خيرالله خيرالله: عن التصعيد الإيراني في لبنان والبحرين/محمد شومان: السيسي يرتجل خطبه ليقترب من جمهوره/فايزة دياب: قطع طريق الجنوب سياسي ضد حزب الله أم مطلبي ضد النفايات؟

311

قطع طريق الجنوب سياسي ضد حزب الله أم مطلبي ضد النفايات؟
فايزة دياب/جنوبية/ الثلاثاء، 28 يوليو 2015
مع استمرار أزمة النفايات في بيروت وضواحيها للأسبوع الثاني على التوالي، كان للحكومة اللبنانية ووزير البيئة محمد المشنوق اقتراحات من أجل إزالة النفايات التي ملأت شوارع العاصمة ونقلها إلى مطامر مؤقتة. وآخرها اقتراح إنشاء مطمر في اقليم الخروب، ما استدعى ردّة فعل شاجبة من قبل أبناء المنطقة. تعددت الإقتراحات بين منطقة وأخرى من قبل المعنيين لنقل النفايات، من صيدا إلى البقاع وصولاً إلى عكار ومرورًا بإقليم الخروب من دون وضع خطة مدروسة وعلمية تطمئن أهالي هذه المناطق على صحتهم وصحة أبنائهم. فما كان واضحًا للجميع أنّ نقل النفايات وطمرها سيتم بطريقة غير علمية وبالتالي ستشكل خطرًا صحيًا وبيئيًا. لذلك كان من الطبيعي أن تواجه هذه القرارات والحلول العشوائية التي يقترحها وزير البيئة، من قبل اهالي البلدات التي زجّ اسمها في الملف كحل مؤقت. ومن بينها بلدات إقليم الخروب التي وصلتها مساء السبت أخبار بأن هناك قرارا اتخذ بنقل نفايات بيروت إلى عقار يملكه رجل الأعمال جهاد العرب في بلدة سبلين، فهبّ أهل برجا والجية وسبلين وكترمايا.. وأقفلوا الأتوستراد الساحلي الذي يربط بيروت بالجنوب من الإتجاهين منعًا لوصول أي شاحنة إلى بلداتهم. أهالي الإقليم انتفضوا خوفًا على صحتهم وصحة أبنائهم من مصدر جديد للتلوث في منطقتهم يضاف إلى معمل سبلين وكهرباء الجية، اللذان ينفثان يوميًا السموم في سماء الإقليم. وهو ما اعتبره العميد المتقاعد أمين حطيط “مؤامرة ضدّ حزب الله ينفذها أهالي الإقليم بأمر من النائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري”، فكتب على فيسبوك: «قطع طريق الجنوب كما يبدو ظاهره صراع بين جنبلاط والحريري على حصص في النفايات والنفوذ في الاقليم وردّ من جنبلاط على زيارة سمير جعجع للسعودية، وردّ من الحريري على مشاكسات جنبلاط هذا في الظاهر لكن يبدو حقيقته وخلفيته ابعد من ذلك وتعاكسه حيث يبدو أنه مناورة اتفاقية احتيالية بين الفريقين لاختبار قدرتهم على قطع طريق الجنوب وجس نبض الجنوبيين عامة والمقاومة خاصة لمعرفة ردة الفعل وحدودها فالامر يتصل بالتحضير لمواجهة قائمة تخشى منها السعودية في لبنان تكون بداياتها مع استقالة الحكومة ثم التعطيل و الفوضى التي قد تقود الى مؤتمر تأسيسي يطيح بالطائف وبالحكم السعودي في لبنان …المسالة ظاهرها نفايات وباطنها صراع اقليمي حول لبنان وموقعه الاستراتيجي …و احمق من يختبر القوي في ميدانه وقوته في الوقت الذي لا يملك فيه قوة على اتقاء ردة الفعل … لكن السعودية عودت العالم على القرارات الحمقاء والخيارات الاستراتجية الخاسرة فكما فعلت في اليمن وخسرته يبدو انها تفعل في لبنان وهي على طريق الخسارة فيه».
