النفايات وجهاد العرب والأسعد وجنبلاط والجميل: فتش عن المال/نهاية العالم وِفق سوكلين

544

النفايات وجهاد العرب والأسعد وجنبلاط والجميل: فتش عن المال

النفايات

فاحت رائحة الفساد وبان عجز الدولة، فُضحت أسرار الصفقات والسرقات وأصبح البازار والتناتش لتقاسم قالب الجبنة بين القوى الساسية على المكشوف ومن دون خجل. كل هذا وأكثر برز في الأسبوعين الماضيين منذ بدء فضيحة النفايات التي يعيشها اللبنانيين. فما علاقة النائب وليد جنبلاط والنائب سامي الجميل والمقاول جهاد العرب ورجل الأعمال رياض الأسعد وغيرهم في هذا الملف؟

أسبوعين وأكثر تغيّرت فيها معالم العاصمة ووجه لبنان السياحي، فمن عروس الشرق إلى مقرًا للنفايات، هواء بيروت أصبح ملوثًا ومصدرًا للأمراض… هذا الحال لا يقتصر على بيروت فهذه  المعاناة تعيشها أكثر من 300 بلدة لبنانية منذ إقفال مطمر الناعمة وانتهاء عقد شركة سوكلين.

ما يحصل في لبنان اليوم تسقط من أجله حكومات في البلدان المتطورة، ولكن اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف النفايات الصلبة لم تتوصل حتى اليوم إلى أي نتيجة أو حلّ، وبالتالي الأزمة مستمرة للأسبوع الثالث. فمن المسؤول؟ ولماذا لم تحلّ الأزمة طوال الأشهر الماضية؟ مع العلم أنّه معروف لدى كل الأطراف ومن قبل وزير البيئة أنّ أهالي الناعمة سيقفلون المطمر وأنّ عقد سوكلين سينتهي في 17 تموز.

مراقبون متابعون لهذه الأزمة أكدّوا أنّ كل ما يحصل اليوم هو نتيجة لعدم اتفاق الأطراف السياسية على تقاسم الحصص في ملف النفايات. فمنذ أسبوعين برزت أسماء عديدة إلى الواجهة ارتبط اسمها بملف النفايات، أبرزهم النائب وليد جنبلاط والمقاول جهاد العرب ورجل الأعمال رياض الأسعد، والنائب سامي الجميل إضافةً إلى شركة سوكلين.

سامي الجميلمؤتمران صحفيان أطلّ خلالهما النائب سامي الجميل، هاجم كل القيمين على ملف النفايات وطلب من القضاء محاسبة سوكلين، إضافةً إلى نشر موقع الكتائب اللبنانية مقالاً بعنوان «الأسعد يسقط قناع سوكلين وبازار النفايات»، ما يطرح عدّة علامات استفهام حول هذه المواقف خصوصًا أنّ حزب الكتائب ممثل في الحكومة اللبنانية والبرلمان، وبما أنّ هذه الأزمة معروفة مسبقًا من قبل الأطراف، فلماذا لم يطل النائب سامي الجميل أو أحد نوابه أو وزرائه ليحذّر مما وصلنا إليه اليوم؟

مصدر متابع رأى في حديث لـ«جنوبية» أنّ موقف رئيس حزب الكتائب النائب سامي جميّل هو «موقف شعبوي، ويستطيع اتهام سوكلين بما يشاء لأنّه لا يستفيد منها كما الكثير من القوى السياسية»، أو أنّ النائب سامي الجميل «يقوم بابتزاز سوكلين من أجل استدراج عقود من تحت الطاولة كالكثير من القوى السياسية». وأبرزهم «التيار الوطني الحرّ» الذي هاجم شركة سوكلين لسنوات بينما اليوم لم نسمع من أي نائب او وزير عوني أي انتقاد لسوكلين وذلك لأن هناك عقدّا بقيمة مليوني دولار أبرمته سوكلين مع شركة «كليمنتين» وهي شركة إعلانات تملكها زوجة وزير الخارجية جبران باسيل.

وأكدّ المصدر أنّ سوكلين هي شركة خاصة وبالتالي هدفها الربح، ومن المؤكد أنّها عملت طوال هذه السنوات بموافقة جميع القوى اللبنانية، فهي تبرم العقود وتفيد الجميع لكي تستمر في العمل.

وفي هذا السياق ذكرت إحدى الصحف اللبنانية أنّ غرق شوارع لبنان بالنفايات سببه تجاذبات بين «جنبلاط وميسرة سكّر على خلفية رغبة الأول في امتلاك 50 % من أسهم شركة سوكلين والإمساك بإدارتها».

