داود البصري: إيران ودعم الإرهاب الدولي والنفاق الأميركي//خيرالله خيرالله/الأردن والتطورات المصيرية في سوريا والعراق

275

إيران ودعم الإرهاب الدولي والنفاق الأميركي؟
داود البصري/السياسة/22 حزيران/15

في هذه المرحلة الصعبة من إدارة الصراع الدولي والإقليمي, وفي الوقت الذي اختلطت فيه كل الأوراق وسط حروب الإرهاب المتنقل الذي يضرب الشرق القديم, فإن للنظام الإيراني موقعه المتميز في خارطة الإرهاب الدولي وفي دعم العصابات الطائفية المسلحة, وفي تأجيج الأوضاع الداخلية في دول الإقليم. فمع تقديم وزارة الخارجية الأميركية بيانها السنوي حول الإرهاب في العالم والذي جاء فيه أن النظام الإيراني هو من أشد وأكثر الأنظمة في العالم دعما للجماعات الإرهابية, وخصوصا ما يفعله في العراق ودول الخليج العربي من خلال دعمه المفتوح والمفضوح لخلايا وعصابات الإرهاب الطائفي في الشرق عموما, تكون الصورة السياسية الأميركية تعيش وضعا متناقضا يتسم بالغرابة الشديدة! فالنظام الإيراني لا يخفي أبدا دعمه المباشر ومنذ عقود طويلة لعصابات العراق الطائفية, مثلا, لكونها تشكل جزءا من ذاته ومادة خصبة ومباشرة لبرنامجه الأول والأقدم والأعرق, وهو برنامج تصدير الثورة وإسقاط الأنظمة والعمل على قيام وتعزيز الإمبراطورية الإيرانية المقدسة بدلالاتها الطائفية والمرجعية وتبليط الخط الواصل بين كابول الأفغانية وبيروت اللبنانية مرورا ببغداد ودمشق بأنظمة موالية بالكامل إن لم تكن عميلة بالمطلق لعين المقر والمركز في طهران! ومن أجل هذا المشروع الإيراني الطموح بذلت إيران الغالي والنفيس وقدمت أموالها وشبابها من أجل تحقيق ماهو ممكن منه, وفعلا تمكن النظام الإيراني بصبره وتخطيطه الدؤوب وعدم خضوعه للإحباطات المرحلية واستغلاله لحماقات بعض الأنظمة السياسية ولرياح المتغيرات الدولية العاصفة من تحقيق الكثير من ذلك البرنامج وكسب نقاط سبق وتقدم ستراتيجية في العديد من الملفات!

وكان النصر الإيراني الأكبر والملفت للنظر قد تجسد ميدانيا في الساحة العراقية من خلال نجاح النظام الإيراني في السيطرة المطلقة على أوضاع مابعد الاحتلال الأميركي عام 2003 وهو احتلال ماكان ممكنا أن يحدث بسلاسة وسرعة واندفاع كبير لولا التعاون الستراتيجي السري والعلني بين إدارتي أوراق الصراع في كل من واشنطن وطهران, وهو ماسبق أن تحقق أيضا بدرجات أضعف في الساحة الأفغانية عام 2002, ولكن النجاح الإيراني في التمكن من السيطرة شبه المطلقة على العراق وتحويله لحديقة خلفية لمنزل الولي الإيراني الفقيه هو قمة النجاح الإيراني المذهل الذي استغل حالة الفراغ القيادي المرعبة بعد تحطيم العراق كدولة وإنهاء مؤسساته السيادية والأمنية وقيام الأحزاب العميلة لإيران أو الإيرانية ذاتها بإدارة شؤونه في ظل مباركة وبمساعدة أميركية مباشرة أفضت حقيقة إلى أن يتحول العراق لفلك صغير مهمل تابع للمحور الإيراني, لدرجة أن أي حاكم له لايجرؤ على اتخاذ أي قرار إلا بعد التشاور وأخذ الموافقة والبركة من طهران مباشرة, وهو أمر لم يحدث مطلقا منذ أن تأسس العراق المعاصر على أنقاض الدولة العثمانية وبمباركة بريطانية عام 1921!