كلام العميد حطيط، وهو شخصية محسوبة على خط 8 آذار، ربط لهذا التحرّك الاحتجاجي المطلبي بالصراعات الإقليمية في المنطقة. ومن أجل الاستطلاع واعادة التأكّد من حقيقة ما كتب، اتصلنا بالعميد أمين حطيط، فأكدّ أنّ موقفه الذي أصدره بما يتعلق بإقفال الأتوستراد الذي يربط بيروت بالجنوب هو «صادر عن قناعات ومعطيات حصلت عليها»، وتساءل عبر «جنوبية»: «لماذا تمّ قطع الأتوستراد ولم تقطع طرق مداخل البلدات؟» وأكدّ أنّ «لهذا التحرك ظاهر وباطن، فلو كان ظاهره مطلبيًا، فباطنه هو كما جاء في التحليل».
إذًا حطيط أصرّ على موقفه بأنّ اقفال طريق الأتوستراد هو «جس نبض الجنوبيين عامة والمقاومة خاصة لمعرفة ردة الفعل وحدودها». لكن جولة ميدانية وفيسبوكية على أجواء تحرّك أبناء الإقليم، الذين قطعوا الطرق اعتراضًا على نقل النفايات إلى بلداتهم تُدحض نظرية العميد حطيط كليًا. فقد أكّدت عضو بلدية برجا فاطمة الخطيب في حديث مع «جنوبية» أنّ «التحرك كان ضدّ نقل النفايات وطمرها في سبلين، وليس ضدّ أهالي الجنوب أو بيروت، هؤلاء الناس الذين نزلوا الى الشارع بمختلف انتماءاتهم عبروا عن غضبهم بتحرك سلمي وديمقراطي».
وبحسب أحد المشاركين، وهو رفض ذكر اسمه لـ”جنوبية”، فإنّ «أهالي برجا والجية وسبلين وكل بلدات الإقليم نزلوا الى الشارع في رد فعل عفوي، قطعوا الطرق يدًا واحدة دون الدخول بزواريب السياسة لأنّ مصلحتهم واحدة وخوفهم واحد. فعلى الأرض لا أوامر من تيار أو حزب سياسي، القرار كان واضحا وهو منع وصول أي شاحنة محملة بالنفايات إلى أي بلدة من بلدات الإقليم، وفتح الطريق مرتبط بوعود بعدم تحويل منطقتهم إلى مطمر للنفايات». أمّا عن انتماء الشباب السياسي فيؤكد المصدر أنّ المشاركين ينتمون إلى كل الأطراف السياسية: شباب تيار المستقبل، والحزب التقدمي الإشتراكي والجماعة الإسلامية وكل الأحزاب. إضافةً إلى من لا ينتمون إلى أي حزب. وكان من بين المنتفضين من حملوا مسؤولية اتخاذ قرار طمر النفايات في سبلين إلى تيار المستقبل والحزب الإشتراكي. كل ما سيق يظهر أنّ ما حصل في الإقليم ليس مخططًا سياسيًا، ولا علاقة له بالصراع القائم إن في لبنان أو في المنطقة… ما حصل هو تحرّك شعبي عفوي من أجل مطلب إنساني محق يتعلّق بصحّة القاطنين الآمنين في المنطقة.

 

عن التصعيد الإيراني في لبنان والبحرين..
خيرالله خيرالله/المستقبل/29 تموز/15
كان ملفتا الخطاب التصعيدي للأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله الذي أكّد فيه أن لا تغيير في الوقف الإيراني من الحزب. قال نصرالله، في أول ظهور له بعد توقيع الإتفاق بين ايران و»الشيطان الأكبر» في شأن ملفّها النووي «أنّ علاقات ايران مع حلفائها تقوم على أرضية عقائدية تسبق المصالح السياسية (…) الولايات المتحدة (هي) الشيطان الأكبر قبل الإتفاق النووي وبعده». هذا التصعيد كان تصعيدا يخصّ الداخل اللبناني وفحواه أنّ «حزب الله»، بصفة كونه ميليشيا مذهبية مسلّحة، ليس حكما. يقول صراحة أننا «لسنا وسطاء». يكشف نصرالله مرّة أخرى أنّ «حزب الله» ليس سوى قوّة إحتلال في لبنان، قوّة تسعى، ظاهرا، إلى لعب دور المتفرّج بهدف إظهار النزاع في البلد نزاعا سنّيا ـ مسيحيا وليس نزاعا بين الحزب ـ الميليشيا من جهة واللبنانيين المتمسكين بثقافة الحياة من جهة أخرى.
