ديانا مقلد: خوفًا على الدروز أم على الأسد//وسام سعادة: ثائرون بلا ثوّار وثوّار بلا ثوريين

322

خوفًا على الدروز.. أم على الأسد؟
ديانا مقلد/الشرق الأوسط/22 حزيران/15

لم تثر تصريحات السياسي اللبناني وئام وهاب التي حذر فيها من احتمال لجوء الدروز إلى إسرائيل لمواجهة الخطر التكفيري، حفيظة تذكر في أوساط الممانعة؛ لا إعلاميًا ولا سياسيًا.. فوهاب انبرى يصرخ ويهدد على الشاشات إثر إقدام «جبهة النصرة» على قتل 30 درزيًا في سوريا، شاهرًا الورقة الإسرائيلية علنًا: «الناس عندما تشعر بالخطر، فستذهب إلى الشيطان» عانيًا إسرائيل. مر هذا الكلام مرور الكرام، تمامًا كما مر كلام رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري المقرب من بشار الأسد، في بداية الثورة السورية حين قال إن أمن إسرائيل مهدد في حال لم يتم ضبط الحراك الشعبي في سوريا.. لم يعتبر كلام وهاب صادرًا عن «عميل»، تمامًا كما عومل كلام مخلوف حينها بقبول ورضا. في السنوات التي مرت بين الموقفين كثير من التلميح والتصريح الممانع الذي يشهر العداء لإسرائيل فيما هو في الحقيقة يضمر نيات أخرى. وللحقيقة ظهر جليًا في الإعلام الاهتمام الإسرائيلي بالتطورات بشأن الوضع الدرزي في سوريا، وهو اهتمام جرى تسويقه بأنه قلق على مصير الدروز السوريين المرتبطين ارتباطًا وثيقًا بدروز إسرائيل. جرى الإعلان عن استعدادات عسكرية إسرائيلية وضبط للحدود في الجولان.

تابعنا حملة دعائية طرفاها إسرائيل والممانعة التي أسهبت عبر وسائل إعلامها أيضًا في تضخيم القلق من التكفيريين والتحذير من مجزرة قد تستهدف الدروز. وكأن الأمور عادت إلى نقطة الانطلاق قبل أربع سنوات؛ الاستقرار مرتبط ببقاء أنظمة قمعية تسلطية، ومصلحة إسرائيل تتلاقى مع مصلحة الممانعة في هذا. لا شك في أن الانعطافة التي سببتها الحادثة الأخيرة بحق دروز سوريين قد أعادت طرح وضع الأقلية الدرزية الممتدة من سوريا إلى لبنان وإسرائيل والأردن؛ بحيث بدا أن ما تعرضت له مجموعة درزية في سوريا أصاب بشكل مباشر دروز لبنان ودروز إسرائيل على نحو يفوق ما يحصل حين تستهدف جماعات وأقليات أخرى بحوادث مشابهة. تعيدنا تلك المعادلات التي فرضت على دولنا عقودًا طوالاً إلى ما كان يجري تسويقه من ولاء لسلطة قمعية بصفتها مصدر الطمأنينة المفترضة للأقليات والخائفين..

أمنكم وسلامكم مقابل سلطتنا ونفوذنا.. يجب ألا نسقط هنا في فخ التخفيف من الخطر المحدق بالجماعات الصغرى جراء تقدم التكفيريين الميداني، لكن يجب أيضًا الإضاءة على خطر توظيف الأقليات لحماية أنظمة مثل نظام البعث في سوريا. فإذا كان التكفيريون خطرًا يهدد الأقليات، وهم فعلاً كذلك، فإن استعمال النظام في سوريا لهم يشكل خطرًا على وجودهم لا يقل عن خطر التكفيريين، ناهيك بأن النظام لطالما أجاد استخدام لعبة التكفيريين لكسب بعض من شرعيته، وهنا أيضًا يدخل العامل الإسرائيلي عنصرًا جديدًا على المشهد فيعقده. أن يظهر مشايخ دروز على التلفزيون الإسرائيلي متهمين إسرائيل بالتقصير في حماية دروز سوريا، فهذا مؤشر جديد على المدى الذي دفعتنا إليه الجماعات الأصولية من كلا معسكري الانقسام؛ أي الممانعة والتكفيريين، وعلى المدى الذي يمكن أن يبلغه النظام في سوريا لجهة عدم تعففه عن توظيف الورقة الإسرائيلية.

