الرابطة المارونية نظمت مؤتمر “مسيحيو الشرق” الراعي: ليعين كل فريق مرشحا لقيادة الدولة يقبله الآخرون لا انتظار القرار من الخارج

253

 الرابطة المارونية نظمت مؤتمر “مسيحيو الشرق” الراعي: ليعين كل فريق مرشحا لقيادة الدولة يقبله الآخرون لا انتظار القرار من الخارج

الجمعة 24 تموز 2015

وطنية – نظمت الرابطة المارونية مؤتمر “مسيحيو الشرق الاوسط: تراث ورسالة”، بالشراكة مع كنائس الشرق الاوسط، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي وحضوره، في جامعة سيدة اللويزة – زوق مصبح، في حضور وزيري الخارجية والمغتربين جبران باسيل والثقافة ريمون عريجي، السفير البابوي غبريالي كاتشا، سفير روسيا ألكسندر زاسبكين، والنواب: نعمة الله أبي نصر، مروان فارس، غسان مخيبر، عاطف محدلاني، جيلبيرت زوين واميل رحمة، الدكتور فرج كرباج ممثلا رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، العميد ميلاد اسحق ممثلا قائد الجيش العماد جان قهوجي، الوزيرين السابقين فريج صابونجيان وسليمان طرابلسي، نقيب المحررين الياس عون، ممثل المدير العام لقوى الأمن الداخلي المقدم جورج منصور، ممثل المدير العام للأمن العام العميد الركن جوزف إسحق، ممثل المدير العام لأمن الدولة المقدم ريمون أبو معشر، سفير لبنان في الفاتيكان العميد جورج خوري، رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، قائمقام كسروان الفتوح جوزف منصور رئيس أساقفة زحلة والفرزل وتوابعها للروم الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش، ولفيف من المطارنة والآباء العامين الذين يمثلون مختلف الكنائس المسيحية في الشرق. استهل الاحتفال بالنشيد الوطني ونشيد الرابطة المارونية ثم تولى الاعلامي ريكاردو كرم تقديم الاحتفال بكلمة أضاء فيها على أهداف المؤتمر.

جرجس
وألقى رئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر الدكتور فادي جرجس كلمة، قال: “نلتقي اليوم لنسمع العالم صوتنا لنقول إننا ضد كل المشاريع التي تبني مصالحها واجنداتها على حساب وجودنا الحر نحن لا نطلب الحماية ولا نحن إلى عهد الحمايات ولكننا لا نقبل الاضطهاد ولا التهميش ولا الذمية”.

مطر
وتحدث ممثل جامعة سيدة اللويزة الدكتور سهيل مطر الذي وجه إلى البابا فرنسيس عبر السفير البابوي “تساؤلات عمااذا كانت المسيحية في الشرق على طريق الإبادة فهي بداية لنهاية المسيحية في العالم؟ وثانيا في هذه الحرب العالمية الثالثة لن يكون المسيحيون وحدهم ضحايا وسبايا في هذا الشرق. وثالثا لن يكون العالم الاوروبي والغربي قياداته الفاعلة بريئة من دم هذا الصديق”.

