ربى كبارة/«لقاء سيدة الجبل»: لا حلول فئوية لحماية لبنان

227

«لقاء سيدة الجبل»: لا حلول فئوية لحماية لبنان
ربى كبارة/المستقبل/01 حزيران/15

اجمعت مداخلات الخلوة الحادية عشرة لـ»لقاء سيدة الجبل« التي انعقدت امس، على «ان لا حلول فئوية لحماية لبنان»، مشددة على ضرورة العمل على بلورة قراءة وطنية موحدة من اجل المساهمة في «ابتكار حلول وطنية لصالح الجميع، لان الحل الوحيد الممكن هو حل وطني يجب البحث والتفتيش عنه عبر هيئات وادوات منها على سبيل المثال لا الحصر، دور للمرجعية المسيحية بالتعاون مع سائر المرجعيات الدينية، خصوصا وان لبكركي سابقة مؤثرة في هذا المجال انطلقت عام 2000 بنداء المطارنة الموارنة المطالب بخروج الجيش السوري«، و لان «الوجود المسيحي يحول دون الانزلاق الى حرب مذهبية» كما قال احدهم. في مداخلته. فحماية البلد تحتاج الى خطوات ومبادرات هي هدف الخلوة، التي انعقدت في دار سيدة الجبل- فتقا بعد غياب ثلاثة اعوام عن المقر الذي شهد تاسيسها وخلواتها السنوية حتى العام 2007، تسعى لمواجهة حملات التخويف المجاني من تمدد تنظيم «داعش« لان الهواجس والمخاوف تسكن ضمائر الاقليات وكذلك الاكثريات المعتدلة. كما وان المعضلات، ومنها ازمة الرئاسة الاولى، لا يمكن ان تحل مسيحياً بمعزل عن المسلمين بما يعني ان لا رئاسة في المدى المنظور وبالتالي الدولة كلها في خطر بما يفسح المجال واسعا لاستشراء الحرب المذهبية. وانسحاب المسيحيين من الحياة السياسية باعتبار ان هذه الحرب لا تعنيهم يجعلهم من جملة الخاسرين عندما يفقدون البلد. تميزت الخلوة الحالية بمشاركة مستجدة من المطران يوسف بشارة الذي كان لحضوره دور محوري في قيام «لقاء قرنة شهوان» المسيحي المعارض، الذي فتح الباب لتجمع متنوع تجسد في «لقاء البريستول» قبل ان يتبلور في «قوى 14 آذار« بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وتمحورت مداخلة المطران بشارة حول نص بعنوان «الكنيسة المارونية والسياسة» من ضمن وثائق مجمعية صدرت منذ تسع سنوات وفيه «ان العيش المشترك ليس فقط قدر اللبنانيين ولكنه ايضا خيارهم الحر». وقد شدد على ان النص يبين ان تجديد تجربة العيش المشترك لا يوفر ضمانا لمستقبل لبنان وحسب بل يشكل ضرورة لمحيطه العربي فالتجربة اللبنانية «نمط حضاري راق لمجتمعات تتميز بالتنوع والتعدد ولتعريف العروبة كرابطة حضارية تقرب بين العرب». كما دعا الى تفعيل «لقاء سيدة الجبل» حتى ينتج «لقاءات لبنانية مشتركة في كل لبنان«.
