النائب أمين وهبي/إلى دولة العماد ميشال عون

319

إلى دولة العماد ميشال عون
النائب أمين وهبي/النهار/24 حزيران 2015

لو سألتني عن رأيي – ساعة استقالة حكومة الرئيس ميقاتي – لمن اريد أن أمنح صوتي للتكليف، لأجبت بلا تردد، لدولة الرئيس سعد الحريري، كاستمرار لنهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري، باني لبنان الحديث، وحامل إرثه، وطنياً وعربياً واقليمياً ودولياً، والذي كان سيوظف هذا الوزن لمصحلة لبنان ودولته، وسيعيد الثقة بقيامة لبنان. لكن هذا الخيار لم يكن متوافراً، لعدم رغبة الرئيس الحريري في ذلك، لدواع أمنية وسياسية. خياري الثاني، المنسجم مع قناعتي والتزامي، كان سيكون لدولة الرئيس السنيورة، لتكليفه تشكيل الحكومة. وذلك لتاريخه الطويل، من العمل في الشأن العام، ونظافة كفه، والتحقيق معه مطلع عهد الرئيس لحود، أبلغ دليل على ذلك، الى جانب نجاحاته في وزارة المال، إلمامه في كل الملفات، ثباته في مواجهة حالة التمرد، في رياض الصلح، ونجاحه في حماية خيار المحكمة الدولية واطلاقها.

أما واقعياً، ومع استحالة تشكيل حكومة فريق واحد – حتى ولو كان لديه الأكثرية – ولضرورة أن تكون للبنانيين حكومة ترعى شؤونهم، وأخذاً في الاعتبار، أن الرئيس العتيد للحكومة في حاجة الى رضى فريقنا السياسي، ورضى خصومنا أيضاً، كان قرارنا دعم رئيس يجمع عليه كل الأفرقاء، متجاوزين مقاييس الأقرب الى عصب الجمهور، والأقوى على الأرض. فكان التكليف للرئيس تمام سلام، ابن البيت السياسي العريق، وابن أحد رجالات الاستقلال… وثبت بالتجربة العملية، أنه كان نعم الخيار.

لم يلجأ فريقنا، الى اعتماد سياسة: أما الرئيس الذي نريد… أو لا حكومة. وذلك لسببين اثنين:

الأول: اذا كنا ذاهبين الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، فرئيسها حتماً يجب أن يحظى برضى كل مكوناتها.

الثاني: أن الهدف الذي نسعى اليه، هو مصلحة الوطن. وليس لدينا أي هم آخر، أكان شخصياً أم فئوياً.

على صعيد الطائفة الشيعية الكريمة، يعتبر السيد حسن الله، ممثل القوة الأولى، من حيث القدرة على التعبئة والحشد المذهبيين، ومن حيث الوزن العسكري والأمني والمادي. ويعتبر الرئيس بري، وريث الإمام الصدر، إمام التواصل بين اللبنانيين، وكنائس لبنان، كما مساجده، تشهد على ذلك. ووريث فكر العلاّمة المرحوم الامام محمد مهدي شمس الدين، ووصاياه التي تركها للبنانيين ولا سيما شيعة، بأن يصونوا لبنان وطناً نهائياً لجميع بنيه، وأن يكون ولاؤهم لدولتهم، وأن يعززوا شركتهم مع أبناء بلدهم، وألا يرتهنوا لأي مشروع خارج حدود وطنهم. فكانت لديه القدرة على التواصل مع الحلفاء والخصوم.

والحالة هذه، لم يلجأ “حزب الله” – على رغم تفوقه، من حيث قوته الشعبية والعسكرية والأمنية – الى المطالبة بان يكون رئيس المجلس النيابي، من بين أعضاء كتلته النيابية. وذلك ليس تعففاً، بل تحاشياً للوقوع في أحد المحاذير الثلاثة:

الاول: أن يطالب “حزب الله” برئاسة المجلس، وترفض أكثرية الكتل النيابية. فيفشل في مسعاه. وهذا ما لا يريده.

الثاني: أن يطالب الحزب برئاسة المجلس، ويصر على ذلك، وبالقوة. وترفض أكثرية الكتل ذلك، وتصر أيضاً. مما يؤدي الى اهتزاز الوضع الأمني الهش. وهذا ما لا يريده الحزب، لأن لا مصلحة له في ذلك الآن.

