بيار جبور/عملية “الاحدب”… اللهيب الساطع

539

عملية “الاحدب”… اللهيب الساطع
بيار جبور/عن موقع القوات اللبنانية/10 حزيران/15

“القوات اللبنانية” “نور لمن اهتدى ونار لمن اعتدى” قول لطالما رددناه في الماضي، والتاريخ خير شاهد على مسيرة المقاومة اللبنانية، التي ابتكرت وخططت، نفّذت ونجحت. الرهان كان أن نبقى أحراراً في بلد الاحرار او مشتتين في اصقاع الارض. أخترنا الحل الاول وصمدنا وها نحن هنا.

بناية الاحدب الواقعة على خط الجبهة في ذلك الزمان والتي كانت البناية الوحيدة الموجودة في الطرف الشرقي من ساحة البرج وكانت تفصل مواقع المقاومة اللبنانية من البحر وصولاً إلى السوديكو خط الشام. منها كانت تتعرض للقنص المنطقة الممتدة من مبنى (دائرة التحري) يساراً ووصولاً إلى مبنى بيبلوس و سينما روكسي ويميناً حتى بطريركية الأرمن جسر الرينغ مروراً بكنيسة مار مارون وشارع الجميزة. توجد فيها فصيلة معززة من القوات الخاصة السورية حيث كان بجوارها بناية الفردوس الملاصقة.

كانت “القوات اللبنانية” موجودة بالمباني المجاورة (دائرة التحري، القبرصلي، سرسق، الأمبير، المتروبول…) بينما الجيش السوري كان موجوداً في الأبنية المواجهة لساحة البرج (الفردوس، الأوبرا Virgin Mega Store حالياً، UFA حالياً).

ازاء هذا الوضع ولوقف اعمال القنص أتخذ القرار في اركان “القوات اللبنانية” القيام بعملية عسكرية خاطفة وتطهير المبنى من السوريين. اوكلت العملية إلى فصيلة من وحدات دفاع بيروت تساندها فصيلة معززة من منطقتي الصيفي والمدوّر.

بدأت التحضيرات اللوجستية وشرح أمر العمليات للمشاركين في العملية النوعية والتأكد ان كل عنصر قد فهم مهامه ومهام العسكريين الموجودين على مجنباته، أمامه ووراءه.

صباح 12 – 5 – 1981 بدأت المساندة بتركيز نيرانها على بناية الاحدب والمباني المجاورة حيث يوجد السوريون وذلك لتغطية مجموعة من وحدات بيروت تقدمت بإتجاه بناية الاحدب مهمتها فتح فجوة في الجدار ومن ثم مجموعة ثانية مهمتها ادخال خرطوم عائد لسيارة من فوج الاطفاء و ضخ كمية من المواد البترولية السريعة الاشتعال على ان يتم حرق المبنى كاملاً من أسفل إلى أعلى.

تولى الرفيق الشهيد خليل الريس (السنبك) الذي سقط لاحقاً في بحمدون اثناء حرب الجبل المهمة نظراً لخفته وقصر قامته وشجاعته، حيث استطاع الوصول تحت وابل من الرصاص والقذائف وفتح الفجوة المطلوبة بواسطة المتفجرات وادخل خرطوم سيارة الاطفاء تزامناً عاجل رجال وحدات بيروت بضخ المواد البترولية القابلة للأشتعال والتي هي خلطة محضرة لهذه العملية تحديداً على أن ينسحب السنبك ويطلق عناصر وحدات الدفاع النار لإشعال المبنى.

تعرض المهاجمون من وحدات الدفاع والقوى المشاركة لإطلاق نار غزير ورمايات من مبنى الأوبرا والفردوس التي كانا يشغلهما ايضاً جيش التحرير الفلسطيني.

تزامناً قامت المساندة القريبة والبعيدة بضرب كافة المباني المحيطة بمبنى الاحدب بقوة نارية كبيرة وقصف مباشر لتخفيف الضغط عن المهاجمين من “وحدات بيروت” واشغال المواقع العدوة وحرف الانظار عن المهمة الرئيسة.

“القوات اللبنانية” عندما تقرر اي عملية لا مفر من نجاحها لأن المخططين لديها لهكذا نوع من العمليات هم من أمهر المخططين الاستراتجيين يساعدهم بذلك معرفة قدرات عناصرهم وامكانياتهم العسكرية وشجاعتهم. نجحت الخطة وبدأ المبنى بالإشتعال. ورويداً رويداً بدأ مبنى الاحدب يتهاوى فكان أن سقط نصفه ليبقى نصفه الآخر.

جن جنون السوريين، فأقدم الضابط (تحت أعين المقاومين) على دفع جنوده إلى خارج المبنى واعطائهم الامر بمهاجمة قوات المقاومة اللبنانية وهنا كانت المقاومة اللبنانية في أمر عملياتها تتوقع هذا الشيء مما سهّل عليها القيام بهجوم معاكس وبسرعة حيث تم القضاء على جنود الوحدات الخاصة وتراجع الباقيين إلى بنايتي “الفردوس” و “الاوبرا “، وبعدها دخل المقاومون و فخخوا المبنى لينفجر لاحقاً.

عثر مقاتلو “القوات اللبنانية” في غرفة العمليات الكائنة في اسفل مبنى الاحدب على خرائط وخطائط وأمر عمليات كان يقضي بإنزال وحدات خاصة سورية مجوقلة في عمق الاشرفية والصيفي واوتوستراد الكرنتينا – الدورة لضرب والهاء خلفية “القوات اللبنانية” وليسمح لهم التقدم عبر خط الجبهة واجتياح الاشرفية. كما تبين ايضاً انهم كانوا يستعملون نفق البنى التحتية تحت الارض ويضعون خزائن حديدية للتمويه بينما كانوا ينتقلون تحت الارض بين بناية الاحدب وبناية “الفردوس”.

سقط للسوريين عدد كبير من القتلى والجرحى كما سقط للمقاومة اللبنانية الشهيد فيليب ابي نادر من “وحدات بيروت”.

صمدنا، دافعنا لنحمي وجودنا في وطن ارادوه ممزقاً مخلعاً مشلعاً. انتصرت الارادة، فحققت معجزة الصمود، دحرت عدواً غاشماً اراد تطويعنا، قتلنا ونفّينا.

المقاومة اللبنانية اعطت العالم اجمع دروساً في المواجهة والنضال، سطّرنا ملاحم البطولات والشهادة فربحنا حريتنا وارضنا واورثنا اجيالنا حب الوطن والصمود، الغيّنا من قاموسنا مفردات مثل: “الهروب الى برّ أمان و العودة عندما يسمح المحتل”.

حقاً انه زمن مجيد من تاريخ وطن.