ربى كبّارة: النفايات آخر الابتكارات في مواجهة الحكومة/داود الشريان: نفايات لبنان: سكة اللي رايح ومش جاي

815

نفايات لبنان: «سكة اللي رايح ومش جاي
 داود الشريان/الحياة/23 تموز/15

بعض المواطنين اللبنانيين ينظر إلى أزمة النفايات، في محافظتَي بيروت وجبل لبنان، من خلال روائحها الكريهة، وما ينتج عنها من أضرار للصحة العامة، باعتبارها فشلاً سياسياً للحكومة، وتورُّط أطراف فيها للتلاعب بصحة المواطنين، بالسّعي إلى استثمار عقود المكبات لمصلحته. لكنّ مواطناً لبنانياً من جيل آخر، ينظر إلى «أزمة» النفايات بعين الرضا والفرح، ويتقبل روائحها المزعجة التي تعكّر مزاجه، وتهدِّد صحته، باعتبارها أهون الشرَّين. اللبنانيون تعلَّموا من الحرب الأهلية. يتراشقون بالكلام ويتحدون، لكنهم لا يفكرون أبعد من ذلك، ليس لأن عودة حرب أهلية في لبنان باتت مستحيلة، لغياب أطرافها، وإن شئت هيمنة طرف واحد على السلاح والقوة، وإنما لأنهم ذاقوا مرارتها، واكتشفوا بعد 15 عاماً أن الحروب الأهلية لا تُنتِج سوى الموت والدمار والفشل. ولهذا استبدل اللبنانيون النفايات، بالرصاص ورائحة الدم، استبدلوا الذي هو أهون بالذي هو أخطر، وتعلّموا ثقافة فرز النفايات من المصدر. لبنان لا يعاني مشكلة نفايات، بل أزمات طائفية ومذهبية ومناطقية، يعيش أزمة كراهية متبادلة وموجعة. لكنه يعبّر عنها بالتراشق بالنفايات هذه المرة. النفايات تخفي وراء مكبّاتها استقطابات مناطقية ومذهبية. المناطق صارت ترفض استقبال نفايات بيروت والضاحية، وأصبح الأهالي يهدّدون منْ يحاول إدخالها إلى مناطقهم. تحولت القضية إلى تمترس يذكّرك بلغة الحرب الأهلية. ورداً على هذا الموقف قال النائب محمد قباني: «أكثر من نصف سكان العاصمة أتوا إليها من خارجها، فلماذا هذا التمييز المناطقي المعيب الذي يهدد بتداعيات شديدة الخطورة على تماسُك المجتمع والدولة، إذ قد يأتي يوم يرفض فيه أهالي بيروت أن يتعلم أبناء المناطق في مدارس العاصمة، أو أن يحصلوا على الطبابة في مستشفياتها».

اليوم الذي تحدّث عنه قباني يبقى احتمالاً مطروحاً، طالما أن اللبنانيين عاجزون حتى الآن عن اختيار رئيس للدولة، فضلاً عن أنه لا أحد في لبنان يضمن تماسك المجتمع والدولة، بدليل أن النفايات كشفت أن المواطن بات يتعامل مع منطقته خارج مفهوم الدولة، ولسان حاله، كلٌّ يُبقي «زبالته» في بيته. ولكن، على رغم فرز المناطق، والرائحة السياسية للنفايات، اتضح أن اللبنانيين تعلّموا صنع أزمات صغيرة لدرء أزمة أكبر. لا شك في أن أزمة النفايات كشفت ضعف السلطة المركزية للدولة اللبنانية، فضلاً عن أزمة التعايش العميقة التي يعانيها اللبنانيون. الأكيد أن أزمة النفايات ستُحلّ، على رغم أن هناك من يسعى إلى زيادة ركامها لقطع الطريق على ركام سياسي يلوح في الشوارع، لكن طريقة التعاطي مع هذه الأزمة تؤشّر إلى طريق المفترق، أو على رأي المصريين «سكة اللي رايح ومش جاي».

