أزمة شيعية بعد 30 حزيران: كيف سيتخلى حزب الله عن عسكره/حرب القلمون ما زالت تنتج المنشدين

277

حرب القلمون ما زالت تنتج المنشدين
نذير رضا/المدن/ الأحد 10/05/2015

تستعر المعركة بأدواتها العسكرية والنفسية، وتكمل مسيرة القتل العبثي المتبادل صوت الوعيد الذي ضجت به منطقة القلمون السورية العام الماضي، قبيل المعارك العسكرية بين طرفي النزاع، يتجدد هذا العام، من طرف واحد. درب الدعاية، يتماثل، بالتهديد، والوعيد بالموت. قبور فتحت، غنائياً، ضمن سياق المعركة النفسية، رغم أن هذا الجانب، تولته فصائل المعارضة السورية وحدها هذه المرة، على لسان منشد مجهول يحمل اسم أبو أحمد اليبرودي، مستلهماً من أدبيات العام الماضي، اللغة نفسها، التي لم ولن تخرج عن سياق “حفر القبور”.

ويبدو أن معركة القلمون، الأولى والثانية، أنتجت منشدين وأناشيد، بما يتخطى جولات القتال. في ربيع 2014، خرج المنشد، المجهول آنذاك، علي بركات، بلغة الأمر العكسي. أمر مقاتلي حزب الله اللبناني، الذين يؤيدهم، بحسم معركة يبرود ثم رنكوس… كانت كلمات اناشيده في سياق مخاطبة الذات المحملة برسالة نفسية معاكسة للخصم. ردّ عليه مقاتلو المعارضة بنشيد في اتجاه واحد آنذاك تحت اسم “احفر قبرك في يبرود”. كان بمثابة مخاطبة الآخر، عبر تهديده حفر قبره. انتهت الأناشيد مع نهاية الجولة الأولى من المعركة. همدت، وتضاءلت أدواتها التحشيدية، قبل أن تستعر مجدداً. اليوم، ورغم أن المرحلة أنتجت النموذجين من المنشدين، (الإنشاد لدوافع دينية يتقاسمها الطرفان)، خفت صوت علي بركات، الذي بات نجماً في بيئته، بعد توقيفه والإفراج عنه لدى السلطات اللبنانية. وفيما تولت وسائل إعلام مرئية ومكتوبة مقربة من حزب الله، الشأن الدعائي لمعركة القلمون 2، تلاشت جدوى وظيفة علي بركات. وفي المقابل، تماهى اليبرودي بالنسق الدعائي القديم لحزب الله، عبر تكرار ما قدم في السابق، على سبيل شحذ الهمم، وإضعاف عزيمة الخصم بتهديد ربما لن يطلعوا عليه كونه محصور في موقع “يوتيوب”. ولو أن ظاهرة علي بركات، كما ظاهرة اليبرودي، لن تغيّر في مسار معركة طاحنة، لا يمكن لأحد بالتنبؤ بنتائجها.

خلافاً للضعف المشهدي الذي اعترى فيديوهات سابقة، يزخم الشريط الحالي بمشاهد القتلى والقصف المدفعي. جُمعت الصور من وسائل إعلام معارضة، فضلاً عن صور اخرى من مواقع الكترونية، تنتفي إثرها فرضية انتماء الجهة المنتجة للشريط (شاهد سوريا) لطرف محدد. وهي التجربة الثانية لـ”شاهد سوريا” على صعيد انتاج الكليب الدعائي للميدان العسكري، بعد اصدار أفلام عديدة تتنوع بين الاخباري والتقريري والتهكمي والدعائي.

جُمعت صور شريط “احفر قبرك في القلمون”، من الذراع البصري لـ”جبهة النصرة”، كما من أذرع “جيش الفتح” والكتائب السورية المعارضة. مشاهد تخدم السياق: جثث في الأرض نُسبت الى مقاتلي حزب الله اللبناني، ونعوش محمولة على الأكتاف ومغطاة بالعلم الأصفر، ومشاهد قصف مدفعي يتولاه مقاتلو المعارضة. أما اللغة، فلا تخرج عن النمط الدعائي الذي اعتمد العام الماضي، في سياق الردّ… غير أن الصورة، بدت مثالية بالنسبة إلى جمهور معارض، شاهد الشريط ما يزيد عن 40 ألف مرة خلال خمسة ايام.

على أن الغرض الجديد من الشريط، خارج إطار جمهور قلموني معارض، لا يبدو قابلاً للمنافسة مع آلة دعائية متطورة لحزب الله، بأذرع متنوعة، أطلقت المعركة على الصفحات قبل وقوعها الفعلي. بدا الشريط، إياباً لمرحلة لجولة الذهاب التي أطلقها علي بركات، من غير أن يُحتضن. لا جديد في الشريط الجديد، سوى الإصرار على إظهار رأي يتشاركه منتجوه مع آلاف السوريين في الصف نفسه: لغة طائفية، لم تتطرق الى جدوى دخول الحزب في معركة خارج الحدود، وتفتقد في الوقت نفسه الى صورة المعركة الفعلية… وستبقى أسيرة “يوتيوب” فيما تستعر المعركة بأدواتها العسكرية والنفسية، وتكمل مسيرة القتل العبثي المتبادل.

