علي الحسيني: حزب الله يستنسخ الحشد الشعبي//أسعد حيدر: ربع الساعة الأخير والأقسى من الحرب في سوريا.. دقّ

267

«حزب الله» يستنسخ «الحشد الشعبي»
علي الحسيني/المستقبل/02 حزيران/15

لم يكن قد مضى الكثير من الأيام على استنجاد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بأبناء العشائر في مناطق بعلبك الهرمل للوقوف الى جانب حزبه في الحرب العبثيّة التي يخوضها تحت مُسميّات متعدّدة، وذلك خلال خطابه الأخير، حتّى ارتفعت في معظم هذه المناطق شعارات مؤيّدة له وداعمة لمواقفه ومبدية استعدادها للانخراط في الحرب لكن من منطلق عشائري ومذهبي أراده الحزب أن يكون العنوان الأبرز لهذه التحرّكات التي حُكي أنّه أدارها تحت جنح الظلام.

في العودة الى أولى مراحل العلاقة بين «حزب الله» وعشائر بعلبك – الهرمل إبان وجود الاحتلال السوري في لبنان، يُمكن ملاحظة الشوائب العديدة التي طبعت العلاقة بينهما خصوصاً بعدما شعرت الأخيرة بالخطر الذي يتهدّد سُلطتها التي انقرضت مع الزمن لصالح الحزب بالإضافة إلى استبدال الأجهزة الأمنيّة السوريّة علاقتها معها لصالح أفراد مسؤولين في «حزب الله» الذي راح يقتسم المشاريع في مناطق الحرمان البقاعيّة ويقوم بتوزيع مردود محاصيل أراضيها الزراعيّة مناصفة بينه وبين شخصيّات نافذة من الأجهزة المذكورة من دون إغفال مساحات واسعة من هذه الأراضي قام بوضع يده عليها وأتبعها بدائرة مصانعه «الخاصّة» تحت إشراف أقارب قادة في صفوفه.

لكن وبعد مغادرة آخر جندي من النظام السوري في لبنان، عدل «حزب الله» عن قرار تحجيم هذه العشائر بعدما شعر بعدم قدرته على ضبطها بعكس «الضابط» السوري الذي كان يتولّى مهمة التنسيق بين الجهتين، فأخذ يستطلع آراءها وأوضاعها وإقامة مجالس صلح لفض النزاعات التي كانت تحصل بينها والتي كان هو من يقف وراء معظمها. ورغم محاولاته هذه ظلّ الحزب في نظر العديد من أبناء العشائر السبب الأساس في فقر حالهم وتراجع أوضاعهم المُستمّر لصالح جماعاته والمحسوبين عليه، حتّى عندما قرّرت الدولة اللبنانيّة تلف محاصيل نبتة «الحشيشة» بالقوّة، كان الأمر بالتنسيق مع الحزب لا مع أصحاب الشأن.

العديد من هذه المُمارسات الفوقيّة التي كان يُمارسها «حزب الله» بحق أبناء العشائر، كانت تنعكس قتالاً مُسلّحاً في العديد من المرّات بينهما سواء في البقاع أو في الضاحيّة الجنوبيّة وكانت تُسفر عن قتلى لكن دائماً كان يُحاول الحزب إعطاءها طابعاً فرديّاً. وهنا يقول العالمون في بواطن العلاقة التي تجمع بين الحزب والعشائر إنّ أساسها مبني على التهميش حتّى في شقّها السياسي بحيث ما زال حتى اليوم يمنع الحزب وصول أي مُرشّح لعدد من العائلات في الهرمل وبريتال وحور تعلا واليمونة، وكل هذا «التطنيش» على حد وصف أهالي بعلبك الهرمل من قبل الحزب، يجعلهم في صراع دائم معه، لكن يبدو أنه نجح أخيراً في كسب تأييد عدد منهم من خلال الترهيب والترغيب والوعود «العرقوبية» واللعب على غرائزهم المذهبيّة وتصويره اللبناني الآخر على هيئة سفّاح قادم لاجتثاث رؤوسهم عن أجسادهم.

