فادي الداهوك/مقابلة الجولاني.. خطاب للخارج عن جيل جديد من الجهاديين

314

مقابلة الجولاني.. خطاب للخارج عن جيل جديد من الجهاديين
فادي الداهوك/المدن/ الخميس 28/05/2015

ظهر أمير “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني، في مقابلة على قناة “الجزيرة” متحدثاً عن ملفات عديدة في سوريا. وبما أنه لم يقدم أي جديد للداخل، يمكن حصر كلامه وقراءته على أنه خطاب للخارج، يأتي في سياق التحولات الكبيرة التي تشهدها الأوضاع الميدانية في سوريا، وضرورة أن يعاد طرح اسم “جبهة النصرة” كفصيل مقاتل ضد النظام، لاسيما مع السباق المحموم حالياً الذي يتقدّم الجميع فيه على الأرض ويتراجع النظام وحيداً.ليست “جبهة النصرة” هذا العام هي ذاتها عند تأسيسها مطلع العام 2012، إذ حين انفردت في السنة الأولى من الثورة السورية باستقطاب جيل من الجهاديين السوريين إلى جانب بعض المهاجرين، ظهرت منذ بداية العام الماضي في موقف أضعف عندما فضّلت تنظيم القاعدة على تنظيم “الدولة الإسلامية”، ومن هنا بدأت الانشقاقات في صفوف الطرفين بطبيعة الحال، فمعظم المهاجرين الذين كانوا في صفوف “النصرة” أعلنوا البيعة للبغدادي وهجروا الجولاني، سوى أن ثلّة منهم بقيت في صفّ النصرة أمثال العراقي أبو مارية القحطاني، الرجل الأبرز في تنظيم الجبهة والأكثر إثارة للجدل من الجولاني نفسه، والداعية السعودي عبدالله المحيسني والشرعي العام الأردني سامي العريدي.

آثار تراجع أهمية النصرة كثيرة، وقد تكون المنطقة الجنوبية من أبرز الأماكن التي تشهد على ذلك، لاسيما في درعا والقنيطرة، وهذا جعل الجولاني يتجنّب في مقابلته على “الجزيرة” الحديث عن النصرة في هاتين المنطقتين بشكل مباشر، لكنّه ألمح إلى “عمالة” الفصائل هناك للقوى الإقليمية والدولية من خلال قوله إن “أي دعم خارجي هو دعم مشروط” ويصبح الطرف الذي يتلقاه أداة بيد الممول، وهذا الموقف نابع من حالة القطيعة المعلنة بين فصائل الجبهة الجنوبية في درعا والقنيطرة مع “النصرة”. قبل سنتين تقريباً، كانت درعا أحد معاقل النصرة، لدرجة أن الجولاني أقام لفترة وجيزة في منطقة اللجاة برفقة القحطاني والعريدي، قبل أن تسوء العلاقة مع القحطاني ويستقرّ الجولاني في الشمال، ما سبب في إنهاء ثقل النصرة في الجنوب، ليضطر بعدها للانضمام إلى تحالف “جيش الفتح”، حين أصبحت حركة “أحرار الشام الإسلامية” التي تشكّل زخمه الأقوى، مستوعباً ضخماً ابتلع العمل العسكري في الشمال، كما أن النصرة في الجنوب كانت في مواجهة قاسية مع الأردن، الذي يعرف النصرة جيداً لأن نسبة القادة العسكريين من الجنسية الأردنية هي الطاغية في صفوفها، وخزّان أولئك داخل الحدود الأردنية كان في معان والزرقاء والسلط، ما سهّل على السلطات إغلاق الثغرات التي كان يستغلها الجولاني في الحصول على الدعم. يمكن القول إن الجولاني الآن زعيم لجيل جديد من الجهاديين، معظمه من السوريين بعدما تخلّص من سلطة الغرباء التي كانت مفروضة عليه في الجنوب كزعيم لـ”جبهة النصرة” واصطفى منهم من يمثّلون خطّه، وحالياً يبحث عن طور جديد له ضمن الوضع العسكري القائم الذي يشكّل “جيش الفتح” الرافعة الأساسية له.

وهو إن لم يعلن عن فكّ الارتباط مع تنظيم القاعدة كما تكهّن البعض، إلا أن المقابلة برمّتها لا تخلو من الرسائل الموجهة في هذا السياق إلى أطراف إقليمية أصبحت “النصرة” بحاجة إليها لتكون في قائمة شركائها، كما أن إلقاء اسم أيمن الظواهري لم يكن عابراً، لاسيما حين أكد الجولاني أنه المسؤول عن قرارات الجبهة وأنها تعمل بتوجيهاته، وفي هذا إلقاء للمسؤولية عن ظهر الجولاني. كما أن الحديث عن الأقليات في سوريا يمكن قراءته على أنه أيضاً رسائل لتلك الأطراف في حال قررت ضمّ “النصرة” إلى الشركاء السوريين على الأرض، وهنا يمكن أن تكون البذرة التي ستمهّد لفك الارتباط مع القاعدة. قبل حوالى شهر تقريباً، عندما سيطر “جيش الفتح” على مدينة إدلب، أجرى الإعلامي أحمد منصور انفراداً لايقل أهمية عن انفراد شبكة “الجزيرة” بمقابلة الجولاني، مع عضو المكتب السياسي لحركة “أحرار الشام الإسلامية” أبو عزام الأنصاري، والقائد العسكري في “جيش الفتح” أبو يوسف المهاجر، وخصص جزءاً كبيراً في تلك المقابلة للحديث عن موقع “جبهة النصرة” في تحالف “جيش الفتح” وقضية تصنيفها في لائحة المنظمات الإرهابية والتلويح الأميركي بإدراج المتعاونين معها في القائمة ذاتها. مقابلة الجولاني تبدو أنها تكملة لتلك الحلقة من البرنامج، على الرغم من أن حماسة المُحاور للجولاني أوقعت الأخير في بعض الهفوات، لاسيّما في الشق المتعلق بالدعم الخارجي وتبعية من يتلقونه، حين غاب عن بال الجولاني أن حركة “أحرار الشام الإسلامية” تتلقى دعمها من تركيا وقطر كما جاء في حلقة “بلا حدود” في الثامن من أبريل/نيسان الماضي. الجولاني لم يقدم خطاباً جديداً للداخل سوى أنه ظهر، بحسب أنصار تنظيم “الدولة الإسلامية” الذين سخروا منه على تويتر، بالزي الشامي الشعبي كما صوّره مسلسل “باب الحارة”، لكن استعداد الجولاني لارتداء هذا الزي يمكن أن يفهم منه أنه مستعد لخلع ثوب القاعدة عنه.