أزمة شيعية بعد 30 حزيران: كيف سيتخلى حزب الله عن عسكره؟
عماد قميحة /جنوبية/الأحد، 10 مايو 2015

يبدو أننا قادمون على مرحلة جديدة ستفرض على حزب الله “الجهادي” الإنخراط ببنية جديدة بعيدة عن السلاح والقتل والجهاد والحروب. فهل سيستطيع حزب الله مجارات هذه المرحلة والإنخراط بالدولة كما فعلت أغلب الأحزاب والميليشيات اللبنانية عندما سلّمت سلاحها بعد اتفاق الطائف؟ لا شك بأننا نقف الآن على مفترق طريق مصيري، وبأن كل المؤشرات باتت تنبّئ بشكل واضح بأن المنطقة قاب قوسين لدخولها في مرحلة جديدة، وبأن صفحة مختلفة سوف تفتح، وسيرسم عليها خارطة طريق لمستقبل مغاير عما نحن عليه، مما يعني أن أدوات كثيرة لن تعد صالحة للعب دورها في الأيام القادمة.

خصوصاً إذا ما كانت هذه الأدوات لا تحمل رؤية مستقبلية تنسجم مع ما هو مطروح أو أنها لا تمتلك ديناميكية برغماتية تسمح لها إعادة التأقلم وبأن تكون حاضرة وفق المتغيرات المرتقبة، بالخصوص في هذا السياق يؤشّر بالبنان على حزب الله ومشروعه السياسي.

فإن كانت الأحزاب والحركات السياسية اللبنانية قد “تخضرمت ” وأثبتت مرونة كبيرة كانت استفادت منها خلال تاريخ طويل وتجارب متعددة الظروف والمناخات، ونجحت الى حد كبير بالانتقال من مرحلة الحرب الاهلية والميليشيات وتحولت إلى أحزاب وحركات سياسية ( بالرغم من احتفاظها بعقلية الميليشيات) إلاّ أنها استطاعت والى حد كبير اجتياز هذا التحول.

فحركة أمل مثلا استطاعت أن تتخلى عن بندقيتها بعد الطائف، ونجح الرئيس بري أن يتحول من رئيس مجموعات مقاتلة الى رجل دولة ورئيس مجلس نيابي من دون أن يؤثر هذا الانتقال على البنية الوجودية للحركة، ومن دون ان يشعر أبناء أمل أنهم نزعوا جلودهم أو تخلوا عن مشروعهم السياسي، وبالتالي جاء هذا الانتقال بشكل سلس وبدون أضرار تذكر، هذا إن لم نقل أنهم شعروا بمكان ما بأن مرحلة الاستفادة من مقدرات الدولة والدخول إلى نعيمها ووظائفها ومراكزها ما هو إلا القطاف الآتي والمنتظر الذين ناضلوا من أجله من وجهة نظرهم.

أما على مستوى حزب الله فالأمر مختلف جملة وتفصيلا، إن من حيث الركائز الفكرية التي عليها يقوم مشروعهم السياسي ( إن وجد )، أو من حيث الظروف الموضوعية التي ساهمت وتساهم في هيكلة الحزب وانشائه والتسبب في ولادته.

فلطالما عرّف الحزب عن نفسه بأنه ” حزب جهادي يتعاطى السياسة ” وبمعنى آخر فإن حزب الله نفسه لا يمكن أن يرى له وجود خارج منظومة ” الجهاد ” والحروب والسلاح والبندقية والقتال والشهادة والجبهات والخنادق والمتاريس، فهذه الأدبيات وغيرها من المصطلحات “الجهادية ” إنما تشكل وإلى حد بعيد علّة العلل في كيوننته وخروجه إلى حيز الوجود، ولحظة التخلي عنها وتركها طوعا أو كرها فهذا يعني الموت المحتم والنهاية المؤكدة.

فالحرب والحروب انما تشكل بالنسبة لحزب الله (وكل الحركات الجهادية) الرئة التي منها فقط يمكن أن يتنفس، وهي بالنسبة له تماما كما الماء بالنسبة للسمكة.

فإذا ما اقرينا بأن إيران قد حسمت خيارها بالذهاب إلى التسوية السياسية مع دول العالم، وهذا يستدعي حتما خضوعها الطوعي للـ ” السيستام ” الدولي، مما يفرض بأن حزب الله سيجد نفسه أمام مرحلة جديدة تحتاج إلى آليات جديدة هو لا يمتلكها ولا يتقنها ولن يتمكن من مجاراتها، وهذا ما يحتم على الشيعة بشكل عام والمعارضه الشيعية بشكل خاص أن يكونوا على قدر المسؤولية وبأن يتجهزوا لمرحلة لا بد أنها قادمة مع توقيع ايران للاتفاق النووي النهائي مع الدول الكبرى في 30 حزيران من العام الحالي.

فالمعارضة الشيعية لن تتمكن من خلق بدائل مطلوبة اذا ما استمرت على ما هي عليه من تشرذم وتفرق، بالخصوص اذا ما اخذنا بعين الاعتبار أن حركة أمل لا تستطيع أن تشكل “وريث ” طبيعي بسبب ما أصابها من ترهل، مما يعني أن أزمة حقيقية تنتظر الشيعة اللبنانين الغير مجهزين بعد لما هو قادم من مرحلة جديدة، بسبب سياسة الهيمنة والتفرد المفروضة عليهم، والتي قضت على أي ديناميكية داخلية تسمح بخلق بدائل يمكن ان تفرضها متغيرات فجائية.

وهنا لا بد من إجابة استباقية لقائل، بأنه من المبكر الحديث عن مرحلة ما بعد “عسكرة حزب الله”، والتذكير بأن 30 حزيران (موعد توقيع ايران للاتفاق النووي النهائي) ليس ببعيد، وبالتالي فإن كل ما نشهده هذه الأيام وما يحكى عن معارك في القلمون وغيرها لا يعدو اكثر من مكابرة ونكران لما هو آت، نكران لا يمكن أن يوصف إلا باللعب المتهور. لأن اللعب الآن هو بسفك المزيد من الدم بدون أي جدوى بكل اسف.