الثالث: أن يطالب الحزب برئاسة المجلس النيابي، وترفض الكتل. ويصر الحزب في طلبه، وتصر الكتل على الرفض، مما يوصل الى الشغورفي رئاسة المجلس… الموقع الشيعي الأول في الدولة. وهذا ما يرفضه الحزب أيضاً، كما يرفض تحمل مسؤوليته.

في ضوء رفض “حزب الله” الوقوع في أي من المحاذير المذكورة، وحرصاً منه، على المحافظة على التحالف مع حركة “أمل”، لأن له مصلحة في ذلك، تبنّى “حزب الله”، ودعم، موقع الرئيس بري في رئاسة المجلس النيابي. واستطاع الرئيس بري، من خلال قدرته ودوره، أن يحجز لنفسه مكانة عند كل اللبنانيين، وأن يؤدي دوراً مرحباً به، في كل المنعطفات الحاسمة على الصعيد الوطني.

وهنا أسمح لنفسي، بأن أتوجه الى العماد ميشال عون – بكل ما يمثل – اذا كنت يا جنرال ترفض، أن تبادل خصومك السياسيين التحية بالتحية، والخطوة بمثلها، من خلال تقديمهم الى رئاسة الحكومة، شخصية مرموقة، كالرئيس تمام سلام، ولم يصروا، على تقديم شخصية أساسية أخرى من وسطهم، ملاصقة للعصب التنظيمي وللمزاج الشعبي، في تيار المستقبل وقوى الرابع عشر من آذار، فعلى الأقل، يجب الالتفات الى تجربة حلفائك الاقربين في “حزب الله”، الذين دعموا الرئيس بري في رئاسة المجلس النيابي، انطلاقاً من قدرته التواصلية مع الآخرين، والتي امتاز بها عليهم، على رغم امتيازهم على حركة أمل – ولو نسبياً – بالقدرة التحشيدية، وبالطاقة العسكرية والأمنية والمادية.

في ختام هذا العرض، يا جنرال، يثبت بالملموس بطلان نظريتكم، التي تؤكدون من خلالها، أن القوى الأكثر سطوة في الطوائف الأخرى، هي من يمسك بالمواقع الرئاسية العائدة اليها. ويثبت هذا العرض، أن الأقوياء الآخرين، لم يحشروا أنفسهم في خيار واحد، كما فعلت بنفسك وبتيارك وبطائفتك… وببلدك حتماً؟! إنما قبلوا بالممكن المتاح – ديموقراطياً، وهذه هي القوة الحقيقية – ودعموه، لتزداد قوته وحضوره ودوره، وقدرته على الفعل الايجابي في الحياة السياسية الوطنية.

نقطة أخيرة، أيها الجنرال، في شأن دور المسيحيين في لبنان. نحن عندما ندافع عن دور المسيحيين، إنما نفعل ذلك ليس لأنهم ضعفاء – وهم ليسوا كذلك – بل انطلاقاً من ايماننا، بأن في تعزيز دورهم تتحقق مصلحة وطنية كبرى. إن الوجود والدور المسيحي في لبنان، يشكلان اساساً للتنوع وضمانة للحريات العامة. نؤمن أن فعلهم في الاجماع اللبناني والحياة المشتركة، يتحقق من خلال الاحزاب المسيحية ووجودهم في كل مؤسسات الدولة وفي القطاعين العام والخاص، ومن خلال دورهم الرائد والمميز في كل المؤسسات التعليمية والثقافية والاعلامية.

أما الرئيس المسيحي، فهو الشخصية المسيحية المرموقة، التي تتقدم لمهمة وطنية نبيلة… وهو أن يكون رمزاً لوحدة اللبنانيين، وحامياً لدستورهم. وتقديراً للدور التاريخي للمسيحيين ولا سيما الموارنة، في قيامة لبنان وتطوره، وتمسكاً بهذا الدور حاضراً ومستقبلاً، اعطاهم الدستور اللبناني، شرف أن تتبارى خيرة نخبهم كل ست سنوات، ليختار اللبنانيون رئيساً لهم، من بينهم.

إن كل من يحاول، أن يفرض على اللبنانيين رئيساً، يلغو لغواً طائفياً، ويهدد ويتوعد… إنما هو تحديداً، من يهدد الدور المسيحي، إن لم يكن اليوم… فغداً.