ابي اللمع
وألقى رئيس الرابطة المارونية سمير ابي اللمع كلمة جاء فيها: “هذا المؤتمر ليس صرخة انفعالية تجاه ما يجري في عالم نحن من صميمه وفي ذاته انه دعوة هادئة الى التفكير العميق في مسائل كيانية ديموغرافية وجغرافية، ومتغيرات تهدد الهوية العربية وتطاول الحضارتين المسيحية والاسلامية على حد سواء. مسيحيو الشرق، وعبر التاريخ، اسهموا اسهامات جليلة في انتاج الحضارة العربية والاسلامية، حتى اعتبروا حتى الماضي القريب، بوابة الاسلام ووسائطه على حضارة الغرب. وعندما كان الحديث يتناول اوضاعهم في المشرق العربي، كان يتركز على دورهم المحوري في صناعة الشخصية العربية وريادتهم في النهضة، سواء من حيث الثقافة والتربية والاقتصاد او لجهة التزامهم العروبة المتنورة وقضايا امنهم العادلة. حضور المسيحيين في بلدان الشرق الاوسط كان ولا يزال حضور رسالة والرسالة بذل وتضحية وعطاء؟ لقد اردفوا هذا العالم وثقافة ارضه بروحية الانجيل وتعاليم الرسل فعم الانفتاح والتنوع، وقامت حركات التحرر والنهضة والابتكار. بهذه الروحية قرر المسيحيون ان يعيشوا مع اخوانهم المسلمين في هذه الارض فكانت بينهم حقبات مضيئة في التعاون والتآخي، وكانت حقبات مظلمة لم يكن الاجنبي بعيدا عن افتعالها. هذه الحقبات عكرت صفو علاقاتهم وضربت صيغة التعايش بينهم لفترات فكانت مجازر 1915 وضحايا الابادة الارمنية، وما طاول الاخوة السريان والاشوريين والكلدان من قتل وتهجير وتنكيل. ولا ننسى المجاعة التي تسبب بها حصار جبل لبنان وهلاك ثلث سكانه، يومها آلم الصمت العربي الشاعر ابراهيم اليازجي عن هذه المجازر والمجاعة فقال: “تنبهوا واستيقظوا ايها العرب، فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب، خلوا التعصب عنكم واستووا عصبا، على الوئام، ودفع الظلم تعتصب. اليوم، وبالرغم من الهدوء الذي ينعم به لبنان على المستوى الامني، فان المتغيرات الدراماتيكية التي تعصف ببعض البلدان المجاورة تبعث على القلق الشديد. صحيح ان الهجرة التي تعم هذه البلدان، تشمل مسيحيين ومسلمين وأتنيات اخرى، الا ان تهجير المسيحيين سببه الاساس تصاعد المد الاصولي الاسلامي المتطرف. في هذا السباق، يقول الصديق العزيز محمد السماك في احدى محاضراته: ثمة امران لا يمكن تبريرهما ولا السكوت عنهما، الامر الاول هو ضعف الشعور الاسلامي العام عن ابعاد الهجرة المسيحية من الشرق وخطرها على مكوناته البشرية والفكرية والثقافية والروحية المتعددة، وكذلك خطر تنامي الاصولية على سمعة الاسلام وصورته في العالم. والامر الثاني هو تصاعد الشعور الغربي المتعاطف مع المسيحيين الشرقيين، والداعي الى المطالبة بتسهيل هجرتهم وتوطينهم في الدول التي يهاجرون اليها وهو امر خطير ايضا، سيؤدي حتما الى تذويبهم في بيئة غريبة عن عاداتهم وتقاليدهم، ويفقدهم حق العودة الى اوطانهم.
السؤالان المطروحان على الجميع:
الاول: ماذا يفترض بالاخوة المسلمين ان يفعلوا تجاه المد الاصولي الرافض للغير؟
ان الحفاظ على دور المسيحيين في الشرق وحضورهم كان ولا يزال مسؤولية مشتركة بين المسيحية والاسلام، لان غياب المسيحيين عن ارض الرسالة التي شهدت ولادة السيد المسيح وحياته وموته وقيامته، انما هو تغييب للكنيسة الجامعة عقيدة وشعبا ووأد للتاريخ واستهداف للديانتين المسيحية والاسلامية على حد سواء. ان على المراجع الاسلامية والمسيحية المبادرة معا الى رفع الصوت عاليا والتصدي للموجة العاتية التي تحرف رسالة الاسلام وفرغها من مضامينها السامية ونبذ التطرف من اي جهة اتى والوقوف في وجه الفكر التكفيري وردات الفعل عليه، ورفض القبول بصراع الحضارات كقدر لا مفر منه.
ولا ننسى اهمية دور الكنائس فيدعم بقاء ابنائها حيث هم، وبث روح الصمود فيهم، من هنا ينبغي تضافر الجهود بين جميع الطاقات المتوافرة في كنائسنا، وخصوصا في ميداني المقدمة الاجتماعية والتعليم، وهذا يتطلب وضع استراتيجية تقوم على التعاون الانساني مع مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل من اجل خير الانسان، بغض النظر عن دينه ومعتقده.
والسؤال الثاني: ما هو دور المجتمع الدولي؟ وهل يترك بركان التطرف مسترسلا في قذف حممه حارقا حضارة مشرقية وما تمثله من تنوع وغنى انساني؟.
نحن لا نسأل المجتمع الدولي حماية الاقليات في هذا الشرق، لاننا لا اقلية جاءت بها الصدف التاريخية، بل نحن ابناء الارض، وجدنا فيها منذ فجر المسيحية، وهو الفجر الذي انبزغ مع اجدادنا وقد تركوا مغريات الدنيا وتبعوا كلمة المخلص وبلغوا معه ذوي الفداء شهادة لايمانهم. ان المجتمع الدولي، مدعو اليوم الى التوقف عن عسكرة النزاع في الشرق الاوسط والنظر الى هذا الشرق بعين القيم والمبادئ التي حددتها شرعة حقوق الانسان، فلا يدعم دولا او انظمة او قيادات لا تعترف بالآخر او تقمع الآخر، او ترفض المساواة بين البشر.
وهو مدعو ايضا الى وضع مشروع انقاذي تنموي اقتصادي اجتماعي يساهم في عودة المهجرين الى اراضيهم وبيوتهم فيعود الاف الى نينوى والموصول وداهوك والحسكة وحلب ووادي النصاري وبيت لحم ووادي النيل، والى اي ارض تهجر منها انسان. ان لبنان كان ولا يزال يشكل النموذج الامثل للقاء الاديان والحضارات وتفاعلها ونبذ التطرف، ومن واجبنا جميعا المحافظة عليه وعلى وجهه التعددي وعيشه الواحد المتكافئ بين عائلاته الروحية التي عليها صوغ ميثاق حياة والبناء على المشتركات العديدة التي تجمعها، وتجاوز كل ما يمكن ان يعبث بالمرتكزات الاساسية التي تقوم عليها فلسفة وجوده كبلد متحد وقيمة مضافة عاش قيم الديموقراطية، وكان رائد الحداثة والتجدد والشرارة التي اضاءت التطلعات واسمهت في نقل العالم العربي من الاستكانة والركود الى آفاق التقدم الرحب. لقد كان للمسيحيين الدور الابرز في عملية الانتقال هذه وبث روح الحداثة في المحيط، مما يرتب عليهم اليوم مسؤوليات جساما، للحفاظ على هذا الارث العظيم، من خلال تجذرهم في ارضهم، والثبات في اداء رسالتهم واستلهام تعاليم الكنائس جسرا بين الارض والسماء. ان علينا استيعاب العاصفة واحتواؤها وهي ستمر كسابقاتها، وان تجعل من كل ألم جديد وجها لامل جديد وسيكون ذلك متاحا اذا اتحدت القلوب وحسنت النيات وتجانست الاقتناعات ورصت الصفوف. ان وحدة مسيحيي الشرق تبدأ بوحدة مسيحيي لبنان. هذه مسلمة مؤكدة وان الوصول اليها يتعلق بكل واحد منا وعلى الجميع طرح خلافاتهم جانبا والذهاب مع شريكنا المسلم نحو تحقيق الغاية الرئيسية التي تصون لبنان وحضوره الفاعل في هذا الشرق. والبداية اليوم تكون بانتخاب رئيس للجمهورية يقود البلاد في هذه المرحلة الصعبة الدقيقة من تاريخنا فتنتظم الحياة الدستورية، ويجلو الصدأ عن اجهزة الدولة وتنطلق دورة التشريع وتتحرر السلطة الاجرائية من العواصف المكبلة لها. هكذا، ننقذ لبنان وننشله من براثن المجهول فيعود الينا وتعود اليه وعسى ان تكون الاخطار التي تعصف بمسيحيي الشرق، وهي عابرة، باذن الله حافظا لمسيحيي لبنان لكي يعودوا الى الدولة والانخراط في مؤسساتها. ان المسيحيين في لبنان يجدون في الدولة المدنية القوية، الديموقراطية الخيار الوحيد بين قوميات تهاوت واصوليات تكفيرية تلغي الاخرى. ان واجب المسيحيين في لبنان هو التزام قضايا هذا الشرق الذي جعلنا الله فيه خميرة طيبة، وهو يفترض انخراطنا في الشأن العام وعدم انعزالنا عن قضاياه المحقة.
ان حق لبنان على المسيحيين الا يتخلوا عنه اذا ارادوا فعلا ان يبقى في صلب المعادلة الوطنية ينيرون الشرق شهودا للحق، نكهتهم محبة وصفح وايمان الى ان يحل الروح القدس فيهم انسانية نصيرة للحق والرجاء”.

