هوس الشارد ميشال عون الرئاسي والملف الرئاسي كما يراهما كل من علي حمادة وخليل فليحان وألين فرح/النهار

292

لا رئيس قبل تنحّي عون
علي حماده/النهار/20 حزيران 2015

لن يكون هناك رئيس جديد للجمهورية ما دام الجنرال ميشال عون مصراً على الترشح بالقوة، وبالتعطيل. عون لن يصير رئيسا، تماما كما لم يصر رئيسا قبل ربع قرن. لا نقول هذا الكلام انتقاصا منه، ولا من حجمه الشعبي والنيابي، لكنا نقوله من باب انه لن يكون في لبنان اليوم ولا غدا، ولا بعد مئة سنة رئيس يكون جزءا من الانقسام الحاد في البلد. عون ليس مرشح تسوية، ولا هو مرشح توافقي، وبالتأكيد ليس مرشحا توفيقيا كما يقدم نفسه. هو مرشح “حزب الله” الذي لا يخفي نائب الامين العام فيه نعيم قاسم حجم التأييد بإحياء مقولة “عون أو لا أحد”. ونحن نقول لا أحد ولا عون. فمرشح “حزب الله” في زمن التورط في الحروب الاقليمية، والغرق في الدماء السورية، وتأجيج الاحقاد الطائفية والمذهبية لا يمكن ان يكون رئيساً لكل اللبنانيين. اكثر من ذلك، نقول ان مرشحاً تمتد تحالفاته الاقليمية من طهران الى حارة حريك، مرورا بالقرداحة، لا يمكن ان يحلم بمنصب الرئاسة في بلد التنوع والتعددية والتوازنات الدقيقة. الوسيلة الوحيدة لوصول عون الى بعبدا هي ان ينتصر محور طهران – القرداحة – حارة حريك على امتداد المشرق العربي. عندها يتم فرض عون بالقوة وان موقتاً. فلبنان يبقى، على رغم كل شيء، بلداً حساسا في توازناته، وكل ما يفرض بالقوة يستحيل ان يدوم. استنادا الى ما تقدم، ليس امام ميشال عون بصيغته الحالية إلا ان تأتي به حراب محور طهران – القرداحة – حارة حريك الى الرئاسة. غير ذلك الموضوع انتهى منذ ان ابى عون مغادرة مربع “حزب الله”، لكي يطرح نفسه مرشحا فوق الصراعات، والاصطفافات ، يكون حكما لا يشعر بمجيئه اي من اللبنانيين انه يمثل مشروع غلبة، او انحياز، او تحدّ.

ان الرئيس المقبل لا يمكن الا ان يكون نقطة الالتقاء بين اللبنانيين. هذه الصفة وسواها من الصفات الاساسية لا تتوافر في عون حتى اللحظة، بل انه يثبت من خلال اعادة اشعال “محركاته” الشعبوية اما حول الرئاسة واما حول قيادة الجيش انه يفتقر الى الصفة الاولى المطلوبة في الرئيس: الحكمة. إن المرحلة الاقليمية شديدة الحساسية. بشار الاسد اشبه برجل المنطقة المريض الذي تجري مفاوضات حول مراسم دفنه. اما “حزب الله” الغارق في حرب اكبر منه فلن يخرج منها إلا بثمن باهظ جدا على التنظيم، وعلى بيئته الحاضنة. ولذلك قد يتأخر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، اقله الى ان تتضح صورة سوريا ما بعد بشار. و في مطلق الاحوال لقد اصبح بشار من الماضي. طبعا هناك طريق اقصر لاختصار هذه المحنة العبثية وانتخاب رئيس جديد: ان ينتحى عون.