ثائرون بلا ثوّار وثوّار بلا ثوريين
وسام سعادة/المستقبل/22 حزيران/15

ثمة فارق توضحه اللغة العربية قد يكون أكثر من أي لغة أخرى، هو الفارق بين «الثائر» و»الثوريّ«. الثوريّ قد يعيش طول عمره في الخفاء، أو في النضال العلني، أو في السجون، متسلّحاً بفكر يعتبره «ثوريّاً»، ومنخرطاً بتنظيم يعتبره «ثورياً»، طمعاً في ثورة سينجح في اشعالها فكره أو تنظيمه أو حركة المجتمع في آخر المطاف، ويضع في حسبانه بطبيعة الحال التسليم بأنّ هذه الثورة المنتظرة والتي ينذر نفسه لها قد لا تأتي وهو حيّ يرزق، وقد تأتي على جثّته، أو بعد مماته بوقت طويل. أما الثائر فهو الذي يشارك في ثورة اندلعت، وهو على الأغلب لم يكن يتبنى عقيدة ثورية ما قبل نشوب الثورة، ولم ينخرط في تنظيم يعتبر نفسه ثورياً، أي داعياً لقلب نظام الحكم أو التعديل بعمق للبنية الاجتماعية والثقافية ذاتها. هذا الثائر يتجذّر في معمعان الثورة نفسها، في أيام معدودات يتحوّل من مواطن عادي الى متظاهر شجاع الى محارب على المتراس الى شهيد للثورة، وقد يتحوّل بعد الثورة نفسها الى أحد كوادر النظام الجديد، أو أحد ضحاياه، أو يرجع مواطناً عادياً. ما حصل مع انتفاضات «الربيع العربي» أننا رأينا في البلدان نفسها التي تتيح لها لغتها تمييزاً واضحاً بين «الثائر» و»الثوري» خلطاً للحابل بالنابل في هذا الاطار. فبدل الترسيمة المثالية للقرنين الماضيين التي كانت تتوقع في لحظة انفجار الأزمة الثورية في مجتمع ما أن يخرج الثوريّ من المخبأ، السجن، ومن الأشكال العلنية القانونية للنضال، أو يعود من المنفى، لملاقاة جموع المنتفضين الثائرين و»تثويرهم» بتنظيم وعيهم لنفسهم، ودورهم، ومعركتهم، وكيفية تحرّكهم، وحملهم على ما لم يكن وارداً في أذهانهم بداية من تغيير اجتماعي وثقافي لم يكن في البال ولا كان يبدو في المتناول الواقعي، بدل كل هذا، صرنا أمام نموذج آخر. «الثوريّون» المتبقون في البلدان العربية الى موعد «الربيع»، انقسموا بين من حاول تظهير الانتفاضات القائمة على صورته ومثاله، وأخذت بهم الحماسة مذهباً يبالغ في تقدير الطابع الخلاصي للانتفاضات الراهنة، ويفصل في التاريخ الكوني بين قبلها وبعدها، وبين من تذكر اليافطة الثورية للأنظمة المومياقراطية «التقدمية» العربية، فقال ان واجبه كثوري يفرض عليه أن لا يضلّله الثائرون، بل أن يقف مثلاً مع النظام «الثوري» الليبي ضد الثائرين عليه، ومع النظام «الثوري» السوري ضد الثائرين عليه. الى هنا، سيكون «الثوري» مسؤولية المصائب. لكن ذلك غير كاف كتقييم. الركن الثاني من المصائب راجع الى كون «الثوار» بمصادفة حصول انتفاضة في مجتمعهم لم تكن تخطر لهم بإلحاح قبل ذلك قد تحوّلوا بفعل تحدّيهم لرصاص القمع النظامي بالصدور العالية وبعد ذلك بالرشاشات الى «ثوريين». في سوريا تحديداً، الاكثار من الانتقاد الشعبوي للمعارضين في الخارج في مقابل الامتداح الملحمي للثائرين في الداخل لعب دوراً كبيراً في انتفاخة هذا النوع من الأوهام. صحيح ان موديل القرنين الماضيين، «ثوري» يربى بتنظيم وعقيدة وتراكم الى ان تحين الثورة ليعانق الثائرين وينظمهم ويقودهم، هو نموذج وصل في خاتمة المطاف الى طريق مسدود، لكن الموديل «العربي» لـ»ثوري» مزعوم يتحول بعد انفجار الأزمات الأهلية الثورية اما لتلبيس الانتفاضة الشعبية ما ليس لها دون قدرة على قيادتها نحو أفكاره بالفعل، واما للدفاع عن ثورية النظام واعتباره في موقع مواجهة ثورة مضادة. في الحالتين، هذا «الثوري» يتسلّى!. انها لمشكلة عويصة، مشكلة التخبط بين ما للثوريين وما للثوار، وربما يكون مرور الذكرى العاشرة لاغتيال جورج حاوي، هذا الثوريّ الذي لا يكلّ، والذي نجح في نفس الوقت أن يكون ثائراً في محطات مختلفة من حياته، كانت آخرها اشتراكه في «انتفاضة الاستقلال» ما شكّل الخلفية التي سبقت عملية اغتياله، ربما تكون هذه الذكرى مناسبة للتفكير في هذه الأزمة التي تعيشها مجتمعات، لكنها تعاش أيضاً على مستوى حيرة أفراد كثيرين في بلدنا والبلدان المجاورة: فلئن كانت أحجية ما قبل «الربيع» هي أحجية «ديموقراطية بلا ديموقراطيين» فأحجية «الربيع» كانت وما زالت «ثوريون لا ثوّار، وثوّار لا ثوريون«.