نص وفيديو/الياس بجاني: تأملات إيمانية ووجدانية في مفاهم يوم الجمعة العظيمة

1047

نص وفيديو/الياس بجاني: تأملات إيمانية ووجدانية في مفاهم يوم الجمعة العظيمة

من أرشيف عامي 2012 و 2015

بالصوت/فورماتMP3/الياس بجاني: تأملات إيمانية ووجدانية في مفاهم يوم الجمعة العظيمة/اضغط على العلامة في أسفل إلى يمين الصفحة للإستماع للتأملات
بالصوت/فورماتMP3/الياس بجاني: تأملات إيمانية ووجدانية في مفاهم يوم الجمعة العظيمة

القراءات الإنجيلية في يوم الجمعة العظيمة
الزوادة الإيمانية لليوم/إنجيل القدّيس يوحنّا19/من31حتى37/يوم الجمعة العظيمة
“إِذْ كَانَ يَوْمُ التَّهْيِئَة، سَأَلَ اليَهُودُ بِيلاطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُ المَصْلُوبِينَ وتُنْزَلَ أَجْسَادُهُم، لِئَلاَّ تَبْقَى عَلى الصَّليبِ يَوْمَ السَّبْت، لأَنَّ يَوْمَ ذلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيمًا. فَأَتَى الجُنُودُ وكَسَرُوا سَاقَي الأَوَّلِ والآخَرِ المَصْلُوبَينِ مَعَ يَسُوع. أَمَّا يَسُوع، فَلَمَّا جَاؤُوا إِلَيْهِ ورَأَوا أَنَّهُ قَدْ مَات، لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْه. لكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الجُنُودِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَة. فَخَرَجَ في الحَالِ دَمٌ ومَاء. والَّذي رَأَى شَهِدَ، وشَهَادَتُهُ حَقّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الحَقَّ لِكَي تُؤْمِنُوا أَنْتُم أَيْضًا. وحَدَثَ هذَا لِتَتِمَّ آيَةُ الكِتَاب: «لَنْ يُكْسَرَ لَهُ عَظْم». وجَاءَ في آيَةٍ أُخْرَى: «سَيَنْظُرُونَ إِلى الَّذي طَعَنُوه».

الزوادة الإيمانية لليوم/الرسالة إلى العبرانيّين12/من12حتى21/يا إخوَتِي، قَوُّوا الأَيْدِيَ المُسْتَرْخِيَة، والرُّكَبَ الوَاهِنَة، وٱجْعَلُوا لأَقْدَامِكُم سُبُلاً قَوِيْمَة
يا إخوَتِي، قَوُّوا الأَيْدِيَ المُسْتَرْخِيَة، والرُّكَبَ الوَاهِنَة، وٱجْعَلُوا لأَقْدَامِكُم سُبُلاً قَوِيْمَة، لِئَلاَّ يَزِيغَ العُضْوُ الأَعْرَجُ عنِ السَّبِيل، بَلْ بِالحَرِيِّ أَنْ يُشْفَى. أُطْلُبُوا السَّلامَ مَعَ جَمِيعِ النَّاس، والقَدَاسَةَ الَّتي لَنْ يُعَايِنَ الرَّبَّ أَحَدٌ بِدُونِهَا. تيَقَّظُوا لِئَلاَّ يَتَخَلَّفَ أَحَدٌ عَنْ نِعْمَةِ الله، ولِئَلاَّ يَنْبُتَ عِرْقُ مَرارَةٍ يُزْعِج، فيُفْسَدُ بِهِ الكَثِيرُون، ولِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ فَاجِرًا أَو مُدَنَّسًا مِثْلَ عِيسُو، الَّذي بَاعَ بِكْرِيَّتَهُ بأَكْلَةٍ وَاحِدَة، فأَنْتُم تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ ذلِكَ، أَرادَ أَنْ يَرِثَ البَرَكَةَ فَرُذِل، لأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ سَبيلاً إِلى تَغْيِيرِ رأْيِ أَبِيه، معَ أَنَّهُ ٱلْتَمَسَ ذلِكَ بِالدُّمُوع. فَإِنَّكُم لَمْ تَقْتَرِبُوا إِلى جَبَلٍ مَلْمُوس، ونارٍ مُتَّقِدَة، وضَبَابٍ وظَلامٍ وزَوبَعَة، وهُتَافِ بُوق، وصَوتِ كَلِمَاتٍ طَلَبَ الَّذِينَ سَمِعُوهَا أَلاَّ يُزَادُوا مِنهَا كَلِمَة؛ لأَنَّهُم لَمْ يُطِيقُوا تَحَمُّلَ هذَا الأَمْر: «ولَو أَنَّ بَهِيمَةً مَسَّتِ الجَبَلَ تُرْجَم!». وكانَ المَنْظَرُ رَهِيبًا حَتَّى إِنَّ مُوسَى قال: «إِنِّي خَائِفٌ ومُرْتَعِد!».