المتنافسون لم يتجاوبوا مع مامبرتي هل استمرار تعطيل الرئاسة مؤامرة؟
خليل فليحان/النهار/20 حزيران 2015

تحول انتخاب رئيس جمهورية جديد ليملأ الفراغ الذي أحدثه الرئيس ميشال سليمان منذ أكثر من سنة الى معضلة. وسارعت الدول قبيل مغادرة سليمان القصر الى ابلاغ الزعماء السياسيين ان ليس لأي منها مرشح للرئاسة. وجيّرت لهم أمر الانتقاء. غير أن الزعماء خذلوا قادة تلك الدول في انشطارهم الى فريقين، 8 آذار و14 آذار. والطريف ان هؤلاء القادة لم يخجلوا من التهرب من مسؤولياتهم بذريعة ان انتخاب رئيس للبنان لن يتم الا اذا توافر التوافق بين الرياض وطهران، وهذا لن يحصل الا بتفاهم أميركي – أوروبي. واكتملت الاتصالات وهي مستمرة ولكن من دون جدوى. وشهدت البلاد اضرابات وتظاهرات امام مقار السفارات او في الساحات والطرق العامة او تجمعات شعبية أمام منزل رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون في الرابية.

وأفاد مصدر ديبلوماسي “النهار” ان الفاتيكان أوفد الكاردينال دومينيك مامبرتي الذي زار بيروت مطلع هذا الشهر لنحو ستة أيام نزولا عند رغبة عدد من الزعماء، من أجل توجيه رسالة دعم للوجود المسيحي في الشرق. واستعمل عنوان وظيفته “محافظ المحكمة العليا للتوقيع الرسولي” في الفاتيكان لانه مدرك صعوبة مهمته، ولئلا يقال إن الكرسي الرسولي قام بمساع ولم ينجح، ومع ذلك جس النبض باللقاءات المكثفة التي عقدها مع عدد من زعماء البلاد والطوائف حول مساع يمكن ان يبذلها، لكنه عاد الى روما من دون أي نتيجة.

ويعود سبب فشله الى ان الموفد البابوي أبلغ كلا من عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع انه يصبح جاهزا للقيام بمساع حميدة اذا طلب منه الفريقان المتنافسان ذلك، وهذا لا يكفي فقط، بل عليهما ان يلتزما ما سيطرحه حلا، نتيجة تحليله لنتائج الاتصالات التي أجراها. إلا أن الطرفين لم يشأا التقيد بهذين الشرطين. وأشار الى أنه أيا كان الوسيط لا يمكنه انهاء المعركة نظرا الى أنانية المتنافسين على كرسي الرئاسة. ولفت الى ان على المرشحين ومن يدعمهم ان يعوا ان البلاد لا يمكنها ان تبقى من دون رئيس للجمهورية فترة زمنية مفتوحة، وأيد دعوة بكركي المرشحين الى التخلي عن تصلبهما، ويدرك البطريرك بشارة الراعي ان النداء هذا لن يلقى أي تجاوب، وان يوم غد الاحد 21 الشهر الجاري سيكون يوم تجمع شعبي حاشد مؤيد للجنرال عون مما سيزيد التعبئة والتصعيد.

ودعا عون وجعجع الى ضرورة ان يدركا ان هناك قوى مسيحية لا يمكن تجاهلها، وأن أعداد النواب او التأييد الشعبي أمر جيد، لكن في الوقت نفسه لا يمكن تجاهل قوى سياسية مسيحية، وعليهما ان يتفاهما على رئيس للجمهورية يرضي معظم الافرقاء إذا لم يكن جميعهم من طوائف أخرى، ويجب التشاور وعدم فرض أي مرشح اذا أردنا المجيء برئيس قوي يعطي الرئاسة رونقها ويجعلها تقوم بمهماتها. وحذر من الامعان في تعطيل انتخاب رئيس للبلاد وصمّ الاذان أمام دعوات فئة كبيرة من القوى السياسية لتحقيق ذلك، إضافة الى دعوات الرؤساء وزعماء الدول المؤثرة من غربية وعربية، الى انهاء هذا الفراغ لارتداده على بقية المؤسسات، وإلا فهناك مؤامرة تحاك ضد البلاد ابتداء من عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية.

