روزانا بومنصف: نقاشات خافتة حول تعقيدات قانون الانتخاب//نبيل بومنصف: فيديرالية أجندات

289

“فيديرالية أجندات”!!
نبيل بومنصف/النهار/29 حزيران 2015
لا ندري بعد ذاك اليوم الدموي الجمعة الماضي، الذي شكّل احدى “غزوات” الحرب الارهابية المعولمة، كم يمكن اللبنانيين ان يستكينوا من دون جزع الى سلوكيات القوى السياسية “الكبرى” كضمان او عامل ثقة “بحكمتها” ونضجها للإبقاء على حزام أمان بتنا نخشى فكفكته بأسرع مما يتصوره الجميع. نحن الآن أمام مرأى ازمة سياسية تتسع وتتشظى في كل الاتجاهات وتكشف قوى سياسية تشارف بمجموعها على الإنهاك والعجز مهما كابرت وزعمت العكس. ولن يبقى افتضاح هذا الواقع مختبئاً وراء الخطوط التقليدية للصراع الداخلي بل ان شل الحكومة بدأ يظهر مشهداً مختلفاً قد يكون من أبرز معالمه تكريس “فيديرالية” الاجندات وليس فيديرالية الحكم. والحال إن الفارق كبير بين “الطرازين” ولسنا الآن في معرض إثقال الناس بتنظير اضافي ممل. فما يعنينا هو الخوف من ان يشكل انفراط عقد هذه الحكومة تحديداً نذير دفع قسري للبنان، في توقيت لعله الأخبث والاسوأ، قصداً أم عفواً، نحو تشليع ورقة التين الدستورية الاخيرة التي تستر بقايا مظلة الأمان الداخلية. يكفي إلقاء نظرة بانورامية على شوارع القوى السياسية لتبين خطورة غرق هذه القوى في اجنداتها الخاصة، علماً ان ثمة معادلة ثابتة تاريخية تحكم لبنان في كل الظروف والحقبات وهي ان صعود هذا النوع من الاجندات غالباً ما يكون ممهداً لخسائر من الطراز الوطني الفادح. ومع استماحة العذر لانزلاقنا الى المعجم المذهبي الفاقع، نقول إن اجندة الشارع الشيعي باتت ترتبط ارتباطاً لا فكاك منه بمعارك دمشق وحمص وحلب والقلمون كحرب مصيرية بالكامل. واجندة الشارع السني أضحت أمام خطر المواجهة القاتلة بين التطرف والاعتدال. واجندة الشارع الدرزي تكاد تُختصر بمصير دروز سوريا وما أصابهم وما قد يصيبهم في أخطر الفصول المقبلة. أما اجندة الشارع المسيحي فلعلها تعصى على اي وصف مبسط. وترانا هنا اقرب الى الضياع في الحديث عن اجندة مسيحية عامة لفرط ما امعنت تقلبات الازمة الرئاسية المديدة في توزيع الغرائب والعجائب في هذه “الساحة” الفريدة. ها نحن الآن أمام مزيج من النماذج عن انصراف المسيحيين الى عوالم اخرى مختلفة عن سائر الشركاء المأزومين. يمتزج العمل على “ديموقراطية” استطلاعات الرأي بافتعال أزمات التعطيل، والتهليل لإعلان النيات الحسنة بالغموض البناء حيال المعركة الرئاسية، وادانة الفراغ بالتمديد لمسبباته. ولا نعرف ما اذا كنا سنكون يوماً أمام استفاقة مسيحية، ولا نقول اجندة، حيال الاولويات الحقيقية التي تمليها مواجهة ذاك الزاحف على المنطقة ولبنان. أقله “كانت” الحكومة حتى الامس تستر “فكفكفة” الاجندات، فمن تراه سيلملم الشتات بعد الآن؟

 