العظة السادسة عن خلق العالم
ساويرِيانُس الجَبْليّ (؟ – نحو 408)، أسقف في سوريا
الصّليب، شجرة الحياة
كان في وسط الجنّة شجرة، استخدَمتها الحيّة لخداع أبوينا الأوّلَين. لاحِظوا الأمر المدهش التالي: من أجل خداع الإنسان، لجأت الحيّة إلى شعور ملازم لطبيعته: فحينما صنع الربُّ الإنسانَ، وضعَ فيه إلى جانب معرفة الكون، الرغبة في الألوهيّة. ومنذ أن اكتشف الشيطان وجود هذه الرغبة لدى الإنسان، توجّه إليه قائلاً: “تَصيرانِ كآلِهَةٍ” (تك3: 5). لستما الآن سوى بشر ولن تستطيعا البقاء دائمًا مع الله؛ لكن إذا أصبحتما كآلهة، ستكونان دائمًا معه… وهكذا استطاعت الرغبة في مساواة الله إغواء المرأة… فأخطأت ودفعَت بالرجل إلى التصرّف بالمثل… غير أنّه بعد الخطيئة، “فسَمِعا وَقْعَ خُطى الرَّبِّ الإِلهِ وهو يَتَمَشَّى في الجَنَّةِ عِندَ نَسيم النّهار” (تك3: 8). ليكن مباركًا إله القدّيسين لأنّه زار آدم عند نسيم النهار! ولأنّه يزوره الآن أيضًا عند نسيم النهار، وهو معلّق على الصليب.
لأنّه في اللحظة التي أكل فيها آدم من الثمرة المحرّمة، بدأت آلام الربّ؛ بدأت آلامه في هذه الساعات المصبوغة بالخطيئة وبالعقاب، أي بين الساعة السادسة والساعة التاسعة. عند الساعة السادسة، أكل آدم من الثمرة المحرّمة بحسب قوانين الطبيعة، ثمّ اختبأ؛ وعند نسيم النهار، جاء الله لزيارته.
لقد رغب آدم في أن يُصبح إلهًا؛ لقد رغب في أمر يستحيل حصوله. واستجاب الرّب يسوع المسيح لهذه الرغبة، فقال: “لقد أردتَ أن تكون ما لا يمكنكَ أن تكون عليه. أمّا أنا، فأرغبُ في أن أصبح إنسانًا ويمكنني ذلك. لقد قامَ الله بعكس ما قمتَ به تمامًا عندما خضعتَ للتجربة. لقد رغبتَ فيما يفوق طبيعتكَ؛ أمّا أنا، فأرغب فيما هو دوني. لقد رغبتَ في أن تكون مساويًا لله، وأنا أرغبُ في أن أكونَ مساويًا للإنسان… “لقد رغبتَ في أن تصبحَ إلهًا ولم تستطع ذلك؛ وها أنا أصير إنسانًا لأحقّق ما كان يستحيل تحقيقه”. أجل، لقد أتى الله من أجل ذلك فعلاً، وقد شهدَ أمام تلاميذه قائلاً: “اِشتَهَيتُ شَهْوَةً شديدةً أَن آكُلَ هذا الفِصْحَ مَعَكم قَبلَ أَن أَتأَلَّم” (لو22: 15)… ونزل عند نسيم النهار ونادى الإنسان قائلاً: “أين أنت؟” (تك3: 9)… إنّ ذاك الذي أتى ليتألّم هو نفسه الذي نزلَ إلى الجنّة.

عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي
بكركي – الجمعة العظيمة ٢ نيسان ٢٠٢١
“نسجد لك ايها المسيح ونباركك. لأنك بصليبك المقدس خلصت العالم”
1-استمعنا للحدث التاريخي الذي رواه الإنجيليون الأربعة عن آلام ربنا يسوع المسيح فدى عن خطايا كل انسان، كل واحد منا، وخطايا البشرية جمعاء. بآلامه الخلاصية وموته تضامن الرب مع كل متألم وموجوع، أكان في جسده ام روحه ام في نفسه ومعنوياته، ام في كرامته وحقوقه، وقدّس آلام الجميع، واعطاها قوة خلاصية بحيث تتواصل آلامه من خلال آلام المتألمين. نحن نذكرهم في هذه الساعة المقدسة فيما نسجد لأم فادينا الالهي وموته الخلاصي راجين منه ان يخفف من ثقل صليبهم، ويعزّي قلوبهم.
واستمعنا ايضًا الى اقوال الانبياء الذين تنبّاؤوا عن آلامه، وشدّوا عرى الوحدة بين العهدين القديم والجديدة. فالمسيح، كلمة الله المتجسّد، هو الكلمة الجامعة والموحّدة.
2. في بداية رسالته، جلس يسوع كمعلم من على الجبل واعلن دستور الحياة الإنسانية مؤلفا” من تسعة بنود، معروفا” بانجيل التطويبات. وعند اكتمال رسالته بآلامه وموته لفداء البشر، علّم هذه المرّة من على صليبه كمال هذا الدستور الإنساني بسبع كلمات اخيرة منه ، ضمنّها وصيّته ومسيرة البطولة في الحياة. فلنستمع لها ولنجعلها قاعدة لحياتنا :
1. – بالكلمة الاولى دعانا الى الغفران كذروة المحبة: “يا ابتِ إغفر لهم، لأنهم لا يدرون ما يفعلون” (لو 34/23)
2. – في الثانية علمنا الأبوّة والأمومة الروحيّة الشاملة النابعة من الألم الشخصيّ: “يا امرأة هذا ابنك، يا يوحنا هذه أمّك” (يو 26/19-27)
3. – في الكلمة الثالثة دعانا الى التوبة باب الخلاص : “اذكرني يا سيّدي، متى أتيت في ملكوتك! اليوم تكون معي في الفردوس” (لو 42/23-43)
4. – في الكلمة الرابعة دعانا لنتشدد عندما نختبر صمت الله في المضايق ونتغلّب على اليأس: “إلهي إلهي، لماذا تركتني؟!” (متّى 46/27)
5. – في الكلمة الخامسة علّمنا ان نعطش دائمًا إلى مزيد من المحبة والرحمة والعدالة لنا ولغيرنا: “انا عطشان!” (يو 28/19)
6. _ في الكلمة السادسة علّمنا ان إتمام الغاية من الحياة انما ان نردّها جميلة لانها في الاساس كانت هدية، هبة من الله لكل واحد منا: ” لقد تمّ كلّ شيء” (يو 30/19)
7. _ وفي الكلمة السابعة والاخيرة سلّمنا الغاية من الحياة التي عندما نردّها الى الله ينبغي ان نردّها مجمّلة: “يا أبتِ، بين يديك أستودع روحي” (لو 46/23)؟
يا رب، نسألك ونحن نكرّم ونسجد للآلامك ولموتك عنا، ان تكتب في قلوبنا شريعة المحبة هذه، فنساهم في جعل عالمنا أكثر إنسانية واخوّة، ونعطيه معنى. فلك نسجد أيها المسيح، ونسجد لسرّ آلامك وموتك من أجلنا. آمين.
