نبيل بومنصف: احترموا عقولنا قليلاً// اميل خوري: /دعوة عون للتظاهر تشقّ الصف المسيحي وتؤثّر على تقاربه مع جعجع//نايلة تويني: انفعال عمره أكثر من ربع قرن

511

دعوة عون للتظاهر تشقّ الصف المسيحي وتؤثّر على تقاربه “الطازج” مع جعجع
اميل خوري/النهار/6 تموز 2015

يمكن القول إن ايران عرفت كيف تحيك بمهارة سجادة التعطيل في لبنان وتستثمر خوف قوى 14 آذار على الوحدة الوطنية والسلم الاهلي لتفرض حكومات يكون لحلفائها فيها الثلث المعطل واللجوء الى الشارع كلما حاولت هذه القوى التمرد أو التصدي لمخطط التعطيل. وعرفت كيف تستثمر التوق الشديد للعماد ميشال عون الى الرئاسة الاولى، واستعداده للتضحية بكل شيء في سبيل الوصول الى قصر بعبدا، وان تمسك بأوراق الضغط والمساومة عسكرياً وسياسياً في سوريا والعراق واليمن لتصبح المفاوض القوي في محادثات الملف النووي وتمتلك قرار الحل في هذه الدول أو استمرار الحروب فيها. وقد بدأ تنفيذ مخطط التعطيل بحضور النواب حلفاء ايران جلسة الاختبار الاولى لانتخاب الرئيس لمعرفة عدد الاصوات التي سينالها مرشح 14 آذار الدكتور سمير جعجع، واكتفى مؤيدو العماد عون بالقاء أوراق بيض في صندوق الاقتراع من دون اعلانه مرشحاً رسمياً بل مرشحاً شفهياً… وعندما تكرر تعطيل جلسات انتخاب رئيس للجمهورية ارتأت ايران تسهيل تشكيل حكومة تتولى صلاحيات الرئيس بالوكالة لتظل قادرة على تعطيل عملها ساعة تشاء. ولكي لا يتحمل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وحدهما مسؤولية استمرار تعطيل انتخابات الرئيس من دون مبرر امام الرأي العام، عمدت الى ابتداع اسباب لذلك مثل الدعوة حيناً الى اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية بحجة ان مجلس النواب الحالي فقد شرعيته بالتمديد له مرتين حتى الآن، وحيناً آخر بحصر الترشح للرئاسة بالاقطاب الموارنة الاربعة الاقوياء، من دون ان يتفقوا على اختيار مرشح واحد منهم ولا التزام الاتفاق على حضور الجلسات لتأمين نصابها ولانتخاب الاكثرية النيابية المطلوبة مرشحاً منهم أو أي مرشح آخر للخروج من استمرار ازمة الشغور الرئاسي الذي يترك الابواب مفتوحة للفراغ الشامل. ولاضاعة مزيد من الوقت الى ان تصبح ايران في وضع القادر على قول كلمتها في الانتخابات الرئاسية في لبنان، عمد العماد عون بالاتفاق مع “حزب الله” على طرح فكرة انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب لأن المجلس النيابي الحالي الممدد له لم يعد يمثل ارادته تمثيلا صحيحاً. وعندما رُفضت هذه الفكرة لكونها مخالفة للدستور، وعون يعلم ذلك لكنه يريد ممارسة لعبة التأجيل وتقطيع الوقت اللازم الذي تحتاج اليه ايران لتقول كلمتها، طلع بفكرة جديدة هي اجراء استفتاء شعبي حول من تريد الاكثرية رئيساً للبنان وهي فكرة لا ينص عليها الدستور وليس لأي حزب ان يدعو اليها انما الدولة فقط، طلع عون بفكرة اجراء “استطلاع رأي” مع علمه وعلم الجميع ان لا التزام بنتائجه خصوصاً ان نتائج الاستطلاع في أي دولة لا تعطي احياناً الصورة الصحيحة لرأي الشعب لا سيما في موضوع الانتخابات التي يغير فيها الناخب رأيه بين وقت وآخر. وهكذا نجحت إيران في ابتداع “الأفكار” التي تبرر استمرار الشغور الرئاسي الى اجل غير معروف إلا منها… فارتدت الى حكومة “التسوية” كما سمّاها “حزب الله” لتجعل كل موضوع يطرح على مجلس الوزراء لا تتم الموافقة عليه الا بتسوية وليس بما تقتضيه “المصلحة الوطنية” التي حرص الرئيس تمام سلام على ان تكون حكومته في خدمة هذه المصلحة وليس في خدمة اي مصلحة خاصة او مصلحة اي خارج. ومع اقتراب مفاوضات الملف النووي من نهايتها وجدت ايران نفسها في موقع قوي لأنها تمسك بأوراق سلبية وايجابية في العراق وسوريا واليمن ولبنان لتستخدم ما ترى منها وفق مسار هذه المفاوضات، فإما انفجار مستمر في المنطقة، وإما انفراج دائم وسلام ثابت.وإذا كانت الحروب هي التي تمزّق عدداً من دول المنطقة، فإن تعطيل المؤسسات في لبنان يمزقه ايضاً بجعل ابواب الفراغ مفتوحة فيه على كل الاحتمالات. ومن أجل تعطيل عمل الحكومة جعلت ايران العماد عون يقدم التعيينات العسكرية على الانتخابات الرئاسية الى حد التهديد بتفجير الوضع المطلوب دولياً واقليمياً ان يبقى مستقراً، وان يدعو للنزول الى الشارع ليس من اجل انتخاب رئيس للجمهورية تحل كل المشكلات بانتخابه، انما من اجل تعيين قائد جديد للجيش حتى قبل انتهاء مدة القائد الحالي، وهي دعوة قد تشق الصف المسيحي المطالب بانتخاب رئيس اولاً، وتؤثر على التقارب الطازح بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”.
لكن تهديد عون بالانفجار يبقى قنبلة دخانية او صوتية اذا لم يشارك فيه “حزب الله” بالفعل لا بالقول.