في اساس النزاع، بل في اساس الأزمة اللبنانية، السلاح غير الشرعي الذي تستقوي به ايران على اللبنانيين وعلى مؤسسات دولتهم. كان لا بدّ من التصعيد لتغطية ما قامت به ايران والذي يختزل بصفقة، بكل ما في كلمة صفقة من معنى، مع الإدارة الأميركية. تخلت ايران بموجب الصفقة، التي لم تكن اسرائيل بعيدة عنها على الرغم من تظاهرها بمعاداتها، عن برنامجها النووي بجانبه العسكري. في المقابل، حصلت ايران على رفع تدريجي للعقوبات الدولية. يمكن لرفع العقوبات أن يعود عليها، في حال إلتزمت الإتفاق، بنحو مئة وخمسين مليار دولار هي في أشدّ الحاجة إليها للخروج موقتا من أزمتها الإقتصادية… مثل هذا الكلام الصادر عن الأمين العام لـ»حزب الله»، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، موجّه قبل كلّ شيء إلى مناصري الحزب في لبنان. هؤلاء يشاهدون بأمّ العين سقوط عدد كبير من القتلى من أبنائهم في الحرب السورية التي يخوضونها بطلب مباشر من طهران، فيما يحتفل المواطنون الإيرانيون بالإتفاق الذي تمّ التوصل إليه مع المجتمع الدولي، مع الأميركيين تحديدا. يصرّ نصرالله على أنّ أميركا ما تزال «الشيطان الأكبر»، فيما الشعب الإيراني في حال عشق وغرام مع اميركا.
إنّه منطق اللامنطق يلجأ إليه حسن نصرالله لتبرير إتفاق أميركي ـ إيراني شكّل في نهاية المطاف محاولة جدّية قام بها النظام في طهران من أجل إنقاذ نفسه من جهة والحصول على شرعية من «الشيطان الأكبر» من جهة أخرى. في النهاية، أين مشكلة الولايات المتحدة في سقوط مزيد من الشبّان اللبنانيين في سوريا خدمة لنظام أقلّوي يسعى إلى إلغاء سوريا والشعب السوري؟
هل يهمّ مستقبل سوريا الإدارة الأميركية…أم كلّ همها محصور في طمأنة اسرائيل إلى طبيعة البرنامج النووي الإيراني وإلى أنّه لا يمكن أن يشكّل أي تهديد لها في يوم من الأيّام؟
منطق اللامنطق ينطبق في الوقت ذاته على تصرّفات ايران نفسها التي تسعى إلى طمأنة الذين راهنوا عليها في مملكة البحرين، من منطلق مذهبي بحت. حسنا فعلت مملكة البحرين عندما إستدعت سفيرها في طهران بعد إكتشاف مجموعة تسعى إلى تهريب كمية كبيرة من المتفجرات والأسلحة إلى المملكة. حسنا فعلت عندما ندّدت المنامة بما يصدر من كلام عدائي للبحرين عن كبار المسؤولين في ايران. صحيح أنّ ايران تستفيد من التجاذبات الداخلية في البحرين، وهي تجاذبات حالت دون تمكين المملكة في يوم من الأيّام من عرض قضيتها بشكل منصف يليق بالإصلاحات التي تحقّقت، لكن الصحيح أيضا أنّ الإدارة الأميركية لم تدرك يوما هي حقيقة الوضع في البحرين. لم يكن من همّ أميركي سوى التعاطي مع البحرين بشكل سطحي، بما يعطي فكرة عن مدى جهل إدارة اوباما بشؤون الشرق الأوسط والخليج.