وفي ظل محاولاته الدؤوبة للخروج من الأزمات التي ما زال يواجهها والتي كان آخرها من خلال محاولة إنشائه «الحشد الشعبي»، استعاد «حزب الله» بعض رموز زمن الحرب اللبنانية مثل المسؤول العسكري السابق في حركة «أمل» عقل حميّة وآخرين من المطلوبين بمذكرات توقيف للدولة يصل حكم بعض منها إلى المؤبّد، في خطوة شبّهها البعض وكأن هناك مُخطّطاً واضحاً يعمل عليه الحزب للعودة بالبلاد إلى زمن الحرب المذهبيّة وهذا ما بدا من خلال البيان الذي وزّعه أنصار أحد هؤلاء حيث استُحضرت فيه عبارات طائفيّة ومذهبيّة تعود إلى زمن معركة «كربلاء» وصولاً إلى حد التهديد بالقتل في حال لم يغادروا مدينة بعلبك خلال فترة محدودة. والأغرب أن «حزب الله» لم يُبادر إلى رفض أو استنكار هذا البيان الذي وقّع باسم «وجهاء العشائر البقاعية» خصوصاً أن الإعلان جاء من خلف عباءة نصرالله بحسب ما ورد في البيان.

البقاع الشمالي في حالة غليان كامل، هذا أقل ما يُمكن وصفه اليوم. العشائر البقاعية تداعت إلى اجتماع أمس الأول عبّرت خلاله عن استعدادها للقتال والموت في سبيل قُراها. اجتماع استحضرت فيه لغة تخوين امتهنها «حزب الله» وبرع في توجيهها منذ نشأته ولغاية اليوم. اللقاء لم يُنسب للحزب رغم أن قيادته هي من دعت اليه وهي التي نظّمته وأدارته من خلف الكواليس وكأنه أراد أن يُرسل من خلاله رسالة واضحة للدولة اللبنانية مفادها أنّ «الأهالي جاهزون لاقتحام بلدة عرسال وجرودها ما لم تتحركي وتقومي أنت بالدور ولكن تحت راية لواء القلعة«، ما يعني أن الفتنة قد بدأت قبل وقوع المعركة وهذا ما أراده نصرالله بالفعل عندما أشاد بـ»الحشد الشعبي» في العراق وتجربته التي اعتبرها بمثابة مشروع ناجح له في ما لو جرى تطبيقها في لبنان.

بكل تأكيد فإن ما قام به «حزب الله» مؤخراً، لا يمكن المرور عليه وكأنّ شيئاً لم يحصل، فالحزب بدأ يُعد العدّة بشكل كبير للمرحلة المقبلة وهذا ما يظهر جليّاً من خلال التجييش الذي يقوم به. استحضر «حزب الله» عبارات التخوين، استعاد رموزاً من زمن الحرب الأهلية ومنح غطاء واسعاً لعودة المطلوبين للقضاء الى قراهم والظهور على شاشات التلفزة وهم يتوعّدون فئة أساسيّة من الشعب اللبناني، وبهذا يكون لبنان أمام مرحلة صعبة وحرجة جدّاً أراد «حزب الله» أن يضعه فيها، وقد لا يكون الخروج منها إلّا بقتل أكثر من نصف مكوّنات الشعب اللبناني لا نصف طائفة كما وعد السيد نصرالله.

ربع الساعة الأخير والأقسى من الحرب في سوريا.. دقّ
أسعد حيدر/المستقبل/02 حزيران/15

تمرّ سوريا في «ربع الساعة «الاخير من أزمتها المفتوحة على جهنم. لا يعني ذلك ان النهاية اقتربت، وانه لم يبق الا القليل بعد انتهاء الأطول المليء بالدماء والدموع والخراب. بالعكس قد يكون ما تبقى الاصعب والاقسى والأكثر ألماً، لان سوريا تحولت منذ «عسكرة الثورة» وانخراط مختلف الدول الإقليمية والدولية في «حروبها»، الى ساحة صراع لتصفية الحسابات في ما بينها».

عَلى هذا الأساس فان المرحلة المقبلة التي ستمتد شهوراً وربما اكثر، ستشهد تصعيداً واسعاً ونارياً بين ما تبقّى من النظام الأسدي ومعه القوى التي تدعمه، اي ايران وميليشياتها («حزب الله« ولواء ابو الفضل العباس العراقي وغيره والافغان في فيلق الفاطميين الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم، و»الزينبيون» من الشيعة الباكستانيين) وموسكو، والمعارضات السورية من الجيش الحر وصولا الى «النصرة« و«داعش» في الضفة الاخرى ومعهم بحساب أعضاء التحالف وهم: السعودية وقطر وواشنطن وتركيا وفرنسا، في كل ارجاء سوريا وصولا الى العراق وداخله.