#البطريركية_المارونية
#شركة_ومحبة
#البطريرك_الراعي
#بكركي

الجمعة العظيمة
الأب سيمون عساف
“تا خلِّصك من حكم إِعدامك علَّمتك وغسَّلت أَقدامك
وحتى ما تستصعب طريقي الحر مِتّْ عنك وانسقيت المر
وزحت الصخر وطلعت قدَّامك”
ذكرى تعاد كل سنة. معانيها واسعة المساحة ورثناها أبا عن جد وننقلها للأحفاد.
نعمَهُ إرث فيه قيامة وخلاص.
جدلية الميسح: الله مالك للنفوس ومملوك من النفوس، ذابحٌ الخطيئة ومذبوح بالخطيئة. والذبائح: جزء لله القابل، وجزء للكاهن المصلي وجزء لصاحبها المقدم. ذبح المسيح الخطيئة التي تحبل وتلد الموت وهو لم يعمل خطيئة، وأوصانا أَن نقتدي به كي لا نموت.
حذَّرنا من الخطيئة التي تزج بنا في الهلاك لنبقى أَبناء الوعد والميراث والملكوت.
ذبيحة الصليب التي قُدِّمت مرة واحدة وإلى الأبد على جبل الجلجلة، وذبيحة الإفخارستيا (القداس) التي تُقدَّم مراراً على المذابح الأرضية في كل مكان؛ لا يمكن فصلهما بعضهما عن البعض. فهما نفس الذبيحة الواحدة، وإن كانتا مُتميِّزتين الواحدة عن الأخرى.
ليست ذبيحة الإفخارستيا تكرارا لذبيحة المسيح المُخلِّص على الصليب. لكنها ”تقديم“ أو ”تقريب“ الجسد والدم الأقدسين المبذولَيْن على الصليب مرة واحدة، في شكل قرابين الخبز والخمر.
إنهما غير منفصلتَيْن، بل هما واحد، ونفس شجرة الحياة التي غرسها الله على الجلجلة لكي كل مَن ”يأكل منها يحيا إلى الأبد“ (رؤ 22: 2)، ثمرُها مُحيي للأبد كلُّ مَن يطلب الحياة الأبدية إلى نهاية الدهور.
غير أنهما متميِّزتان: فالذبيحة المُقدَّمة في الإفخارستيا تُسمَّى: ”غير الدموية“، من حيث إنها تُمارَس بعد قيامة المُخلِّص القائم من الموت (رو 6: 9)، فهي تُقرَّب بدون سفك الدم، بدون موت، بالرغم من أنها تُمارَس كذكرى لآلام وذبح حَمَل الله «لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة» (رو 6: 10).
معنى الإفخارستيا كذبيحة:
إن هذا المعنى نستشفُّه من تعليم المسيح نفسه حينما قال: “أنا هو خبز الحياة النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. آباؤكم أكلوا المَنَّ في البرية وماتوا.. إن أَكَلَ أحدٌ من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم» (يو 6: 48-51).
– وبدلاً من المنِّ القديم، يُقدِّم المسيح نفسه باعتباره الخبز الحي الجديد الذي نزل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت بعد، بل يحيا إلى الأبد حتى وإن مات بالجسد. وهذا الخبز هو جسده الذي يُبذَلُ على الصليب.
– ولكن كيف سيُعطي المسيح نفسه خبزاً ليأكل منه الإنسان الجديد (الذي آمن وتعمَّد من الماء والروح)
بعد أن حدَّد أن هذا الطعام الروحي الجديد سيكون جسده الذي يبذله عن حياة العالم؟
– هنا يدخل المعنى في تصوير ميستيك – أي سرِّي – شديد الشفافية، بمعنى أن المسيح سيُقدِّم جسده على الصليب ذبيحة حيَّة مقدَّسة للآب عن حياة العالم. وهذه الذبيحة الحيَّة المقدَّسة لكي يتم عملها ومفعولها في الإنسان بإعطاء الخلاص والغفران والحياة الأبدية والبرِّ، يأكل منها لكي يكون مشترِكاً في فعلها ومفعولها الإلهي السرِّي الفائق.
