وسام سعادة: الشغور إذ يتمدّد في الزمان.وفي كلّ مكان//اميل خوري: كيف يمكن معالجة الأزمة الرئاسية//سابين عويس: سلام يحسم أمره ويدعو مجلس الوزراء قريباً

247

«الشغور» إذ يتمدّد في الزمان.. وفي كلّ مكان
وسام سعادة/المستقبل/29 حزيران/15
العام الثاني من الشغور الرئاسي ليس كعامه الأوّل وبالضبط لأنه العام الثاني. طوال العام الأوّل من فراغ الموقع الأول في الدولة اللبنانية، كان يمكن أن يُقال إنه «تأخير» في الانتخاب زاد عن حدّه، لكنه يظلّ «تأخيراً» في آخر الأمر، ويقارن بمثيله أواخر العام ألفين وسبعة، رغم الفارق الأساسيّ بين وضوح هوية المرشّح التوافقي آنذاك، وبين الحلقة المفرغة لـ»الكربجة» الترشيحية الحالية وترجمتها التعطيلية لجلسات الانتخاب. أما وقد دخلنا في العام الشغوري الثاني، فإن مفردة «تأخير» ما عادت تلائم الوضع. «الشغور الرئاسي» يتحوّل الآن الى ثقافة سياسية متفشية، والدعوات إلى انتخاب الرئيس العتيد ووضع حدّ للشغور باتت أشبه بطقوس وتعاويذ ترسّخ الثقافة السياسية للشغور نفسه. يبدو الأمر كما لو جرى الاستيحاء من نصب «الجندي المجهول» مقاماً في أعلى الدولة لـ»الرئيس المجهول».
في العام الثاني من الشغور نتعرّف أكثر الى التشابه بين فراغ السدّة، في أعلى منصب في الدولة، وبين انسداد معظم قنوات التداول. فكما أنّ التداول على السلطة، لكن أيضاً تداول الوقائع، وتداول الأفكار، وتداول المصالح، يعطّله الحكم الاستبدادي الفعال والمديد، كذلك يفعل فعله الشغور الى حد كبير، تعطيلاً لكافة أشكال التداول على السلطة، لكنه يتماشى أيضاً مع تفريغ التداول على الوقائع والأخبار والأفكار والخبرات من كل مضمون، وإغراقنا أكثر من ذي قبل في القيل والقال. والحال أنّ كل تفسير لتمادي الشغور الرئاسي بالعوامل الشخصية والذاتية فقط، او على العكس من ذلك بلعبة الأمم فقط، هو من قبيل القيل والقال. وهذا القيل والقال بدوره، يساهم سواء بتسخيف المسألة الرئاسية بعزلها عن الأزمة الهيكلية للنظام، أو بربطها خبط لصق بالأزمات الكونية، قفزاً فوق الأزمة الهيكلية للنظام اللبناني.
في زحمة هذا القيل والقال، لم يطوّر أحد في هذا البلد دينامية ضاغطة تعترض سبيل التمادي الزمني في الشغور الرئاسي شهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة. كل التجاذبات والتقاربات والتباعدات التي حدثت منذ بداية الشغور حتى الآن كانت بالأحرى تتعامل معه على أنه «تأخير» سيعالج ولو طال الزمن، وانه يشبه نمط اللبنانيين في عدم مراعاة المواعيد. لكنها لم تعد فقط مسألة موعد يظلّ يتأجل، هي مسألة «كربجة» مسيحية – مسيحية وإسلامية – إسلامية وإسلامية مسيحية، تزيد يوماً بعد يوم من صعوبة أن يكون لهذا البلد رئيس للجمهورية في أمد منظور، في الوقت نفسه الذي مضت أكثر من ست سنوات على آخر استحقاق انتخابي عرفه البلد، والمفارقة أنها كانت الانتخابات الأكثر تسيّساً في تاريخه، والأكثر اقتراباً من مسألة التداول على السلطة لأن ائتلافين واسعين تبارزا على امتداد الخارطة، بصرف النظر عن تضعضع الائتلاف الاستقلالي نفسه مباشرة بعد فوزه آنذاك. من هنا، مفارقة بقايا «النظام اللبناني» المستمرة الى الآن: من جهة، صار يبدو كنظام يعمل «اوتوماتيكياً» لا حاجة فيه لأي استزادة من السلوكيات التصويتية للناخبين، ومن جهة ثانية صار نظاماً يعمل بلا رأس.

