مصطفـى فحـص: المستحيلات الإقليمية//ثريا شاهين: التوقيع على الاتفاق النووي.. محسوم

325

المستحيلات الإقليمية
مصطفـى فحـص/لبنان الآن/14 حزيران/15

تخوض فصائل المعارضة السورية المسلّحة منذ أكثر من شهر مواجهةً مفتوحة مع القوات العسكرية الموالية لبشار الأسد في شمال غرب سوريا، وقد استطاعت المعارضة تحرير محافظة إدلب وريفها وصولاً إلى جسر الشغور، إضافة إلى مساحات واسعة من شمال سهل الغاب، ما يمكن اعتباره ديموغرافيًا أن المعارضة أحكمت سيطرتها الكاملة على مناطق ذات طابع سكاني سنّي، وأصبحت على تماس مباشر مع مناطق العلويين في غرب سهل الغاب وريف اللاذقية، لتغدو المناطق الموالية للنظام وخزانه البشري، تحت مرمى نيرانها.

هذا التغير الميداني وضع النظام سياسياً تحت مرمى نيران خصومه الإقلييمين، أنقرة والرياض والدوحة، الذين اجتمعوا على إسقاطه، وأجمعوا على ضرورة وحدة الأراضي السورية، وعدم السماح بقيام كنتونات طائفية او عرقية مستقلة.

المعارك التي تخوضها قوات المعارضة في شمال غرب سوريا، تزامنت مع اندلاع أعمال عنف إثنية في شمال غرب إيران، في مدينة مهاباد الكردية، احتجاجاً على حادثة انتحار فتاة كردية، بعدما حاول رجل أمن إيراني الاعتداء عليها. ظاهرياً اعتُبرت هذه الحادثة السبب المباشر لتحرك الأكراد الايرانيين، وضمنياً فقد جاء التحرك رداً على تاريخ مليء بسياسات التمييز العرقي والمذهبي التي تمارسها سلطات طهران بحق الأـقليات الإثنية والعرقية، منذ قيام دولة إيران الحديثة أي قبل قرن تقريباً.

منطقياً لا يمكن ربط الحالتين ببعضهما. الأولى هي نجاح عسكري لقوات المعارضة السورية، نتيجة تقاطع مصالح عواصم إقليمية مستجدّ في سوريا، ولهذا النجاح بعدٌ جيوستراتيجي مبنيّ على استحالة القبول بكيان علوي مستقل. أما الثانية فهي ردّة فعل على حادثة اعتداء، لكنها كشفت حجم مأزق العلاقة بين المركز والأطراف في ايران، وأزمة الأقليات المتصاعدة، وخطرها على استقرار ايران الداخلي ووحدة اراضيها.

تاريخياً لم تصمد جمهورية مهاباد الكردية، التي أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني عن قيامها في شمال غربي ايران سنة ١٩٤٦ بغطاء سوفياتي أكثر من ١١ شهراً، فقد كانت ضحية تسوية بين واشنطن ولندن وموسكو، حيث رفعت موسكو الغطاء عنها لاحقاً، بعد أن أُقِرّ لها بالسيطرة على جزء من ثروة ايران النفطية، فأعطى الديكتاتور السوفياتي جوزف ستالين الأوامر لجيشه بالانسحاب من شمال وشمال غرب ايران، الأمر الذي سمح للجيش الايراني دخول مدينة مهاباد، واعتقال زعيم الانفصاليين الشيخ قاضي محمد وإعدامه.

اليوم فإن القضية الكردية عادت إلى الواجهة على وقع أزمات المنطقة المعقّدة، وشعور الأكراد المنتشرين في أكثر من دولة أن الفرصة باتت متاحة أمامهم لرد الاعتبار لقضيتهم، والمجاهرة بنوازع انفصالية كانت حتى وقت قريب مجرد رغبات غير معلنة، وتجربة كردستان العراق مثالاً. ففي سوريا يجهد الأكراد لاستغلال فرصتهم التاريخية، وذلك بالتفلت من سيطرة الدولة المركزية من جهة، ومن جهة أخرى عدم الانضمام الى قوى المعارضة، ووضع شروط مسبقة في حال التعاون معها، حيث تسمح لهم هذا الوضع بمراكمة مشروع استقلالي على المدى البعيد، على غرار التجربة الكردية في العراق، فتأتي احداث مهاباد هذه اللحظة الإقليمية، لتنبّه النظام الايراني من خطورة اللعب بكرة الثلج الكردية، وإلى أن إضعاف السلطة المركزية في بغداد، والدفع إلى تقسيم سوريا سيؤثران مباشرة على الأمن القومي الايراني، واستقرار ايران الداخلي وسلامة اراضيها.