واكد النائب السابق سمير فرنجية على اهمية «اعادة الاعتبار لاتفاق الطائف بعد ان شوهته سنوات الوصاية السورية» ليكون «نموذجا يمكن الاقتداء به لحل مشكلة التنوع الديني والعرقي الذي يميز الشرق العربي» بما يعني خروج الدول المأزومة مثل العراق وسوريا باتفاقات على غرار الطائف. ولفت الى اهمية دور الانتشار في «وضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته» لان انهيار تجربة عيشنا المشترك ستساهم في تفاقم العنف «ليس في المنطقة العربية فقط بل ايضا في الغرب«. ودعا المحلل والكاتب السياسي احمد الغز الى انتاج «قَسَم لبناني على الهوية» اسوة بالقسم الذي يتلوه الحائز على جنسية دول تحترم نفسها، مقترحا ان يستوحى من العبارة الواردة في رسالة بطاركة الشرق الاولى «ان المسيحيين يشكلون جزءا موضوعيا من الهوية الوطنية للمسلمين، مثلما يشكل المسلمون جزءا موضوعيا من الهوية الوطنية للمسيحيين فهم جميعا والحال هذه مسؤولون عن بعضهم امام الله والتاريخ«. وذكر منسق الامانة العام لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد بقول المجمع البطريركي الماروني عام 2006 «ان الموارنة ليسوا اقلية ترتبط بعلاقات جوار وتساكن مع الآخرين بل جماعة لها دور فاعل من خلال تواصلها وتفاعلها مع كل الجماعات في رسم مستقبل مشترك» وقال «خلاصنا بوحدتنا، فاما ان ننجو موحدين واما ان نغرق فرادى«. وقد شدد البيان الختامي للخلوة التي حضرها نحو 200 شخصية من ممثلي القوى السياسية وقادة الرأي على «ضرورة اعادة الاعتبار لاساسيات عيشنا المشترك عبر اعادة الاعتبار لاتفاق الطائف، بحيث لا حلول فئوية لحماية لبنان«. وشدد على ان الرئاسة الاولى لا تعالج معضلتها من موقع مذهبي وكذلك امن الحدود وحماية البلد. ودعا الى مراجعة مسيحية «لاستكشاف اسباب تراجع المبادرة المسيحية بعد دورها المميز في التأسيس لانتفاضة الاستقلال، وذلك عبر تنظيم ورشات حوار وعمل».
وكان اللقاء إستهلّ بكلمة المطران يوسف بشارة، الذي قال فيها: «في إطار اهتمامات لقاء سيّدة الجبل الوطنيّة والمسيحيّة. وفي الجوّ الإقليمي المطبوع بالعنف والإرهاب وتمدّد الدولة الإسلاميّة، وما يخلقه من هواجس وتخوف لدى المسيحيين وتخويفهم، من جراء ما لحق بإخوانهم من تهجير وتقتيل في العراق وسوريا. وفي جو داخلي متأزم على أكثر من صعيد ولا سيما الفراغ في رئاسة الجمهورية وما تمثله من رمزية لدى المسيحيين وانتظام في السياسة. تنحصر مداخلتي على تبيان هذه المفاصل الثوابت التي أبرزتها في ما بعد شرعة العمل السياسي في ضوء تعاليم الكنيسة وخصوصية لبنان والمذكرة الوطنية التي أصدرها نيافة الكاردينال البطريرك بشاره الراعي دون إغفال المواقف الوطنية المشرّفة والجريئة التي عبّر عنها نيافة الكاردينال البطريرك نصر الله صفير على مدى ربع قرن في ظروف صعبة التعقيد، محاطاً بمجلس الأساقفة الموارنة المتماسك«.
وضمّن بشارة كلمته محاور عدة. ففي الأول تناول النص المسار التاريخي للكنيسة المارونية في المجال السياسي منذ البدايات حتى المرحلة المعاصرة. وفي الثاني عالج مرحلة ما بعد الحرب واتفاق الطائف الذي كان للكنيسة دور في إرسائه وخاصة لأنه اعتبر العيش المشترك أساس العقد الاجتماعي بين اللبنانيين ولا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك. وأشار الى المذكرة المفصلة التي رفعها مجلس المطارنة الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري سنة 1998 يحلّل فيها الواقع المتدهور ويعرض أساليب المعالجة، الى أن يصل الى النداء الشهير الصادر في الديمان في 20/9/2000، عن مجلس المطارنة الموارنة برئاسة السيد البطريرك مطالباً بإنهاء سلطة الوصاية السورية واستعادة السيادة والاستقلال والقرار الحرّ بعد تحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الاسرائيلي). (وعلى أثر هذا النداء، نشأ لقاء قرنة شهوان الذي ضمّ نخبة من رجال الفكر والسياسة والأحزاب حتى يجسّدوا هذا النداء في مواقفهم ومواقعهم وحتى لا تكون السلطة الكنسية دائماً في الواجهة). وتطرق الفصل الثالث الى التحدّيات مركّزاً على العيش المشترك وبناء دولة ديموقراطية حديثة والمصالحة مع السياسة. سنتوقف على هذا الفصل ببعض التفصيل لأن طروحاته لا تزال صالحة لحلّ المشاكل التي تنتابنا اليوم.