كيف يمكن معالجة الأزمة الرئاسية ما دام معطّلو الانتخابات لا يعترفون بوجودها؟
اميل خوري/النهار/29 حزيران 2015
ما دام معطّلو الانتخابات الرئاسية لا يرون في الفراغ خطرا على البلاد انما في انتخاب رئيس ضعيف. ولا يرون ايضا ان الوضع الاقتصادي في البلاد يقترب من الكارثة كما يقول اهله، فان نداء الهيئات الاقتصادية والعمالية والنقابية الذي صدر عن لقائها في “البيال”، قد لا يكون له تأثير على هؤلاء مثله مثل نداءات اخرى صدرت عن مراجع دولية وسياسية ودينية. فكيف يمكن الاتفاق على معالجة مشكلة ما دام الفريق الآخر لا يعترف بوجودها؟
الواقع ان اي انتصار لا يستطيع الشعب تحقيقه بالوسائل السلمية والديموقراطية الا اذا كان موقفه واحداً. فنداء بكركي الشهير عام 2000 بدعوة القوات السورية الى الانسحاب من لبنان لم يستطع فريق لبناني واحد اجتمع في لقاء قرنة شهوان تحقيقه الا بعد انضمام الفريق الآخر اليه في البريستول. و”الثورة البيضاء” التي اطاحت عهد الرئيس بشارة الخوري ما كانت لتنجح لو لم يشارك فيها المسيحيون والمسلمون وبأكثرية ساحقة. ولم يكن في امكان ما عرف بـ”ثورة الارز” ان تطيح حكم الرئيس اميل لحود عند اخراج القوات السورية من لبنان لأن فريقاً آخر رفض ذلك لا بل ابدى استعداده للتصدي. ولا الشعب اللبناني كان في استطاعته التخلص من الانتداب الفرنسي ونيل الاستقلال لو لم يشارك المسيحي والمسلم في طلب ذلك. وهذا يؤكد ان لا انتخاب لرئيس للجمهورية ما دام في لبنان فريق يعطّل هذا الانتخاب لاسباب شتى. واذا صار الرد عليه في الشارع فان الفريق الآخر يرد عليه بالمثل فيزداد الخراب خراباً. واذا كان معطّلو الانتخابات الرئاسية لا تؤثر فيهم النداءات بما فيها نداء الهيئات الاقتصادية والنقابية والعمالية. وقد شكّل لقاء هذه الهيئات استفتاء يؤيد انتخاب رئيس للجمهورية، بأسرع وقت، فهل يأخذ المعطلون باقتراح البطريرك الراعي، وهو اقتراح طبيعي ودستوري كان ينبغي العمل به ضمن المهلة الدستورية وليس بعد اكثر من سنة على الشغور وذلك بأن تعلن 8 آذار رسميا مرشحها للرئاسة الاولى وان تفعل 14 آذار الشيء نفسه كي يقترع النواب لاحدهما ومن يفوز بالاكثرية النيابية المطلوبة يعلن فوزه. لكن السؤال المطروح: هل المطلوب حصر الترشيح بمرشحين اثنين فقط يسميهما 8 و14 آذار ولا يحق لسواهما ذلك؟ وماذا لو ان ايا منهما لم ينل اصوات الاكثرية النيابية المطلوبة؟ هل يستمران في الترشح فتعود عملية الاقتراع لتدور في كل جلسة في حلقة مفرغة ومن دون نتيجة؟ وهل يصير اتفاق على مرشح ثالث؟ ان العودة الى الدستور هي الحل. وكل حل آخر لن يكون دستوريا الا بعد ا دخال تعديل عليه يجيز بدعة الاستفتاء او استطلاع الرأي لان النتائج لا تلزم مجلس النواب. ولان انتخاب الرئيس يتم بالاقتراع السري وليس برفع الايدي. ان معطلي الانتخابات الرئاسية اذا عادوا الى رشدهم واستيقظ فيهم ضميرهم الغائب. ما عليهم سوى النزول الى مجلس النواب لانتخاب مرشحين معلنين وغير معلنين. وهو ما كان يحصل في كل انتخاب ولم يكن النواب يشترطون معرفة نتيجة الانتخاب قبل حصوله والا عطلوا الجلسة. فالرئيس سليمان فرنجيه ما كان ليفوز بصوت واحد على منافسه الرئيس الياس سركيس لو ان كــل نائب اشترط معرفة النتيجـــة قبل الانتخــــاب والا عطّل النصاب.
ويتساءل الناس القلقون من استمرار الشغور الرئاسي: هل يكون لكل هذا الحراك الداخلي والخارجي نتيجة تفضي الى انتخاب رئيس مطلع الصيف كي يكون لهذا الانتخاب انعكاس ايجابي على حركة الاصطياف فيحرك عجلة الدولة ويفعِّل عمل كل مؤسساتها؟
في معلومات لمصدر ديبلوماسي ان القوى السياسية الاساسية في لبنان اذا لم تتوصل الى اتفاق على انتخاب رئيس يكون من صنعها فانه سيكون حتما من صنع الخارج. وهذا قد لا يتحقق الا اواخر الصيف وليس بمجرد الاتفاق على الملف النووي الايراني”. لان هذا الاتفاق سيحتاج الى تسويق، خصوصا لدى السعودية ودول الخليج، والى إزالة كل الهواجس وجعل ايران دولة من دول حسن الجوار في المنطقة ونقطة انطلاق لتحقيق سلام شامل ودائم فيها. ولن يتحقق ذلك الا اذا شمل هذا السلام اسرائيل بالتوصل الى حل القضية الفلسطينية حلا عادلاً، فهل يكون شهر ايلول هو الموعد؟

سلام يحسم أمره ويدعو مجلس الوزراء قريباً التفاهم مع بري: جلسة مقابل الدورة الاستثنائية
سابين عويس/النهار/29 حزيران 2015
بين رفض 6 وزراء يمثلون “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وبعض حلفائهما في تحالف ٨ آذار عقد أي جلسة لمجلس الوزراء ما لم يكن بند تعيين قائد جديد للجيش هو الأول في جدول أعمالها، ومطالبة 18 وزيراً يمثلون بقية المكونات السياسية في البلاد بمن فيهم حركة ” أمل”، رئيس الحكومة بالتعجيل في الدعوة الى الجلسة، قرر الرئيس تمام سلام ان يحزم أمره ويوجه الدعوة، واضعاً حداً لمرحلة التريث التي تدخل مطلع هذا الأسبوع، أسبوعها الرابع. تحت ذريعة إفساح الوقت والمجال أمام الاتصالات لتنتج توافقاً، تريث رئيس الحكومة ثلاثة أسابيع في الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، على قاعدة ان لا مبرر لعقد جلسة إذا لم تكن منتجة. لكن الأسابيع الثلاثة من التريث لم يقابلها الفريق السياسي المعطل بأي إيجابية، بل أوجد مناخاً غير مؤات وغير مشجع لرئيس الحكومة لخطو أي خطوة نحو الأمام.
