علي رباح: رحلة سماحة المفخّخة من قصر المهاجرين.. إلى قصر بعبدا//حسام عيتاني: لا دولة مع مقاومة

297

 لا دولة مع مقاومة
حسام عيتاني/الحياة/29 أيار/15

يحلو لكتّاب وصحافيين البحث عن اللحظة التي أصبح فيها «حزب الله»، خارج بنيتي الدولة والاجتماع اللبنانيين وعبئاً وتهديداً لهما. يقول البعض إن تلك اللحظة هي يوم رفض الحزب تسليم سلاحه الى السلطة اللبنانية بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000 للمرة الثانية، بعد استثنائه من خطوة مشابهة جرت بعد انتهاء الحرب الأهلية في 1990، أو عندما أطاح محاولات تطويق الأزمة التي فجرها اغتيال رفيق الحريري، ودفع البلد الى حرب مدمّرة في 2006، أو عندما غزا العاصمة بيروت في أيار (مايو) 2008…

كلها مواعيد تصلح لإبراز ابتعاد هذا الحزب عن باقي المكونات اللبنانية، وحمله الطائفة التي يشكل القوة الأكبر فيها على الاقتداء به، لأسباب وأدوات معروفة تترواح بين الخوف من عودة الاحتلال الإسرائيلي وبين التعبئة المذهبية. النأي عن اللبنانيين الآخرين الذين امتنعوا عن السير في الطريق الذي شقّه «حزب الله»، وسعى بأساليب ووسائل شتى الى زجّهم فيه، مدعماً بالاحتفاظ ببنية عسكرية وأمنية واقتصادية موازية لتلك التي يتشارك فيها اللبنانيون الآخرون، يشكّل عقبة رئيسة أمام ظهور مجتمع ودولة وسلطة موحّدة في المدى المنظور.

لكن اللحظة المؤسسة للتفارق بين الحزب وبين باقي اللبنانيين، كانت لحظة التأسيس (بغض النظر عن موعده المعتمد سواء في صيف 1982 أو عند إعلان «الرسالة المفتوحة الى المستضعفين» في 1985).

غني عن البيان أن «حزب الله» لم يكن فريداً في وقوفه خارج بنية الاجتماع السياسي اللبناني، وفي السعي الى تقويضها. لقد سبقته في ذلك أحزاب وقوى عدة، منها ما تبنى أيديولوجيات أممية وقومية لا تعترف بالكيانات الوطنية وحدودها، ومنها ما التحق بقوى الإسلام السياسي على اختلاف مدارسه ومذاهبه. وفي حقبة الحرب الأهلية، عندما اتفقت الأحزاب هذه على حمل السلاح في وجه بعضها البعض، يمكن القول إنها كلّها عملت على هدم مؤسسة الدولة مع كل ما كان في هذه المؤسسة من عيوب ونواقص، ساهمت في الخروج عليها وتشريع بل عقلنة الدعوات الى تدميرها. ولا تخرج عن هذا التعريف الجهات التي شاركت في المقاومة المسلّحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ذلك أن المقاومة بهذا النوع هي الشرط الملازم لغياب الدولة. تجارب المقاومات في أوروبا ضد النازية وفي دول العالم الثالث ضد الاستعمار، تؤكد هذا المنحى ولا تنفيه. باختصار، لا مقاومة مع دولة. شهدت الأعوام التي تلت انتهاء الحرب، تطويع وإخضاع وانصياع القوى المقاتلة السابقة بوسائل عدة، للوصاية السورية التي اتخذت من مشروع إعادة بناء الدولة اللبنانية غطاء لها، وصُنع إجماع على إبقاء «سلاح المقاومة» – هكذا من دون تعيين – في يد المقاومين الى أن يقضي الله أمراً. اندحار إسرائيل عن الجزء المحتلّ من لبنان، لم يعنِ عملياً شيئاً لأصحاب السلاح غير تعزيز ارتباطهم بالاستراتيجية التي أنتجتهم في المقام الأول، الاستراتيجية الإيرانية أولاً، ثم تلك التي تقاطعت فيها مصالح النظام السوري والمصالح الإيرانية. اتفقت هذه الاستراتيجية مؤقتاً مع مصلحة اللبنانيين في تحرير أرضهم المحتلة من إسرائيل. ثم انتهى هذا التقاطع. بهذا المعنى، يشكّل الحزب بسلاحه خصوصاً، ثقباً كبيراً في البنية السياسية اللبنانية، يحول دون تراكم الجهود اللازمة للخروج من حالة تفكّك المجتمع الى وضع يسمح بجمع المكونات حول مصالح وتوافقات، تسمح بعقد اجتماعي وسياسي جديد بين اللبنانيين. وليس كشفاً عظيماً القول إن العديد من القوى الطائفية المتمسكة بمؤسساتها البديلة عن مؤسسات الدولة، تؤدي دور الرافد والمساعد، سيّان وعت أم لم تعِ، لإرجاء ظهور مجتمع لبناني واستطراداً لتعقيد أزمة الكيان المؤجل وتعميقها. يقود هذا الى سؤال من مستوى آخر: هل لنا حاجة الى دولة أو الى مجتمع؟ عواصف البربريات تجعل التساؤل ملحاً وشرعياً.

