محمد بركات: طائفة كانت تشبه موسى الصدر وصارت تشبه نوح زعيتر//صبحي أمهز: الفرز الطائفي بقاعاً يضرب “سرايا المقاومة

430

الفرز الطائفي بقاعاً يضرب “سرايا المقاومة”
صبحي أمهز/المدن/الإثنين 01/06/2015 

قبل أزمة جرود عرسال الحالية، عمل “حزب الله” تحت ستار “سرايا المقاومة” على إنشاء قوة بديلة عابرة للطوائف للمساهمة في حروبه المتنقلة بين الداخل والخارج اللبناني. عملياً شكلت هذه السرايا المعتمدة أساساً على عناصر غير ملتزمة حزبياً بالحزب، أو حليفة، قوة رئيسية له، خصوصاً في المناطق غير الشيعية، وتحديداً في البقاع، المنطقة التي تعتبر أكثر حساسية للحزب اليوم. في البقاع أولى “حزب الله” الشباب من الطوائف المسيحية، والسنية، إهتماماً أساسياً، تحت شعار حماية الحدود. لهذه الغاية درب أعداداً كبيرة، وجهزها، ريثما تدق ساعة “المعركة” المطلوبة، لكن المفاجأة كانت في حالة التململ الواضحة والإنسحابات التي طالت، بحسب معلومات “المدن”، أعداداً كبيرة وتحديداً من القرى السنية التي حاول الحزب خرقها. وفي معلومات “المدن” أيضاً، نقلاً عن مصادر مطلعة، فقد وقع إنشقاق كبير جداً في صفوف “سرايا المقاومة”، في بلدة الروضة في قضاء البقاع الغربي. وأكدت المصادر أن “الانشقاق حصل على خلفية رفض مجموعة بأكملها الانخراط في أي عمل عسكري مباشر”.

أما في سعدنايل، فقد كان لافتاً قبل أيام نشر أحد أبناء البلدة بياناً عبر صفحته الخاصة على “الفايسبوك”، يعلن فيه بالنيابة عن أخيه “توبته لله وحده من ما يسمى سرايا المقاومة طامعاً أن يغفر له خطأه بحق نفسه وأهله وبلدته”.

لم يأت هذا البيان في سياق منفصل عما حصل في الروضة، أو ما يحصل من تحركات في سعدنايل، التي تضم ما يقارب المئة عنصر في صفوف السرايا. اذا علمت “المدن” أن هناك حراكاً ناشطاً جداً بغية سحب أكبر عدد ممكن من العناصر، وإقناعهم بترك السرايا خوفاً على حياتهم، ومن الفتنة التي تتربص بالبقاع، خصوصاً أنه في حال وقوعها يعتبرون الحلقة الأضعف في مناطقهم. وتقول مصادر من سعدنايل في هذا الإطار لـ”المدن” أنه “ليس مقبولا أن يكون أبناء البلدة وقودا لمشاريع خارجية”.

وفي هذا الإطار أيضاً، علمت “المدن” ان هذه المساعي نجحت في سعدنايل، اذ أن عناصر السرايا الذين كانوا يتولون عملية رصد تحركات النازحين السوريين، أعلنوا، وفق المصادر، إنسحابهم من السرايا وتخليهم عن الإمتيازات التي منحهم إياها الحزب، والتي تتضمن إلى جانب الراتب الشهري (بين 400 و600 دولار أميركي)، قطعة سلاح كلاشنكوف، ورخصة حماية موكب.

ولفتت مصادر مطلعة إلى أن الخطابات الأخيرة للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله “كان لها ردة فعل عكسية على العناصر المنضوية في صفوف السرايا بقاعاً، وهي التي دفعت العديد منهم إلى إجراء عملية إعادة تموضع هربا من تورطهم أكثر في التطورات الدراماتيكية، وإستشعاراً “بقرب دخولهم في فتنة مع بيئتهم المؤيدة للثورة السورية”.

في هذا الإطار، يؤكد عضو كتلة “المستقبل” النائب عاصم عراجي لـ”المدن” ان “الحزب لجأ مؤخراً إلى تجنيد شبان من البقاع تحت مسمى سرايا المقاومة، بيد ان العديد منهم رفض ان تزج بلداتهم في فتنة غير محمودة العواقب، وبرزت حالات تململ واضحة، وخرجت إلى العلن”، خصوصاً أن هؤلاء “ربطهم بالحزب الراتب الشهري وليس الإنتماء السياسي”، وبالتالي “ليس مستغربا الحديث عن استقالات في صفوفهم لأنهم لن يذهبوا إلى القتال في سوريا حتى لو طلب الحزب منهم، بل يقتصر دورهم داخل بلداتهم”.

