مصطفى كركوتي/في أن العد التنازلي لنهاية الأسد يتسارع

268

في أن العد التنازلي لنهاية الأسد يتسارع
 مصطفى كركوتي/الحياة/17 أيار/15

«الكتابة على الجدران» تعبير يستخدم عادة لوصف ما هو متوقع الحدوث، ولكن إزالة الكتابة عن الجدران أو طمسها بلون غامق- والمقصود هنا شعار «الأسد إلى الأبد»- هي حالة بدأت تنتشر في العديد من المدن الرئيسية في مناطق لا تزال خاضعة لسيطرة قوات نظام الأسد، بما في ذلك اللاذقية وطرطوس والعاصمة دمشق. فإن كان هذا يدل على شيء بعد سقوط حوالى ثلثي البلاد بيد أطياف معارضة ومناوئة للنظام، فهو من دون شك يعكس إحساساً عارماً لدى السوريين في مناطق النظام بأن العد التنازلي لما تبقى من عمر حكم الأسد بات أسرع الآن. هذا الشعار الفاقع، «الأسد إلى الأبد»، عرفه اللبنانيون أيضاً، وهو ترسّخ ضمن أدبيات بروباغندا النظام إثر محاولة قيل إنها كانت «مسعى للانقلاب» على الأسد الأب وهو يرقد في غرفة الإنعاش في مطلع الثمانينات تردد أن شقيقه رفعت كان ضليعاً فيها. في الواقع ثمة محاولات لترسيخ صورة الديكتاتور أولاً، و «السلالة» لاحقاً، انطلقت خلال وقت قريب بعد استلام الأسد الأب الحكم في انقلاب هادئ في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970. ونعرف كيف انتقلت السلطة إلى وريثه بشار بعد وفاته عام 2000، إثر ترتيب استغرق دقائق حيث عُدِّل أحد بنود الدستور بخفض عمر الرئيس كي يناسب عمر بشار ويُنَصَّبَ رئيساً للبلاد.

ومعروف أن الرئيس الراهن ما كان له أن يتقلد أي منصب سياسي، دعك من أن يصبح رئيساً للبلاد، في ما لو لم «يشغر» منصب وريث الوالد بوفاة شقيقه الأكبر العقيد باسل الأسد في حادث سير في الساعات الأولى من صباح يوم 21 كانون الثاني (يناير) 1994، إثر اصطدام سيارته المسرعة بآخر دوّار قبل مطار دمشق الدولي. باسل الأسد، الذي كان على وشك أن يُرقى إلى رتبة جنرال، كان مهيأ ومدرباً سياسياً وعسكرياً لخلافة والده وفقاً لما كان شائعاً في البلاد. في كل الأحوال، قد يقول قائل إن كل هذا أصبح في عهدة التاريخ ولكنه في الواقع لا يزال مرتبطاً نوعاً ما بالوقت الراهن، لا سيما مع حالة تهيؤ سكان مناطق النظام السوري لاستقبال الحياة في مرحلة ما بعد سلالة الأسد. وفقاً لمعلومات تناقلتها أوساط من جالية رجال الأعمال السوريين الذين خرجوا من سورية أن العديد ممن لا يزالون ينشطون في بلادهم ممن أثروا تحت ظلال النظام وحمايته (الأصح مشاركته)، تمكنوا مؤخراً من تهريب أجزاء كبيرة من ثرواتهم وأموالهم إلى لبنان. كما تمكن بعضهم من نقل جزء من هذه الثروات إلى صناديق أكثر أمناً في عواصم أوروبية مختارة. وهناك ممن بقوا في سورية لا يزالون ينشطون مكرهين لسببين رئيسين: الأول، الخوف من ابتزاز أجهزة النظام لهم وتهديدهم بخطف أفراد من أسرهم على سبيل المثال، والثاني جشع بعضهم الذي لا ينضب للنهب، بإدارة أسواق موازية تقرر بقوة سعر الدولار يومياً.

