الياس بجاني/لقد تأخر عنا الطوفان والحريق

184

لقد تأخر عنا الطوفان والحريق
الياس بجاني
12 أيار/15

 “يا إخوَتِي، أَنَا لا أَظُنُّ أَنِّي أَدْرَكْتُ الكَمَال، ولكِنْ يَهُمُّنِي أَمْرٌ وَاحِد، وهُوَ أَنْ أَنْسَى ما ورَائِي، وأَمْتَدَّ إِلى ما أَمَامِي. فأَسْعَى إِلى الهَدَفِ لأَفُوزَ بالجَائِزَةِ العُلْيَا الَّتي يَدْعُونَا اللهُ إِلَيْهَا في المَسِيحِ يَسُوع. فَلْنَكُنْ إِذًا جَمِيعُنَا، نَحْنُ الكامِلِين، على هذَا الرَّأْي، وإِنْ كانَ لَكُم رَأْيٌ آخَر، فَٱللهُ سيُظْهِرُ لَكُم ذلِكَ أَيْضًا. ومعَ ذلِكَ عَلَيْنَا أَنْ نُواصِلَ مِنْ حَيْثُ بَلَغْنَا. إِقْتَدُوا بِي، أَيُّهَا الإِخْوَة، وٱنْظُرُوا إِلى الَّذِينَ يَسْلُكُونَ على مِثَالِنَا. فَكَثِيرٌ مِنْ أُولئِكَ الَّذِينَ كُنْتُ أُكَلِّمُكُم عَنْهُم مِرَارًا، وأُكَلِّمُكُم عَنْهُمُ الآنَ باكِيًا، يَسْلُكُونَ كأَعْدَاءٍ لِصَلِيبِ المَسِيح، أُولئِكَ الَّذِينَ عَاقِبَتُهُمُ الهَلاك، أُولئِكَ الَّذينَ إِلهُهُم بَطْنُهُم، ومَجْدُهُم في عَارِهِم، وفي أُمُورِ الأَرْضِ هُمُّهُم. أَمَّا نَحْنُ فمَدِينَتُنَا في السَّمَاوَات، ومِنْهَا نَنْتَظِرُ الرَّبَّ يَسُوعَ المَسِيحَ مُخَلِّصًا. وهوَ سَيُغَيِّرُ جَسَدَ هَوَانِنَا، فيَجْعَلُهُ على صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، وَفْقًا لِعَمَلِ قُدْرَتِهِ، الَّتي بِهَا يُخْضِعُ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيء”. (من رسالة القدّيس بولس إلى أهل فيلبّي03/من13حتى21)

 تقول أساطير التاريخ والكتب الدينية إنه إذا عمّ الفساد في مجتمع ما فإن الآلهة تعاقب أفراده إما بالطوفان أو بالحرق والسلي مصطفية من بينهم نخب الأبرار فقط، تماما كما يعلمنا الكتاب المقدس في أسفار نوح ولوط والنبي الياس. وفي الأساطير أعتبر كل من هوميروس وأفلاطون أن سبب دمار وغرق قارة أطلنطا يعود إلى الفساد الذي دبّ في كيان مجتمعها المتطور آنذاك ففتح البحر شدقيه وابتلعها.

ترى لماذا تأخر الطوفان عنا والحريق، وماذا تنتظر الآلهة تاركة إيانا ولبناننا والمصير في أيدي وأشداق طاقم سياسي وديني أفراده بغالبيتهم العظمى أقزام نيام لا أبشع ولا أنجس. سياسيون ورجال دين كبار يسوِّقون للفساد والإفساد ويبشرون بالهزيمة والعبودية وقد أوصلوا مجتمعنا إلى أتون الذمية وأدراك التقية بعد أن سجنوه في غياهب التهميش والنسيان.

نسأل متى ساعة الحساب والعقاب التي لا محالة آتية حيث سيكون البكاء وصريف الأسنان عقاباً على عمى بصر وبصيرة، وعلى جشع ودناءة نفوس، وخور رجاء وقلة الإيمان، وحربائية ونرجيسية، وتهور وحماوة رؤوس. نعم تأخر العقاب على أصحاب وزنات ومواهب ودعوات كهنوتية استعملوها في أعمال الشر وكفروا بمن وهبها لهم.

نعم، لقد أينعب رقاب ورؤوس هؤلاء الشاردين عن طرق الحق بعد أن شرعوا القتل والدمار والإرهاب، وأقاموا للقتلة والإرهابيين والمارقين الاحتفالات وشربوا نخب ظفرهم الإلهي وتنعموا بأموال سرقوها وأراضي اغتصبوها ممنين النفس بكرسي رئاسي مُخلع ومفكك وبمواقع نفوذ لم يبق منها بسبب غباوتهم وقصر النظر سوى المسميات ليس إلا!!