لقد “تفرسن” العراق سياديا وأضحت الأدوات الإيرانية التي تتلاعب بمصيره!, فرئيس الحكومة ينتمي لحزب تاريخيا كان الأبرز في العمالة والولاء لإيران, وهو حزب “الدعوة” الإرهابي الذي خدم طويلا السياسات الإرهابية للنظام الإيراني في الشرق القديم تشاركه في الحكم مجموعة أحزاب وتجمعات ماهي في حقيقتها إلا مجاميع من إنتاج وتجميع الحرس الثوري الإيراني مثل جماعة الحكيم “المجلس الإيراني الأعلى” ومثل الجماعات المنشقة عنه والإيرانية فعلا كتنظيم “بدر” الحرسي الذي يقود اليوم وزارة الداخلية ويهيمن فعليا على وزارة الدفاع ويدير أمور وملفات الحرب الأهلية الطائفية في العراق. كل ذلك لايحدث في الواق واق, وليس بعيدا عن عيون الأميركان, بل أن كل مايجري أمامهم وأمام عيونهم ومخابراتهم المتعددة الأشكال بل أن قوة الإندفاع الإيرانية لضم العراق تحت الإبط الإيراني المباشر قد وصلت لحدود إستفزازية قصوى حينما تحدى الإيرانيون الأميركان مباشرة وأرسلوا الإرهابي الدولي الذي ضرب المصالح الأميركية والكويتية تحديدا في الشرق, وهو جمال جعفر محمد الشهير, بأبي مهدي المهندس, ليكون قائدا ميدانيا لجيوش الحشد الطائفي التي تمارس عمليات إبادة وتطهير مناطق أهل السنة وتفرض متغيرات ديموغرافية معروفة وتحت حماية الطيران الأميركي. وتلك لعمري قاصمة الظهر وقمة الإستفزاز والغرابة! نتحدث هنا عن جانب واحد وهو الملف العراقي فقط لاغير ولم نتحدث عن مؤامرات التخريب الإيرانية في البحرين واستغلال الساحة العراقية لتدريب مخربي البحرين من عملاء النظام الإيراني كخلايا الأشتر وغيرها من الأسماء والمسميات الطائفية المعروفة, كما أننا لم نتطرق للدور الإيراني الواسع في مقاومة الثورة السورية أو في تأزيم الوضع اللبناني الهش أصلا من دون تجاهل مايفعله النظام الإيراني من تخريب كارثي ممنهج في جنوب جزيرة العرب من خلال دعم الإجتياح الحوثي لليمن وجنوبه! عن أي دعم إيراني للإرهاب تتحدث الخارجية الأميركية إذن وفوضى التخريب الإيرانية قد ضربت الشرق بأسره, وهي اليوم تتوالد فصولا مرعبة وتؤسس لحروب عبثية لن تنتهي إلا بنهاية المشروع الإيراني الطموح وملحقاته, وهو أمر مرتبط بوجود النظام الإيراني ذاته الذي لايعيش أو ينتعش إلا في أوضاع الفوضى والدم والخراب والحروب كما علمتنا سيرته خلال العقود الأربعة المنطوية من الزمن الشرقي المستباح… للإرهاب ونظام إيران علاقة جدلية مستمرة وراسخة.

الأردن.. والتطورات المصيرية في سوريا والعراق
خيرالله خيرالله/المستقبل/22 حزيران/15

يطمئن الملك عبدالله الثاني الأردنيين إلى أن صمود بلدهم ليس صدفة. عندما يدعو الأمر، يمتلك الأردن ما يكفي من الإمكانات للردّ على أي تطورات، أكان ذلك على الحدود مع سوريا أو مع العراق. ما أكده العاهل الأردني للعشائر في البادية الشمالية، خلال زيارته الأخيرة لتلك المنطقة، أن هناك وعيا لأهمّية توفير أسباب الصمود، بما في ذلك صمود الإقتصاد، في مواجهة أي تطورات في هذين البلدين اللذين بات مصيرهما على المحكّ. تحرّك العاهل الأردني في اتجاه الحدود مع سوريا والعراق حيث يوجد تداخل بين العشائر المختلفة في البلدين مع العشائر الأردنية في وقت يبدو الشرق الأوسط مقبلا على تغييرات كبيرة. لا بدّ من جعل الأردنيين يستوعبون أهمّية ما يدور على الصعيد الإقليمي بعيدا عن الحسابات الصغيرة، وذلك كي لا تكون التغييرات على حساب المملكة. أكثر من ذلك، اراد إفهام الأردنيين أن المستقبل لهم وأن بلدهم يعي تماما ما هو على المحك. أراد التأكيد أن الأردن صامد لا أكثر ولا أقل.

سرّ الصمود الأردني ليس فقط في رجل استثنائي هو عبدالله الثاني الذي استطاع مقاومة موجة المزايدات والمزايدين التي عصفت بالشرق الأوسط. هناك أيضا تلك القدرة العجيبة التي لدى المملكة الأردنية الهاشمية على التعاطي مع مشاكل المنطقة بطريقة خاصة بها. إنّها القدرة على المتابعة أوّلا. فمواجهة التطرّف ليست قضية موسمية، بل هي جزء من السياسة الأردنية. الإصلاحات ليست موضوعا عابرا. هناك اصرار على السير في هذا الخط الذي لم يبدأ البارحة. بدأ هذا الخط منذ قيام المملكة التي تعرّضت لظلم ليس بعده ظلم بسبب محاولة ملوكها إدخال بعض العقلانية على التفكير العربي. تكمن مأساة الأردن، ومصدر قوته ومناعته في الوقت ذاته، في أنّه حاول دائما جعل المنطق يتغلّب على انفلات الغرائز الذي لم يأت على العرب سوى بالكوارث بدءا برفض مشروع التقسيم في فلسطين وصولا إلى ما هم عليه الآن، مرورا بالطبع بهزيمة العام 1967 التي ما زالوا يعانون من آثارها حتّى يومنا هذا. قبل أحد عشر عاما، بادر الأردن إلى جمع ممثلين عن كل الطوائف والمذاهب من أجل التوصل إلى «رسالة عمّان» التي تدعو أول ما تدعو إلى العيش المشترك في المنطقة. في 2004، لم يكن هناك بعد «داعش» ولا دواعش سنّية أو شيعية. كان الهدف من «رسالة عمّان» إعطاء فكرة عن الإسلام الحقيقي الذي هو دين الإنفتاح والقبول بالآخر وليس دينا يدعو إلى التزمّت والعنف.