الخازن
والقى رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن كلمة رأى فيها أن “وضع المسيحيين في المشرق العربي إلى مزيد من الحراجة والدقة واستمراره على النحو السائد لا يعني عمليا سوى انتظار نهاية المسيحية في البلاد التي شهدت وودتها ونشأتها وازدهارها و انطلاقها إلى بقاع الأرض ولا يخفى على احد ان مثل هذه النهاية تنطوي على انهزام فكري وعقائدي كبير فضلا عن إفراغ المنطقة من الحضور المسيحي التاريخي فيها ومن شأن مؤتمر اليوم وضع أسس متينة لكل مبادرة جادة ترمي إلى تعزيز ال حضور المسيحي في لبنان و المشرق العربي”.

اده
وألقى الوزير السابق ميشال اده كلمة سأل في مستهلها: “هل كان من الممكن اصلا ان ينعقد مثل هذا المؤتمر في موضوعه ومراميه النبيلة الا في لبنان؟ اجل الا في لبنان على امتداد الجغرافيا العربية وغير العربية ايضا، في هذه المنطقة التي اصطلح على تسميتها بالشرق الاوسط. فالاجتماع البشري ليس محض جغرافيا انه تاريخ كذلك، ومن حيث الاساس وفي مجرى هذا التاريخ وتضاعف حدثانه، تميزت بقعتنا الجغرافية هذه بانفطارها بيئة مجتمعية على التنوع الديني والتعدد الثقافي، وليس بالاحادية لا الدينية ولا الثقافية، هذا قبل ان يصبح لبنان دولة حديثة مستقلة في مطالع القرن المنصرم رسخت كيانها المجتمعي الاصلي على اساس ذلك التنوع، في ظل نظام برلماني ديموقراطي لحمته وعماده العيش المشترك القائم على التمثيل السياسي المنصف المتوازن لجميع عائلاته الروحية اي على احترام الآخر المختلف وقبوله باختلافه”. اضاف: “هذه الخاصية اللبنانية هذه الحقيقة اللبنانية بالعيش المشترك المصون دستوريا، هي ما رسخ لبنان وحافظ على استمراره وديمومته فلبنان هو الدولة العربية الوحيدة الرائدة التي لا ينص دستورها على دين محدد بعينه دينا للدولة”.  وقال: في ظل تطور عالمنا المعاصر في اتجاه المزيد من الترابط فان هذه الوقائع النوعية ديموغرافيا وجغرافيا وحتى بصورة النزاعات المتصاعدة في ما حملني منذ فجر القرن الحادي والعشرين على الانتباه الى ظاهرة جديدة بات عالمنا ينطبع بها، الا وهي المسألة الآتية: كيف يمكن غير المسلمين ان يعيشوا معا وسوية مع المسلمين وكيف يمكن المسلمين ان يعيشوا معا وسوية مع غير المسلمين في بلداننا وفي بلدان العالم قاطبة؟ اما الجواب الشافي على هذه المسألة بالنسبة الى بلدان الشرق والغرب الشمال والجنوب فهو الانتبان الى الحقيقة اللبنانية اجل الى جوهر صيغتنا اللبنانية، الى الاعتراف بالآخر المختلف واحترامه والقبول به وبالعيش معه باختلافه”. وتابع: “لبناننا الذي كان يعتبر في ما مضى همزة وصل بين الشرق والغرب بات اليوم ضرورة للشرق والغرب معا على حد قول القديس الراحل الكبير يوحنا بولس الثاني الذي رأى ان “لبنان اكثر من بلد انه رسالة”. وختم: “لست املك الا ان اعرب عن اقتناع راسخ في عمق اعماقي ان روحية التجذر والانفتاح التي تميز بهما التراث الماروني العريق والمسيحي عموما بتفاعله الخصيب مع مسلمي هذه البقعة من قبل واليوم ومن بعد، وليس ابدا الانعزال والذوبان. نعم، هذه الروحية هي مفتاح التغلب الاكيد على هذه العواصف البربرية الظلامية الهوجاء في منطقة الشرق الاوسط والمتنقلة، باتت بتفجراتها في بلدان العالم بأسره”.