أين مشكلة ايران عندما تسمح لنفسها بالتدخل الوقح في الشؤون الداخلية للبحرين، ما دامت إدارة أوباما قرّرت الوقوف موقف المتفرّج التهديدات التي تتعرّض لها الدول الخليجية؟ على الرغم من كلّ التحديات التي تواجه لبنان، حيث تمنع ايران إنتخاب رئيس للجمهورية وتصرّ في الوقت ذاته على خلق مشاكل ومتاعب للحكومة التي يرأسها تمام سلام عبر أدواتها المعروفة، لن يكون الوطن الصغير لقمة سائغة. يستطيع حسن نصرالله التصعيد مقدار ما يشاء. ما لا يستطيعه هو هزيمة لبنان واللبنانيين وذلك بغض النظر عن كل الجهود المبذولة من أجل جعل البؤس ينتشر في كل بقعة لبنانية، خصوصا في بيروت الغارقة في النفايات. بالنسبة إلى البحرين، ليس ما يشير إلى أن دول الخليج العربي، على رأسها المملكة العربية السعودية، مستعدة للرضوخ للإملاءات الإيرانية بأيّ شكل. لم تستشر دول مجلس التعاون الولايات المتحدة عندما تدخلت في البحرين في العام 2011 بغية وضع حدّ للمارسات الإيرانية التي في اساسها الإستثمار في الغرائز المذهبية. لبنان يقاوم والبحرين تقاوم. البلدان الصغيران يقاومان المشروع التوسّعي الإيراني الذي يسعى في المرحلة الراهنة إلى جس النبض الأميركي في مرحلة ما بعد توقيع الإتفاق النووي. ما تتجاهله ايران هو أن شعب لبنان يقاوم مشروعها، نظرا إلى أنّه يعرف كم هو خطر عليه. الشعب اللبناني يدرك تماما خطورة سلاح «حزب الله» الموجه إلى صدور أبنائه العارية. اللبنانيون يدركون أن سلاح «حزب الله» هو سلاح ايراني قبل أي شيء آخر، كما إنّه سلاح مذهبي لا هدف له سوى تحويل لبنان مستعمرة ايرانية وذيل للهلال الفارسي الممتد من طهران إلى مارون الرأس في جنوب لبنان. لبنان لا يستأذن أحدا في مقاومته المشروع الإيراني. لا يستأذن لبنان «الشيطان الأكبر» ولا «الشيطان الأصغر». لبنان يقاوم لأن مصلحته في ذلك لا أكثر ولا أقلّ، وإن كانت هذه المقاومة تجتاز ظروفا في غاية الصعوبة والتعقيد. تتجاهل ايران أيضا أنّ البحرين ليست وحدها التي تقف في وجه المشروع التوسّعي الإيراني. كلّ العرب الشرفاء معها. دول الخليج معها. كذلك المغرب والأردن. لا إتكال في البحرين، لا على أميركا ولا على الدول الغربية. كلّ ما في الأمر أنّ ايران تختبر الإدارة الأميركية في المكان الخطأ.
