هنري زغيب/مات ريمون… فَلْيَحْيَ الأَشاوس

347

مات ريمون… فَلْيَحْيَ “الأَشاوس”
هنري زغيب/النهار/18 نيسان 2015

كان يحدِّثني عن الموت كأَنه “كاراكتير” من شخصيات مسرحياته. كأَنه واحدٌ آخَر من الذين خلَقَهم: “زكُّور”، “دسدمونة”، “القندلفْت”، “زَرَدَشْت الكلب”، “صانع الأَحلام”،… يُحركه مثلهم على الخشَبة في إِخراجٍ: ظاهرُهُ ضاحكٌ لكنه صاعقُ سخريةٍ سوداءَ مرارتُها أَوجعُ من خنجرٍ في الحلْق. “أَشاوس”! كان يردِّد لي هازئاً عمَّن يَسخر منهم. ويوم سأَلتُهُ أَن يشارك في مسلسل “الكلمة الأَحَب” (نشَرتُه تباعاً في “النهار” على 50 حلقة بين 9 حزيران 2010 و15 حزيران 2011)، كانت كلمتُه الأَحَب: “أَشاوس”. وهنا نصُّه “كلمته”:

“الصفة التهكُّمية التي تتردّد في كتاباتي وأَحاديثي هذه الأَيام هي كلمة “أَشاوس”. و”أَشاوس” جمع “أَشْوَس”. والأَشاوس، من غير شر، نجدُهُم في جميع المجالات الإِعلامية من مرقيّ (مرئي) ومقروق (مقروء) وسبعي (سمعي). خذ مثلاً في الإِعلام: أَليس “أَشْوَس” ذاك الطالل على الشاشة كما يعرِّف عنه اللهلوب مقدِّم البرامج، الأَشْوَس أَكثر من ضيفه؟ وفي المسرح: أَليس “أَشْوَس” ذاك الذي عنده قَبْو خربة يُحوّله مرةً في السنة إِلى مهرجان سنوي يقتصر على برنامج مطبوع يتسوَّل بواسطته من وزارة الثقافة اللبنانية الفينيقية مبلغاً من المال، ثم يدور على مراكز ثقافيّة سخيّة فرنسيّة وأَلمانيّة، بعدما يكون هذا الأَشْوَس البندوق رَكَّبَ لجنة من أَقاربه وبعض وجهاء المنطقة الضجرانين من حمل صِيتهم الطيِّب وماضيهم المحشوّ ب”العطاءات” الإِنسانية والثقافية؟ مرّت الصيفية وانتهت المهرجانات. كان آخرها في “طير زبّا”. ونسي روّاد المهرجانات موعد مهرجان قبو الأَشْوَس الذي عَمِلَ عَمْلته الشنيعة مع الجهات الداعمة، واستفاد من مالها ليقوم بزيارات الى بعض أَفراد عائلته في أُوروﭘا.

وفي السياسة: أَليس “أَشْوَس” ذاك الجهبوز السياسي الذي يُطلّ، لا تعرفُه ولم تسمع باسمِه من قَبْل، ولا شاهدتَه على أَيّ شاشة، ولا حتى هو شاهدَ صورتَه منعكسة على صبّاطه ذي الفرعَة اللمّاعة، ومع ذلك يُحدّثك عن لبنان المستقبل، وكيف يتصوَّرُه هو وسيِّده “المناضل الأَكبر”، مدعوماً من الحزب الكبير الذي ينتمي إِليه ولا يتعدّى أَفرادُه عددَ أَصابع الرجْلَين؟

أَشاوس… أَشاوس… ما أَكثرهم في هذا الوطن.

كلمتي الأَحَبّ هذه الأَيام هي: أَشاوس”.

ومنذ ضربَه الفالج القاهر وهو يَسخَر من جميع “الأَشاوس” في الحياة، والموتُ واحدٌ منهم.

والآن، يا “أَبو الريم”، هل ما زال كاراكتير الموت “أَشْوَس” كما كنتَ تُحرّكه كلّ مرة؟

وهذه المرة: هل مَجيئُه، أَمس الجمعة، “ﭘروﭬا” في المسرحية؟ أَم أَنت كلّفتَهُ يُسدل الستارة النهائية على المشهد الأَخير؟