أبي نصر
وقال النائب أبي نصر: “قبل عقدين من الزمن، خرج علينا من الغرب بعض المفكرين اليهود يبشروننا بأن صراع الحضارات واقع حتما، وأن الاختلافات الثقافية والعقائدية ستكون المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر، وسرعان ما لاقاهم من الشرق أسامة بن لادن بالقول “إن الحرب قائمة أصلا بين الإسلام والصليبيين”. اضاف: “هكذا وقع العرب في فخ التحريض، ونجح عدوهم في استنزافهم من الداخل. نجح المحرضون بقوة الإرهاب، في تحويل البلدان العربية إلى ساحة اختبار لنظرية صراع الحضارات”. وتابع: “أما نحن في لبنان فلم نقع في فخ صراعات الحضارات، لأننا منذ إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920 وإعلان الاستقلال سنة 1943، تحدينا الجميع، وراهنا على أنه يمكن للحضارتين المسيحية والإسلامية أن تؤسسا لدولة واحدة، موحدة، أرضا وشعبا ومؤسسات، الأمر الذي لم يحصل حتى الآن في أية دولة من دول العالم، لا في قبرص، ولا في السودان، أو الهند والباكستان ولا في دول البلقان أو غيرها”. وسأل: “هل المطلوب أن تفشل هذه التجربة اللبنانية الفريدة من نوعها؟” وقال:”إن الإجحاف اللاحق في حق المسيحيين من جراء قوانين الانتخابات النيابية، وقضم بعض صلاحيات رئيس الجمهورية وعدم اعتماد مبدأ الإنماء المتوازن والتلاعب بديموغرافية البلد لمصلحة هذه الطائفة على حساب تلك، وعدم إعطاء المغتربين حقوقهم الطبيعية، في استعادة الجنسية والإقتراع والترشح وتمثيلهم في المجلس النيابي أسوة بما هو معمول به في الكثير من دول العالم، كلها عوامل تؤثر سلبا على ميثاق العيش المشترك، لكننا متمسكون به وبالصيغة، وسنعمل جاهدين على تطويرها عبر مؤسساتنا الدستورية، انطلاقا من مبدأ لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. ورأى ان “واقعنا في لبنان هو أننا كلنا أقليات، وبالتالي لا يمكن، ولا يجوز، لأي طائفة مهما كثر عددها، وعظم شأنها، وكبرت إمكاناتها، أن تستأثر بالحكم في لبنان، ولنا من تجارب الماضي العبر”. وقال: “يدرك مسيحيو الشرق أن الحرب القائمة لا تستهدفهم بمفردهم، لكنهم يشعرون بأنهم يدفعون الثمن الأغلى، لقد أصبحوا قلة تبحث عن حماية نفسها بعدما كانوا نخبة تتصدر نهضة العرب. عاد الغرب يعرض عليهم اليوم، إغراء التهجير لحمايتهم، بعدما كانوا رأس الحربة في الدفاع عن مشرقية هذه الأرض، واستقلالية قرارها، ورفضها للاحتلال والاستعمار على أنواعه. لقد آمن مسيحيو الشرق بالعروبة، وناضلوا في سبيل القوميات بديلا عن الأنظمة الدينية”. وسأل ايضا “لو قيض لليازجي اليوم، أن يعود حيا، فهل ينشد نشيد العروبة؟ وعن أي قومية عربية تراه يستطيع الدفاع أمين الريحاني؟ وعن أي بعث عربي يمكنه أن يتحدث ميشال عفلق؟ وعن أي ثورة اجتماعية يبشر بها فرج الله الحلو”؟.
واضاف: “من حظ هؤلاء، أنهم ماتوا قبل أن يروا أحلامهم تتفجر دما وحروبا وتكفيرا وتدميرا. هكذا لم يترك أصحاب الفكر في لبنان والعالم العربي، أي وسيلة إلا واعتمدوها، للانفتاح والاندماج مع محيطهم العربي الإسلامي”.
وتابع: “أما نحن المسيحيين في لبنان، فقد دفعنا ثمن انفتاحنا وتعاوننا مع الشريك الآخر، تخلينا عن لبنان الصغير حيث كنا الأول، وآثرنا لبنان الكبير، لبنان العيش المشترك، فانتشرنا على كل الأرض اللبنانية، ولم نرد أن نتقوقع في منطقة جغرافية معينة، بل اندمجنا مع كل المجتمعات، ومع كل الطوائف والمذاهب، وفي كل المناطق والقرى والدساكر، فهل يجوز أن نعاقب على هذا الانفتاح والتعاون والإندماج؟ وأن ندفع الثمن عبر قانون انتخاب فصل الدوائر الانتخابية على قياس التجمعات الطائفية؟ فلم يؤمن لنا تمثيلا صحيحا في المجلس النيابي ومراكز القرار”؟ وأضاف: “نحن مسيحيي الشرق، أهل هذه الأرض، لسنا بطارئين عليها، وإذا كان من مسؤوليتنا أن نبقى روادا في الدفاع عن حرية الإنسان وكرامته، وأن نكون سباقين في طرح المشاريع القومية والوحدوية، فإن من مسؤولية المسلمين، وهم الأكثرية الساحقة في هذا الشرق، أن يعلنوا بوضوح رفضهم للتكفيريين والتصدي لهم، من واجب المسلمين إذا كان الإسلام فعلا دين رحمة ومودة، وهو كذلك، أن يحترموا وجود المسيحيين، ووجود أي أقلية ثقافية أو دينية، وأن يمنعوا اقتلاعها من أرضها وهذا حق وواجب عليهم وعلى أنظمتهم وليس منة من أحد”. وقال: “هل تدرك الأكثرية الإسلامية المؤمنة بالقيم الإنسانية أنه إن تركت الأمور على ما هي عليه اليوم، قد يأتي دورها وتضطهد كسائر الأقليات، لا يكفي اتهام القوى الظلامية بالسعي إلى استئصال المسيحية من هذا الشرق؟ داعش لم يكن وليد صدفة، فهو يحصد ما زرعته بعض الأنظمة العربية التي سهلت ومولت مجيئه. هل نسينا دعوة معمر القذافي لموارنة لبنان إلى اعتناق الإسلام، حتى يرتاحوا ويريحوا؟ ماذا كان موقف الدولة اللبنانية وجامعة الدول العربية وسائر الأنظمة العربية من أمثال دعوات كهذه تصدر عن بعض المسؤولين في العالم العربي والإسلامي؟ ماذا فعلت الأنظمة العربية وفي مقدمها الدول النفطية للسعي الى عودة المهجرين المسيحيين وغير المسيحيين إلى ديارهم، واستعادة أرضهم وتعويض؟ ماذا باستطاعة مختلف الكنائس المسيحية، واللوبي المسيحي المشرقي المنتشر في العالم، أن تفعل لمساعدتهم ودعمهم ماديا ومعنويا وسياسيا لإبقائهم في أرضهم، لأن الصلاة وحدها لا تكفي، كذلك كتب التعزية، وبيانات الاستنكار كما البكاء على أطلال الحضارات. كلها مواضيع مهمة سينكب المؤتمرون على درسها ومناقشتها بكل جرأة وموضوعية، لأن أرض المسيح تكاد تخلو من المسيحيين”. وأكد ان “المحافظة على كل الأقليات في لبنان والمشرق العربي هي، في النتيجة، مسؤولية الأنظمة القائمة، بدءا بتطبيق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين، كلنا سواسية أمام القانون، فليس هناك ابن ست وابن جارية، الإنماء يجب أن يكون متوازنا في كل المناطق، فلا تمييز بين منطقة وأخرى إنمائيا، ولا بين مواطن وآخر في إدارات الدولة ومراكز القرار. هكذا يتحقق العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين وهكذا تبنى الأوطان”.
وختم: “الأرض أرضكم، وأنتم نورها وملحها وإشعاعها، نحن لا نرضى بأن يتاجر أو يساوم أحد بمأساتكم، بشروا شعوبكم والعالم أجمعين، بأنه لا بد للعدالة من أن تنتصر، وأن المسيحيين هم أهل رجاء وقيامة، ولن تكون الغلبة للموت”.