رحلة سماحة المفخّخة من قصر المهاجرين.. إلى قصر بعبدا
علي رباح/المستقبل/29 أيار/15

فليتصوّر اللبنانيون المشهد لو أدخل ميشال سماحة المتفجّرات الى قصر بعبدا، خصوصاً أن سماحة، بحسب الرئيس ميشال سليمان، لم يكن وزيراً سابقاً فحسب، بل كان مستشاراً للأسد ووسيطاً بين قصرَي بعبدا والمهاجرين.

هذا ما كشفه الرئيس سليمان في إطلالته التلفزيونية على شاشة الـ»MTV« مساء أول من أمس ، والذي نبّه فيها الى أن لسماحة صفة أهم من كونه وزيراً سابقاً، فهو كان وسيطاً بينه وبين الأسد، قبل أن يطلب من الرئيس السوري تغييره لسببين: الأول أن سماحة كان يأتي بإملاءات، والثاني أنه لطالما أطلق مواقف قد يقرأها البعض على أنها تُعبّر عن رأي الرئيس سليمان كونه أحد مستشاريه». وتساءل سليمان: «تصوّروا أن مستشاراً بيني وبين الأسد كان يُدخل المتفجرّات الى لبنان وربما كان سيدخل بها الى القصر الجمهوري».

كلام الرئيس سليمان يطرح جملة من الأسئلة: لماذا زرع الأسد «جاسوساً» ومخبراً يعمل مستشاراً لديه ووسيطاً بينه وبين سليمان؟ لماذا الحملة المستمرة على سليمان، ولماذا قاومت «المقاومة» انتخابه ستة أشهر؟

صحيح أن إدارة اللبنانيين لشؤون بلادهم قد تغيّرت كثيراً، بالرغم من الضغوط الداخلية والإقليمية الهائلة عقب خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، للإبقاء عليها كما كانت في زمن الوصاية، الّا أن إدارة قصر بعبدا ونهج الرئاسة اللبنانية لم يتغيّرا إلا عام 2008، أي بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود. يومها، عرقل الأسد و«حزب الله« انتخاب رئيس للجمهورية لشهور طويلة، علّهما ينجحان في فرض رئيس من خامة «الرئيس المقاوم». فالأسد و«حزب الله« لا يرتاحان إلا مع أناس يعشقون الكرسي ويفعلون كل شيء لأجلها.

تسوية «الدوحة»، التي أعقبت «غزوة بيروت» في السابع من أيار 2008، لم تُعطِ «حزب الله« انتصاراً كاملاً، وفرضت معادلة الـ»لا غالب ولا مغلوب». ووفقاً لهذه المعادلة، انتهت حقبة الوصاية والغلبة السورية المباشرة، التي فرضت ومدّدت لرؤساء بعبدا طوال 15 عاماً.

