سلطان العامر: العرب والاتفاق النووي ما العمل/عبدالعزيز التويجري: من أجل إنقاذ الشعب السوري/حازم صاغية: تركيّا وإيران والنفوذ الإقليميّ

402

تركيّا وإيران والنفوذ الإقليميّ
حازم صاغية/الحياة/28 تموز/15
كثيرة هي العناوين التي يجري استخدامها في وصف التطوّر التركيّ الأخير، بعد عمليّة سوروج الإرهابيّة، وكلّ واحد منها قد يغطّي جزءاً من واقع الحال، كما ينقل المشهد من زاوية نظر بعينها. فهناك احتمال إجراء انتخابات نيابيّة عامّة في تركيّا يتوخّى منها رجب طيّب أردوغان أن تؤمّن له الأكثريّة التي لم تؤمّنها الانتخابات السابقة، وللسياسات الخارجيّة تأثير كبير عليها. وهناك توافق مستجدّ بين الولايات المتّحدة وتركيّا عبّر عنه قبول أنقرة استخدام قوّات التحالف قاعدة أنجرليك الجوّيّة. وثمّة من يتحدّث عن رغبة أردوغان في حسم مسألة «الدولة الكرديّة» جنوب بلاده، كي لا يتكرّر هناك السيناريو الذي عرفه شمال العراق، ولو أدّى ذلك إلى تجدّد الحرب مع «حزب العمّال الكردستانيّ» وانقطاع الحوار مع قائده الأسير عبد الله أوجلان. وثمّة، في المقابل، من يتحدّث عن رهان «العمّال الكردستانيّ» على إيران ما بعد الاتّفاق النوويّ وتعويله على استثمار ذاك الرهان تركيّاً. ودائماً هناك بطانة إيديولوجيّة للكلام، إذ يرى البعض أنّ وراء العقل «الاخوانيّ» لـ «حزب العدالة والتنمية» تقيم أزمة العلاقة بين «الإخوان» والسياسة ذاتها. هكذا يتّجه أردوغان لأن يأخذ الدنيا غلاباً، ضدّاً على بشّار الأسد و «داعش» والأكراد دفعة واحدة، من دون تقدير كافٍ لأكلاف هذه المغامرة المثلّثة الأضلاع. لكنّ هذه العناوين يمكن إدراجها جميعاً تحت عنوان أكبر وأشمل هو خريطة النفوذ الإقليميّ بعد الاتّفاق النوويّ الأميركيّ – الإيرانيّ، وهذا مع العلم بأنّ كلّ خريطة نفوذ مرشّحة تعريفاً لأن تلد خرائطَ دول، أو لأن تصيرها. فالترحيب التركيّ بالاتّفاق النوويّ لا يلغي الرغبة في التكيّف مع ظروف ما بعد الاتّفاق، بقدر ما يشي بها وبالميل إلى استدراج قوّة تضيفها أنقرة إلى قوّتها، وبها تناظر القوّة المستجدّة التي قد تحرزها طهران. هكذا يغدو ملحّاً أن توسّع تركيّا نفوذها جنوباً على حساب الأسد والأكراد و «داعش» معاً، وأن تعيد تنظيم علاقاتها بالولايات المتّحدة فتستثمر الشقّ غير المتّفَق عليه بين واشنطن وطهران، مقابل استثمار الأخيرة الشقّ المتّفق عليه مع واشنطن.
وإذا كان المولعون بالواقع يجدون في حرب اليمن مصداقاً على خلط أوراق وخلط نفوذ يجريان في عموم المنطقة، فالمولعون بالتاريخ قد يرجعون القهقرى إلى مطالع القرن السادس عشر، حين ولد التنازع الإيرانيّ – التركيّ، الإثنيّ والمذهبيّ ثمّ الدولتيّ، بوصفه ثابتاً من ثوابت الشرق الأوسط. عهدذاك، وعلى يد مؤسّسها اسماعيل، قهرت السلالة الصفويّة التيموريّين، ثمّ استولت على إيران وعمّمت المذهب الشيعيّ تجسيداً لتمايزها عن العثمانيّين. وربّما كان السلام الوحيد والمديد نسبيّاً الذي عرفته العلاقات التركيّة – الإيرانيّة مذّاك هو ما شهدته حقبة الحرب الباردة حين اصطفّ الطرفان، الخائفان من جارهما السوفياتيّ في الشمال، وراء الولايات المتّحدة. أمّا الأكراد فكانوا ويبقون أصفى مرايا التنازع هذا، إذ هم، منذ 1514، ضحايا التحالف مع هذا ضدّ ذاك، أو مع ذاك ضدّ هذا، وإن تمكّنوا بين فينة وأخرى من إقامة بضع إمارات لهم في جبال كردستان. لكنْ إذا صحّت افتراضات كهذه، أفلا يجوز لنا أن نتوقّع من إسرائيل عملاً عدوانيّاً ما، في لبنان أو في سوريّة، خصوصاً أنّ إيران، من خلال «حزب الله»، تقيم على حدودها أيضاً وتحضّها على التكيّف مع توازنات ما بعد الاتّفاق النوويّ؟ً».