فقد أكد أن «التحديات التي تواجه اللبنانيين تبدأ بالعيش المشترك، فالمسلمون كما المسيحيون، خبروا العيش المشترك، بحرية ومسؤولية على مدى قرون طويلة، فكانت حقبات مضيئة، لم تخلُ من بعض الصعوبات. لذلك فهم يتحمّلون مسؤولية ترسيخ هذا العيش، وتخطي ما لحق به من خلل ومشاكل، لأن ما يجمع بينهم هو أكثر مما يفرّق: العيش المشترك اذاً هو «مسؤولية نحملها معاً أمام الله، لأن الله هو الذي دعانا وأراد لنا أن نكون معاً، وأن نبني معاً وطناً واحداً. وجعلنا في هذا البناء المشترك مسؤولين بعضنا عن بعض»، مذكراً بأن «الحرب كادت تقضي على العيش المشترك. إنما قام استقلال لبنان من جديد في العام 2005 على موقف مشترك مسيحي وإسلامي يؤكدّ على أن اللبنانيين لهم الحق في وطن حرّ ومستقلّ يعيشون فيه مختلفين من حيث الانتماء الديني ومتساوين في مواطنيتهم ومصيرهم الواحد كما يبيّن أن رسالة لبنان في هذا المجال ضرورية «لأن التحدّي الأكبر الذي يواجه البشرية اليوم، هو مشكلة العيش معاً بين مختلف العائلات البشرية«.
وأشار الى أن «التحدي الثاني هو بناء دولة ديموقراطية حديثة تقوم على التوفيق بين المواطنية والتعددية. هذه الدولة المنشودة هي التي تؤمّن التمييز الصريح، حتى حدود الفصل بين الدين والدولة، بدلاً من اختزال الدين في السياسة أو تأسيس السياسة على منطلقات دينيّة، مثل الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات. ولفت الى الإنسجام بين حق الفرد في تقرير مصيره وحق الجماعات في خياراتها. والانسجام بين استقلال لبنان ونهاية كيانه وبين انتمائه العربي وانفتاحه على العالم». وشدد بشارة على أن «التحدي الثالث هو في المصالحة مع السياسة. وهذا يتضمن ثلاثة عناوين: المشاركة في إدارة الشأن العام وفيه تفصيل لمفهوم السياسة وممارستها السليمة. الإلتزالم بالقيم الإنجيلية لتجدد روحي لدى الموارنة في الإلتزام السياسي وتفعيله وتجديد القيادات ومحاسبتها. ثم تعزيز الثقافة والممارسة الديموقراطية مع تركيز على دور الشباب والمرأة«.