فيرغسون
وألقى الامين العام للكنائس المصلحة في العالم كريس فيرغسون كلمة شدد فيها على “الدور الذي تؤديه الكنائس المصلحة في الشرق العربي”، ملقيا الضوء على “التحديات التي تواجه المسيحيين في كل من سوريا و العراق فلسطين ومصر ولبنان”، داعيا إلى “التحرك بثبات وعمق لمواجهة الوضع المعقد في المنطقة”، مشددا على “ضرورة التعاضد والتعاون والتضامن لمواجهة التحديات و دفع الصعاب للاحلال السلام و العدالة وأن الكنائس المصلحة معنية بوضع كناس الشرق لأنها تضم اتياعا لها في معظم بلدانه”، مشيرا الى “حاجة المسيحيين في الشرق إلى مؤسسات تدعم وجودهم”.

ممثل بطريرك موسكو
والقى المطران ارسيني سوكولوف ممثلا بطريرك موسكو البطريرك كيريل كلمة شدد فيها على “أهمية المؤتمر أن المسيحية خلقت في الشرق الأوسط وهي أساس التراث المسيحي الذي يرتكز عليه إيماننا”، ملاحظا أن “اعلان رسالة الانجيل بالسلام هو صعب لكن ليس بالمقدار نفسه من الصعوبة التي واجهت المسيحيين الاوائل في الشرق”، لافتا إلى أن “الشرق كان في فترة من الفترات مسيحيا وعلينا أن نعمل معا لنبقى. إن مسيحيي اليوم يواجهون التحديات التي واجهها مسيحيو الأمس أننا نجتمع لبحث سبل العمل معا من أجل مواصلة الرسالة”.

السفير البابوي
وقال السفير البابوي: “الموضوع المقترح خلال هذا اللقاء الذي تنظمه الرابطة المارونية وعنوانه “مسيحيو الشرق” واسع للغاية ومن الممكن تناوله بوجهات نظر متنوعة، تاريخية جغرافية سياسية، واجتماعية واقتصادية.
اود تأكيد الاهتمام والمخاوف والجهود المتنوعة دائما للبابوات والكرسي الرسولي وخصوصا الآن. ويمكن ان تبدأ بالمجمع الفاتيكان الثاني الذي طغى من جديد على الكنيسة في الشرق عموما”. واضاف: “اول سفرة لبابا خارج ايطاليا في الوقت المعاصر، كانت للبابا بولس السادس الى الاراضي المقدسة خلال الفترة نفسها التي عقد فيها المجمع الفاتيكان الثاني ومن بعده، البابوات زاروا مرات عدة بلدانا في المنطقة”. وتابع: “خلال فترة صعبة للغاية للبنان، ضاعف البابا يوحنا بولس الثاني الجهود على المستوى الدولي للمحافظة على لبنان فكان السينودس الاستثنائي الذي ادى الى الارشاد الرسولي بعنوان “أمل جديد للبنان”. ونتذكر جهود البابا القديس للحؤول دون حرب الخليج”. وذكر ب”زيارة البابا فرنسيس للأراضي المقدسة ولقائه في الفاتيكان رؤساء فلسطين واسرائيل في اطار أخوي، على أمل ان يساهم في حل المعضلة السياسية الكبيرة في الشرق الاوسط”. وتوقف عند مداخلات البابا “في خصوص الحرب في سوريا والعراق”. وتحدث عن “مهمة مسيحيي الشرق اليوم”، مشددا على ان “منطقة الشرق الاوسط هي مهد المسيحية وان مهمة المسيحيين التبشير بفرح الانجيل”. واضاف: “يمكن القول إنه بمعونة الله تمكن مسيحييو الشرق ان يواجهوا ظروفا صعبة وان يستشهدوا من اجل ايمانهم”. وقال ان “الكنيسة اليوم مدعوة الى تعبيد طريق الوحدة بالروح. ذكر بقول البابا فرنسيس بأنه “لا يتخيل الشرق الاوسط من دون مسيحييه”. واكد ان “الكرسي الرسولي يعمل على ثلاثة محاور للحفاظ على مسيحيي الشرق:
المحور الاول هو تعزيز السلام والحوار والتفاوض لان الحرب والصراعات وعدم الاستقرار هي الاسباب الرئيسية لهجرة المسيحيين. ويعتبر الكرسي الرسولي ان على المسيحيين ان يكونوا وسطاء للتعايش وللوحدة.
المحور الثاني هو النمو الاجتماعي والاقتصادي الذي يوفر الشروط الاساسية للحياة الكريمة.
المحور الثالث هو الحوار الصادق والجدي مع المسلمين وهذا الحوار يؤدي دورا اساسيا في المنطقة”.
ولفت الى ان “ما عرفه خلال وجوده في المنطقة يشجعه على النظر بثقة وامل نحو مستقبل لبنان والمنطقة”.