 

احترموا عقولنا… قليلاً !
نبيل بومنصف/النهار/6 تموز 2015
ليس من الغرابة في شيء ان ترتفع في لبنان سحب سخونة سياسية وحتى أمنية في شرق اوسط يقترب من لحظة استحقاق ولادة الاتفاق الغربي – الايراني على الملف النووي مترافقاً مع اندلاع معركتين استراتيجيتين في حلب والزبداني في سوريا ناهيك عن مشتقات اخرى من الحروب الطاحنة المندلعة على نار الارهاب الداعشي. والحال اننا أصبنا بانعدام ثقة بمناعتنا الذاتية اللبنانية بات في درجة متقدمة جداً تقرب من الدونية التي تفصح عنها مقولة ذائعة الصيت هي ان أحداً ما كان يتخيل لبنان بصورته المستقرة نسبياً هكذا على رغم احكام حصار الحرائق الكبرى عليه. إذن يمكن استخلاص الحالة اللبنانية الراهنة بأنها مزيج من الازدواجية التي تعترينا جميعاً بأننا نسبح بحمد النجاة من الحريق الفتاك ولكننا نقف الآن اكثر من اي وقت سابق عند مشارف الاختبار الذي قد يكون الأخير وسط اشباح التحولات الكبرى الذي تحبل بها المنطقة. في ظل ذلك لا يعود جائزاً التعامل مع الازمة الحكومية المرشحة لمزيد من الاحتدامات كأنها مجرد تفاعل حار مبسط على خلفية بنود واشتراطات يطرحها الفريق العوني مدعوماً من “حزب الله” وترفضها بقية المكونات الحكومية. هذا التعامل استنفد فصوله الاولى. الآن نطل على “الشوار” المهلك بنفسه، لان “حكومة المصلحة الوطنية” هي السد الأخير الحائل دون القفز الى القعر. ملأ الصخب آذان الناس وأعمى بصيرتهم وأصم آذانهم وأصاب منهم الضياع الى أقصى الحدود. ولكننا لا نعتقد بان اللبنانيين الذين يحملون الاجازات العالية والمتفوقة في الخبرة المديدة تفوتهم حقيقة ان وراء الأزمة الصاعدة يكمن الاختبار الحاسم الأخير للصراع بين تحييد لبنان عن الجحيم الاقليمي او إلحاقه بحرائقه. ولسنا من السذاجة المفرطة، بفعل إفناء أعمارنا تحت وطأة الازمات والحروب والبطولات الوهمية الانتحارية، بحيث نصدق ان حريقاً بحجم ذاك الذي يهول به علينا هو مجرد لعبة داخلية وَلَهْو محلي وترف من هنا وعناد من هناك او حتى مجرد صراع على السلطة. أقله ثمة ما فات كل من لا يزال يعتقد بامكان “تمرير” هذا الدجل على ذقوننا بأن معظم اللبنانيين، حتى لو استسلموا ووهنوا وارتهنوا وانصاعوا، يدركون بالحدس المكتسب ان التصعيد الحالي هو الواجهة المفتعلة فقط لما يراد للبنان ان يمر به في النفق الاخير المفضي الى المجهول. ولذا قد نُعذر او لا نُعذر وليس من فارق في اي حال، اذا ضحكنا في احلك المخاوف من كل من يريد اهانة عقولنا وإرقاصنا على صخب داخلي مزعوم، مهما ارتفع الضجيج في قابل الأيام والأسابيع والأشهر. على بعد أمتار من الحدود كل القصة لا أكثر ولا أقل.

