الياس الزغبي/صدمة حزب الله – عون

372

صدمة حزب الله – عون
10 آب/14
الياس الزغبي/لبنان الآن

لم تهبّ رياح عرسال كما تشتهي سفن “حزب الله” وميشال عون، ووراءهما نظاما الأسد والفقيه، ولم تطابق حسابات حقولهم بالجملة على محصول البيدر العرسالي بالمفرّق، كما لم تُسعدهم عودة الرئيس سعد الحريري بتوقيتها ومعانيها وتداعياتها. فبعد أسبوع المعركة، بدأ الغبار ينقشع عن انتكاس سعيهم إلى توظيف نتائجها في كلّ اتجاه، خصوصاً في الاتجاهين العسكري والسياسي، وامتداداتهما الإقليميّة والدوليّة.

ليس خافياً على كلّ متابع وقارىء في خلفيّات حرب عرسال، أنّ النظام السوري و”حزب الله” كانا على معرفة مسبقة بمدى انتشار مسلّحي “النصرة” و”داعش” في جرود السلسلة الشرقيّة في مقلبيها اللبناني والسوري، والاستعدادات القائمة لعمل عسكري ما في اتجاه عرسال وشمال البقاع اللبناني. لقد تعمّدا التكتّم على معلوماتهما الاستخباريّة، وعلى تشجيعهما أو إغرائهما غير المباشر لهذه الفصائل كي تقوم بمباغتة الجيش اللبناني، تماماً كما حصل، مع علامات استفهام حول تغيّب أو عجز أو “تطنيش” بعض المخابرات اللبنانيّة. وهذا يجب أن يكون مثاراً للتحقيق والمساءلة.

هدف النظام و”الحزب” كان توريط الجيش اللبناني في مواجهة مباشرة مكشوفة مع الفصائل الإرهابيّة الموجّهة، وجعله أداةً طيّعة ومستضعفة في مشروعهما، بما يستنزفه فلا يعود قوّة واعدة يحمي إعادة تكوين الدولة اللبنانيّة، ويضمن المساعي السياسيّة لملء فراغاتها التي بذلا جهوداً كبيرة لفرضها منذ أشهر.كان في حسابهما أنّ يتدفّأا على النار التي تكوي الجيش، فيزداد ارتهاناً وانصياعاً لقرارهما، ويفدي بدماء ضبّاطه وجنوده مشروعاً غير مشروعه وأهدافاً غير أهدافه، وهما يجلسان على ضفّة النهر يحصيان أعداد الشهداء والقتلى من طرفّي المعركة. وهذا ما حصل عمليّاً على مدى أسبوع، باستثناء “بارود شرف” خُلّبي من “حزب الله” والطيران السوري، إمعاناً في الخدعة البصريّة. صحيح أنّ أسرى الجيش وقوى الأمن يشكّلون شوكة في خاصرتهما، لكنّ النتائج العسكريّة للمعركة تشرّف الجيش ولبنان، ولا ينتقص من هذا الشرف بدء ترويج المتضرّرين كلاماً إعلاميّاً عن “تسوية مذلّة” و”هزيمة فعليّة”، بما يؤكّد خيبتهم من سقوط رهاناتهم الخبيثة. أمّا على المستوى السياسي، فقد شكّلت الدعوة المتزايدة للمطالبة بتوسيع تطبيق القرار 1701 على الحدود اللبنانيّة السوريّة صفعة للمصدومين، وسارع سفير النظام إلى استنهاض همم أتباعه لحثّهم على الرفض، بدءاً من ميشال عون. شاءوا أن يعزلوا لبنان والجيش عن العالم، ففوجئوا بالعطف العربي والدولي الواسع: وضع توسيع القرار 1701 على طاولة النظر، المسارعة إلى دعم الجيش بالذخيرة الأميركيّة والمال السعودي بسرعة قياسيّة حجبت منّة النظام والحزب وإيران، تعزيز العديد بتطويع جديد والعتاد بسلاح فعّال. وليست عودة سعد الحريري إلى بيروت سوى حبّة الكرز على قالب حلوى الجيش والدولة اللبنانيّة، ودليل متين على المرحلة الايجابيّة في إعادة تكوين المؤسّسات وموقع الرئاسة وتنشيط 14 آذار وترسيم الأحجام. كانوا يريدون الجيش فصيلاً في فيالقهم، فخرج من المحنة إلى مداه الأصلي تسليحاً وتمويلاً من العرب والغرب. فحرب عرسال كرّست انتماء الجيش إلى وطنيّته اللبنانيّة الصافية، وانتسابه إلى جيوش العالم الحرّ في مكافحة الإرهاب، وأخرجته من محاولات تصنيفه في “جبهة الممانعة والمقاومة”، ودائرة الأنظمة المقفلة. ولا يضيره أن يحاول بعض من فيه جرّه إلى هذه الجبهة، فأصالته أحبطت وتُحبط هذه المحاولات.

أمّا في حساب الدكّان الصغير، فقد كان عون المصدوم الأكبر: انتظر أن تعزّز المعركة حظوظه في بلوغ قصر بعبدا، فهاله أن تهبّ الرياح بصورة معاكسة، فبدأ اللطم على خلفيّة الخشية من تكرار نتائج حرب مخيّم البارد في 2007، إلى الدوحة وما بعدها! هكذا يروّج نوّابه وإعلامه على الأقلّ، ويدبّون الصوت خوفاً من أن يكرّر التاريخ نفسه، والخيبة نفسها. وجاءت عودة الحريري لتزيد في الخشية والشكوك.

وبالتأكيد، لم يحمل له سفير النظام الترياق الشافي، ولم يقلّ عنه شكوى وصدمة من نتائج عرسال والعودة. لا يرتاح “حزب الله” كثيراً لانتصار الجيش اللبناني بهذه الصورة البعيدة الدلالات. كان يفضّل في عرسال فصلاً شبيهاً بمعركة عبرا، عمليّة موضعيّة تصبّ في خدمة سلاحه ووظيفته. ويُقلقه أن ينال الجيش كلّ هذا الدعم والعطف، وكلّ هذه المعنويّات الميدانيّة والسياسيّة، وكل هذا الالتفاف الشعبي، خصوصاً في الأوساط السياسيّة السنيّة الوازنة، مع انكسار احتكار “مسيحيّيه” محبّة الجيش. ولا يرتاح ميشال عون لهذا النجاح الاستثنائي لقيادة الجيش، لأنّه طالما استخدم المؤسّسة العسكريّة لتحقيق مآربه الشخصيّة وليس لحماية الوطن، وكان دائماً يستثمر في دماء الضبّاط والجنود، ويكره أن يستثمرها أحد سواه. سننتظر المزيد من النكء الإعلامي في جروح الجيش، وتحديداً في مسألة أسراه، بهدف تشويه إنجازاته.

الخائب يلجأ دائماً إلى تغطية خيبته، والتقليل من نجاح خصمه. لكنّ حسابات جديدة بدأت. معه حقّ نبيه برّي: ما بعد عرسال ليس كما قبلها، وعودة الحريري بداية الغيث.