باسيل
وألقى الوزير باسيل كلمة قال فيها: “نتحدث اليوم وكل يوم منذ تولينا وزارة الخارجية والمغتربين، وما قبل، عن المسيحيين في الشرق…من الشرق والغرب والشمال والجنوب. وذلك لأننا الأصل والوصل والفصل في منطقتنا، كما قلنا في مجلس الأمن الدولي. لماذا؟ لأننا الرسالة في هذا البلد ولأننا الرسل في هذه المنطقة ولأننا نحمل في عمق أعماق ديانتنا مفاهيم وقيم تمثل كل المؤمنين في العالم. فهي قيم إنسانية جامعة قوامها المحبة والتسامح والانفتاح وقبول الآخر وقدرة فهمه وتقبله والعيش معه.ولذلك نحن عنوان التنوع، وهذه المنطقة وهذا البلد لا يعنيان شيئا من التنوع من دوننا ولأنه بغيابنا سيكون هناك أحادية وظلامية تنتقل من هذه المنطقة وتتمدد إلى العالم، فتحاربنا وتلاحقنا وتحاول قطع نسلنا أينما كنا. لذلك نحن هنا، خلقنا هنا ونبقى هنا، لأن منبع رسالتنا هنا. وبرحيلنا لا نهجر المنطقة بل نهجر الرسالة ونجفف منبع الرسل. قدرنا وخيارنا الصليب وطريق الجلجلة، إن استصعباناها لسنا بمسيحيين ولا برسل، ولا يجوز أن نستصعبها طالما نهاية الطريق هي القيامة وطالما لا قيامة للمنطقة وللبنان من دوننا”. اضاف: “من هنا نفهم تاريخ عيشنا في جبالنا وحفرنا لصخورها. “أنت الصخرة يا بطرس” هو فعل ثبات وإيمان قام به أجدادنا على صخور جبل لبنان. وكان لبنان هذه الصخرة الواقفة على ضفاف مساحات من الرمال التي لا تنفك تتحرك لتبلعها أو لتصحرها بالفكر والإيديولوجيا، إن لم يكن بالجغرافيا والجيولوجيا. إلا أننا حولنا بإيماننا هذه الصخور الى بساتين نأكل من ثمارها مروضين طبيعة حمتنا بقدر ما حميناها”. وتابع: “نتحرك ليس لدق ناقوس الخطر، بل حتى لا تصبح مناسباتنا دقا ونقا وبكاء على أطلال ذاكرة جماعة تكون قد هجِّرت من أرضها ومهد حضارتها وديانتها. لقد أنكروا علينا القيامة في الماضي عندما زوروا واقعة الحجر المقلوب على القبر ودفعوا الأموال لحراسه تشويها لمجد القيامة. وها هم وأعوانهم اليوم يدفعون الأموال لتشويه فكرنا المشرقي وإسلامنا المشرقي المعتدل ولدفننا أحياء، فنكون ذميين سياسيين كالأحياء المدفونين. يريدوننا أن ندفن ونبقى ساكتين ونتخلى عن أبهى قيمنا وهي شهادة الحق، فنكون متفرجين على الباطل، واقفين على مسافة واحدة من الخير والشر كوقوف بعض الساسة والمواطنين على مسافة واحدة من الإصلاح والفساد وعلى مسافة واحدة محايدة بين خيار الناس والاختيار عنهم”.
وقال: “نحن نحمل رسالة وجدان ووجود ونشع بالطاقة الإيجابية في وكينونتنا، فالمبادئ المسيحية تقوم على دور الفرد والجماعة في شهادة لأعمال مبنية على تعاليم السيد المسيح لتكون على صورته ومثاله، هو الذي تغلب على الاضطهاد، وما قبل بالتسوية أمام بيلاطس، فمات وقام وأسس لجماعة لا تستسلم وأحيا كنيسة لا تموت، بل تقف وتقاوم بإيمانها ومحبة رعاياها ورجاء راعيها.وتبقى المحبة أعظم ما فيها”.
واضاف: “هذا ما حمل المشرقيين على التجذر في أرض اشتهاها الغزاة منذ ألفي سنة فلم يستسلموا أمام الإمبراطورية الرومانية ولم ينحنوا أمام أي بلاط أو نظام بربري أو مملوكي أو عثماني. فهل يستسلمون اليوم أمام داعشية متنوعة بأشكالها؟.الشهادة للحق هي شهادة حملناها في وجه من أشهر السيوف والجوع لإبادة أسلافنا رافضين الاستسلام لوحشية تحاكي ما نعايشه اليوم من ذبح لناسنا ونهش لتراثنا. هي شهادة حملتنا إلى التنسك للتعبير عن تمسكنا بجذور وأرض. هي شهادة قد تحملنا إلى التضحية الكبرى، شهادة من نوع آخر، لا تخاف ولا تهاب تقديم الجسد ذبيحة حتى تستمر الروح”
وتابع: “لن نرضى في ظل ما نعايشه باختزال دورنا والاعتداء على حقوقنا، فإيماننا بقوة القيامة هو الذي يدفعنا إلى أن “نقوِّم القيامة” بسبب ما نراه من استهتار واستخفاف بوجودنا في الشرق وفي لبنان وفي مؤسساته الدستورية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية وهو الذي يبقينا في مشرق تهدد بتمزيقه الإنتماءات المنغلقة على بعضها.لا نموت، لا نركع، لا نسكت ولا نخاف. نقوِّم القيامة حتى نحافظ على حقوقٍ ووجود وكرامة.شهادة نستنسخها عن المسيحيين الأوائل الذين سقطوا شهداء على درب التحرر من مار إسطفان إلى مار بطرس مرورا بمارت تقلا وسواهم. هي عبر ووقفة عز لا حدود لها ورثناها من أجداد أجدادنا ونفتخر اليوم بأمجاد أمجادهم، وسنتركها أمانة في أعناق أحفاد أحفادنا”. ودعا “حتى لا يضطر بعضنا إلى اللجوء إلى ما لا نبتغيه، إلى يقظة شاملة، مسيحية أولا ووطنية ثانيا، تحمينا وتدافع عن مشرقيتنا المنفتحة وتجعلنا لا نتراجع بعد اليوم عن آخر معقل لحريتنا في لبنان أو آخر خط من خطوط ذاتيتنا” وأضاف: “هذه المشرقية التي نقاتل من أجلها هي أيضا حاجة إستراتيجية للدول كافة، فحاضر أوروبا من ماضينا ومستقبلها من حاضرنا وما يهددنا يهددها، فإن استسلمنا ستسقط أرضنا ويسقط الشرق وسيلحق به الغرب سقوطا، ولن تنفع عندها دموع التماسيح ولا تلاوة أفعال الندامة. لذلك نقاوم بالسياسة وبكل ما هو مشروع ولن يغلبنا أحد ولن يكتب لنا السقوط، لأن السقوط لغير المؤمنين. فنحن في الدين مؤمنون وفي المبادئ وفي السياسة مؤمنون وفي الوطن، وهو ما يجعلنا نجاهر بأننا مؤتمنون على دورنا ورسالتنا في لبنان، بلد التعددية ومنارة الحريات في شرق أوسط تمزقه كراهية “النصرة” وإجرام “داعش” ومن يقف وراءهما ممن لا حول له ولا دين. أما الحول والقوة فهي من الله للمشرقيين الأصيلين، مسلمين ومسيحيين”.