– ولكي يُعطي المسيح لكل إنسان الفرصة والحق ليأكل منها في كل مكان وإلى مدى الأزمان، قام يوم الخميس المبارك برَسم طقس ذبح جسده على عشاء الفصح مع التلاميذ، بأن أخذ خبزاً عادياً، وشكر وبارك وكسَّره، وأعطاه لتلاميذه برسم الجسد الذي كان سيُكسَر على الصليب في اليوم التالي، يوم الجمعة، قائلاً بصوت رهيب:”هذا هو جسدي المكسور (على الصليب) من أجلكم، خذوا كُلوا منه كلكم“. ثم عاد وأخذ الكأس، وشكر وبارك وأعطاه لتلاميذه قائلاً: ”هذا هو دمي المسفوك (على الصليب) من أجلكم، اشربوا منه كلكم“.
– بهذا الفعل الإلهي السرِّي (”سرِّي“نسبة إلى سرِّ تقدمة جسده ودمه بالخبز والخمر يوم الخميس) حقَّق المسيح ، الوجود الميستيكي، أي السرِّي، للجسد الحقيقي المذبوح والمكسور على الصليب والدم المسفوك عليه.
– وهكذا أيضاً حقَّق المسيح بهذا الفعل الإلهي السرِّي ذبيحته الفصحية بجسده بواسطة الخبز والخمر، حتى أنَّ كل مَن يأكل من هذا الخبز الفصحي السرِّي ويشرب من هذا الدم الفصحي السرِّي، يكون قد أكل بالفعل السرِّي، المسيح نفسه وهو في حالة الذبيحة الفصحية التي سيُقدِّمها للآب لمغفرة الخطايا وللحياة الأبدية.
معنى: ”جسدي مأكلٌ حقٌّ، ودمي مَشْرَبٌ حقٌّ“:
– ولكي يرفع المسيح عن ظنِّ الإنسان أنه يأكل خبزاً عادياً ويشرب خمراً ممزوجاً عادياً؛ أكَّد لنا: «لأن جسدي مأكلٌ حقٌّ، ودمي مشربٌ حقٌّ» (يو 6: 55) ، مُشيراً بهذا إلى الفرق بين سرِّ الخبز المكسور والخمر الممزوج المُحمَّلين بجسد المسيح ودمه، وبين الخبز العادي والخمر الممزوج العادي.
وكلمات المسيح هذه هي أعمق تعبير عن استيعاب لاهوت المسيح الكائن في الجسد والدم الفصحيَّيْن العاملَيْن على غفران الخطايا وإعطاء الحياة الأبدية بقوله في موضع آخر: «مَن يأكلني فهو يحيا بي» (يو 6: 57).
– وهكذا يكون المسيح قد أعطى عهداً جديداً أبدياً موثَّقاً، بأنَّ كل مَن يأكل من هذا الخبز المكسور الفصحي والخمر الممزوج الفصحي (والذي نُعبِّر عنه بسرِّ الإفخارستيا) ، يكون قد أَكَلَ المسيح وهو في حال الذبيحة الفصحية على الصليب والقائم من بين الأموات، ما يجعله ضماناً لغفران الخطايا (بالصليب) والحياة الأبدية (بالقيامة). وفعلاً، صرَّح المسيح علنياً عن هذا العهد الجديد بقوله: «هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي، الذي يُسفك عنكم» (لو 22: 20).
فاعلية الأكل والشرب من جسد المسيح ودمه: الثبوت المتبادَل في المسيح:
– كما أعطى المسيح استعلاناً جديداً لفاعلية الأكل من الجسد والشرب من الدم الفصحيَّيْن بقوله: «مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه» (يو 6: 56). هذا الثبوت المتبادَل، نتيجة هذا الفعل السرِّي مع المسيح بواسطة الاشتراك في الجسد والدم، هو ما يُعبَّر عنه لاهوتياً بالاتحاد السرِّي مع المسيح.