طرح عون للفيديرالية أو اللامركزية الإدارية الموسعة محاولة لتغيير النظام أم إنذار بخلَل؟
ألين فرح/النهار/20 حزيران 2015

رمى العماد ميشال عون “قنبلته” انه ربما يطرح فكرة الفيديرالية او اللامركزية الموسعة، بالنسبة اليه لا فرق بينهما، واللامركزية اقرت في الطائف، لكنه يطرح توسيعها لتصبح اللامركزية ادارية ومالية على السواء. غالباً ما يفاجىء عون خصومه وحلفاءه على السواء بأفكاره وطروحاته السياسية. وقبل الانتهاء من التفكير في مبادرة ما حتى يطرح فكرة اخرى، وفي الوقت عينه، يحاور ألدّ خصومه ويطلق “اعلان نيات” ومبادىء مع “القوات اللبنانية”، ويدافع عن خيارات حلفائه الاستراتيجية. اليوم جاء دور الفيدرالية، فماذا يعني هذا الطرح؟ هل هو مناورة موجهة للخصوم والحلفاء وبالون اختبار في ظل الشلل التام في مؤسسات الدولة وعدم تحقيق مطالبه، ام هو، كما يتهمه بعض خصومه، محاولة لتغيير النظام والالتفاف عليه من خلال هذا الطرح؟ في انتظار التفسيرات التي ستصدر على خلفية هذا الطرح، يشرح مصدر مقرب من عون ان الهوى المسيحي اليوم هو مع اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة بدليل ما ورد صراحة في “اعلان النيات” بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”. ان المكون المسيحي في لبنان يرصد ما حصل لمسيحيي المشرق، ولا سيما في العراق وسوريا على أيدي الإرهابيين الذين اصبح لهم اليوم كيان عابر للحدود من دون ان يرقى الى مستوى الدولة. وفي رفضهم هذا، تيقن المسيحيون ان انعدام الدور يوازي الخطر الوجودي.

هذه عبرة لمن لا يزال يمارس على المسيحيين سياسة التهميش والتنكيل والعزل وانكار المشاركة في صناعة القرار الوطني. لذلك من الطبيعي ان يفكر الممثل الاقوى والأوزن للحالة المسيحية في لبنان والمشرق العربي، بدليل ما حصل خلال المؤتمر المسيحي المشرقي من سنتين في الحبتور، في ما يحافظ على الدور والوجود معاً ويرسل إشارات الانذار الى الشركاء في الوطن بأن ثمة خللاً خطيراً يهدد الصيغة التي أرسيت في الطائف تحت عنوان المشاركة في الحكم والسلطة، من ضمن ما يسمى الدولة اللامركزية القوية، على ما ورد في اتفاق الطائف. لذلك يجب التعامل مع هذه الحالة على انها حالة جدية وليس من باب الاعتبارات الشخصية، فيخطىء من يرصد طرح عون هذا مرتين: مرة في التشخيص ومرة في العلاج. وهذا ما لا يحتمله وطن يعيش على تماس مع زلازل في المنطقة. لكن هل يشكل طرح عون مناورة؟ يرى احد المحيطين بعون ان اعتبار اي كلام يصدر عنه “بأنه مناورة سلطوية هو خطأ فادح او تعام مقصود عن رؤية الحقيقة والواقع”. يهزأ المصدر من مقولة ان هذا الطرح محاولة لقلب النظام. “ان من ينقلب على النظام هو من لا يطبق الطائف، ومن ينقلب على الانقلاب هو من يسعى الى تطبيق الطائف اذا وجد الى ذلك سبيلاً، حتى اذا استحال بلوغ الهدف، اصبح الطائف في طريق مسدود”. في رأيه أنه يعز على كل لبناني ان تفشل تسوية الطائف، او ان تضرب من بيت أبيها، لأن البدائل قد تحاكي ما يحدث في المنطقة من تشرذم، “وهذا ما لا نريده، بالرغم من ان الفيدرالية هي أشكال متطورة جداً من الحكم، ولا تشبه على الإطلاق ما يسمى بالكيانات الذاتية أو المقاطعات المتناحرة أو التقسيم العنفي والعبثي”. لكنه يستدرك ان الامر سابق لأوانه والعماد عون لا ييأس بسهولة. ويختم “نحن ندفع دفعا صوب هذه الأنماط من الحكم والدول والانظمة من دون ان يكونوا راغبين حتماً في ذلك”.