الراعي
ووجه البطريرك الراعي في كلمته نداء إلى “كل فريق سياسي وكتلة نيابية كي يعين مرشحه النهائي المقبول من الآخرين، على أن يكون مميزا بصفة رجل دولة معروفا بتاريخه الناصع وبقدرته وحكمته على قيادة سفينة الدولة في ظروفنا السياسية والاقتصادية والأمنية الصعبة للغاية”، مؤكدا أن “المسيحيين اليوم هم حاجة بلدان الشرق الأوسط الملحة والقصوى”، معتبرا أنه “ما من أحد يستطيع اقتلاع الكنيسة والمسيحيين من هذا المشرق، لأن الله زرعها وزرعهم في أرضه”.وقال: “يسعدني أن أشارك في هذا المؤتمر العالمي بموضوع “مسيحيو الشَّرق الأوسط: تراث ورسالة” الذي تدعو إليه وتنظمه الرابطة المارونية مع كنائس الشَّرق الأوسط، وتستضيفه مشكورة جامعة سيدة اللويزه ذوق مصبح. فيطيب لي أن أحيي جميع المشاركين ورئيس الرابطة ومجلسها ورؤساء الكنائس وممثليهم ورئيس الجامعة والقيمين عليها والمحاضرين”. وأضاف: “يتساءل كثيرون عن مصير مسيحيي الشرق الأوسط”، وكأنهم في خطر الزوال.أما أنا فأقول: المسيحيون اليوم هم حاجة بلدان الشرق الأوسط الملحة والقصوى. فهم كانوا في أساسها، إذ يرقى وجودهم في هذا المشرق إلى ألفي سنة، وهم أرسوا على أرضه الثقافة المسيحية قبل ظهور الإسلام بستماية سنة، فأصبحت أرضنا بيبلية. لم يكن حضورهم في البلدان البيبلية مجرد انتماء سوسيولوجي أو نجاح اقتصادي وتجاري، بل كان حضور إرسال إلهي (راجع مر16: 15) التزموا بموجبه إعلان الإنجيل ونشر ثقافة المحبة والأخوة والسلام . هذا ما يريد تأكيده موضوع هذا المؤتمر “تراث ورسالة مسيحيي الشرق الأوسط”.
وتابع: “حضور المسيحيين كان وسيظل، واليوم بمزيد من الاندفاع، للشهادة والخدمة والرسالة، فلا تقوقع ولا ذوبان. يعتبر المجمع البطريركي الماروني “أن التقوقع يلغي رسالتنا، والذوبان يقضي على هويتنا”. أليس في هذه المنطقة تجسد ابن الله، يسوع المسيح، لفداء الجنس البشري وخلاص العالم؟ أليس فيها أسس كنيسته لكي تواصل عمل الفداء والخلاص؟ إذن، ما من أحد يستطيع اقتلاع الكنيسة والمسيحيين من هذا المشرق، لأن الله زرعها وزرعهم في أرضه. وبالتالي يبقى النهج المسيحي نهج حبة الحنطة: الموت والقيامة. “فدم الشهداء بزار المسيحيين”، على ما كان يردد آباء الكنيسة. وهذا ما نعرفه بالاختبار من مجرى التاريخ”.
وأضاف: “حضور المسيحيين في بلدان الشرق الأوسط حضور تراث ورسالة، كما يحدده موضوع هذا المؤتمر. فقد غذوا تاريخها وثقافات أرضها بحضارتهم الإنجيلية، الروحية والاجتماعية والإنمائية: عززوا الانفتاح والتنوع في وجه الانغلاق والأحادية، نقلوا قيم الحداثة، ساهموا في نشأة الأحزاب السياسية وفي بناء الدولة الحديثة، كانوا رواد حركات التحرر من حال الانتداب، كما كانوا في أساس إحياء الحضارة العربية، المسيحية – الإسلامية، ونهضتها. ولقد سجل التاريخ وجوها لا تنسى، يضيق بنا الوقت لذكر اسمائها وهي كثيرة. هذا الماضي ليس مجرد ذكريات، بل هو اليوم واجب الأمانة والاستمرار والابتكار الذي يستمد المستقبل منه رؤياه”.
وارف: “من نتائج النهضة العربية التي أسهم فيها المسيحيون إسهاما أساسيا، استنباط مفهومين هما حاجة دائمة لبلدان هذا المشرق: العروبة والتعددية. فالعروبة، بمفهومها الأصيل، هي عروبة الإنسان لا الدين، وعروبة الانفتاح والحداثة الإيجابية لا الانغلاق والتعصب. أما التعددية فهي تعددية الثقافات والجماعات، التي يرتكز عليها كل مجتمع حضاري متقدم، وتعززها دولة مدنية حديثة قادرة. وليست تشرذم طوائف وكيانات على حساب الوحدة الوطنية. وكان التركيز في هذا الإسهام على أن المحور الثابت والأساس للعروبة والتعددية إنما هو الإنسان، وقدسية حياته، وكرامته وحريته وحقوقه”.
أضاف:”يسجل التاريخ تداخلا غير منفصم بين المسيحية والشرق الأوسط. وقد أراده الله وأدركه المسيحيون بأنه وجود رسالة موكولة إليهم. بهذه الروح دخلوا في علاقة العيش السلمي مع الدين الإسلامي الجديد في المنطقة، بالرغم من الاختلاف العقائدي والثقافي. وساد التعاون في بلاط الخلافتين الأموية والعباسية، وفي الثقافة والحضارة العربية. كما ساد الاحترام المتبادل ضمن دولة تحترم تنوع المعتقدات. لكن سرعان ما مر هذا العيش معا في مراحل صعبة ومظلمة أثناء عهود الفاطميين والمماليك والعثمانيين الأتراك. ثم استقر بعض الشيء عند استقرار الأمبراطورية العثمانية، وقيام الإمارتين المعنية والشهابية في جبل لبنان، لتعود المحن في بدايات القرن العشرين لتشتد بقساوة مع قيام حركات التتريك والقومية والتطهير العرقي في تركيا فكانت المجازر والإبادة المروعة سنة 1915 التي وقع ضحيتها مليون ونصف المليون من الشعب الأرمني ومئات الألوف من اليونانيين والسريان والأشوريين والكلدان. وكانت المجاعة في جبل لبنان التي حصدت ثلث سكانه، بسبب الحصار البري والبحري الذي ضرب عليه”.