الغز
ثم ألقى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الغز كلمة قال فيها: «جاءت الألفية الجديدة لتحمل معها بشائر امل جديد بعد سنوات طوال من الشيء ونقيضه.. وكنا نعيش بما يشبه الدولة.. ولدينا شيء من الامل باستعادة الدولة والوفاق والشراكة والانتظام. تميزت هذه الالفية الجديدة بالنداء الحدث الذي دق ساعة العمل لاستعادة الدولة بعد الوفاق والوحدة والاعمار، وليضع الأولويات الوطنية بعد الاحتلال والوصاية. وكان لقاء سيدة الجبل الاولى ثمرات ذلك النداء الوطني«. أضاف: «اعترضت تلك الارادة الوطنية المتجددة استحقاقات كبيرة.. وانقسم لبنان بين مَن يريد السير بالدولة والمجتمع الى التقدم والحرية والسيادة والاستقلال والازدهار، وبين مَن يريد إعادة عقارب الزمن الى الوراء وفي احسن الاحوال البقاء حيث كنا، بين الدولة واللادولة والوطن واللاوطن والوحدة واللاوحدة. اننا نلتقي اليوم وبعد سنوات طويلة وثقيلة في لبنان والمشرق بشكل خاص الذي كان ولا يزال يشكل فيه نجاح التجربة الوطنية اللبنانية خلاصاً لمكوناتها التي تعيش أسوأ أيامها، اكثريات وجماعات. ان مجرد اللقاء في سيدة الجبل هذا العام يعتبر انتصاراً للارادة الوطنية الخلاقة في ابتكار آليات الاجتماع الوطني، بدلاً من النصوص والبيانات.. فالغاية الوطنية الكبرى الآن هي اجتماع اللبنانيين حول وحدتهم وبناء دولتهم«. لقد راجعت خلال الايام الماضية الكثير مما هو مكتوب او موثق وصادر عن لقاءات سيدة الجبل.. وكانت كلها تقريباً تنطلق من النداء التاريخي للبطاركة الموارنة عام 2000.. ولقد لفتني ما جاء في البيان الختامي للقاء سيدة الجبل عام 2013، والذي انعقد تحت عنوان: «لاعادة تأسيس العيش معاً بشروط الدولة بدلاً من شروط الميليشيا».. واستوقفتني الفقرة التي تقول « ان المسيحيين في الشرق جزء لا ينفصل عن الهوية الحضارية للمسلمين كما ان المسلمين في الشرق جزء لا يتجزأ عن الهوية الحضارية للمسيحيين.. وانهم جميعاً من هذا المنطلق مسؤولون عن بعضهم البعض امام الله والتاريخ«.. ولقد وجدت في هذا النص المرجعي ما كنت أبحث عنه منذ وقت طويل.. وهو قسم او تعهد للهوية اللبنانية.. فعلى ماذا يقسم او يتعهد الفرد اللبناني اليوم كي يصبح مواطناً لبنانياً؟ واعطى الغز أمثلة كيف يصبح الفرد مواطناً في الامارات العربية المتحدة وفي استراليا وايطاليا وغيرها وكيف يقسم اليمين على الاخلاص لوطنه. وقال: «انها نصوص حاكمة للهوية في هذه الدول.. وانني اتطلع ان يصدر عن هذا اللقاء الوطني في سيدة الجبل في 31 ايار 2015 نص مماثل يكون ملزماً لمن يوقعه.. ويكون بمثابة اعادة تجديد للهوية الوطنية. وانني اجد نصاً ملائماً في الفقرة التي ذكرناها عن رسالة بطاركة الشرق الاولى.. أي «ان المسيحيين يشكلون جزءاً موضوعياً من الهوية الوطنية للمسلمين، مثلما يشكل المسلمون جزءاً موضوعياً من الهوية الوطنية للمسيحين.. فهم جميعاً والحال هذه مسؤولون عن بعضهم امام الله والتاريخ..». وختم: «اتمنى ان تستطيع هذه العامية الوطنية، المكونة من فلاحي المدنية اللبنانية، تحويل لقاء سيدة الجبل هذا العام الى معمودية مدنية للمواطنة اللبنانية عبر انتاج القسم اللبناني على الهوية..فلقد عشنا سنوات طويلة كما يريد الآخرون.. وشهدنا سقوط دولتنا وتفكك مجتمعنا واحتلال أرضنا وزوال سيادتنا.. وشهدنا وكيف استُهدف بالقتل والاغتيال كل من حمل لواء وحدتنا واستقلالنا وحريتنا وتقدمنا.. وبذلك نكون حُرمنا من العيش كما نريد في دولة مدنية حديثة وبكرامة وحرية».