عاجلا أم آجلا، ستكتشف ايران ما إذا كان عليها التصرّف كدولة طبيعية، أو على الأصحّ هل تستطيع ذلك. وهذا يعني، في طبيعة الحال، الإعتراف بأنّ مشروعها التوسّعي غير قابل للحياة. تستطيع تخريب المنطقة، بما في ذلك ايران. تستطيع خلق كل نوع من الإضطرابات. تستطيع التسبب في نشر البؤس في لبنان وفي تفتيت سوريا والعراق واليمن. تستطيع الرهان على سلاح الغرائز المذهبية والمتاجرة بالقدس وفلسطين والفلسطينيين. ولكن في نهاية المطاف هل تستطيع البناء؟ هل تستطيع البناء في ايران نفسها؟
ما يبعث على بعض التفاؤل أنّ ايران ما كانت لتقدم على ما أقدمت عليه، بتأخير ستة وثلاثين عاما، إلّا بعد إكتشافها أنّ ثورتها، التي كانت في العام 1979، في حاجة إلى إعتراف بشرعيتها من جهتين. من الشعب الإيراني ومن «الشيطان الأكبر». هل من إفلاس أكبر من هذا الإفلاس؟ لماذا على بلدين صغيرين مثل لبنان والبحرين دفع الثمن الباهظ لهذا الإفلاس؟

السيسي يرتجل خطبه ليقترب من جمهوره
محمد شومان/الحياة/29 تموز/15
يستخدم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الخطاب الرسمي المعد مسبقاً، لكنه لا يبدو راضياً عنه، فيأتي إلقاؤه للكلمات والخطب الرسمية بعيداً من شخصيته وعقله وروحه، وبالتالي يلجأ كثيراً الى النوع الثاني من الخطاب، وهو الخطاب الحر الطليق، الذي يرتجله، ليشارك الجمهور التفكير، ويتقاسم معه الهموم والأحلام والأمنيات الطيبة. وهنا نجد أن مستويات انطلاق الخطاب غير الرسمي للسيسي تعتمد على ما إذا كان الجمهور حاضراً أمام الرئيس أم لا، بمعنى أنه إذا كانت العلاقة غير مباشرة مع الجمهور، ومن خلال الكاميرات، فإن مستويات التدفق والانطلاق تكون أقل. وعموماً، فإن خطاب السيسي يجد نفسه في حضور الجمهور، وتظهر روحه الحقيقية عندما يرتجل ويتدفق، ويشرح ويوضح، وتتوافق تماماً لغة الجسد وتعبيرات الوجه وحركة اليدين مع الأفكار والصور التي يقدمها لجمهوره. فلدى الرئيس السيسي قناعة بأن قدرته على الخطابة المؤثرة تعتمد على الارتجال والحديث المباشر مع الجمهور، ربما نتيجة خبراته الطويلة الناجحة في الحديث المباشر كقائد عسكري إلى ضباطه وجنوده. في الخطاب الحر يرتجل السيسي ويعتمد على مفردات وعبارات عامية، تصل بوضوح الى الجميع، وتخلق جسوراً من الفهم والتماثل الاجتماعي والثقافي مع الجمهور المتلقي، سواء كان حاضراً في شكل مباشر، أو غير مباشر عبر شاشات التلفزيون. يستخدم السيسي عبارات عامية أصبحت من المفاتيح الخطابية المهمة التي تؤكد استمرارية نجاحه في التواصل مع جمهوره، وإن لم تخلُ من نزعة أبوية أو تعليمية أحياناً. ويمكن القول بغلبة اللغة العامية في كلمات وأحاديث السيسي الذي ينتقل في الخطاب الواحد بين الفصحى والعامية، حيث يميل دائماً إلى التوقف عن قراءة الكلمات المعدة سلفاً والارتجال، إما لتوضيح وشرح ما قام بتلاوته من عبارات ومفاهيم، وأحياناً لتقديم أفكار جديدة. هكذا يحرص الرئيس على الجمع بين الخطابين، المكتوب المقيد، وغير المكتوب الحر والطليق. يتنقل الرئيس بين الخطابين، ويفضل خطاب الارتجال، الذي يبدو فيه قريباً من لغة الجمهور، يستخدم كلمات وعبارات عامية بسيطة وواضحة، لا يتحدث إليهم، وإنما يتحدث معهم، ويشاركهم التفكير، وربما يكون بذلك أكثر قدرة على التأثير في مشاهديه ومستمعيه وأكثر قدرة على إقناعهم، لكن الارتجال أحياناً قد يؤدي إلى مبالغات، أو يصور العلاقة في بعض المناسبات على أنها علاقة وصاية من القائد الأب إلى الشعب أو الأبناء. يستخدم الرئيس السيسي الخطابين، الرسمي المكتوب، والحر الارتجالي، بطرق وصيغ مختلفة، ويراعي غالباً عدم التناقض في مضامين وتوجهات كل منهما، أي أنهما خطابان متكاملان باستثناءات محدودة. وهنا لا بد من تأمل الحقائق والسمات الخطابية التالية:
أولاً: أن السيسي ليس أول رئيس مصري يجمع بين الخطابين، فقد استخدمهما عبدالناصر والسادات بكفاءة، وعن مقدرة خطابية، بينما حرص مبارك على الالتزام بالنصوص المعدة سلفاً، والقراءة منها، والتقيد بما جاء فيها، مع استثناءات، كانت تفضح قدراته الخطابية المحدودة، وابتعاده عن المواطنين.