وتابع: “هذا على صعيد الدولة الحاكمة، أما على صعيد الشعب، فقد بلغ التعاون المسيحي – الإسلامي درجة مرموقة في العمل المشترك في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. فكان للمفكرين والصحافيين المسيحيين دور بارز على صعيد الثقافة والصحافة، وفي الدعوة إلى الوحدة العربية في وجه التعسف التركي”.
وقال:”أما لبنان، فيشكل نموذج العيش معا، بالمساواة بين المسيحيين والمسلمين، في نظام يفصل بين الدين والدولة، مع حفظ الإجلال الكامل لله ولشرائعه واحترام جميع المكونات الدينية المتنوعة، وضمانة أحوالها الشخصية، وفي نظام ديموقراطي برلماني يتيح للمسيحيين والمسلمين، على تنوع طوائفهم، المشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة، على أساس الميثاق الوطني وصيغته التطبيقية ووثيقة الوفاق الوطني التي دخلت مبادئها في الدستور الجديد عام 1990. ولبنان بتعبير القديس البابا يوحنا بولس الثاني: “قيمة حضارية ثمينة”، وهو “أكثر من بلد، بل هو رسالة حرية، ونموذج في التعددية والعيش معا، للشرق كما للغرب، وصاحب تقاليد غنية وعريقة في التعاون بين المسيحيين والمسلمين، وفي الحوار والتوافق من أجل خدمة الإنسان. وهذه شروط للحرية والسلام واحترام الآخر”.
أضاف: “من هذا التراث، تنطلق دعوة لبنان التاريخية ورسالته، التي فيها للمسيحيين عامة وللموارنة خاصة، دور رائد، بفضل مدارسهم وجامعاتهم ومؤسساتهم المدنية والكنسية، وبفضل ثقافتهم المسيحية التي ينقلونها إلى شركائهم في الوطن، ويتلقون منهم إيجابيات ثقافتهم الإسلامية. وهكذا وطدواالعيش معا على أسس ثلاثة: المساواة والمشاركة والتكامل، وهي بمثابة حجر الزاوية في البناء اللبناني. هذا النموذج اللبناني أجرى تحولا تاريخيا في العلاقة المسيحية – الإسلامية بالمطلق. فقد نقلها من التوتر وعدم التكافؤ إلى التوافق والتكامل، ومن التعصب إلى الإعتدال. خصوصية لبنان هذه جعلت منه دولة بجناحين، مسيحي ومسلم، متكافئين، بحيث يشكل كل جناح، على تنوعه وغناه، قيمة مضافة، تؤلف جمال التنوع في الوحدة. كما أنها تمكنه من الإسهام في إخراج العالم العربي من مخاضه الحضاري إلى إقرار الوحدة في التنوع والحريات العامة، والعمل بمقتضيات العدالة والسلام وحقوق الإنسان. ومن المعروف أن هذه القيم هي من صميم الثقافة المسيحية. ولذلك الحضور المسيحي في بلدان الشرق الأوسط حاجة وضرورة. وبدل السؤال عن مصير المسيحيين، ينبغي أن يتساءل العالم العربي عن مصيره من دون دور فاعل للمسيحيين”.
وتابع: “أما اليوم، وقد تعثر دور لبنان في مساهمته بسبب انجراره في محاور النزاع الإقليمي السني – الشيعي، فكانت ارتداداته السلبية عليه بنزاع سياسي بين فريقين شطرا البلاد، حتى الوصول إلى عدم إنتخاب رئيس للجمهورية منذ سنة وأربعة أشهر، وبعد 26 دورة انتخابية فاشلة. وهم اليوم، مع الأسف الشديد، في انتظار القرار من الخارج. فإننا معكم، ومن هذا المؤتمر، الذي يبرز دور لبنان والمسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، نوجه النداء إلى كل فريق سياسي وكتلة نيابية، كي يعين مرشحه النهائي المقبول من الآخرين، على أن يكون مميزا بصفة رجل دولة معروفا بتاريخه الناصع وبقدرته وحكمته على قيادة سفينة الدولة في ظروفناالسياسية والاقتصادية والأمنية الصعبة للغاية”.
وختم: “بانتخاب رئيس للجمهورية من هذا النوع تعود الحياة الطبيعية إلى المؤسسات الدستورية والعامة، وتجرى الإصلاحات السياسية والإدارية اللازمة، وتتشدد مكونات الدولة القوية والقادرة والمنتجة عندها يستطيع لبنان أن يقدم إسهامه في الحلول السلمية للنزاعات والحروب وممارسة العنف المتبادل، التي لا نتائج لها سوى المزيد من الهدم والقتل والتهجير. نأمل أن يؤتي هذا المؤتمر ثماره المرجوة في ما يعالج من مواضيع تختص بدور المسيحيين البناء في أوطانهم الشرق أوسطية، بفضل ما هم مؤتمنون عليه من “تراث ورسالة”، عشتم وعاش لبنان”.
ثم وزعت دروع تقديرية على المتكلمين في المؤتمر باسم الرابطة وعلى الذين ساهموا في انجاحه.