ففي موازاة التصعيد في الخطاب السياسي من العماد ميشال عون، ترددت معلومات عن رسالتين حادتين وان بنبرة التمني، ابلغهما ” حزب الله” الى سلام عبر الوزير محمد فنيش:
الأولى ان لا جلسة للحكومة في المرحلة الراهنة او أقله ليس قبل انتهاء شهر رمضان، “ليترك الوزراء كي يرتاحوا”.
والثانية ان لا حاجة او مبرر لتحريك الشارع، وذلك في رسالة غير مباشرة الى “تيار المستقبل” ردا على التحرك الذي دعت اليه الهيئات الاقتصادية، والذي اعتبر بمثابة رد على دعوة عون الى التحرك الشعبي.
وتزامن هذا المناخ مع حملة إعلامية مبرمجة ضد المملكة العربية السعودية التي كان رئيس الحكومة زارها قبل أسبوعين تقريبا، يرافقه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل. كذلك تزامن هذا المناخ مع بلوغ الصراع السعودي الايراني أوجه على مسافة أيام قليلة من تبلور مصير الاتفاق النووي مع طهران.
الى هذه المعطيات، تضيف مصادر سياسية ان رئيس الحكومة لم يعد أمام ترف خيار التريث والنزول عند طلبات “حزب الله”، وانه بات ملزماً المبادرة الى إجراء يحفظ من خلاله موقع رئاسة الحكومة للطائفة السنية، ويحمي صلاحياتها خصوصا في ظل المخاوف من أن يكون تعطيل الحكومة -من دون إسقاطها – يرمي الى إعادة خلط المعادلة السياسية والطائفية التي ترعى النظام السياسي اللبناني وتحضر لتعديل هذا النظام بما يضمن حقوقاً وصلاحيات أكبر للطائفة الشيعية.
وعليه، ينتظر ان يوجه سلام دعوة قريبة الى جلسة حكومية، معولاً على دعم رئيس المجلس نبيه بري الذي التقاه نهاية الأسبوع الماضي وبحثا في موضوعي تعطيل مجلسي النواب والوزراء.
وينتظر ان يفضي التفاهم بين بري وسلام الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، توافق على ان يوقع سلام مرسوم فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب لإقرار مشاريع القوانين العالقة والملحة، ولا سيما منها ما يتعلق بقروض ميسرة وخدمة الدين وإصدارات اوروبوند.
أما بالنسبة الى رسائل ” حزب الله”، فتقلل اوساط سلام من صدقيتها، مشيرة الى أن الوزير فنيش لم يأت الى السرايا ليبلغ الرئيس سلام مثل هذه الرسائل، بل كان الهدف الرئيسي من الزيارة موضوع سجن روميه على خلفية الشريط المسرب والاتهامات التي ساقها وزير العدل اشرف ريفي ضد الحزب. وبحسب الاوساط، فإن فنيش طالب سلام إجراء التحقيقات وصولا الى تحديد هوية المسربين، معلنا رفض حزبه الاتهامات التي سيقت ضده، ومطالبا بكشف الحقيقة.
أما في المسألة الحكومية، فقد فهم من مضمون المحادثات ان الحزب لا يزال على موقفه الداعم للعماد عون، بما يشي بأن لا تغيير من جانبه في الموقف من الجلسة الحكومية.
والسؤال: هل يؤدي عزم سلام على عقد جلسة لمجلس الوزراء الى تفجير أزمة سياسية او ان تمايز بري في الموقف يفترض سيناريو مختلفاً قائماً على فرضية ان الحزب لا يزال يرى جدوى في الحكومة وأن أوان إسقاطها لم يحن بعد، بل المطلوب فتح المجلس النيابي أمام اقرار بعض المشاريع الملحة من دون ان يفتح التشريع الباب أمام الانتخاب؟