النفايات آخر «الابتكارات» في مواجهة الحكومة
ربى كبّارة/المستقبل/23 تموز/15

ينحو ملف النفايات منحى خطيراً مع غرقه في مستنقعات التفرقة الطائفية والمناطقية رغم ان المخاطر البيئية والصحية لا تفرق بين مواطن وآخر. فمواصلة التيار «الوطني الحر» التمسّك بأولوية البحث في آلية اتخاذ القرارات على طاولة مجلس الوزراء، بغض النظر عن المستجدات الداهمة، قد يهدد مصير حكومة الرئيس تمام سلام، وحدها شبه العاملة بعد فراغ الرئاسة الاولى وشلل المجلس النيابي. فالنائب ميشال عون يبدو مصمماً على مواصلة الاشتباك مع الرئيس سلام ليكون عنوان الاشتباك المحلي، زوراً، مسيحياً – سنياً بدل ان يكون شيعياً – سنياً على غرار ما هو مستشرٍ في المنطقة. لكن الرئيس سلام تخطى بحكمته وصبره مخاطر انفراط عقد آخر جلسة حكومية، اذ وعد في نهايتها بتجديد البحث، في مطلع جلسة اليوم، بآلية اتخاذ القرارات في ظل الفراغ الرئاسي. وكان ذلك قبل ان تجتاح تلال النفايات ارصفة بيروت وقبل ان يغطي دخان احتراق بعضها سماء العاصمة. فبوضوح وصراحة كشف مقرب من النائب عون عن العزم على دفع سلام للاستقالة، وان ادى ذلك الى اخذ البلد الى مجهول دستوري وامني. وقال لصديق سيادي «انجاز الاتفاق النووي يعني انتصار حلفائنا وبالتالي سنفرض شروطنا على الدولة». فعون يستقوي بدعم «حزب الله» وسائر الحلفاء لمواقفه. لكن هذا الدعم لم يتخط المستوى اللفظي في المفاصل الاساسية مثل السعي لاسقاط الحكومة او اللجوء الى الشارع او الترويج للفيدرالية. ويقول الصديق السيادي: «لقد فشل عون في تجييش فعلي لحلفائه المحليين يتخطى حدود الإطار اللفظي، كما فشل في لفت نظر الخارج لنضاله المزعوم من أجل استعادة حقوق المسيحيين المسلوبة» لأن هدفه بوضوح تجديد الزعامة عبر شد العصب الطائفي.

ويلفت المصدر الى مدى سذاجة القائلين بان الاتفاق النووي يشكل «انتصاراً كاملاً« لإيران. ويقول «قطعة التوازنات الداخلية في البازل مفقودة« وهي التي تؤثر فعلياً على توازنات المنطقة ولا يمكن بالتالي «تصور المعادلة التي سترسو عليها اذا لم يتضح مآل الطرف الداخلي المستفيد من رفع العقوبات: الاصلاحيون او المتشددون». ويطرح بضعة تساؤلات منها «هل سيصب التوقيع في مصلحة انقاذ النظام ام إنقاذ هيمنته الإقليمية؟«، و»هل ستستفيد ايران من الاتفاق كما استفاد بشار الاسد من الاتفاق على الكيماوي بإطالة عمر نظامه المتهاوي حكماً«. لكن دفع سلام للاستقالة هو دفع للبلد نحو المجهول. فلمن سيقدم استقالته ومن سيقبلها ومن سيجري استشارات نيابية لتكليف شخصية أخرى ومن ومن.. خصوصاً أن البلد في مواجهة مخاطر امنية سواء منها القديمة الناجمة عن قتال «حزب الله« الى جانب بشار الاسد، او تلك المستجدة كما خطف التشيكيين. ويلفت المصدر الى ان حوادث الاختطاف، سواء للتشيكيين او قبلهم لمواطنين استونيين في آذار 2011 او لمواطنين أتراك في آب 2013، وقعت جميعها في مناطق نفوذ «حزب الله». ويتوقع الصديق السيادي ان يكون موقف عون أكثر تصلباً بعد زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع للمملكة العربية السعودية والتي لها مفاعيل بالغة الاهمية: وطنياً، وعلى مستوى «قوى 14 اذار«، ومسيحياً، حتى وإن أدرجها البعض في إطار سعي المملكة لتجميع أوراق قوة بعد الاتفاق النووي. فعلى المستوى الوطني تحيي الزيارة وتذكّر بدور «القوات اللبنانية» في ترسيخ «اتفاق الطائف«، الذي تشكّل زعزعته خسارة ديبلوماسية للسعودية التي لعبت دوراً مفصلياً في إنجازه. فالزيارة أتت في لحظة تاريخية تضع الاتفاق على طاولة التشكيك تمهيداً للوصول الى مؤتمر تأسيسي. كما أن اجتماع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بجعجع مؤشر إضافي على حق «قوى 14 آذار« في استكمال المواجهة الشرسة مع 8 آذار.. ومسيحياً تطمئن الزيارة ابناء الطائفة سواء المنتشرين في دول الخليج او في المشرق بوجه عام لما يمثله العاهل السعودي من ثقل اقليمي.