بدوره، ينفي مصدر مقرب من “حزب الله” عبر “المدن” حصول انشقاقات على الساحة البقاعية. ويقول إن “ما يحكى عن طلب إرسال مجموعات سنية إلى القتال في سوريا هو عار من الصحة، فالدورات العسكرية التي خضع لها هؤلاء الشبان والتي تعرف “بمحو الأمية العسكرية”، لا تخولهم  الانخراط في أعمال عسكرية على الساحة السورية”، مؤكدا ان “الحزب لم يطلب من حلفائه إرسال شبان من الطوائف المسيحية أو الطائفة السنية إلى القتال في سورية، بسبب حساسية الموضوع على الساحة البقاعية”.

 

طائفة كانت تشبه موسى الصدر وصارت تشبه نوح زعيتر
محمد بركات/جنوبية/الأحد، 31 مايو 2015

نوح زعيتر واحد من أبرز المطلوبين في قضايا تجارة المخدرات والاعتداء على القوى الأمنية في البقاع. مطارد وصادرة بحقّه مذكرات توقيف كثيرة. قبل يومين أعلن أنّه ورجاله الخارجين على القانون، لبّوا نداء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وأصبحوا جاهزين لمقاتلة التكفيريين.  في ستينيّات القرن الماضي، بدأ رجل دين شيعي اسمه موسى الصدر حركة سياسية لافتة. كان شابا في عامه الـ32 حين قرّر الإقامة في مدينة صور جنوب لبنان، قدم من النجف، حيث درس الشريعة الإسلامية والعلوم السياسية في طهران، ثم أكمل دراسته في عاصمة الشيعة، النجف. رجل دين رأى أن شيعة لبنان في أسفل الهرم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. رغم أنّ الشيعة كانوا “وجهاء” في الأحزاب الوطنية، من “البعث” إلى “المرابطون” و”الشيوعي” و”السوري القومي” وغيرها من أحزاب ناصرية واشتراكية. من دون تقييم تجربته – وإذا كان قد “سحب” الشيعة من الحيّز الوطني ليكتشفوا مذهبيتهم، أو أنّه دلّهم إلى أقصر الطرق لتحصيل مكاسب سياسية واقتصادية – فإنّه كان يفعل ما يراه صواباً.

كان شابا، وكان يشبه زمانه. تكتّل حوله مزارعو التبغ والزيتون، والموظفون وبعض المثقفين والمدرّسين، والفقراء ونخب شيعة الجنوب والبقاع اللبناني. فأسّس “حركة المحرومين” التي ساهمت لاحقا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ودحره عن بعض الجنوب بعد بداية الحرب الأهلية اللبنانية، وهو كان ضدّ تلك الحرب التي اندلعت بين اللبنانيين وكان أبرز من نشطوا، وإن رمزياً، مطالبا بوقف تعاظمها. منذ اختفائه خلال زيارته المشهودة الى ليبيا في العام 1978 ،مرّت الطائفة الشيعية بأحداث كثيرة ومؤلمة. فشاركت في الحروب الأهلية، وعاشت حرباً أهلية داخل المذهب منتصف الثمانينيّات بين حركة “أمل” و”حزب الله”، وحاربت الفلسطينيين، وحاربت المسيحيين، وصولا إلى اتفاق الطائف الذي جعلها الطائفة الأكثر قوّة في النظام السياسي اللبناني.

