الحرب الاهلية ماثلة بعد أربعين سنة في حياة عائلات الاف المفقودين

270

الحرب الاهلية ماثلة بعد أربعين سنة في حياة عائلات الاف المفقودين
نهارنت/11 نيسان/15

في الذكرى الاربعين لاندلاع الحرب الاهلية في لبنان، لا تزال هذه الحرب تقض مضاجع اقرباء الاف المفقودين الذين يواصلون معركتهم لمعرفة مصير ابنائهم واقربائهم او يأملون بمعجزة ما تعيدهم اليهم احياء.

وتقول رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وداد حلواني لوكالة “فرانس برس” “نريد فقط مدفنا نقصده للصلاة ووضع الزهور”.

في 13 نيسان 1975، بدأت الحرب في لبنان. وانتهت في 1990 مخلفة وراءها اكثر من 150 الف قتيل و17 الف مفقود او مخطوف، تفيد تقارير عن استمرار وجود العديد منهم في سجون سوريا التي مارس نظامها لسنوات طويلة نفوذا من دون منازع على البلد الصغير.

وبدأ النزاع بين مجموعات مسيحية واخرى فلسطينية ساندتها قوى اسلامية ويسارية، وما لبثت ان تورطت فيه قوى اقليمية ابرزها سوريا واسرائيل.

وتخللت النزاع فصول مرعبة من العنف وانتهاكات حقوق الانسان والخطف على الهوية (بحسب الانتماء الطائفي) التي لجأ اليها كل الاطراف.

وتقول مريم سعيدي، والدة ماهر، الفتى البالغ 15 عاما الذي فقد العام 1982 بينما كان يقاتل في صفوف الحزب الشيوعي قرب بيروت، “الذين دفنوا اولادهم، تمكنوا من البكاء عليهم، أما نحن، فلم نبك اولادنا”.

وتشارك سعيدي منذ العام 2005 مع امهات اخريات باعتصام مفتوح في خيمة منصوبة امام مقر الامم المتحدة في بيروت.

ومنذ سنوات، اصطدمت كل الحملات المطالبة بكشف مصير المفقودين، برفض التجاوب من الاحزاب التي كانت متورطة في الحرب، وبتقاعس من جانب الدولة.

وتقول حلواني “يقولون لا لاعادة فتح الملف بحجة ان هذا الامر يهدد السلم الاهلي، وكأن هناك سلاما في البلد اصلا”.

شهد لبنان خلال السنوات الاخيرة سلسلة ازمات سياسية وتوترات امنية وجولات معارك.

وتندد المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بحالة من “فقدان جماعي للذاكرة” يعيشها لبنان.

في 1991، اصدرت الحكومة قرار عفو عام استفاد منه زعماء الحرب الذين تبوأوا السلطة بعد الحرب.

وتقول منسقة برنامج لبنان في المركز الدولي للعدالة الانتقالية في بيروت كارمن حسون ابو جودة لوكالة “فرانس برس” “لأخذ العبرة من الحرب، لا بد من مواجهة الماضي”.

وتضيف “إنه جرح نحاول اغلاقه بينما هو لا يزال ملتهبا”، مشيرة الى ان التحقيقات التي فتحت في دول اخرى في قضايا من هذا النوع بعد الحروب “ساهمت في ارساء اسس سلام اهلي عادل ودائم”.

وتقول حلواني “لا نريد ادخال كل الزعماء السياسيين الى السجن، لكن نريد فقط معرفة الحقيقة والتصالح مع الماضي”.

خطف عدنان حلواني، زوج وداد، امام عينيها من منزله في 1982.

تحت ضغط العائلات، كشفت الحكومة في العام 2000 عن وجود مقابر جماعية في بيروت تضم على الارجح رفات العديد من المفقودين، لكنها لم تقم باي جهد لكشف هويات الضحايا.

ومنذ 2012، تعمل اللجنة الدولية للصليب الاحمر على جمع “قاعدة معطيات حول كل العناصر المرتبطة بالاشخاص المفقودين، مثل تحديد مكان اختفائهم (او خطفهم) وملابس عائدة لهم”، بحسب ما يقول رئيس بعثة اللجنة الى لبنان فابريزيو كاربوني.

ويتحدث عن جهود حثيثة تقوم بها اللجنة من اجل الحصول على موافقة الحكومة على جمع المعطيات البيولوجية، بينها مثلا لعاب الاهل الذين يشيخ العديد منهم سنة بعد سنة.

ووضعت لجنة اهالي المفقودين ولجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد) مشروع قانون بمساعدة من المركز الدولي للعدالة الانتقالية يدعو الى تشكيل لجنة تحقيق بقيادة القوى الامنية ومساعدة اختصاصيين في علم الآثار والانتروبولوجيا.

بالنسبة الى عدد كبير من افراد عائلات المفقودين، توقف الزمن عند هذه المآساة.

وتروي حلواني قصة “ام عصام التي لم تخرج من منزلها منذ سنوات طويلة، لاقتناعها بان ابنها المفقود قد يقرع بين لحظة واخرى باب المنزل”، وقصص آخرين لا يتوقفون عن النظر عبر نوافذ بيوتهم الى الخارج، او يرفضون احداث اي تغيير في غرف اولادهم.

وتروي سعيدي من جهتها خيبات الامل المتكررة التي اصيبت بها خلال السنوات الـ33 الماضية، في كل مرة كانت تتلقى نبأ كاذبا.

وتقول “عندما كانوا يقولون لي ان ماهر على قيد الحياة وسيتم تحريره، كنت ارقص. في اليوم التالي، كنت انفجر باكية واصرخ باسمه طيلة الليل”.

لكنها تؤكد انها لا تشعر باي حقد. “أدعم قضية كل امهات المفقودين، حتى لو كن امهات لافراد في حزب القوات اللبنانية”، وهو الحزب الذي كان ابنها يقاتل ضده.

في سوريا، تنفي السلطات وجود سجناء لبنانيين من مفقودي الحرب لديها، على الرغم من انها افرجت على اربع دفعات بين 1976 و2000 عن عدد من اللبنانيين.

وتقول ماري منصوراتي (83 عاما)، والدة شاب من القوات اللبنانية خطف في دمشق بعد سنتين على انتهاء الحرب، “داني على قيد الحياة”. وتضيف بينما يدها ترتجف وهي تشعل سيجارة بعد الاخرى في منزلها الواقع في بيروت انها لم تعد تخرج من منزلها، مضيفة “اريد فقط ان يعود. اريد ان اسمعه يناديني: يا امي”.وكالة الصحافة الفرنسية”.