 أما تركيا التي تبدو أقلّ اضطراباً من غيرها في الأزمة الكردية الحالية، فهي تتكئ على نجاحها النسبي في إدارة حوار مع الأكراد من اجل التوصل الى تفاهم طويل الأمد معهم بمساعدة أربيل، هذا الحوار سمح للأكراد بتأسيس أول حزب رسمي لهم سنة ٢٠١٢ “حزب الشعوب الحرة” الذي حصل على نسبة ١١٪ في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، ليضع الطبقة السياسية الكردية أمام خيارات صعبة تاريخيًا، بين الاستمرار في المعارضة لكن من داخل مؤسسات الدولة هذه المرة، وعبر الشراكة في الحكم، وبشروط الدولة، يضاف الى ذلك ايضا، نجاح حزب العدالة والتنمية الحاكم في استمالة التيارات الدينية الكردية، ونجاح الحكومة التركية في توقيع اتفاق سلام مع حزب العمال الكردستاني أدى إلى انسحاب مقاتيله الى جبال قندوز.

هذا لا يلغي قلق تركيا من تنسيق بعض الأكراد مع جماعات كردية مسلّحة في سوريا تتعاون مع طهران والأسد، وهذا من شأنه ألا يحمي انقرة من توسع المطالب الانفصالية لدى أكراد تركيا، مستفيدين مع تطور الوضع الكردي السوري واحتمال انعكاسه على الأكراد في ايران، الذين استعادوا أحلام مهاباد مجدداً. في المقلب السوري تقف أنقرة بحزم في وجه طهران، باستحالة قبولها قيام كيان علوي في حال انكفاء الأسد الى الساحل، فقضية تقسيم سوريا الى كيانات عرقية ودينية خط أحمر بالنسبة للأمن القومي التركي، لا يمكن لأحد تجاوزه، فهو سيؤثر مباشرة على استقرار إقليم هاتاي التركي ذو الأغلبية العلوية، حيث توجد جماعات انفصالية تطالب بالوحدة مع الجانب العلوي السوري، كما سيشجع الأقلية العلوية الكردية ٣٠٪ من الأكراد على استثمار تقسيم سوريا لصالح نزعاتها الانفصالية.

 وإذا كانت طهران ترى أن تقسيم سوريا سيكون تعويضاً لخسارتها الكبرى فيها، فإنّها لا تستطيع أن تمنع وصول حمى التقسيم الى العراق، الذي ستخسر فيه الشيعية السياسية موقعها السلطوي في حال خسرت الجزءين السنّي والكردي، وسيتحول الوسط والجنوب الشيعيين الى منطقة جغرافية تخضع للنفوذ الايراني، بلا أي دور سياسي، إضافة الى ان تدحرج كرة الأقليات كفيل بتمزيق وحدة الاراضي الايرانية، فنفوذ باكو وأنقرة على الآذريين الإيرانيين كبير، وهم يشكلون ٢٢٪ من الشعب الايراني، ومتغلغلون في إدارات الدولة والمناصب العليا القيادية، ولدى بعضهم رغبة في تخفيف قبضة سلطة الدولة المركزية، والحصول على نوع من الحكم الذاتي، وهناك طرف انفصالي ناشط يدعو الى الوحدة مع جمهورية اذربيجان، عدا أن ورقة البلوش وعرب الأهواز ليست بحاجة الى من يشعلها، فهي تزداد تفاقماً يوما بعد يوم، خصوصاً مع لجوء طهران الى الخيار الامني بدل التنموي في التعامل مع قضية الحقوق الثقافية والاجتماعية للقوميات. تركيا معنية بوحدة الأراضي السورية، بقدر ما إيران معنيّة بوحدة الأراضي العراقية، والطرفان يحاولان الالتفاف على مسألة الأقليات التي تؤرق أمنهما القومي، ولكن هل هناك مغامر يرغب في التفلت من ثوابت الأمن الجماعي للمنطقة ويعبث بالمستحيل الإقليمي؟ في النهاية لا أحد يستطيع آن يمنع الشعوب من حقها في تقرير مصيرها.

*مصطفى فحص كاتب سياسي، ومحلل سابق في قسم السياسات الاقليمية في معهد العلاقات الدولية موسكو – MGIMO.

التوقيع على الاتفاق النووي.. محسوم
ثريا شاهين/المستقبل/14 حزيران/15

لاحظت مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع أنّ الدول الكبرى لديها مصلحة حتى اللحظة الأخيرة من الموعد الأقصى لتوقيع الاتفاق حول النووي مع إيران، أن لا تعلن أي شيء حول حسم هذا التوقيع. والطرفان الغربي والإيراني يناوران حتى 30 حزيران الجاري بسبب رغبة كل فريق في تحسين موقعه التفاوضي في مرحلة من التغلب على العقبات لتسهيل التوقيع الذي يريده الطرفان. فالرئيس الأميركي باراك أوباما يعتبره استحقاقاً مهماً قبل انتهاء ولايته، وإيران تريده بسبب ضعف اقتصادها، إلى حد الانهيار. وإذا وجد الطرفان أنهما أحرزا تقدماً جوهرياً في اتجاه الاتفاق فسيتم التمديد للتفاوض أياماً معدودة ليس أكثر. مبدئياً، وفقاً للمصادر، بات التوقيع محسوماً، وهو كناية عن اتفاق سياسي، في حين أنّ الجزء التقني سيستمر التفاوض حوله حتى اللحظة الأخيرة، وقد يمدّد ذلك إلى ما بين عشرة أيام وخمسة عشر يوماً.

