ماذا يقول ذوو شهداء الجيش في عرسال؟

399

ماذا يقول ذوو شهداء الجيش في عرسال؟
الراي الكويتية
10 آب/14
أبوا إلا أن يرووا نهر الشهادة بدمائهم، أبوا إلا أن يدافعوا عن بلدهم فسقطوا على مذبح الوطن أبطالاً… إنهم شهداء الجيش اللبناني الذين سقطوا في المعارك التي دارت في منطقة عرسال أثناء أداء واجبهم في الدفاع عن تراب لبنان ضد مسلحي “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة”.
“المعركة”، التي ربما تكون واحدة من سلسلة جولات آتية، انتهت وجاءت حصيلتها مكلفة للجيش الذي دفع زهاء 14 شهيداً نعتهم قيادتهم، وبكاهم أحباؤهم ولم يعودوا في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي مجرّد “أرقام” بل صاروا حكايات على كل شف ولسان.
ومع كل صورة كانت تُكتب روايات عن أبطال زفّتهم مواقع التواصل “شهداء الوطن” وقاتلوا حتى الرمق الاخير وأنقذوا “رفاق السلاح”. ومن هؤلاء المقدم المغوار نور الدين الجمل الذي صار نجم مواقع التواصل التي تداولت حكاية تصديه للمسلحين الذين هاجموا الثكنة 83 في بلدة عرسال وفيها: “العقيد المغوار الجمل، عندما علم أن عدداً يناهز 300 مسلح يريدون مهاجمة مواقعه وهم بكامل أسلحتهم وتجهيزاتهم، طلب من جنوده الانسحاب وعمل على تغطيتهم عبر تسلّقه ملالة للجيش وإطلاقه النار الكثيف على المسلحين، وقد أردى عدداً كبيراً منهم بين قتيل وجريح. ولم ينسَ الجمل عائلته في هذه الظروف الصعبة التي كان يمر بها، فقد أرسل إليها صورة selfie طالباً منها الدعاء. وفي آخر اتصال له مع شقيقه أحمد أخبره أن «الوضع سيئ جدا»، وأنّ 1500 مسلح يحاصرون الثكنة، وموازين القوى تبدو غير متكافئة»، مرددًا أنّ «المسلحين يطلقون على الثكنة صواريخ حديثة”.
صحيفة “الراي” الكويتية قصدت حي “الطمليس” في بيروت، حيث منزل عائلة الجمل، صورة الشهيد ترتفع وسط الحي الذي لفه الهدوء، فلا صوت سوى آيات من الذكر الحكيم تكسر صمت المكان. في الطبقة الثانية من المبنى، السواد يلف نساءً يبكين بصوت خافت، فالحزن المفجع سلبهم القدرة على الصراخ لا بل على الكلام حتى، فخلّفهم أجساداً بلا أرواح، يئنون من هول المصيبة.
وسط الصالة كانت تجلس والدة نور التي ودعت ابنها في المستشفى “جثة” مصابة برصاصات في الصدر بعدما كان نجماً في الرياضة وبطلاً في ميدان كرة القدم.
هدوؤها لا تفسير له سوى حجم المصيبة التي فاجأتها، وهي قالت لـ”الراي”: «أكلنا نصيبنا، الحمد لله… ماذا سأقول أكثر، أدعو الله أن يحمي رفاقه وينصرهم في ساحة المعركة. لكن حبيب قلبي راح ماذا سيعنيني بعد”.
كلمات خرجت كسيخ نار من قلب والدة احترق على فلذة كبدها الذي كان آخر اتصال لها به يوم الأحد في 3 اغسطس طالبة منه العودة، لكنه اصر على المواجهة والتضحية وليختم حديثه معها بالقول “الله الحامي”.
“نور قطع اجازته التي كان ينوي خلالها اصطحاب عائلته إلى أوروبا لقضاء عطلة الصيف، والتحق بكتيبته بعد أن ناداه واجبه الوطني”، بحسب ما أكده صهره المهندس فؤاد الخولي لـ “الراي”، مضيفاً: “لاعب فريق الأنصار وموظف بنك “الاعتماد” سابقاً قبل أن يلتحق بالمدرسة العسكرية ليتخرج منها ضابطاً، كان خلوقاً ومحبوباً من جميع مَن عرفه، خدوماً يحاول جهده لتلبية طلب كل من يقصده”.