رياض الاسعد بينما علّق صاحب «شركة الجنوب للإعمار» رياض الأسعد عبر صفحته على الفايسبوك «ميسرة أو تغرق بيروت والضواحي بالزبالة. القصّة قصّة الصندوق الأسود ونهايته». يذكر أنّ رياض الأسعد اجتمع أكثر من مرّة مع النائب وليد جنبلاط وأعدّ دراسة لحلّ أزمة النفايات على أساس تقنية الـRDF، وذلك في عقار يملكه جنبلاط في بلدة سبلين، إلاّ أنّه وبحسب تصريح الأسعد لـ جريدة «الأخبار» رفض جنبلاط  تبني أي اقتراح إلا بعد العودة للرئيس نبيه بري والرئبس سعد الحريري.

كذلك تردد في الأيام الماضية اسم المقاول جهاد العرب كثيرًا على مسامع اللبنانيين، فما علاقته اليوم بأزمة النفايات؟
جهاد العرب هو صاحب «شركة الجهاد للتجارة والتعهدات»، برز اسمه في ملف النفايات منذ أشهر مع دخوله في المناقصات، التي أعلنها مجلس الإنماء والإعمار في 5 شباط الماضي.

تصنف «شركة الجهاد للتجارة والتعهدات» من بين الشركات المؤهلة لدى مجلس الإنماء والإعمار لتنفيذ المشاريع التي تتجاوز قيمتها ١٠ ملايين دولار أميركي. لكن الشركة لا تمتلك أي خبرة في قطاع إدارة النفايات الصلبة، باستثناء التلزيم من الباطن من مجموعة SUEZ الفرنسية، التي فازت بعقد إعادة تأهيل مكبّ صيدا العشوائي لمصلحة وزارة البيئة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واقتصر دور «شركة الجهاد» في هذا المشروع على نقل الردميات من المكبّ لردمها داخل الحوض البحري، الذي أقامه مجلس الإنماء والإعمار بالقرب من المكبّ.

وفي عام ٢٠٠٧ تولت الشركة تنفيذ جزء من أعمال المرحلة الثانية من المخطط التوجيهي لسوليدير التي تتضمن تنفيذ أعمال معالجة جميع النفايات الباقية في مكب النورماندي. وهناك  محاولة اليوم لتقديم جهاد العرب على أنه البديل من سوكلين وهو أقرب أكثر من الباقين إلى سعد الحريري.

كل ما سبق إضافةً إلى علامات الإستفهام الكثيرة التي تحوم حول شركة سوكلين، وأهمّها حول كلفة العالية جدًا التي تدفعها الدولة لسوكلين مقابل الكنس والنقل والطمر، هذا كله يظهر أنّنا أمام أزمة «نفايات سياسية» وخلاف حول توزيع الحصص، فالجميع يسعى إلى تكبير حصته والإستفادة على حساب المواطن.

 كمال ريشاوتعليقًا على ما نشهده اليوم من تراشق للتهم، وأزمة يبدو أنّ حلّها ليس بقريب، رأى الصحافي كمال ريشا في حديث لـ «جنوبية» أنّ «أزمة النفايات اليوم هي شأن لبناني عام وليست أزمة بيروت أو إقليم الخروب… ففي كافة الأراضي اللبنانية لا يوجد منطقة واحدة تطمر نفاياتها بطريقة علمية وعصرية صحيحة فأغلب المناطق اللبنانية تصرّف نفاياتها بطريقة عشوائية. لذلك نحن اليوم لسنا بحاجة إلى حل لمحافظتي بيروت والجبل بل نحن بحاجة إلى خطّة تشمل كافة مناطق لبنان».

وذكّر ريشا أنّ «هناك حكومتين فقط طرحتا حلّ لأزمة النفايات في لبنان هما حكومتا الحريري الأب والأبن، ولكن عندما طرح الرئيس رفيق الحريري حلاً لأزمة النفايات واجهه حينها النظام السوري والرئيس إميل لحود واتهموا الرئيس فؤاد السنيورة بالسرقة وأصدروا مذكرة توقيف بحق محافظ جبل لبنان آنذاك سهيل يموت وغيرهم من الأسماء التي لها علاقة في الملف. وقد أقفل الملف حينها نهائيًا. وفي حكومة الرئيس سعد الحريري اتخذ قرار بإنشاء محرقة لحلّ أزمة النفايات في كل لبنان إلاّ أنّ القرار لم ينفذ من قبل الحكومات التي أتت من بعده. إذًا لا يجوز رمي التهم عشوائيًا وتحميل تيار المستقبل نتيجة الأزمة التي وصلنا إليها».