من أجل إنقاذ الشعب السوري
عبدالعزيز التويجري/الحياة/28 تموز/15
على كثرة ما يرتفع من الأصوات التي تدين بقوة الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها النظام الاستبدادي في سورية، لم نسمع صوتاً يطالب بتقديم رأس النظام بشار الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية بتهمة قتل الشعب السوري، وتدمير هذا البلد، وتشريد النصف من سكانه لاجئين إلى دول الجوار، أو نازحين في مناطق من وطنهم. وفي الوقت الذي ينتظر الشعب السوري الخلاص على يد الثائرين من أبنائه الذين حملوا السلاح بعد أن اضطروا إلى حمله، لمواجهة جبروت النظام الذي بلغ أقصى درجات الإجرام، تتردد دعوات من هنا وهناك، إلى مهادنة هذا الرئيس المجرم، والبحث عن مخارج من المستنقعات التي سقطت فيها الدولة السورية، في محاولة لإعادة إنتاج النظام الطائفي وتسويقه للعب الدور المنتظر له في المرحلة المقبلة. ومن هذه الدعوات إعلان السيد نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أنه على استعداد للقاء بوليد المعلم وزير خارجية النظام السوري الإجرامي، للبحث معه عن تسوية سياسية للأزمة في بلاده، مضيفاً أن مقعد سورية في الجامعة لا يزال شاغراً في انتظار عودة مندوبها إلى القاهرة. وهذا التصريح يتعارض كلياً مع القرار الذي اتخذه المجلس الوزاري للجامعة في 16/11/2011، بتعليق عضوية سورية في الجامعة ومشاركة حكومتها في اجتماعاتها. ولست أدري هل الأمين العام يعبر عن رأيه الشخصي، وهذا ما يدعو إلى الاستغراب، أم عن رأي الجامعة، وهذا ما لم يصدر قرار من المجلس الوزاري به.
ويأتي هذا الموقف متزامناً مع الموقف الروسي الذي شدَّد على ضرورة التعامل مع الأمر الواقع والتسليم بدور للرئيس المجرم بشار الأسد في العملية السلمية المرتقبة، وهو ما ينسجم تماماً مع الموقف الإيراني المشارك في قتل الشعب السوري وتدمير بلاده. وليس الموقف الأميركي بعيداً من هذه المواقف جميعاً، مع الفارق في التفاصيل وفي المبررات، لأن الإدارة الأميركية، وبعض الدول الأوروبية معها، تراوغ في تصريحاتها. والحقيقة أنها ترى أن التعامل مع النظام القائم في دمشق على علاته، سيكون أفضل من التعامل مع المجهول، خصوصاً وأن تنظيم ما يعرف بـ «الدولة الإسلامية» الإرهابي المصنوع لهذا الغرض، قد بات يكتسب مواقع له على الأرض السورية، وأصبح اهتمامه اليوم منصباً على دمشق.