يكفي لتقدير مستقبل المواجهات التي تشتعل وستتصاعد الخسائر فيها اكثر فاكثر، ان معارك السنوات الأربع الاخيرة وان سقط فيها اكثر من مائتي الف قتيل فان معظمهم من المدنيين الذين سقطوا تحت البراميل المتفجرة. اما حاليا فانهيار معركة مشفى الشغور وحدها «سقط في داخله وفي محيطه من البساتين ضابطاً بينهم اللواء منصور قائد القوات الخاصة وعشرة عمداء وأحد عشر عقيداً وأربعة مقدمين وما تبقّى هم من النقباء والملازمين. الجيش السوري كمؤسسة وطنية لم يعد يتجاوز عديده الربع قبل «الحروب» والمطلوب سورياً ودولياً ان يبقى هذا الجزء سالماً حتى يمكن اعادة تشكيل الجيش السوري في المستقبل. من دون ذلك سـ«تتعرقن» سوريا في أحسن الأحوال اما في الاسوأ فإنها سـ«تتصومل».

خلف غبار المعارك في الداخل السوري، ستكون المفاوضات حامية ومتداخلة في مختلف العواصم المعنية. العقدة في هذا المشهد الدراماتيكي الطاحن، ان أيا من الفرقاء لم يقرر حتى الآن ماذا يريد فعلا الحصول عليه وما هو سقف مطالبه والحد المقبول لتنازلاته، اي الخط الأحمر الذي لا يمكن ان يكسره. مثالا على ذلك:

واشنطن تلعب منذ اربع سنوات دور «المقنن للأدوار وتدير الساحة من بعيد دون اي خسائر مادية او بشرية وهي تكاد تحقق صيغة الربح زائد الربح حيث الجميع بمن فيهم موسكو بحاجة إليها». ايران ستوقع الاتفاقية النووية التي قدمت الكثير من التنازلات التي لامست الخطوط الحمر لسيادتها. وموسكو تدرس الوضع لانه لا يمكنها الحصول على أوكرانيا وسوريا في وقت واحد. وهي تلعب لعبة جهنمية مع تنظيم «داعش« حيث لا تعمل على «اصابته الا بحساب». «داعش« ينقذها من المتطرفين الذين يشكلون خطرا داخليا عليها، «داعش« يريد فرض تطرفه وسلفيته داخل «دولته» ولا يفكر بالعمل على اختراق الحدود كما حصل مع «القاعدة». في هذه الحالة لن تحزن كثيرا على الضحايا من السوريين والعراقيين، ومن الشيعة والسنة، المهم بالنسبة للأميركيين ان يبقوا بعيداً عن خط النار.

اللعبة الأوبامية الأكثر خبثا في تاريخ الحروب، ان واشنطن تعلم ان الأسد استخدم السلاح الكيماوي مؤخرا وقد اعترف مسؤول أميركي بذلك في لقاء خاص في باريس بذلك، ولا تعمل شيئا وتتجاهله رسميا، والطائرات الأميركية تحلق ولا تقصف «داعش« الا ما يتناسب مع خططها وقد أكد ذلك المرشح السابق للرئاسة جون ماكين ( كشف ان من حمولة الطائرات تعود الى القواعد) كما ان الفرنسيين يشكون من ان طائراتهم لا تقصف في معظم الأوقات لان الأميركيين لم يعطوهم «بنك الأهداف». ايران وتركيا، اللاعبان الإقليميان الكبيران، يريدان الكثير لكنهما يعرفان ان «عيونهما بصيرة وأيديهما قصيرة»، بوجود الأميركي وحتى الروسي، لن يأخذ كل واحد منهما الا بحساب، خصوصا ايران بعد ان دخلت في صراع مكشوف مع المكون السني تحت شعار «الهلال الشيعي». يكفي ان تركيا تلعب تحت السقف الأميركي ولا تعمل على اختراقه مهما تذمرت. الجحيم فاض بالضحايا من السوريين، ولكنه قادر ايضاً على استيعاب الجميع..