 

انفعال عمره أكثر من ربع قرن
نايلة تويني/النهار/6 تموز 2015
ربما كان العماد ميشال عون يعمل لملاقاة الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في دعوته الى مؤتمر تأسيسي يعيد صياغة النظام اللبناني الذي قام عام 1943، والذي قد يتفق كثيرون على انه صار في حاجة الى ترميم. فسياسة التعطيل التي اعتمدها تؤدي حكماً الى هذا الطريق، ذلك ان البلاد من دون رئيس للجمهورية بسبب تمسك عون بشعار “انا أو لا أحد”، وقد طبّق القول بدعم من حليفه “حزب الله”. واليوم يسعى الى تعطيل الحكومة لأنها لم تمضِ معه في تعيين صهره قائدا للجيش، بدعم من “حزب الله” أيضاً. ويرى عون ان مجلس النواب الذي مدّد لنفسه غير شرعي، ولا يحق له التشريع. لذا ينبغي تعطيل كل مؤسسات الدولة، من أجل توفير المناخ الملائم للمضيّ في تعديل الصيغة وقيام مؤتمر تأسيسي كان دعا اليه حليفه.
قد تكون الدعوة محقة اذا تأمنت لها الظروف المناسبة، وهي كثيرة، منها:
– توافر الاجواء الحوارية بين اللبنانيين بما يؤسس لمسيرة تفكير ووضع اوراق عمل تكون المدخل الى تعديلات مستقبلية لجمهورية جديدة.
– اعادة النظر في اتفاق الطائف، ما طُبِّق منه وما لم يطبَّق، قبل نسفه، اذ كان ثمرة نقاشات ودراسات طويلة وتوافق.
– ضمان ألا يؤدي أي تعديل او تغيير الى سفك دماء جديدة ولا يؤسس لحروب مستقبلية جديدة.
– توفير الغطاءين الاقليمي والدولي، فلا يأتي أي تعديل لمصلحة فريق على حساب آخر، وخصوصا من الافرقاء الذين باتوا يشكلون جزءاً من محاور اقليمية.
– ان يضمن كل تغيير صيغة التعايش في لبنان، تلك الصيغة التي باتت حاجة دولية في عالمنا مع تنامي النزعات الاتنية والمذهبية والعرقية وغيرها، ومطالبة كل منها باشراكها في السلطة.
لكن الظروف المحيطة وهوية المطالبين لا توحي الثقة لأن أياً منهم لم يحترم الصيغة القائمة والدستور والقوانين أو يعمل بموجبها، فيدرس حسناتها وسيئاتها ويقومها بمفهوم علمي قبل المطالبة بتعديلها.
فالعماد عون اختار طريق الميليشيا لدى تسلّمه الحكومة العسكرية الموقّتة، فخالف القوانين العسكرية والمالية والادارية وضربها عرض الحائط، وأكمل في تفاهماته الجانبية، سواء مع “حزب الله” أو مع “القوات اللبنانية”، فلم يتفق مع الاول على صيغة لنزع سلاحه غير الشرعي بل وفّر له الغطاء المسيحي، ودعمه في حروبه التي يفرضها على البلاد من دون اي اعتبار لمنطق المؤسسات والقانون، ولم يتفق مع الثاني على صيغة للخروج من نفق الشغور الرئاسي. ولم يتقرب من “المستقبل” الا على ابواب الرئاسة.
اما الحزب، فعمل ويعمل باستمرار على تخطي الدولة والقوانين، وحروبه في سوريا خير دليل على ذلك، اذ تحول معها جزءاً من المشروع الايراني الداعم لنظام بشار الاسد، ولم يرتضِ سابقا أي مشروع وطني للاستراتيجية الدفاعية، فضلاً عن انه يرفض تسليم المطلوبين منه للعدالة الدولية …
فكيف يريدنا الطرفان ان نمضي معهما في هذه الظروف في مشروع مؤتمر تأسيسي؟ صحيح ان ما يقوم به الجنرال حاليا من تجييش، يوحي بأجواء انقلابية، ولكن صحيح أيضاً ان انفعال عون ودعواته الى تحريك الشارع تعود الى اكثر من ربع قرن، وهي لم تثمر حتى اليوم شيئاً في مسيرة بناء الدولة، بل بالعكس، تسببت بفوضى وحروب واقتتال.