و”بلا طول سيرة”، فقد كان على رأس الطائفة زعيمان منذ العام 1992 وإلى اليوم، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ورئيس حركة “أمل” نبيه بري. كانت الطائفة الشيعية تشبه الرئيس بري طوال التسعينيات. طائفة متغوّلة على وظائف الدولة وعلى حصص تعتبر أنّها مغبون حقّها فيها، من “الترويكا” الرئاسية وحتّى اليوم. في العام 2000 باتت الطائفة تشبه السيّد حسن نصر الله. كان يعبّر عنها وتعبّر عنه. طائفة هزمت إسرائيل وتبحث عن دور أكبر بعدما قدّمت مساهمتها في تأسيس لبنان. فقد طردت إسرائيل وقرّرت الاحتفاظ بسلاحها. وإذا كان لكلّ زمان دولة ورجال، فإنّ بروز نوح زعيتر خلال الأسبوع الفائت، يستحقّ التوقف عنده. إذ أنّه بدا معبّرا عن اللحظة التي تعيشها الطائفة. نوح زعيتر شاب يشبه زمانه أيضا. هو في الثلاثينات من عمره. تماماً في العمر الذي كانه الإمام موسى الصدر حين تصدّى للعمل السياسي والديني وقرّر أن يبدأ حركته الشعبية في أوساط الناس. ولمّا كان الصدر آتيا من الحوزات الدينيّة وتنقّل بين قم الإيرانية والنجف العراقية، مثل، وعلى خطى، سلالات طويلة من العائلات الشيعية، فإن نوح يأتي اليوم من العصابات المسلّحة الخارجة على الدولة والمجتمع. وفي حين كان الصدر يجمع من حوله نخب الشيعة في تلك الفترة وفقراء الطائفة، فإنّ نوح يجمع مجرمي العشائر والمطلوبين للعدالة، ممن آذوا الناس ولفظتهم مجتمعاتهم إلى الجرود حيث يتحصّنون. وإذا كان إمام المحرومين قد وضع برنامج عمل وطني، فإنّ نوح يريد الحصول على رضى السيّد نصر الله ويريد الفوز بقلوب أهل البقاع. نوح يشترك مع الإمام موسى الصدر فقط في أنّه يشبه زمانه. فالطائفة الشيعيّة اليوم ما عادت محرومة بل باتت معتدية على غيرها من طوائف لبنان كما في 7 أياّر 2008، وعلى شعوب أخرى، كما في سورية والعراق وربما في اليمن والبحرين. الطائفة اليوم، وحزبها الأكبر، يعجّان بعملاء إسرائيل وأميركا، وبتجّار الكبتاغون، وبالمختلسين والسارقين، رغم أنّها لا تزال من أكثر الطوائف غنىً بالمثقفين والكتّاب والصحافيين ورجال الدين النظيفين والوجهاء العفيفي النفس والكفّ.

نوح زعيتر يشبه زمانه ويشبه ما وصلت إليه الطائفة التي ينطق لها وبها وعنها. بخروجه على القوانين وإدراكه أنّه مجرم، وبادّعائه تمثيل الحقّ في وجه الباطل وبتوهّمه لعب دور بطولة متخيّلة.

واستطراداً: هذا هو لبنان الذي يعدنا به من يغتالون الدولة يوميا ومن يحمون نوح زعيتر وأمثاله. لبنان الذي يحكمه “الشعب”، لكن ليس الشعب الذي نعرفه، أي الذي ينتخب وله ممثلون في مؤسسات الدولة، السياسية والعسكرية والأمنية، بل لبنان الشعب على طريقة الخارجين على القانون من أطراف “العشائر”، بما هم عليه، شبان يشكلون ميليشيات شعبية، تشبه ميليشيات نوح زعيتر لا تعترف بالدولة. منها ما يمتهن تجّار الممنوعات، ومنها حملة السلاح، والمطلوبين للقضاء والقوى الأمنية، ومنها من يتجرّأ على الدولة ويحاربها.

فنوح زعتير مطلوب للقضاء، وصادرة بحقّه مذكرات توقيف كثيرة، لكنّه اليوم يريد حماية لبنان من التكفيريين. وهل هناك أدلّ على المهزلة التي نعيشها من هذا المشهد. أن يحمينا مجرم ممن يعتبرهم أكثر إجراماً منه. هذا الذي يسمّم شباننا وفتياتنا بالحشيشة والكوكايين، والذي يقتل ويسرق، يريد أن يحمينا من معارضين سوريين اعتدى لبنانيون من ملّته عليهم في بلادهم ويريدون منعهم من إسقاط نظام طاغية يحكمهم. ونوح هذا يريد أن يشارك في المعركة التي لا يرى أنّ من يتصدّون لها مختلفون عنه. قيادة الطائفة الشيعيّة اليوم،التي تنبذ نخبها السياسية والدينية المثقّفة والمعتدلة لأنّهم لا يركعون للمرشد في ايران ووكيله في لبنان، وتنعت هؤلاء المثقفين والصحافيين والناشطين المعترضين بأنّهم “شيعة السفارة” أو “مثليي عوكر”، قيادة مثل هذه كان الشيعة ينتظرون منها “سفينة نوح” لتخرجهم من المذبحة التي باتوا في عين عاصفتها، فإذا بها تقدّم إليهم: نوح زعيتر.