اميل خوري/اقتراحات عون تقود إلى الفراغ الشامل وتذهب بلبنان نحو الفوضى والمجهول//غسان حجار: مطالب عون في الوجدان المسيحي

319

اقتراحات عون تقود إلى الفراغ الشامل وتذهب بلبنان نحو الفوضى والمجهول…
اميل خوري/النهار/21 أيار 2015

هل ثمة عاقل يصدق ان الظرف الحالي في لبنان والمنطقة ملائم لفتح معركة استعادة “حقوق المسيحيين” من دون ان تنتهي كما كل مرة إما بتدخل خارجي يفصّل هذه الحقوق على قياس مصالحه، وإما بإشعال حرب داخلية؟ فعام 1943 خاض المسيحيون وهم منقسمون معركة الاستقلال بين من يريدونه محصناً بمعاهدة تعقد مع فرنسا ومن لا يريدون ذلك كي تنطبق عليه صفة “الاستقلال التام الناجز” فكان “ميثاق 43″ الذي وصفه الصحافي الكبير جورج نقاش بـ”سلبيتين لا تؤلفان أمة” وهو ما حصل، وقد أصبح لبنان مجموعة أمم و”شعوب”. وانقسم المسيحيون بين من هم مع “التيار الناصري” ومن هم ضده فكانت أحداث 1958 التي انتهت باتفاق اميركي – مصري على انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية. وانقسم المسيحيون حول السلاح الفلسطيني الذي حوّل المخيمات في لبنان ثكناً ومعسكرات، فكانت “حرب السنتين” بين اللبنانيين والتي تحولت حرب الآخرين على أرض لبنان ودامت 15 سنة، وانتهت باتفاق الطائف الذي فرض وصاية سورية على لبنان دامت 30 سنة خلافا لهذا الاتفاق، وقلص صلاحيات رئيس الجمهورية. وتوحيداً لبندقية المسيحيين كانت احداث الصفرا الدامية، ثم “حرب الإلغاء” بعد “حرب التحرير” الفاشلة. ومن أجل استعادة حقوق المسيحيين كان اتفاق الدوحة، فظن بعض زعمائهم ان العودة الى “قانون الستين” معدلاً تعيد جزءاً من هذه الحقوق، لكن تبين بعد تطبيقه انه لم يستعد شيئا منها ليصير في الإمكان اقامة “الجمهورية الثالثة” التي دعا العماد ميشال عون الى اقامتها من على “لوحات الاعلان”… ثم انقسم المسيحيون في انتخابات 2005 و2009 بين متحالفين مع سنّة ومتحالفين مع شيعة، وعندما لم يتوصلوا الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، فرض الخارج الاتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية. وها هم مختلفون مرة اخرى على انتخاب رئيس خلفاً له بعدما اختلفوا على مشروع قانون للانتخابات النيابية يحقق المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين. وما ان اتفقوا على مشروع عرف بـ”المشروع الارثوذكسي” حتى عادوا وانقسموا حوله، فكان التمديد لمجلس النواب مرتين لتعذّر اجراء الانتخابات على أساس قانون جديد يحقق التمثيل الصحيح. وكان الشغور الرئاسي المستمر الى الآن لأن قوى 14 آذار رشحت الدكتور سمير جعجع للرئاسة الأولى فردت قوى 8 آذار على هذا الترشح بأوراق بيض… ولم يتوصل الاقطاب الموارنة الى اتفاق في ما بينهم على مرشح منهم ولا على تأمين نصاب جلسة الانتخابات الرئاسية كي يقترع النواب لمن يريدون رئيسا بالاكثرية المطلوبة تطبيقا للدستور.

وإذ بالعماد عون يقترح لاستعادة حقوق المسيحيين العودة الى الشعب، إما باستفتاء وإما بانتخابات نيابية تجرى قبل الانتخابات الرئاسية اعتقادا منه ان هذه العودة توصله الى قصر بعبدا، واعتقادا منه ايضا ان شعب لبنان الذي كان يصفه بـ”العظيم” يوم كان في القصر ما يزال عظيما. فإذا كانت الانتخابات النيابية هي التي ينبغي ان تسبق الانتخابات الرئاسية، فلماذا لم يؤخذ باقتراح الرئيس حسين الحسيني الذي دعا الى انتخاب رئيس انتقالي لمدة سنة تجرى خلالها انتخابات نيابية على اساس النسبية التي تحفظ حقوق الجميع. فلو أنه أُخذ بهذا الاقتراح الذي طرح قبل سنة لكنّا الآن في حضرة رئيس جديد للجمهورية منتخب من مجلس نيابي يمثل ارادة الشعب تمثيلا صحيحا وحكومة جديدة تمثل ايضا هذه الارادة ولكان لبنان خلافا لما يجري حوله ينعم بالأمن والاستقرار.