وقد عبَّر عنه القديس يوحنا في رسالته الأولى هكذا: «أما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح» (1يو 1: 3). كما عبَّر عنه المسيح بقوله: «أنتم فيَّ، وأنا فيكم» (يو 14: 20). كذلك قوله في صلاته إلى الآب: «ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا…» (يو 17: 21)، وأيضاً: «أنا فيهم وأنت فيَّ ليكونوا مُكمَّلين إلى واحد» (يو 17: 23).
نتيجة التناول من المسيح الخبز الحي النازل من السماء:
هذا الطعام الروحي الجديد الذي أحدره لنا المسيح من السماء كخبز إلهي حي، وهو جسده، ليُطعِم به الإنسان الجديد ليحيا وتدوم حياته إلى الأبد؛ هو جوهر العهد الجديد. فنحن الذين نأكل الجسد المقدس ونشرب الدم الكريم، ندخل في صميم العهد الجديد الذي صنعه الله الآب معنا بدم ابنه الوحيد الذي قدَّمه لنا بنفسه لنشرب منه، فيتغلغل الابن في أحشائنا، ونحن ندخل في عمق أعماقه، ونصير في وحدة أمام عين الآب تؤهِّلنا للبنوَّة لله ولميراث الابن الوحيد.
وبهذا ترفع الإفخارستيا – طعام الحق هذا – الإنسانَ الجديد من الأرض إلى السماء، ومن حال الخلقة الترابية إلى وجود سماوي وكيان روحي يتراءى أمام الله في حالٍ من البر والقداسة، لمدْح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب. وهذا كله هو مسرَّة مشيئة الآب (أفسس 1/2).
لِذا تقوم البيعة على ثلاثة: الجسد والدم والصليب. خلاصة السياق: نحن حَملَة علامات زمن المجيء، موسومون باَجسادنا بدم المسيح منتصرون بصليبه المقدس. ذلك يكون؟ بإِشراكنا بالصلاة الراجية: صلوا لا تملوا، فكل رغبة تشدنا للصلاة هي صلاة، من يصلي لا يضيع وقته؟
فالصلاة هي مفتاح الصباح وقفل المساء، وهي لنفوسنا مثل المطر للأرض، عندما يصلي المؤمن يشارك الأَرواح والملائكة في صلاتهم الدائمة قدوس قدوس قدوس. يقيم قداسه بثالوثية ذكرناها.
فتغفر خطاياه، والمغفرة تتطلب التوبة، ومن لا يغتسل بالتوبة لا يتعطَّر بالغفران ومن لا يعرف ان يتوب لا يعرف ان يغفر. لا يعطي البخور رائحة الا اذا احترق على جمر، والانسان لا يطيب امام الله الا اذا ذاب بنار العذاب تماما كما يسوع على الصليب. هكذا بشر الرسل فكنيسة بلا تبشير هى كنيسة ميتة والروح لا يعمل فيها،. وصلت سفينتنا الى المرفأ وامتلأت شبكتنا. فلنشكر الآن اليوم الموت وغدا القيامة.
واختم بما قاله خليل جبران ليسوع منذ ما يقارب المئة مئة سنة:
إِن إِكليل الشوك على راَسك أَجمل من تاج بهرام، والمسمار في كفك اَفخم من صولجان المشتري وقطرات الدم على قدميك اَسنى لمعانا من قلائد عشتروت
نسألك يا أمرت البحر بالسكون فسكن وأمرت لعازار ان يخرج من القبر فخرج وعجائب لا تُعد ولا تُحد، يا من سقيتنا الخمر في عرس قانا فسقيناك الخل على عود الصليب، سامحنا إرحمنا إغفر لنا وأَقمنا بذكرى قيامتك ومعنا أٌقم لبنان الوطن الحبيب الغالي

الجمعة العظيمة ليست عظيمة بالألم بل عظيمة بالأمل.