ثانياً: يمكن القول إن السيسي وصل ما انقطع من الأداء الخطابي لرؤساء مصر، ومنحه أسلوباً وسمات خاصة بشخصيته، وبالمرحلة الصعبة التي تمر بها مصر، وأضاف إليه سمات خطابية جديدة، فالرجل يستخدم العامية أكثر من الفصحى، ويعتمد استراتيجيات وأساليب خطابية جديدة خاصة به، وبالأوضاع الراهنة، والسياق التاريخي الذي تعيشه مصر، وبالأطراف التي يتوجه اليها بخطابه.
ثالثاً: من أهم الاستراتيجيات الخطابية الجديدة للسيسي المكاشفة وعدم الإفراط في تقديم الوعود، حيث يميل دائماً الى الحديث عن المشاكل والمشوار الصعب الذي ينتظر المصريين، وهي استراتيجية نادراً ما استخدمها رؤساء مصر السابقون، وأضاف السيسي استراتيجية جديدة هي الاعتذار للشعب أو لبعض الفئات والأشخاص، وهي استراتيجية مؤثرة لدى قطاعات واسعة من المصريين، لأنها تؤكد لهم تواضعه وبساطته. وفي إطار التجديد الخطابي للسيسي أضاف أساليب إقناعية جديدة أهمها القسم بالله، والأسلوب العاطفي الهادئ البعيد من الانفعال، فلم يرفع السيسي صوته كي يهدد أو يؤكد معنى من المعاني، إلا في مواقف محدودة للغاية.
رابعاً: في مقابل عناصر التجديد الخطابي لدى السيسي، هناك استخدام لأغلب الاستراتيجيات الخطابية، والأساليب الإقناعية المتعارف عليها في الخطابات السياسية ولدى السياسيين، والتي يسعى فيها الخطاب الى كسب الشرعية، فهناك تمجيد للذات الوطنية (الوطنية المصرية) مقابل أعداء الخارج والمتآمرين في الداخل، وهنا يسود الغموض والتجهيل والجمل المبنية للمجهول، كما تقدم الذات الوطنية في شكل إيجابي (نحن المصريين… وأنتم المصريون) مقابل (هم) الخصوم أو الأعداء، في مقابلة تعكس الانقسام والاستقطاب الذي تعاني منه مصر، ويؤكده الخطاب السياسي، سعياً الى كسب الشرعية.
هذه الأساليب معروفة ومتداولة بين الزعماء السياسيين في العالم، ما يؤكد الوعي والخبرة السياسية للسيسي، وعدم صحة الادعاء بأنه جنرال يفتقر الى الخبرات السياسية في الخطابة. فالقيادة في الجيوش الحديثة تستلزم ممارسات خطابية، تهدف إلى الإقناع والهيمنة والتلاعب بالأفكار والمشاعر، تماماً كما هو الحال في الحياة المدنية والقيادة السياسية، وقد تكون الأخيرة أكثر تعقيداً، لكن هناك مشتركات واسعة تتعلق بضرورة الإقناع والهيمنة الناعمة، وهو ما يقوم به الخطاب السياسي للسيسي من حيث: تكرار المعاني وكثرة الشرح والتمثيل، طرح أسئلة لا تحتاج إلى إجابات وإنما تقود إلى نتائج ودلالات محددة، مثل (عايزينا نبقى كده؟ هنسيبهم يدمروا البلد؟ هاتقدروا؟)، تقديم الذات مرتبطة بالمصريين وإرادة المصريين ككل، وتقديم الخصوم الآخرين في شكل سلبي، والتقليل منهم، توظيف الأحداث والسياق والأرقام لتأكيد الصور الإيجابية للقائد ملتحماً بالشعب، بكل المصريين، أو كما يقول السيسي دائماً «إحنا المصريين»، وأنه لن ينجح إلا بوحدة وعمل وتضحيات المصريين.