سعيد
ثم كانت مداخلة منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد، الذي قال: «تنعقد خلوتنا الحادية عشرة اليوم في ظل تعقيدات أحداث المنطقة، هذه الأحداث التي تتطلّب منا توحيد القراءة السياسية وترتيب الأفكار والعناوين والأولويات ومن ثم المبادرة إلى إنقاذ لبنان بالشراكة الكاملة مع المسلمين وتحديد موقعه في عالمٍ عربي جديد ترتسم معالمه في ظل التشويش والفوضى. إن الخلاص الوحيد لنا جميعاً هو في ابتكار الحلول التي يجتمع حولها اللبنانيون، مسلمين ومسيحيين، وليس هناك من حلولٍ فئوية لكل طائفة على حدة«. أضاف: «إن مساعدة المسيحيين على الخروج من خوفهم وانسحابهم من الحياة الوطنية لا تتمّ عبر ابتكار وسائل مسيحية خاصة تمكّنهم من استعادة دور طليعي، ولا يمكن كسر احتكار حزب الله للطائفة الشيعية من خلال أدواتٍ شيعية صافية، كما يُخطئ السنّة إذا ظنّوا أن الإعتدال إذا بقي سنّياً هو قادرٌ على حصر التطرّف داخل طائفتهم. وقد برهنت سياسة الدروز، المشابهة لسياسة الموارنة في الإنكفاء، على أنها قاصرة أيضاً. لذا خلاصنا هو بوحدتنا، فإمّا أن ننجو موحّدين وإمّا أن نغرق فرادى«، مؤكداً أن «الموارنة أخطأوا عندما اعتبروا أن انتخاب رئيسٍ للبلاد هو من اختصاصهم، بحجّة أن رئاسة الحكومة اختصاص الطائفة السنّية ورئاسة المجلس النيابي اختصاصٌ شيعي. كما أخطأ المسلمون عندما قالوا ما معناه: «فليتفقوا ويبلغونا الجواب«، وكأنهم بهذا القول يساعدون المسيحيين في انسحابهم من الحياة الوطنية أو في مقاربتهم التبسيطية والتي لم ولن تنتج رئيساً بعد سنة من الشغور«. وختم سعيد: «إن انتخاب رئيسٍ جديد للبلاد هو مسؤولية وطنية مشتركة، وإذا نجحنا في وضعها حيث يجب أن تكون فسننتخب رئيساً من دون انتظار موازين القوى الإقليمية والمصالح الدولية. إن دورَنا يتجاوز قانون الإنتخاب والإنماء في المناطق، فحضورنا لا يرتبط بصلاحيات دستورية، وإذا سكنتنا هواجس الديموغرافيا والجغرافيا وموازين القوى فنحن إلى زوال«.

فرنجية
أما عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار« النائب السابق سمير فرنجية، فألقى مداخلة بعنوان «دور المسيحيين في مواجهة الاستحقاقات الداخلية والتطورات الإقليمية«. فرأى أنه «في ظل الأخطار الداهمة التي تحدق بمنطقتنا، وانعكاساتها المريعة على الواقع اللبناني، وما يرافق ذلك من انهيار بنيوي في مكوّنات الدولة ومؤسساتها، وفي معنى الجمهورية، والعيش معاً، لا بد لنا من طرح سؤال: ما الذي ينبغي أن نفعله كمسيحيين وكلبنانيين لحماية وطن بات مهدداً بالسقوط؟«. وأكد أن «حماية الوطن تتطلب منا أن لا نكرر أخطاء الماضي فنربط الاستحقاقات الدستورية بالصراعات على السلطة في ما بيننا، وأن لا نحولها ورقة يستخدمها الخارج خدمة لمصالحه كما هو حاصل اليوم، بل أن نقدم فوراً على انتخاب رئيس للجمهورية مهمته الأولى منع انهيار مؤسسات الدولة«. وقال: «إن حماية الوطن تحتاج منا كمسيحيين، العمل على منع الحرب بين المسلمين، حمايةً للمسلمين وللمسيحيين، وللكيان اللبناني بعدما دخلت المنطقة العربية حرباً دينية تشبه إلى حدّ بعيد «حرب الثلاثين سنة» التي دمّرت المجتمعات الأوروبية، في مواجهات دامية ما بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن السابع عشر. إن منع الحرب بين شركائنا في الوطن هو مسؤوليتنا«. وشدد فرنجية على أن «هذه الحماية تحتاج الى إعادة الاعتبار الى النموذج اللبناني في العيش المشترك، هذا النموذج