ولفت ريشا إلى أنّ «طرح وليد جنبلاط ورياض الأسعد في سبلين هو حلّ بيئي ويمكن الإستفادة من تقنية RDF، في توليد الطاقة الكهربائية، وإعادة الجبال التي أكلتها الكسارات والتشجير…ولكن علينا قراءة هذه الطروحات بهدوء». والمسؤولية بحسب ريشا تقع على الحكومة اللبنانية والوزير المختص أي وزير البيئة محمد المشنوق، وبحسب ريشا «لا يمكننا رشق التهم فلو الدولة وضعت دفتر شروط ببنود واضحة، وإدارة تراعي الشروط الصحية والبيئية والعالمية والعلمية فالجميع له حق التقديم الى المناقصة والإستثمار طالما هو يتقيد بالشروط. وكذلك كان على الوزير محمد المشنوق أن يقدم الحل فكان لديه وقت كاف لذلك». وختم ريشا «حتى الآن لا يوجد أي شركة تقدّمت إلى المناقصة من ضمنها شركة سوكلين لأنّه على الدولة أن تؤمن أرضا لطمر النفايات وهذا ما يتعذر حاليًا، لذلك يبدو أنّ الحل بعيد المدى حاليًا».وهذا ما وافق عليه الصحافي شارل جبّور بأن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة، ورأى أنّ «ما حصل هو نقطة سوداء بحق الحكومة التي لم تستدرك المشكلة وتحلّها قبل أن نصل إلى هذه الكارثة البيئية والصحية. فلو أحسنت التصرف لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم». وأضاف جبور: «كذلك القوى السياسية دون استثناء تقع عليها المسؤولية، فكل مكونات الحكومة التي لم تعمل على حلّ الأزمة قبل وقوعها».