يضاف إلى ذلك أنه ليس أمراً غير عادي عندما يترامى لمسامعك كيف أن ثمة مواطنين معروفين بموالاتهم وتعاطفهم مع النظام وتربطهم به مصالح مختلفة من سكان العاصمة دمشق خلال سنوات «الربيع العربي» الأولى، باتوا يتحدثون الآن بجرأة، بعد أن كان الحديث يجري همساً، عن ضرورة اتخاذ ترتيبات سريعة لمغادرة الأسد وأفراد أسرته، بما في ذلك ابن خاله الملياردير رامي مخلوف، إلى خارج البلاد. ويحذر هؤلاء من أن «التأييد الأعمى» للنظام لم يعد الخيار المناسب.

وواضح أن هذا يعكس ما يعتبره كثيرون داخل سورية بداية جادة لما يطلقون عليه اسم «انحسار» الدعم الشعبي للنظام في مناطق نفوذه. ويلاحظ كيف أن بعض هؤلاء الذين يقفون في مقدمة نقاد النظام من أبناء الأقليات المسيحية والعلوية والإسماعيلية. فالمسيحيون في سورية يقفون تقليدياً منذ 1970 مع نظام أقلوي سعياً وراء الحماية في ظل مناخ تنعدم فيه الحياة البرلمانية الحقّة وحقوق الإنسان. وبات هؤلاء، مسيحيين وعلويين، يشعرون الآن بالخوف من اقتراب نهاية النظام. فقد وقعت مؤخراً «مناوشات» محلية لم يعلن عنها بين قرية القرداحة الكبيرة، مسقط رأس سلالة الأسد، الواقعة في ريف محافظة اللاذقية، وبين بعض القرى الأصغر المحيطة بها حيث وقعت بعض الإصابات، لانتقاد سكانها النظام ورئيسه.

ويلاحَظ كيف أن عدداً متنامياً من أبناء الطائفة العلوية، لا سيما أصحاب المهن منهم (أطباء ومهندسون ومحامون وغيرهم) يبدون قلقاً واسعاً إزاء ما يصفونه بـ «سياسة النظام الضيقة الأفق» جراء التسليم الكامل لقرارها الوطني إلى إيران وإعطاء طهران السلطة التامة تقريباً لاتخاذ القرارات نيابة عن سورية في مفاوضاتها الإقليمية الشاملة مع واشنطن، ما يهدد بوضع سلامة ومصالح هذه الطائفة تحت تهديد مباشر ومطلق في المستقبل. والأنكى أن هؤلاء يعتبرون موافقة النظام على استقبال ميليشيات «حزب الله» كي تلعب دوراً كبيراً ليس في إنقاذه من السقوط فحسب، بل أن تساهم في قتل مواطنين سوريين حتى لو كانوا من بين صفوف المعارضين لنظام الحكم، إجراء غير مقبول في ظل كل الاعتبارات.

وكان بعض أفراد الطائفة العلوية، بينهم مسؤولون سابقون ومنهم من شغلوا مناصب وزارية في عهد الأسد الأب، حذروا مؤخراً من أن لعبة إيران في المنطقة أكبر من النظام ومن سورية نفسها. ويردد هؤلاء أنه عندما تتوفر اللحظة المناسبة أثناء عملية تصليب العلاقات الثنائية الجارية على قدم وساق بين الولايات المتحدة وأوروبا (وروسيا والصين إلى حد ما) وبين إيران، فإن طهران ستجد نفسها في تلك اللحظة جاهزة لإسقاط ورقة نظام الأسد من حساباتها الإقليمية. والمراقب لسلوك موسكو في الأسابيع القليلة الماضية إزاء النظام في دمشق، يلاحظ كيف أن روسيا باتت منزعجة من رفض الأسد مناشداتها المتتالية للتعاون مع جهودها للانطلاق بحوار جاد آخر مع المعارضة. ومن المحتمل أن يؤدي هذا، وخاصة إذا استمر الأسد في فشله أخذ رغبات الروس في الاعتبار، إلى تردد موسكو في المحافظة على مستويات دعمها المتعدد الأوجه لنظامه.