهذا الوضع. عار على كل منا ألا ينزل الى الشارع ولا يخرج منه إلا بحلّ جذري للنفايات! فكيف لنا أن نطمح الى طبقة حاكمة مختلفة ونحن راضخون لصفقاتهم ولقراراتهم؟ كيف لنا أن نتذمر من الأمر الواقع ونحن لا نساهم في تغيّره؟ كيف لنا أن ننتقد الوضع ونحن تحولنا مشاهدين يتفرجون يومياً على مسرحية مبرمجة وهم راضون من دون أي ردة فعل؟ عارعلينا! وألف عار على رأي عام يثور لدقائق على مواقع التواصل الاجتماعية لقضايا سخيفة، ولا يثور لمصيره ومستقبله وسلامته وصحته، ولا يتحرك أمام فضائح الفساد التي تأكل حقوقهّ! ماذا ننتظر؟ ألم يحن الوقت لكي يطفح الكيل؟