إن أخطر ما تحقق للنظام في سورية أنه جعل من نفسه بديلاً عن المنظمات الإرهابية، وقدم نفسه للعالم بأنه مستهدف من الإرهابيين، وبأنه القادر على إحباطهم وإفشال مخططاتهم، فطفق يدلس أمام المجتمع الدولي ويقول: إما أنا وإما داعش! وبدا اليوم أن العالم استجاب لهذه العملية الخداعية، وانطلت عليه اللعبة حتى صار يقيم حساباته على أساسها. وبذلك أجهضت الانتفاضة السورية، وخاب مسعى المعارضة في الداخل والخارج، وتبخرت أحلام الشعب السوري، وضاعت آماله. ولعل هذه الأجواء الملبدة بسحب الخداع والتضليل، هي التي شجعت نبيل العربي ليدلي بتصريحاته. وفي جميع الأحوال، فإن بشار الأسد يجد له اليوم مخرجاً يسترجع به أنفاسه، ويعيد ترتيب أموره على أساس أنه باقٍ في منصبه، وأنه أصبح في منأى عن الملاحقة الدولية. وهذا هو المكسب الذي حققه له مؤيدوه والداعمون له. وفي ذلك ظلم كبير للشعب السوري، ولمقاومته البطولية، وإطالة لأمد المعاناة التي يكتوي بها. ومهما يكن من أمر المزايدات والمقايضات، فإن منطق العدل والحق والإنصاف والقانون الدولي، يفترض أن يقدم بشار الأسد مع العصبة من المجرمين الذين يدورون في فلكه، إلى محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتلك هي المهمة العاجلة التي يتحتم على أحرار العالم أن يقوموا بها. بل يفترض أن تبادر الدول العربية الداعمة للمعارضة السورية بالتحرك في هذا الاتجاه، في الوقت الذي يستمر فيه الدعم الشامل للمعارضة المسلحة على الأرض التي باتت تحقق مكاسب تعزز حضورها، على رغم استعانة النظام بحزب الله في لبنان وبتنظيمات شيعية أخرى معززة بمقاتلين من العراق وباكستان وأفغانستان ومناطق أخرى. إن هذه المهمة العاجلة منوطة بالدول العربية التي تعمل على دعم الشعب السوري وتحقيق آماله، أكثر مما هي ملقاة على عاتق من يسمّون أصدقاء سورية، إن كانوا قد بقوا أصدقاء فعلاً. فتحت أيدي المعارضة السورية ومنظمات حقوقية وإنسانية دولية عدة، ملفاً ضخماً عن الجرائم البشعة التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها نظام بشار الأسد. وتحفل التقارير الدولية بالدلائل المقنعة القاطعة في إدانتها النظام السوري بارتكاب تلك الجرائم طوال أربع سنوات ونيف. إن ملايين السوريين اللاجئين في دول الجوار والهائمين على وجوههم في بعض دول العالم، والنازحين الذين فروا من بطش قوات النظام وأعوانه الطائفيين وتوزعوا في مناطق يظنون أنها آمنة داخل سورية، لن ينقذها من البؤس والحرمان والقهر سوى توجيه الضربة القاصمة إلى رأس هذا النظام الاستبدادي الطائفي الواغل في دماء هذا الشعب العربي المنكوب. فهل تكون البداية من جامعة الدول العربية فتتخذ قراراً برفع الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية؟ لم لا، وللدول العربية الداعمة للمعارضة القدمُ الراسخة والقدح المعلى في الجامعة؟ فلو تحركت الدول العربية التي هي صديقة فعلاً للشعب السوري في هذا الاتجاه، لتغيرت المعادلة، ولانقلبت موازين القوى.

العرب والاتفاق النووي: ما العمل؟
سلطان العامر/الحياة/28 تموز/15
منذ أن تم الإعلان عن الاتفاق بين الدول العظمى وإيران حول مشروعها النووي، وهناك سؤالان يترددان بقوّة في الأوساط العربيّة: ماذا يعني هذا الاتفاق للعرب؟ وكيف يمكن للدول العربيّة أن تتعامل معه؟
هناك من حاول رفع الاتفاق النووي إلى مستوى مؤامرة كونيّة كبرى بين أميركا وإيران، أو تصوير الاتفاق باعتباره من أشكال نهاية العالم. هذه المبالغات لا تفعل أكثر من تشويش الرؤية، كما أن مثل هذه المبالغات في حال انتشارها لا تنتج إلا سياسات فاشلة ومضرّة. لهذا يجب التأكيد على نقطتين: الأولى وتتمثل في أن الاتفاق محصور فقط في برنامج إيران النووي، ولا يمس غيرها من الملفات كشكل نظام الحكم الإيراني، أو سياسات إيران في المنطقة. وهذه النقطة مهمة؛ لأنها تقطع الطريق أمام أي محاولة لتحميل الاتفاق أبعاداً مؤامراتية لا تحتمل.
أما النقطة الثانية فتتعلق بمضمون الاتفاق نفسه، وبشكل مختصر يمكن القول إن المقايضة الرئيسة في قلب الاتفاق هو تنازل إيران عن جزء من سيادتها (عبر السماح للمنظمات الدولية بالإشراف على برنامجها النووي ومراقبته) في مقابل إسقاط العقوبات الاقتصادية عنها. هذا التنازل الجزئي عن السيادة يمنع وصف الاتفاق بأنه نصر إيراني، لكن اقتصار التنازل على البرنامج (أي عدم شموله شكل النظام الحاكم وسياساته الإقليمية) في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية يعتبر مكسباً كبيراً لإيران.