الذي يكتسب اليوم أهمية استثنائية في منطقة يجتاحها عنفٌ مجنون. فينبغي علينا، الآن، وأكثر من أي وقت مضى، تظهير فرادة التجربة اللبنانية في العالم عموماً، من حيث شراكة المسيحيين والمسلمين في إدارة دولة واحدة، وفرادتها في العالم الإسلامي خصوصاً، من حيث شراكة السنَّة والشيعة في إدارة الدولة ذاتها، ولا بد هنا من التذكير بأن الكنيسة المارونية، والكلام هنا للمجمع البطريركي الماروني، «ساهمت في بلورة الأسس والمفاهيم التي ارتكز عليها اتفاق الطائف (1989). ورأت أنه يثبّت أولويّة العيش المشترك على كلّ ما عداه، ويجعل منه أساسًا للشرعيّة«. ودعا فرنجية الى «تنقية الذاكرة، كما ورد في الإرشاد الرسولي، وطيّ صفحة الماضي نهائياً وتحصين الوضع الداخلي من احتمالات العودة الى الوراء من خلال إتمام المصالحة الوطنية بصورة شاملة ونهائية على قاعدة الإقرار بالمسؤولية المشتركة عن خطايا الحرب«. وقال: «تأسيساً على ما تقدم وادراكاً منا بأن مصير كلّ واحد منا مرتبط بمصير الآخر، وأنّ خلاص لبنان يكون لكلّ لبنان أو لا يكون، ويقوم بكلّ لبنان أو لا يقوم، ذلك أنّه ليس من حلّ لمجموعة دون أخرى، ولا لمجموعة على حساب أخرى، ووفق ما جاء في المجمع البطريركي الماروني، نرى أن حماية لبنان في هذا الظرف الصعب تحتاج الى خطوات ومبادرات على أكثر من صعيد، منها: دعم الجهود التي تبذلها الكنيسة لدفع النواب الى تحمل مسؤولياتهم وانهاء الفراغ في سدة الرئاسة الذي بات يعرض مؤسسات الدولة الى خطر الانهيار. ودعوة الكنيسة الى التواصل مع القيادات الروحية المسيحية-الاسلامية في لبنان والعالم العربي والعمل معها على حماية الدين من خطر توظيفه في مشاريع سياسية تبريراً للعنف والتطرف ورفضاً للعيش مع الآخر المختلف«. وختم: داعياً الى «ضرورة دعوة الجامعة العربية الى اصدار موقف يؤكد ضرورة المحافظة على التنوع الديني والمذهبي والعرقي الذي يميز عالمنا العربي باعتباره مصدر غنى للجميع وشرطاً لمواجهة التطرف والارهاب«.

البيان الختامي: «الطائف» نموذج لحلّ مشكلة المنطقة
أكد البيان الختامي لـ»لقاء سيدة الجبل»، أن «حماية لبنان تتطلّب من المسيحيين العمل على منع الحرب بين المسلمين سنّة وشيعة، حمايةً للمسلمين والمسيحيين معاً، وحمايةً للكيان اللبناني«. ورأى أن «انتخاب رئيس جمهورية لبنان هو مسؤولية وطنية مشتركة«. وشدّد على أن «اتفاق الطائف يشكل نموذجاً يمكن الاقتداء به لحل مشكلة التنوع الديني والعرقي الذي يميز الشرق العربي«، ودعا الى «حماية الدين من خطر توظيفه في مشاريع سياسية تبريراً للعنف والتطرف«.
وجاء في نص البيان الختامي: «حضرت اللقاء مجموعة من أهل الفكر والسياسة والإعلام والباحثين تقدّمهم ممثل غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، سيادة المطران يوسف بشارة وممثلو الأحزاب والتيارات السياسية والمدنية وفعاليات فكرية وسياسية متنوعة الانتماءات. وبعد قراءة الأوراق الواردة والمداخلات صدر عن الخلوة توصيات ركّزت على أن إنقاذ لبنان لا يكون إلا بالشراكة الكاملة بين المسيحيين والمسلمين، فلا حلّ مسيحياً لأزمة المسيحيين ولا حلّ إسلامياً لأزمة المسلمين. وأصدروا البيان الآتي:
أولاً- إن حماية لبنان، تتطلّب من المسيحيين العمل على منع الحرب بين المسلمين سنّة وشيعة، حمايةً للمسلمين والمسيحيين معاً، وحمايةً للكيان اللبناني. وإن انتخاب رئيس جمهورية لبنان هو مسؤولية وطنية مشتركة، ولا يمكن أن تكون من مربع طائفي مسيحي.