الأب إيلي الحاج
لا وجود للألم في الديانة المسيحية لأن لص اليمين أعطانا الأمل، كما أن المسيح نفسه لم يعطنا الألم بل نحن فرضنا عليه الألم لأنه قال وهو فوق الصليب: اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون. غفر المسيح وصالح الكل ولم يكن لديه مأخذ على أحد حتى على صالبيه. إن الجمعة العظيمة هي عظيمة بالغفران والمحبة، ليست لكي نتذكّر الجلد أو الوجع أو الدم، بل لنتذكّر بأنه لا ألم ولا وجع في نفسية تعرف أن تغفر. لا ألم ولا وجع في الديانة المسيحية تجعلنا نحقد أو ننسى المحبة، بعد ألفي سنة ما زلنا نتكلم عن المسيح، لأنه غفر لصالبيه. لو أن المسيح حقد أو أخذ موقفاً ضد صالبيه والذين حكموا عليه لكانوا نسوه. إن لص اليمين هو أضعف منا بكثير، فهو محكوم عليه أما نحن فلا حكم علينا وقد نال الملكوت، إنه وهو على باب الموت قال بأن كلام المسيح صحيح ومنه نأخذ الشفاء والحياة، هذا هو معنى الجمعة العظيمة، لأنه في وسط الألم نستطيع أن نتوب ومن توبتنا نسمع الكلام الذي سمعه لص اليمين: اليوم تكون معي في الفردوس.

صليب القيامة والحياة
أ.ن.ب.
إنّ موت المخلّص على الصّليب حقيقة، تمّت من أجل خلاص الإنسان، وقيامة المائت على الصّليب، هي حقائق إيمانيّة عقائديّة لاهوتيّة مقدّسة لا يمكن أن ينكرها أيّ معمّد (مؤمن) أو ينكر قوّة الصّليب المقدّس الذي عُلِّقَ عليه خلاص العالم وفداء البشريّة كافة، المدعوّة إلى الدخول في مسيرة الفداء والخلاص بيسوع المسيح. نعم، نقول بصوتٍ واحدٍ، وبإيمانٍ راسخٍ وعميق “نسجد لكَ أيّها المسيح ونبارككَ، لأنّكَ بصليبكَ المقدّس خلّصتَ العالم”.
ألا نصلب مخلّصنا يسوع المسيح كلّ مرّةٍ نبتعد فيها عنه ونقترف أشنع الخطايا والرذائل؟ ألا نصلبه من جديد، عندما نعيش بالقنوط واليأس والضجر وعدم الرجاء؟ ألا نصلبه من جديد، عندما نرفض نعمه وعطاياه ومحبّته ورحمته؟ ألا نخجل من أنفسنا لِما سبّبناه للمخلّص من عذاب وموت؟
يوم الجمعة العظيمة أو “الحزينة” هو يوم منتهى الحبّ الذي فيه ضحّى مَلِكُ المجد بنفسه. نعم، هكذا خلّص المخلّص البشريّة، بالفداء والتضحية. المحبّة تُختبَر بالألم والعطاء والبذل.
صلبوا “الحياة”، وأشبعوها موتًا بسبب جَهلِهم، لكن المسيح انتصرَ على الموت، بإعطاء الحياة، لكلّ مُحتاج “أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّ حَبَّةَ الحِنْطَة، إِنْ لَمْ تَقَعْ في الأَرضِ وتَمُتْ، تَبْقَى وَاحِدَة. وإِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِير. مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يَفْقِدُهَا، ومَنْ يُبْغِضُهَا في هذَا العَالَمِ يَحْفَظُهَا لِحَيَاةٍ أَبَدِيَّة.( يو١٢ : ٢٣). مات الله، لكنّه أعطى الحياة “فكما أنّ الآب له الحياة في ذاته، فكذلك أعطى الابن أن تكون له الحياة في ذاته وأَولاه سلطة إجراء القضاء لأنّه ابن الإنسان […] أمّا الَّذين عملوا الصَّالحات فيقومون للحياة وأمّا الَّذين عملوا السَّيّئات فيقومون للقضاء” (يو ٥: ٢٦-٢٨).