نهاية العالم وِفق سوكلين
سامر فرنجيّة/الحياة/02 آب/15
بدأت مكعّبات النفايات تتقيأ الأكياس، واحد تلو الآخر، ببطء وعناد وثقة. طنٌ بعد طنٍ، امتدّت الزبالة لتحتل شوارع وأزقة وأرصفة المدينة وتستعيدها من مقاولي عراقة المستقبل. بدأ الاحتلال بكيس واحد ظهر خارج مكعّبه، مرمياً على جانب الطريق. لم ينتبه القيمون على المدينة إلى هذا الكيس – الطليعة، واستمرّوا في ألاعيبهم. ثم لحق به آخر وأخذ موقعه على زاوية شارع، واختبأ الثالث بين سيارتين مركونتين يراقب المارة. ازدادت إشارات نهايات العالم، لكنّهم لم يصدّقوا، فأجّلوا جلستهم وآليتها المعطّلة. بدأت الرائحة «تهف» في الشوارع وإذ انفلقت الزبالة كدرج ملتف، مزحزحةً كل شيء من موضعه، فُتِح الختم السادس، وجاء يوم غضب الزبالة العظيم. حاولوا تجاهلها بداية، غير أنّ رائحة الكبريت تغلغلت إلى غرف نومهم. ثمّ طمسوا القمامة تحت أغطية زرقاء لعلّها تضبط امتدادها. فأكلت الزبالة الأغطية وحوّلتها إلى مواد إضافية انضمّت إلى زحفها اللا-متناهي. رُفِعت جدران من تنك لتحمي مداخل المباني، فإذا بالنفايات تغلق الشوارع عليهم. قرر البعض طمرها وهي ما زالت حية، فعادت برازاً في طعامهم غير المطابق، وجاء وزير ليتّهمهم بأنّهم أكلة براز. ومع اشتداد اليأس، رموها في البحر، فحاصرت شواطئهم المخصخصة. في لحظة الذعر هذه، لم يجدوا خياراً آخر إلاّ الحرق، فعادت سرطاناتٍ في أجسامهم. اكتشفوا أنّ الزبالة قوة لا تقهر، وهي آخر ممثل عن التاريخ في عصر ما بعد التاريخ، تتقدّم كـ «الملاك الجديد»، تدفعها العاصفة غصباً نحو مستقبل فقد عراقته، ووجهها متوجه نحو الماضي يراقب تكديس الأكياس التي تلقى أمام قدميها. هذا هو التقدّم، ولا مفرّ منه. في لحظة الحصار هذه، بدأوا ينظرون بعضهم إلى بعض. ظهرت أوراق على الجدران ترجو آخر مبهماً عدم رمي النفايات في مداخل المباني، غير أن الزبالة لم تقرأها واستكملت طريقها إلى بيوتهم. بدأوا يمارسون نفيها، واحدهم عند الآخر، في أمكنة سرية تحت غطاء الليل. قُطِعت الطرقات على زبالة الآخر، وظهرت الخطوط الحمر، وباتوا كالكلاب الجائعة ينهشون بعضهم البعض، والنفايات تمتدّ قريباً منهم، كيساً تلو الآخر. تقطعت خطوط الهاتف نتيجة الحرائق وسقط المطار وانقطع الطحين وتسارعت التظاهرات وانحل العقد الاجتماعي وسقطت «المدينة العريقة للمستقبل» أمام المناطق، بعدما سقطوا هم أمام عراقتها. بدأ التقسيم من تحت، وانهارت الكذبة أمام الزبالة. فالمكبوب، كالمكبوت، دائماً يعود.
خاف ملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حر وأخفوا أنفسهم عن وجه الزبالة وغضبها العظيم. لكنّها في كل مكان، في مطابخهم وحمّاماتهم وغرف أطفالهم. من استطاع منهم فرّ من البلاد. من بقي هدد بأن يأخذ حقه بيده، أمّا رئيس الشركة، فحاول توضيح الأمور. غير أنّ الزبالة استمرت في الامتداد غير آبهة بشهدائهم واجتماعاتهم المفتوحة واستقالاتهم وحقوقهم. جاء يوم الحساب، وبدأت الفواتير بالاستحقاق. اعتقد البعض أنّ فاتورة الكهرباء أو الفوائد المصرفية ستأتي أولاً. وأمـل البعض بأن الحرب القادمة ستعفيهم من الاستحقـاق، أو اكتــشاف حقــول نفط تـمنعهم من الدفع. غير أنّ الزبالة سبقتهم. فاعترفوا بفسادهم وطالبوا بالغفران، متذرّعين بضرورة حل المشكلة الآنية قبل المحاسبة. بيد أنّ الزبالة لم تعد تقبل أنصاف الحلول، أو حتى الحلول. واستمرت في التقدّم بصرامة حسابية. ما يسحب من الشوارع يجب تفريغه في مكان. لم يجد ملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء إلاّ بضعة ملائكة بلباسهم الأخضر ليختبئوا وراءهم كخط دفاع أخير في وجه فاحص الكلى والقلوب. غير أنّ مكانسهم وفراشيهم الهزيلة لم تنجح إلاّ في تأخير مدّ الجراد الخارج من بئر الهاوية لبضع دقائق. فاستسلم الملائكة بثيابهم الخضراء، واستراحوا حتى تستكمل عملية قتل إخوتهم العتيدين. كان القتل يفترض أن يأتي على يد حروب أفضلية المرور، غير أنّ القمامة أعادت الأمور إلى نصابها، واستبدلت القتل بعملية إعادة تدوير معممة. البيئة لا تحتاج إلى دفاع، باتت مضطرة إلى الهجوم، وغضبها عظيم. في هذا الوقت، استمرّت الزبالة بالتمدّد، كقوة عقلنة، لا تقبل المساومة والمفاصلة والتوافق. واجهها المسؤولون بتلاعبهم المعتاد، فرفعوها من شارع ليضعوها في آخر وأفرغوا الجبال ليعيدوا تعبئتها بالنفايات. غير أنّها كشفت غشهم واستكملت التأديب العقلاني، غير آبهة بيأسهم. نجحت الزبالة في فرض تحديثها بعد زبالة التحديث التي سيطرت على القرن الفائت، أو على الأقلّ، نجحت في فضح ثمن التلاعب مع شروط الحياة الحسابية. خاف من تدرّب على السياسة في ظل زبالة التسعينات، وطالب بالموت. غير أنّ الموت هرب منه. دائرة إعادة التدوير باتت قصيرة جداً، لكنّها ما زالت دائرة، وعليهم الدوران حول نفاياتهم لخمسة أشهر. اعتقد البعض أنّ اختلاط الواقع بالخيال إحدى إشارات وصول الأمور إلى القعر. وإذا بنا نكتشف أنّ تحت القعر مستويات من العذاب، يختلط فيها الواقع بالرمزي. فعندما تصبح الإشارات الرمزية مرمية على أطراف الشوارع، لا يعود لنهاية العالم معنى. لسوء الحظ.