الآن، ماذا يعني هذا الاتفاق للدول العربيّة؟ وكيف تتعامل معه؟
أولاً: إن أول ما يعنيه هذا الاتفاق هو تقديم نموذج جديد للتعامل مع الهيمنة الغربيّة في المنطقة يختلف بشكل كبير عن نهج كامب-ديفيد الذي رسخّه أنور السادات في المنطقة العربيّة. فبعد محاولة عبدالناصر الاستقلال بالوطن العربي عن الهيمنة الغربية والتي لم تكن موفقة، حاول أنور السادات التحوّل بمصر نحو الانفتاح على الغرب، فكان طريقه نحو ذلك هو بالسلام مع إسرائيل وإخضاع السياسات الخارجية المصرية لحماية المصالح الغربيّة في المنطقة.
هذا النوع من النهج هو الذي حاول بقيّة العرب السير فيه باعتباره الطريقة الوحيدة للتعامل مع الهيمنة الغربيّة، وهو النهج الذي أثبتت الاتفاقية مدى بؤسه وزيف وحدانيته. فهاهي إيران استطاعت أن تصل إلى نوع من التسوية مع الهيمنة الغربية من دون أن يكون المقابل الاعتراف بالكيان الصهيوني ولا التنازل عن سياساتها وطموحها الإقليمي في المنطقة.
فإن كان هناك من العرب من يعتبر تحدي الهيمنة الغربية في المنطقة ضرباً من الجنون، فإن الاتفاق النووي يبين أنه بالإمكان التعايش مع هذه الهيمنة من دون التنازل عن كل شيء.
ثانياً: مثلما أن الإيرانيين عقدوا الاتفاق مع الغرب رغماً عن الإسرائيليين، فإن الغربيين لم يراعوا مصالح حلفائهم العرب خلال عملية التفاوض. وهذه النقطة يجب أن يكون انعكاسها ليس على السياسات قصيرة المدى للدول العربية، بل على الرؤية الاستراتيجية حول صيغة التحالف مع الغرب. فالصيغة القديمة للتحالف باعتباره حماية ووصاية يجب أن يتم تجاوزها إلى رؤيّة أخرى تستعيد فيها الدول العربيّة قدرتها على الاستقلال في النشاط والحركة، عبر تبني مشروع عربي اتحادي.
ثالثاً: تتأكد أهمية الحاجة إلى مثل هذا المشروع العربي إذا تذكرنا أن الاتفاق لا يمس سياسات إيران في المنطقة، بل إنه قد يقويها بعد رفع العقوبات عنها، وهو بالتالي يجعل من مهمة مواجهة هذه السياسات (وقبلها الاحتلال الصهيوني) ضمن المسؤولية العربية، والتي إن لم تتحملها، فإن الحروب الأهلية، والطائفية، وتعاظم القبضة الأمنية، وتزايد نشاط الميليشيات، والخضوع للقوى الإقليمية والأجنبية ستكون هي الوجبات اليومية التي ستفتك بالشعوب والمجتمعات العربية.
إن التحرر من العلاقة مع الغرب بوصفه حامياً والسعي نحو مواجهة السياسات الإقليمية التي لا تراعي مصالح الشعوب العربية يعني أولاً وقبل كل شيء تبني مثل هذا المشروع الرؤية العربية المستقلة. وهذا المشروع وهذه الرؤية لا يمكن أن يحظيا بشرعية من دون أن تكون قضية فلسطين قلبها النابض، وأن تكون عناوينها الأساسية حرية الشعوب العربية وتحررها ووحدتها.
في مثل هذه الظروف التي تمر بها الأمة العربية، لا يمكن اعتبار مثل هذه المشروع كلاماً مثالياً أو نوعاً من الرفاهية، فالاتفاق نفسه يجعل منه ضرورة من جهة، وممكناً من جهة أخرى. فهو ضرورة لأنه الخيار الوحيد للدول العربيّة أن تستجمع مواردها وقواها وأن ترعى مصالحها ووجودها الذي يهددها كل من الكيان الصهيوني والسياسات الإيرانية والطائفية. وهو كذلك ممكن؛ لأن الإيرانيين فعلوها، فهاهم استطاعوا أن يصلوا إلى نوع من التسوية التي لا تخضعهم للتحول للعب أدوار وظيفية لمصلحة هذه الهيمنة الغربية.
إن الاتفاق الإيراني النووي ليس نهاية العالم، وأياً تكن درجة تهديده على العرب فهو يحمل في طياته أيضاً دروساً مهمة وفرصاً أعظم للعرب أن يتحولوا من منطق «النظام» الذي يبحث عن بقائه حتى لو كان على حساب الشعب والدولة، إلى منطق الدول التي تفكر بقضايا ومصالح الأمة التي تمثلها وتسعى لاستقلالها وحريتها ورفاهيتها.