ثقة دمشق بالرئيس سليمان لم تكن كبيرة. عَلِمَ الأسد أن لا أحد مثل لحود، فزرع «جاسوساً» له في بعبدا اسمه ميشال سماحة، ولم يكن في حاجة الى ذلك عهد لحود، وعدم الثقة تحوّل مع الوقت الى «كباش» حول إدارة الحكم اللبناني. فالنظام السوري المتعوّد على الإملاءات اصطدم بمنهج جديد يقدّم النصائح للأسد بضرورة القيام بإصلاحات في النظام السوري. عادة لم يألفها الأسد الذي طالما اعتبر لبنان «مزرعة» له. منهج سليمان هذا، يعني للأسد ومحور الممانعة تطاولاً على الأسياد وعمالة لأميركا«. وهذا ما بدا واضحاً في آخر اتصال بين الرئيسين، حيث اتهّم الأسد سليمان بأنه «يساير أميركا وبأنه بات شبه عميل لها». الأمر الذي لم يتقبله سليمان، فكانت القطيعة بعد أن أجابه: «ما بسمحلك».

هكذا تعامل الاسد و«حزب الله«، الحريصان على دور المسيحيين في الشرق، مع الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي. فإما أن يكون «ممانعاً» خالصاً فيحظى بدعم «المحور» وتُطلق عليه صفات على وزن «الرئيس المقاوم» وتُرفع صوره على طريق المطار الى جانب صور نوري المالكي «قاهر الأمريكيين»، وإما أن يكون لبنانياً، فيصبح «رئيساً خشبياً» عميلاً. وهكذا خرج نصرالله ليضع مواصفات الرئيس: «نريد رئيساً يحمي المقاومة ولا يتآمر عليها». والمقصود بهذا القول، أن يكون رئيساً ممانعاً، تبدأ وتنتهي امتداداته بين قصر المهاجرين وحارة حريك. لهذا يعمد «حزب الله« منذ عام على شغور موقع الرئاسة، الى تعطيل جلسات الانتخاب، علّه يفرض «المؤتمر التأسيسي« إن لم ينجح بإيصال اميل لحود آخر.

هناك ميشال سماحة واحد تم ضبطه بالجرم المشهود. ميشال سماحة واحد عرف اللبنانيون بعد عمر طويل من أي قبوٍ تدرّج ليصبح وزيراً، وكيف كان اسمه يهبط بالبراشوت على اللوائح (نيابية كانت أم وزارية أم استشارية). ميشال سماحة واحد يظهر ككل الناس المحترمين بربطة عنق «سينييه» ويتحدث مثل الناس المثقفين «بتوع المدارس»، ثم يأوي إلى بيته في المساء وفي صندوق سيارته متفجرات تكفي لقتل لبنانيين أكثر من الذين قتلتهم إسرائيل في قانا.

ميشال سماحة واحد شاهد الناس بأم أعينهم ماذا يحوي صندوق سيارته. الآخرون سمعوهم فقط يشتمون ويخوّنون، وشاهدوهم بالبدلات المرتبة على الشاشات، أحياناً بربطات عنق وفي الغالب.. من دونها!

يقول سليمان:» تصوروا أن مستشاراً بيني وبين الأسد يُدخل المتفجرات الى لبنان وربما كان سيدخلها الى قصر بعبدا». فعلاً، فليتصوّر اللبنانيون مشهد إدخال متفجرات «محور الممانعة» الى بعبدا. كان سيخرج على اللبنانيين «رجل مقاوم«، ليرفع اصبعه ويتّهم تنظيم «داعش« الإرهابي «عدو المسيحيين والإنسانية» بتفجير الرئيس المسيحي. وكان حتماً سيسأل: «مَن سيحمي رئيسكم وكنائسكم اليوم»؟!