لكن هل في الامكان الهروب من الانتخابات الرئاسية الى الانتخابات النيابية لتحقيق ذلك، وها قد مرت سنة على الشغور الرئاسي ولا شيء ينبئ بانتخاب رئيس؟ وهل يستطيع المسيحيون استعادة حقوقهم في هذا الظرف بالذات ولا تتكرر مقولة: “سلبيتان لا تصنعان أمة ولا حتى دولة”؟ الواقع ان ما يقترحه العماد عون لن يوصله الى قصر بعبدا ولن يوصل المسيحيين الى استعادة حقوقهم، بل يوصل لبنان الى الفراغ الشامل الذي لا خروج منه الا بعودة الحرب او بتدخل خارجي كالعادة. هل تساءل العماد عون وهو يطرح حلوله المستحيلة للخروج من ازمة الانتخابات الرئاسية كيف يمكن اجراء انتخابات نيابية ولم يتم بعد الاتفاق على قانون تجرى على اساسه؟ وما العمل إذا لم يحصل هذا الاتفاق وصارت البلاد امام فراغين: رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ووجود شبه حكومة؟ أفلا يفرض الفراغ الشامل إذا حصل عقد مؤتمر تحت اي مسمى لوضع صيغة جديدة للبنان ونظام جديد يفتح معركة حقوق كل الطوائف؟ أفلا تساءل ايضا كيف يمكن اجراء انتخابات نيابية في ظل سلاح “حزب الله” الذي يقاتل خارج الحدود وقد ينتقل الى الداخل فلا يعود في الامكان اجراؤها بل تمديد جديد للمجلس، وكيف يمكن البحث في دستور جديد للبنان والسلاح في يد فئة من دون اخرى وصراع المحاور على أشده في المنطقة؟

مطالب عون في الوجدان المسيحي
غسان حجار/النهار/21 أيار 2015

على رغم عدم اقتناعي بكل تبريرات العماد ميشال عون في تقديم اقتراحاته الاربعة للخروج من مأزق الشغور الرئاسي، ومحاولته إقناعنا بأنها لا تتطلب تعديلات دستورية، على رغم الرفض العارم اصلا لكل تعديل يصب في مصلحة فرد، أكان عون نفسه او اي شخص آخر من حلفائه او خصومه، لان التعديل يتطلب مصلحة وطنية عليا، لا مصالح فردية مهما كان هدف صاحبها ساميا في رأيه، ويحقق منفعة وطنية عليا لاحقة من وجهة نظره. لكن الحقيقة ان ما يقوله العماد عون يسكن وجدان كل مسيحي لبناني، لناحية إصراره على المشاركة الحقيقية في صنع القرار، بعدما تحول المسيحيون، من ام الصبي، وبناة هذه الدولة التي وضع اسسها البطريرك الياس الحويك، وصنع استقلالها الثاني البطريرك نصرالله بطرس صفير، الى اهل ذمة يتقاسم حصصهم المسلمون السنة والشيعة على السواء، ويفيد زعيم الدروز من كل مناسبة لانتقادهم، بل لإهانتهم احيانا. ما طالب به العماد عون، وما يطالب به باستمرار، صحيح تماما. لكن مطالبته تصبح اكثر فاعلية اذا خرج شخصيا من حلبة التنافس، فلا يتمسك بكرسي رئاسي، او بمقعد لصهر او ابن شقيق او شقيقة، بل ترك الامور تمضي في مسارها الطبيعي، ليبلغ الناس اقتناعا تاما بانهم يريدونه رئيسا، ويطلبون من ينتمي اليه، عائلة وتيارا، ليعملوا على الاصلاح والتغيير في داخل المؤسسات. واذا كان المسلمون اللبنانيون، يسعون حقا الى المحافظة على البلد، بما هو رسالة تنوع وتعدد، للمسيحيين فيه كرامتهم ودورهم الفاعل، فعليهم تجنب الافعال التي تحول شركاءهم ديكورا يتغنون به في الخارج، بل ان يضمنوا حقوقهم التي يمنحهم اياها القانون والدستور، فيلبوا مضامين مطالب عون، لا لمصلحته الشخصية، بل لمصلحة المسيحيين عموما. وعلى المسيحيين، في المقابل، الا يعيشوا عقدة ذنب، بانهم الاضعف، فقوة الآخرين لا تأتي من قدراتهم الذاتية، بل من القوتين الاقليميتين الداعمتين لهم. وبالتالي فان غياب الدعم يجعل قدرتهم على الحراك والفاعلية تتراجع الى حدها الادنى. وقوة المسيحيين تكمن في تمسكهم بالدستور، ومنع الآخرين من تجاوز القوانين، لا المبادرة الى المشاركة في تجاوزها، والمضي في التلاعب بها. فالرئاسة الاولى ولايتها ست سنوات غير قابلة للتمديد او التجديد، وشروط الوصول الى قصر بعبدا معلومة من الجميع، وكل تجاوز لها هو مساهمة في إضعاف دولة القانون. وعلى المسيحيين رفض ذلك اولا، والا يسمحوا للآخرين بالتلاعب في امر يخصهم، بل ان يقولوا كلمة حق، ويتفقوا في ما بينهم، فيضعوا الآخرين امام مسؤولياتهم. ربما تكون الحوارات القائمة انجح من الجولات، اذا ما كانت تمضي في طريقها الصحيح، وعلى الاقوياء ان يقتنعوا بانهم ام الصبي، وان اتفاقهم يصنع رئيسا، فيبادروا سريعا اليه لإنقاذ الجمهورية.