نقاشات خافتة حول تعقيدات قانون الانتخاب كيف يتجاوز الأفرقاء المسيحيون تهمة التعطيل؟
روزانا بومنصف/النهار/29 حزيران 2015
يندر إن لم يكن يستحيل أن وجد الأفرقاء المسيحيون في لبنان انفسهم في موقع مَن يتحمل المسؤولية المباشرة عن تعطيل مؤسسات الدولة اللبنانية على مر التاريخ اللبناني الحديث. فالمسيحيون كانوا دوماً المدافعون الأساسيون الشرسون عن مقومات الدولة وكيانها ولم يكونوا مرة ضد سير عمل المؤسسات، وفق ما يجري حالياً تحت أسباب او ذرائع لا تجد منطقاً داعماً لدى الافرقاء السياسيين الحلفاء او الخصوم، أقله في المجالس السياسية. فالامر لا يتصل بانتقاد القيادات المسيحية بل بوقائع باتت ترخي بظلها على الوضع السياسي. ولا تطاول المسؤولية في هذا الاطار فريقاً مسيحياً محدداً بل افرقاء عديدين، انطلاقاً من ان التيار العوني يعطل الانتخابات الرئاسية. ومع ان بعض الاتهامات تطاول “حزب الله” ويتعاطى الكثير من الدول التي دخلت على خط الوساطة والمساعي مع واقع محاولة اقناع ايران بالافراج عن الانتخابات الرئاسية، فان ذلك لا ينفي مسؤولية امتناع فريق مسيحي عن ممارسة انتخابات ديموقراطية بما يمكن ان ينزع ورقة الابتزاز من يد ايران.
ومجلس النواب معطَّل بدوره بعناوين معلنة لكل من التيار الوطني و”القوات اللبنانية” اللذين يشترطان ادراج بندين على جدول أعمال ما يعرف بـ”تشريع الضرورة” وهما بند استعادة الجنسية للمغتربين وقانون الانتخاب. والبند الاول يعارضه افرقاء كثر من بينهم “حزب الله” حليف التيار العوني والداعم له على طول الخط علماً ان مصادر سياسية تقول ان المسيحيين لن يستفيدوا على الارجح من هذا القانون في حال اقراره كما تستفيد الطوائف الاخرى، خصوصاً ان المسيحيين المغتربين لن يعودوا الى لبنان وظروف المنطقة لسنوات طويلة مقبلة لن تشجعهم على ذلك في الوقت الذي يُراد منه الاستفادة بالاعداد من أجل الانتخابات ليس الا. وثمة رأي لافرقاء سياسيين من اعضاء اللجان النيابية المعنية في هذا الاطار. في حين ان الوصول الى قانون جديد للانتخاب وفق ما يرغب فيه الفريقان المسيحيان يبدو معضلة في حد ذاته. وثمة مشاورات ونقاشات بعيدة من الأضواء تحصل على هذا الصعيد في اطار البحث عن المشروع الذي يمكن ان يلبي طموح الافرقاء المسيحيين من دون الاصطدام بمصالح الافرقاء الطوائفيين الاخرين ومراعاتها في الوقت نفسه . وينقل عن بعض القيادات المسيحية انه يتعين محاولة ارضاء الرأي العام المسيحي بقانون انتخاب عادل بالنسبة اليهم ما دام سيكون متعذراً انتخاب الرئيس “القوي” في نهاية المطاف. الا ان المفهوم المطروح لقانون انتخاب عادل يبدو وفق الطرف الآخر من النقاش بحيث ينتخب المسيحيون نوابهم اي نصف مجلس النواب الذي اتفق على ان يكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ليس سهلاً انطلاقاً من ان مفهوم المناصفة حين اعتمد في الطائف انما بني على تجاوز العدد أو ما بات يعرف بوقف العد في حين يرغب الافرقاء المسيحيون في العودة الى العد وهو الأمر الذي لا ينفي وجود سلبيات. قد يكون من أبرز هذه السلبيات تعذر تأمين انتخاب 64 نائبا بـ30 في المئة من الشعب اللبناني فقط، وفق الأرقام التي لم تعد تعتبر المسيحيين يشكلون نصف عدد اللبنانيين. اذ أن ذلك سيفتح أبواباً أخرى لن تقتصر مفاعيلها على لبنان فحسب بل تطاول دول المنطقة في ضوء ما يجري من انهيارات هيكلية للدول وكياناتها.
ويشارك حزب الكتائب ايضا في الامتناع عن المشاركة في اي جلسات نيابية بذريعة عدم جواز التشريع في ظل استمرار الشغور في سدة الرئاسة الاولى. وانتقل التعطيل اخيرا الى مجلس الوزراء تحت وطأة مطالبة التيار العوني باجراء تعيينات في قيادة الجيش تستبق نهاية الولاية الممددة لقائد الجيش العماد جان قهوجي وتأتي بصهر العماد عون العميد شامل روكز مكانه. والمشهد في هذا الاطار لافت في ظل رفع تيار المستقبل الذي توجه اليه سهام الاعتراض في هذا المجال رفضه أي تعيينات أمنية أو عسكرية على هذا المستوى قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية من اجل المحافظة على صلاحياته كقائد أعلى للجيش، كما في ظل مساع بارزة من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام بالتعاون مع النائب وليد جنبلاط من أجل تأمين استئناف عمل الحكومة بحيث يظهر للعلن على الاقل في هذا المشهد، باعتبار انه قد يكون هناك مصالح للبعض في هذا المشهد، حرص القيادات السياسية لدى كل الطوائف الاخرى على عمل المؤسسات الدستورية وانتظامها، خصوصا في ظل ظروف غاية في الصعوبة نتيجة الزلازل في المحيط المباشر للبنان، الامر الذي لم يعد ينطبق كليا على الافرقاء المسيحيين. فيما يقف “حزب الله” في الادبيات التي تساق في هذا الاطار مع مبدأ بقاء الحكومة وعملها. ولكن المشاركة في تعطيل عملها انما يأتي دعما للحليف العوني ليس الا، بحيث يرفع عنه المسؤولية المباشرة في ما خصّ الانعكاسات الخطيرة التي باتت تترتب على البلد تبعا لذلك. وتالياً فإن هذه الصورة بالغة السلبية تصيب المسيحيين عموما، خصوصا بالنسبة الى صورتهم في الخارج بحيث يعبرون عن ارتباك سياسي واضح قد لا يكون مقتصراً عليهم، خصوصاً ان كل الطوائف الأخرى تتعرض لخضات عميقة في ضوء ما يجري في المنطقة. لكن الشكوك في قدرتهم على تحقيق مرادهم عبر السبل التي يعتمدون كبيرة جدا بل يخشى ان تعرضهم لخسائر اضافية.