الأمر الأساسي بالنسبة إلى الطرفين، هو المضمون في التفاوض أو الخلاصة التي سيتوصل إليها المفاوضون، وليس الوقت. الآن يتم العمل في التفاوض المكثف الحاصل على الملاحق الخاصة بالاتفاق. بحيث تتم تعديلات في مشروع الاتفاق من أجل تقريب وجهات النظر لحصول الاتفاق والنقاط التي لم يحصل توافق عليها، سيصار الى إعادة التفاوض حولها، إلى حد المساومة السياسية. وسيصل الطرفان إلى حل سياسي أولاً، أي أنّ الاتفاق سيكون مبنياً على توافق سياسي على الخطوط العريضة. والهمّ الأساسي هو الوصول إلى نتيجة في التفاوض. الأولوية في البحث بين الغرب وإيران هي التفاوض حول النووي، ونجح الطرفان في الابتعاد عن المواضيع الاقليمية ما عدا بعض التبادلات في وجهات النظر بصورة عرضية حولها. والتفاوض كان انطلق على أساس هذا الابتعاد حتى أنّ التطورات الاقليمية إن كان في سوريا والعراق واليمن وليبيا، لم تؤثر على مجرى التفاوض الغربي مع إيران.

وتوقفت المصادر عند موقف كل من إسرائيل وإيران الذي يقول إن الاتفاق لن يوقف عمل إيران لتحقيق القنبلة.. إذ تشير إلى أنّ من الصعب في الأساس العودة إلى الوراء في مسيرة التفاهم مع إيران حول النووي، هذا أولاً. وثانياً، الاتفاق لدى حصوله سيجمّد البرنامج النووي على مدى 10 سنوات، تصل أيضاً إلى 15 سنة. أي أنّه حتى وقت طويل، لن تتقدّم إيران على الاطلاق في هذا الموضوع، والآن لم تصل إيران بعد إلى القنبلة النووية. حتى لو قامت بعد 15 سنة باستئناف نشاطها النووي لأغراض عسكرية، فإنّه يلزمها وقت لتصل إلى إنجاز القنبلة.

وتقول المصادر ان الرقابة التي ستفرضها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب الاتفاق الذي سيوقع، ستبقى سارية المفعول، ولن تنتهي في سنوات محدودة. بمعنى آخر، إذا قررت إيران أن تنجز القنبلة بعد السنوات ال15 الواردة في الاتفاق فستكشف الوكالة ذلك. والاتفاق الموقّع سيكون جيداً، لأنّ إيران كانت وقعت على اتفاقية منع الانتشار النووي وعلى البروتوكول الإضافي، الذي يسمح للوكالة بأن تفتش أينما أرادت ورأت ذلك واجباً، وفي أي وقت تشاء. والبروتوكول تحديداً، يعطي القدرة على التفتيش بشكل أوسع بكثير، من اتفاقية منع الانتشار النووي، ما يشكل ضمانة لسنوات طويلة ما بعد السنوات التي سينص عليها الاتفاق. وبالتالي، سيتم كشف أي تحرك مستقبلي لإيران على هذا الصعيد. كل ذلك للدلالة على انه لا يمكن لإيران القيام بإنجاز القنبلة بصورة سرية. لكن هناك مسألة مهمة يعمل الغرب من خلال الاتفاق الذي سيوقع على ان لا تخل إيران به، انه تخوّف من عدم التنفيذ وعدم السماح للمفتشين بالتفتيش، تماماً كما كان يفعل الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي استمر في التلاعب عشر سنوات. من هنا يجري في عملية التفاوض العمل لضمان تنفيذ إيران التزاماتها. ويتم العمل على وضع بنود ذات صلة برد العقوبات في حال المخالفة واعتماد طريقة محددة لذلك. ان رفع العقوبات يحتاج إلى سنتين أو ثلاث وفقاً لتنفيذ إيران للاتفاق. وفكرة الغرب تعليق العمل بالعقوبات وليس رفعها كلياً لدى تنفيذ حيز كبير من الاتفاق من جانب إيران، هو ورقة ضغط دولية، لضمان العودة سريعاً إلى العقوبات، تحسباً لأي إخلال بالاتفاق، هذه النقطة بالذات تشكّل ليس ناحية تقنية فحسب، إنما أيضاً لها بُعدها السياسي في عملية وقف البرنامج النووي الإيراني.