وسام سعادة/«حزب الله» و«داعش»: ربط الحرب السورية بنهاية التاريخ

304

«حزب الله» و«داعش»: ربط الحرب السورية بنهاية التاريخ
وسام سعادة/المستقبل/17 حزيران/15

من متفرّقات هذا الزمان أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية« أو «داعش« أصدر مجلة جديدة له، باللغة التركية، علاوة على «دابق« التي يتوجّه بها للغربيين، وسمّى التنظيم مجلته التركية باسم «القسطنطينية«، طالما المدينة مسمّاة هكذا في بعض الأحاديث النبوية أو الحواشي عليها، وليس طبعاً لارضاء احيائية بيزنطية عالقة في بعض الصدور .. والحناجر.

يأتي هذا في وقت تمضي فيه الأقلام الممانعة في «عثمنة داعش«، فما غير مقاومة العثمنة قادر على الربط بين تكتيل الأقليات المسلمة وغير المسلمة، وعلى استبقاء العقيدة العروبية البعثية «الوحدوية«، ورهنها لنظام ولاية الفقيه الايراني؟ وفي وقت يتبارز فيه تسطيحان للوعي، أحدهما يسوّد كل صفحات السلطنة العثمانية، ويعتبرها انحطاطاً أو استعماراً، وثانيهما يبيّض كل صفحاتها، بل يبيّض أسوأ صفحاتها (المرحلة الحميدية) ويغفل أروعها أو أكثرها راهنية للتفكير بما طرحته من اشكاليات (خصوصاً مسارات الاصلاح الحثيثة في مرحلة «التنظيمات«).

لكن تنظيم «داعش« يذكر العالم من خلال مجلته الجديدة بهويته. بالنسبة له لم تكن القسطنطينية أو الأستانة دار الخلافة في أي يوم من الأيام، بل أنه لا يعترف بفتح السلطان محمد الثاني لها. لا يشع التنظيم بذرّة نوستالجيا عثمانية. بالعكس، نظرته الى التاريخ العثماني أكثر سلبية من نظرة أي ممانع يريد أن يؤلّف بين العروبة والأقلوياتية والخمينية.

التنظيم يسمّي مجلاته بأسماء «نهاية التاريخ«: «دابق« (وليس لها علاقة بمعركة مرج دابق) و«القسطنطينية«. «دابق« هي التي وردت في الحديث: «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق.» كذلك القسطنطينية: «فتح القسطنطينية مع قيام الساعة«. ولئن كانت دابق على ما يستدل ملحمة حربية منتظرة، فقد نحت تفاسير الأحاديث لاعتبار فتح القسطنطينية المنتظر سيحدث بلا قتال ويكون ايذاناً بقيام الساعة. «داعش« تنظيم يبدو على عجلة من أمره لجهة قيام الساعة. تعريفه كسلفي جهادي يظلّ ناقصاً ما لم يؤخذ بعين الاعتبار هذا البعد المستعجل لنهاية التاريخ، وقيام الساعة: البعد المهدوي، اما المستشرف بأن الساعة قد اقتربت، واما الضامر دوراً للبشر في التعجيل بها. وبهذا البعد، فان «داعش« يشترك في المهدوية مع «حزب الله« و«أنصار الله«، مع فارق ان كلّ فصيل جعل نهاية التاريخ عنده وفقاً لسردية منتخبة، ووجهة مفضّلة. ليس هناك هذا النفس المهدويّ عند «جبهة النصرة« مثلاً. بالتوازي، لا شكّ ان «داعش« يعبّر عن ذهنية «ابادية« لا تقارن بالذهنية «التنكيلية« عند «حزب الله« أو «النصرة«، لكنه، لا يربط قيام الساعة التي يعلّق حركته بها، بالصراع المذهبي، وانما باستمرار الصراع مع «الروم«، أي الامبراطورية الرومانية (تاريخياً لم تنوجد امبراطورية اسمها «بيزنطية«) وورثتها. أما «حزب الله« فالصراع الذي ينهي التاريخ عنده قائم على أساس مفهوم «الرّجْعَة«، رَجعة طرفي النزاع الدامي الذي انفجر بين قرون مديدة في بدايات زمن الخلافة، لكنه يربط به الجماعات غير الاسلامية ربطاً، كما لو كان هذا النزاع هو صراعها الوجوديّ هي أيضاً.

أكثر ما يزعج «حزب الله« في هذه الفترة أن يقارن بينه وبين «داعش«، وأكثر ما يفسد هذه المقارنة في المقابل هو ابتذالها كيفما كان. في الوقت نفسه، لا مفرّ من المقارنة والمباينة بين الحزب وداعش. ليس نافلاً أن يكون كل منهما مهموماً بإنهاء التاريخ في أمد منظور، وربط قيام الساعة بتواقيع الحرب السورية. طبعاً، كل من الحزب وداعش يخضع في الوقت نفسه لضغط داخلي مقابل للتقليل من «استعجال النهايات« أو «التعجيل بها«. في ايران ولاية الفقيه، يجري التشديد على أهمية التصبّر والانتظار، كلما قويت نزعة تعجيل علامات الظهور. وفي تنظيم الدولة، يجري التشديد على أهمية عدم الاسراع باسقاط النظام السوري، الى أن تقوم الساعة.