إننا في زمن حكام وسياسيين ورجال دين في غالبيتهم أقزام سخفوا القرار الحر والسيادي، وتخلوا عن الحقوق والهوية، وانقلبوا على الثوابت الوطنية، ونحروا ثوابت صرحنا البطريركي الماروني الذي أعطي له مجد لبنان، وتنازلوا عن الكرامات، ونقضوا الوعود والعهود. في ظل هيمنة هؤلاء الأوباش تتراقص في وطننا وبين ظهراننا وتقهقه عفاريت الانحطاط والصبيانية والإسخريوتية والتخلي والابتذال.

يعلمنا التاريخ أن حضارات ومجتمعات وأمم كثيرة جاء دمارها واندثارها بنتيجة سكوت أفرادها عن فساد وإفساد ممسكي زمام مصيرها وحكامها والرعاة، فهل سيبقى مجتمعنا اللبناني المقيم والمغترب على هذا الحال المحال من الصمت والخنوع بانتظار الطوفان والحريق، أم أنه سوف ينتفض ويثور أولاً على ذاته ومن ثم على جلاديه طالباً الخلاص والانعتاق والرجوع إلى الأخلاق والفضائل؟

على المواطن الحر أن يقدّم مصالحه الإنسانية والأخلاقية وقيمه العليا على مصالحه المادية والبيولوجية والشخصية، فهل نحن في هذا الإطار من الفهم؟
إن إنساننا اللبناني المقهور بلقمة عيشة وحريته والهوية، والساكت على الظلم دون اعتراض، والراضي بالتبعية والولاء لقيادات وأحزاب وسياسيين مغربين عن أمانيه وتطلعاته والأوجاع هو اليوم على مفترق طرق والقرار له وحده. فإما الثورة والانتفاض وتولية قيادات حرة لقيادة دفة السفينة، أو الاستمرار في اللامبالاة والعيش أهوال المحن والفقر والذل والخنوع بصمت لنهش كلاب التسلط والغطرسة والتزلم لعبث عفاريت الفساد والتخلي.

واقعنا التعيس ناتج عن إن غالبية أفراد الطاقمين السياسي والديني ليسوا على قدر المسؤوليات الجسام، ولا هم قادرين ولا حتى راغبين في قيادة دفة السفينة إلى مرافئ الكرامة والهوية.
من هنا فإن المطلوب منا إنتاج قادة وسياسيين ورجال دين جدد وخلق تجمعات سياسية وطنية تكون بوصلتها وغايتنا إعادة النظر في مسالكنا الأخلاقية ومخزوناتنا المعرفية لنتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الدمار الأخير.

ترى هل يعيد التاريخ نفسه ويبتلع البحر المضللين والضالين كما ابتلع غيرهم؟
ترى هل ستنشق السماء وتسقط حممها؟
في الخلاصة، إن لا فقر اشد من عاهة الجهل، ولا عدو أشرس من نزعات الهيمنة والتسلط، ومن له أذنان للسمع فليسمع

*الكاتب ناشط لبناني اغترابي
عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

 

في أسفل فهرس صفحات الياس بجاني على موقع المنسقية القديم

فهرس مقالات وبيانات ومقابلات وتحاليل/نص/صوت/ بقلم الياس بجاني بالعربية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية

صفحة الياس بجاني الخاصة بالمقالات والتعليقات
مقالات الياس بجاني العربية لسنة 20142015

مقالات الياس بجاني العربية من سنة 2006 حتى2013
مقالات الياس بجاني العربية من سنة 1989 حتى2005
الياس بجاني/ملاحظات وخواطرسياسية وإيمانية باللغة العربية لسنة2014
الياس بجاني/ملاحظات وخواطر قصير ةسياسية وإيمانية باللغة العربية بدءاً من سنة 2011 وحتى 2013

صفحة تعليقات الياس بجاني الإيمانية/بالصوت وبالنص/عربي وانكليزي
مقالات الياس بجاني باللغة الفرنسية
مقالات الياس بجاني باللغة الإسبانية
مقالات الياس بجاني حول تناقضات العماد عون بعد دخوله قفص حزب الله مع عدد مهم من مقلات عون
مقالات للعماد ميشال عون من ترجمة الياس بجاني للإنكليزية
مقابلات أجراها الياس بجاني مع قيادات وسياسيين باللغتين العربية والإنكليزية

صفحة الياس بجاني الخاصة بالتسجيلات الصوتية 
بالصوت/صفحة وجدانيات ايمانية وانجيلية/من اعداد وإلقاء الياس بجاني/باللغةاللبنانية المحكية والفصحى
صفحة الياس بجاني الخاصة بالتسجيلات الصوتية لأول ستة أشهر من سنة 2014
صفحة الياس بجاني الخاصة بالتسجيلات الصوتية لثاني ستة أشهر من سنة 2013
صفحة الياس بجاني الخاصة بالتسجيلات الصوتية لأول ستة أشهر من سنة 2013
صفحة الياس بجاني الخاصة بالتسجيلات الصوتية لسنة 2012
صفحة الياس بجاني الخاصة بالتسجيلات الصوتية لسنة 2011
صفحةالياس بجاني الخاصة بالتسجيلات الصوتية من 2003 حتى 2010

بالصوت حلقات “سامحونا” التي قدمها الياس بجاني سنة 2003 عبر اذاعة التيارالوطني الحر من فرنسا