في 2015، يعيد عبدالله الثاني التذكير بـ»رسالة عمّان» وذلك قبل أيّام من زيارته البادية الشمالية للقاء ممثلي العشائر فيها. كان التذكير بـ«رسالة عمّان» في مؤتمر انعقد أخيرا في استانا عاصمة كازخستان. كان الهدف من المؤتمر تأكيد القدرة على التعايش بين مختلف الديانات والمذاهب. قال عبدالله الثاني في استانا ما يجب قوله عن ضرورة متابعة الحرب على الإرهاب دفاعا عن مبادئ الإسلام. أوضح في الخطاب الذي القاه أننا «نحن المسلمين، نتعرّض اليوم لهجوم وحشي من الخوارج الذين يشوهون ديننا لتبرير جرائمهم الفظيعة». أضاف: «لا يؤذي ديننا أو مشاعر المسلمين شيء أكثر مما تؤذيهم أفعال هذه العصابات المجرمة التي تؤجّج الطائفية وتشعل الفتنة في الأمة وتضلّل الشباب وتغريهم بالتخلي عن مستقبلهم وتنشر العنف في جميع انحاء العالم».

قال عبدالله الثاني الأشياء كما يجب قولها، خصوصا في ظلّ الحرب التي يخوضها الأردن مع «داعش» ومع إخوان «داعش» وأخواته وإخوانه من أنظمة عربية تراهن على الإستثمار في نشر التطرّف من أجل تبرير بقائها ومتابعة قهر شعوبها… اكان ذلك في سوريا أو في العراق. في سوريا، يرفض النظام الاعتراف بأنّه انتهى وأنّ رهانه على «داعش»، الذي تحوّل إلى حليفه الموضوعي، لن يخرجه من مزبلة التاريخ التي لا مكان له خارجها…بل في اسفلها.

لا تهاون في الحرب على الإرهاب الذي بات يشكل تهديدا مباشرا للأردن انطلاقا من سوريا والعراق. لا مجال لأي تردّد من أي نوع كان. لا هرب من تحمّل المسؤولية، بدل إلقائها على الآخرين.

تعلّم الأردن من تجارب الماضي القريب والبعيد. هذا ماجعله يحصّن نفسه من داخل كي يكون واحة من الواحات القليلة في المنطقة التي فيها عيش مشترك بين الديانات والمذاهب. في الأردن ملك يتجرّأ على القول: « إن ديننا يعلّمنا ما هو الخطأ. فمن الخطأ إهانة الدين وعدم إحترامه. من الخطأ التمييز ضد الآخرين واضطهادهم. ومن الخطأ تدنيس أماكن العبادة». في النهاية، لا يدافع الأردن عن نفسه فقط. إنّه يدافع عمّا بقي من قيم في هذه المنطقة، خصوصا في ظلّ ما يدور في سوريا والعراق، حيث رهان الدواعش الشيعية على «داعش» الذي يسعى باسم أهل السنّة، الذين هم براء منه، إلى تشويه صورة الإسلام. هذا ما يُفترض أن يكون مفهوما من كلّ أردني، خصوصا من المنتمين إلى العشائر.

يقرن الأردن الكلام بالأفعال. هناك ظلم لحق بطارق عزيز، البعثي المسيحي، الذي لعب ادوارا ما في عهد صدّام حسين، من دون أن يمتلك يوما القرار. كان طارق عزيز لاعبا ثانويا في العراق في وقت كان النظام يعتمد أوّلا وأخيرا على تركيبة ذات طابع عائلي تتلطّى بمبادئ حزب البعث التي خرّبت بلدين هما سوريا والعراق. كان هناك اصرار لدى الميليشيات المذهبية، التي تتحكّم بالعراق منذ العام 2003، على الإنتقام من طارق عزيز من منطلق طائفي لا غير. في النهاية، لم يجد طارق عزيز مكانا يُدفن فيه غير الأردن. هذه الأخلاق العربية. هذا هو الدين الذي يعترف بالآخر. هذا هو الأردن الذي يحارب الإرهاب حقّا، أي بالأفعال والأقوال في الوقت ذاته. هذا ما يميّز الأردن عن النظامين في سوريا والعراق. إنّهما نظامان يسعيان إلى نشر التطرّف لتبرير قمع الشعبين، خصوصا المواطنين الذين ينتمون إلى مذهب معيّن.

هناك خيار آخر في المنطقة. إنّه الخيار الأردني الذي مكّن المملكة من تجاوز الظروف العصيبة التي مرّت بها منذ قيامها بغض النظر عمّا يدور في سوريا والعراق، البلدين اللذين يبدو أنّهما مقبلان على مرحلة جديدة مطروح فيها مصيرهما بشكل جدي.