مهى عون/الخسارة تبدأ في الإفلاس المعنوي

243

الخسارة تبدأ في الإفلاس المعنوي
مهى عون/السياسة/09 أيار/15

عندما تكلم السيد حسن نصر الله عن الحرب النفسية التي تشن على الحزب, معتبراً انها أخطر من الحرب الميدانية, كان على صواب, فالتأثير المعنوي على نفسية القاعدة والمقاتلين, مؤثر على سير المعركة ونتائجها. فمع كثافة إمكانيات التواصل الاجتماعي, خارج نطاق الإعلام الكلاسيكي, كالتلفزيون والصحف التي يمكن التحكم بها من مختلف الجهات السياسية, عن طريق الترغيب, أو الترهيب والتهديد, باتت المعلومة وقدرتها على أن تطال أكبر وأوسع شريحة من البشر, تؤدي دوراً مهماً, بل أساسياً في مجرى الأحداث.

لذا, بتنا نرى قادة هذه الحرب والقيمين عليها, يضطرون لتكثيف خروجهم على وسائل الإعلام لدحض بعض الأخبار التي تطاولهم مباشرة, عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وآخرها كان اضطرار خروج الرئيس السوري إلى الشارع لتكذيب الشائعات التي سرت عبر الإنترنت وتكلمت عن احتمال موته, نتيجة إصابته برصاص متعمد من أحد مرافقيه, وفي السياق نفسه, رأينا كيف يكثف السيد حسن نصر الله طلعاته المتلفزة لدحض أيضاً الشائعات التي تطاوله شخصياً, حيث أنه لم يتأخر في آخر طلعاته, عن الإشارة لهذا الموضوع بالذات قائلاً, بأنه يتعرض وحزبه لحرب نفسية شعواء.

يبقى المفترض, أن ترافق خروج القائد, أي قائد على شعبه, ليس فقط قوة الإقناع والحجة للتمكن من تبديد وتكذيب ما يتم الترويج, له لكن على القائد أن يكون مقنعاً بحركات جسده وتعابيره. وقد يكون الإحجام عن الظهور أفضل له ولمشروعه وستراتيجيته, في حال كان يتسم ظهوره بالركاكة والوهن والضياع والتشتت الذهني وعدم التركيز في الحركات.

إن لغة الجسد من حركات اليدين لنبرة الصوت وسواهما, عند القائد, جداً مهمة وأساسية, وهي التي يتلقاها المناصر بالفطرة ومن غير الحاجة الى سماع الكلام, وهي التي تؤثر عليه وتطبع تفكيره وشعوره وردة فعله تجاه قائده, فإما تزيده هذه المؤشرات تعلقاً به, أو على العكس نفوراً منه وابتعاداً, فالإنسان بالفطرة يحب ويتبع الرجل القوي الجبار المقدام, وينفر من الركيك الضعيف والمشتت الذهن.

وفي هذا الخصوص, نشير إلى أن موقفي السيد نصر الله والرئيس الأسد وبخروجهما الى العلن بفارق يومين ليدحضا الإشاعات وليدعما ويحفزا جمهورهما, قبيل معركة القلمون, جاءا مطابقين لتوصيف الوهن والتراجع, وطبعاً بعكس ما هما أراداه لهذه الإطلالة المفصلية على مشارف معركة القلمون. فالسيد نصر الله, وبرأي غالبية الناس, كان ضعيفاً وخارجاً عن نمطه السابق القوي المتوعد بالصوت العالي والإبهام المرتفع بالثبور وعظائم الأمور … حسن نصر الله في خطابه المتلفز الأخير, لم يكن حسن نصر الله منذ آخر إطلالة له, أي قبل عاصفة الحزم… كان صوته منخفضاً وداعياً الناس للتساؤل والبحث ولمراجعة أسباب الانهزامات الأخيرة, في جسر الشغور وإدلب. ورغم تعبيره عن وعده ونيته بإكمال الطريق, على أنها خسارات مرحلية وليست خسارة للحرب, يبقى أن ظهوره هذا بالشكل والمضمون أقل ما يُقال فيه, إنه كان محبطاً للمقاتلين, بدليل خسارتهم من أول أيام هذه المعركة, ما لا يقل عن ستة من قادتهم الميدانيين, فعندما يتقهقر الرأس, تضيع بوصلة المقاتل.

أما بشار الأسد, فلم يكن خروجه الى الشارع لملاقاة أولاد الشهداء في ذكرى عيد الشهداء, بعيداً بأفضل حال … وبعيداً عما ميز إطلالة السيد نصر الله الأخيرة المتلفزة, ضعيف البنية شاحب الوجه, ملتقطاً بالميكروفون مزجراً في نبرة صوته, رغم محاولته الحفاظ على تماسكه … ولم يكن مقنعاً أكثر, عندما توجه للجمهور القلق على المصير والمنتظر منه كلمة تطمين, عندما عبر عن مختلجات فكره الباطني اللاوعي الخائف, ليزيد نسبة القلق والخوف في قلوب سامعيه في قوله: “أنا لست قلقًا ولا داعي للقلق, ولكن هذا لا يمنع من التحذير, من أن بداية الإحباط, هي الوصول إلى الهزيمة”. مضيفاً: “عندما تحصل نكسات, يجب أن نقوم بواجبنا كمجتمع, أن نعطي الجيش المعنويات ولا ننتظر منه دائماً أن يعطينا”, مهاجماً ما يفعله “البعض” اليوم, من “تعميم روح الإحباط واليأس بخسارة هنا أو هناك”.

في كل الأحوال كل هذا في كفة, وحقيقة ما بات يدبر وينتظر لمصير الأسد بكفة, فأخبار دنوه من الساحة السياسية تملأ وسائل الأخبار, وقد لا يكون بعيداً عنها وهو متأثر بها بالفعل, ما انعكس ترجرجاً ووهناً في كلامه للطلاب في الشارع. وإذا كان من المبكر القول أنه ساقط غداً, بسبب الموقف الدولي الرخو والمتردد, يبقى أن الحقيقة واضحة اليوم, هي أن بداية العد التنازلي لنظام الأسد, ومن خلفه “النظام” الخميني في طهران, وتوابعه في لبنان واليمن… انطلقت من غير عودة.

أما المتغير الذي أحدث كل هذا الانقلاب, من العنتريات إلى حالة الوهن هذه, فهو من دون شك عائد للتداعيات النفسية التي أسقطتها نتائج عاصفة الحزم في اليمن على صعيد النفوس والعقول, إذ بات الجميع مدركاً ان الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية, ليس فقط كياناً أو كيانات تدعم مادياً ومعنوياً فقط, بل هي أكثر من ذلك بكثير على الصعيد الميداني, حيث أنها أظهرت في اليمن قدرتها على نسف كل المعادلات الإقليمية والدولية المسبقة, بخصوص مستقبل اليمن وبخصوص بدء عد تنازلي, لهيمنة إيران على العالم العربي.

أما بخصوص معالجة القلق الذي يجهد بشار على تبديده, ربما عليه أن يعي فحوى كلمة الملك سلمان بن عبد العزيز, في قمة الدرعية الأخيرة مع قادة الخليج, بحضور الحليف الغربي الأصدق, فرنسا, ورئيسها هولاند, حين قال: “الأزمة السورية طال أمدها”, فيقوم بما يجب أن يقوم به, ويتنحى قبل أن تفوته أيضاً هذه الفرصة الأخيرة.