ثانياً- ضرورة إعادة الاعتبار إلى النموذج اللبناني في العيش المشترك من حيث شراكة المسلمين والمسيحيين في إدارة دولة واحدة وفرادتها في العالم الإسلامي خصوصاً من حيث شراكة السنة والشيعة في إدارة الدولة ذاتها.
ثالثاً- الدعوة إلى وقف التلاعب بأساسيات عيشنا المشترك عبر إعادة الاعتبار إلى اتفاق الطائف لكونه نموذجاً يمكن الاقتداء به لحل مشكلة التنوع الديني والعرقي الذي يميز الشرق العربي.
رابعاً- حماية الوطن تكون في تنقية الذاكرة، كما ورد في الإرشاد الرسولي، وطي صفحة الماضي عبر المصالحة الوطنية الشاملة على قاعدة الإقرار بالمسؤولية المشتركة عن خطايا الحرب.
خامساً- الإقرار بأن مصير كل منا مرتبطٌ بمصير الآخر، وأن خلاص لبنان يكون لكل لبنان أو لا يكون، ويقوم بكل لبنان أو لا يقوم. ذلك أنه ليس هناك حل لمجموعة من دون أخرى، ولا لمجموعة على حساب أخرى.
سادساً- إن حماية لبنان في هذا الظرف الصعب تحتاج إلى خطوات ومبادرات على أكثر من صعيد منها:
1 – دعم الجهود التي تبذلها الكنيسة لدفع النواب الى تحمل مسؤولياتهم، لإنهاء الفراغ في سدة الرئاسة الذي بات يعرّض مؤسسات الدولة لخطر الانهيار.
2 – دعوة الكنيسة الى التواصل مع القيادات الروحية المسيحية-الاسلامية في لبنان والعالم العربي والعمل معها على:
– حماية الدين من خطر توظيفه في مشاريع سياسية تبريراً للعنف والتطرف ورفضاً للعيش مع الآخر المختلف.
– دعوة الجامعة العربية إلى إصدار موقف يؤكد ضرورة المحافظة على التنوع الديني والمذهبي والعرقي الذي يميز عالمنا العربي باعتباره مصدر غنى للجميع وشرطاً لمواجهة التطرف والارهاب.
3 ـ العمل مع الانتشار اللبناني لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، ذلك أن انهيار لبنان وتجربته في العيش المشترك سيساهم في تفاقم العنف ليس فقط في المنطقة العربية بل أيضاً في الغرب الذي يبحث اليوم في ظروف صعبة عن الوسائل الملائمة للتعامل مع التنوع والتعدد اللذين باتا يشكلان سمة المرحلة التاريخية التي نجتازها.
4 – التواصل مع المسيحيين العرب والعمل معهم على «اشتقاق طريقة حديثة للعيش معاً بسلام في هذا الشرق الأوسط»، بحسب دعوة البابا بنديكتوس السادس عشر أثناء زيارته لبنان في أيلول 2012. ونقترح في هذا المجال تشكيل هيئة تتولى التنسيق مع المسيحيين العرب من أجل تأمين التواصل مع قوى الاعتدال والديمقراطية في العالم العربي.
5 – الشروع في مراجعة مسيحية لاستكشاف أسباب تراجع المبادرة المسيحية بعد دورها المميز في التأسيس لانتفاضة الاستقلال، وذلك عبر تنظيم ورشات حوار وعمل. ليس قدر لبنان أن يكون منذوراً لحروب مستدامة، وإنما هو وطن يستحق الحياة الحرة الكريمة كسائر الأوطان، فضلاً عن أن يكون نموذجاً حضارياً لكل أوطان التعدد والتنوع.