وسام سعادة/ الصدّامي المعكوس الذي كان اسمه نوري المالكي

356

 الصدّامي المعكوس الذي كان اسمه نوري المالكي
وسام سعادة/المستقبل
13 آب/14

مع أنه قادم من دهاليز «حزب الدعوة»، أقرب تجارب الإسلام السياسي الشيعي الى الإخوان المسلمين في المقلب السني، فقد طرح نوري المالكي نفسه في أول عهده برئاسة الحكومة في العراق على أنه «ظاهرة بونابرتية» فوق الجميع، ستضرب التطرّف في هذه الطائفة وتنقض على الغلوّ في تلك، وتؤلّف بين النفوذين الأميركي والإيراني وتتجاوزهما، وتبني منظومة أمنية متينة تضمن لها دعامة مزمنة في الحياة السياسية وفي عملية بناء الدولة. هذا الموال البونابرتي يتلاءم في الأغلب مع العسكريين وليس مع المدنيين، والمالكي لم يكن عسكرياً لكنه طرح نفسه كصاحب شجن بونابرتي. صدام حسين أيضاً كان مدنياً، ولم يتدرّج بشكل طبيعي في السلك العسكري.. عندما انتهى المطاف بنوري المالكي، وصادقت العملية السياسية في العراق على تداعيات الكارثة العسكرية التي تسببت بها حكومته بالدرجة الأولى، صار يراهن على تحرّك للجيش، هذا الجيش الفئوي الصبغة، والمنكوب بعد هزائمه المتواصلة في الأشهر الأخيرة في المناطق ذات الغالبية العربية السنية. كانت التجربة البونابرتية للمالكي تعصر بذلك آخر قطراتها ولا يعني ذلك أن سقوطه سيولد من تلقائه وعياً عاماً بأنه حان الوقت للإقلاع عن مشاريع الغلبة والإقصاء. وقبل ذلك، لم يكن هذا الطموح لأن يكون المالكي «فوق الجميع» يعني أنه كان على مسافة واحدة في حكمه من جميع مكونات العراق. على العكس تماماً. صحيح أنه واجه ذات يوم وفي وقت واحد «جيش المهدي» في البصرة و«دولة العراق الإسلامية» في الموصل والأنبار، يبقى أن ما قام به هو محاولة لإقامة بونابرتية متمحورة حول الغلبة الشيعية مثلما سبقه صدام حسين لإقامة بونابرتية بعثية تجد في النسيج العربي السني دعاماتها الأبرز وعنوان ثقتها بنفسها. هذا مع ثلاثة فروق. أولها أن بونابرتية صدام دموية بشكل يتجاوز نوعياً كل المنسوب القمعي لبونابرتية المالكي، وهو منسوب مرتفع مع ذلك للغاية. وثانيها، أن الطابع الفئوي لبونابرتية صدام لم يكن نافراً، بل ضمنياً، مدمج بأيديولوجيا وطنية عراقية من ناحية «من نبوخذ نصر الى صدام حسين» وبأيديولوجيا وحدوية قومية عربية شكل صدام وجهها الأكثر شعبية في العقود التالية على رحيل جمال عبد الناصر. أما فئوية المالكي وصحبه، فنافرة وطافحة، وبعدها عن فكرة «دولة القانون» هو كبعد عملية إعدام صدام في يوم عيد الأضحى عن كل حكمة واتزان في بلد لا يُحكم بالغلبة السنية الصرف أو بالغلبة الشيعية البحتة. وثالث الفروق، أنه، إذا كان المجموع السني العربي في العراق يمثل أقلية سكانه، فإن السنة العرب في العراق يصلون بين الشمال الكردي والجنوب الشيعي، وهذا معطى لا يمكن المكابرة عليه بحجة «استئصال البعث» والاحتكام الى الأكثرية العددية، خصوصاً إذا كانت الغلبة الفئوية المعكوسة لا تريد التفاهم لا مع العرب السنة ولا مع الأكراد. سقط المالكي. سقط بعد أن خلف وراءه العراق متحداً مع سوريا في صيغة حرب أهلية – مذهبية – إقليمية واسعة، ممتدة في الزمان ومتمددة في المكان. سقوطه لا يعني سقوط مشروع الغلبة الفئوية الذي أسس له، لكنه يعني بكل تأكيد أن هذه الغلبة الفئوية باتت تأكل من لحمها الخاص، فيما المنطق الداعشي يفتي بالمقابل بأنه إما أن تُباد وإما أن تبيد. لقد فخّخ نوري المالكي الفكرة الوطنية العراقية في حين أعلن «داعش» الجهاد ضد هذه الفكرة.