الخولي وضع علامات استفهام حول أسباب حسم “قضية” عرسال عسكرياً وليس سياسياً، متمنياً ألا تذهب دماء أفراد الجيش الذين قضوا في المعركة “هدرا”.
بفقدان نور الأب لولد وابنتين، وشقيق مستشار الرئيس سعد الحريري محمود الجمل وشقيق المقدم عماد الجمل مساعد قائد سرية بيروت في قوى الأمن الداخلي، ومحمد الجمل رئيس منطقة بيروت التربوية في وزارة التربية، خسر لبنان بطلاً مقداماً شارك في معارك عسكرية قاسية، كمعركة سوق الغرب، ومعركة عبرا حيث استشهد عدد من أفراد كتيبته.
وإلى جانب المقدم الجمل، استشهد مساعده المقدم داني حرب، ليغيب بجسده لا بروحه عن زوجته اليانور زيدان وولديه رايان ثماني سنوات، ورواد ست سنوات، وعائلته التي لم تعتقد يوماً أنه قد يرحل باكراً هو الذي لم يكمل أعوامه السبعة والأربعين.
“لم يبقَ من داني إلا ذكريات، ماذا أريد بالذكريات أريده بجانبي، نقصد البحر معاً نأخذ الأولاد لنلعبهم”. بهذه الكلمات عبّر فادي شقيق داني والدموع في عينيه عن فاجعته، وأضاف: “أخذوا منا كل شيء، هو دائماً يريد أن يبقى في الواجهة، فلا يفكر بنفسه بل بغيره”.
والأكثر مأسوية في استشهاد حرب انه أبى ان يترك قائده (المقدم الجمل) في ساحة المعركة، وهو ما كشفه زياد زيدان شقيق زوجته اذ قال: “الروايات كثيرة حتى الساعة، ولا نعلم بالضبط ماذا جرى، كما أننا لم نبلغ بالتفاصيل من قيادة الجيش، ولا يمكن ان يؤكدها احد لنا سوى من كانوا على ارض المعركة. وهؤلاء اما استشهدوا او خطفوا ام أنهم لا يزالون في المستشفيات”، مضيفاً: “حتى الساعة الرواية شبه الأكيدة هي انه تم تطويق الثكنة من مئات المسلحين الارهابيين وقصفها بكثافة، فتقرر اخراج العناصر منها، وبقيَ الشهيد مع رئيسه المقدم الشهيد الجمل يؤمنان التغطية النارية لهم، حتى استشهدا معاً، وحسب المعلومات ان المقدم الجمل استشهد على مدفع الدبابة فيما داني كان بالقرب منه على الارض”.
كما روى أحد ابناء قرية زوجة حرب ملابسات استشهاده قائلاً: “اخبره زميله المقدم الشهيد الجمل، انه تم فتح ثغرة بعد هجوم مباغت وسريع من اعداد كبيرة من الارهابيين على الثكنة وقصفها بالصواريخ، ما يتيح لهم (عناصر الجيش) مغادرة الموقع، لكنه رفض وفضل الموت في مركزه على ان يترك قائده وعناصره يموتون”.
في مكان قريب من قلبه أصيب داني بالاضافة إلى اصابات في بطنه ورجليه، ليسطر ملحمة بطولية لضابط دفع حياته لضبط حدود وطنه.
عين الرمانة لبست ثوب الحداد على بطل آخر دفع حياته لحماية أرضه. فأهالي المنطقة ودعوا بحسرة وحزن ابنهم النقيب داني خير الله الذي قبّل طفلته الرضيعة كريستا بعدما كان كتب عبر حسابه على الواتساب في 24 تموز الماضي “شكرا ربي على كريستا” بعيد ولادتها. لكنه لبس بذة الواجب، وخرج على عجل، لتلبية نداء الوطن تاركاً “طفلته الملاك” لتكبر من دونه بعدما رفعه رفاقه على الأكف.
وإلى جانب النقيب داني الذي استشهد بعد استهداف ملالته بصاروخ من نوع “كونكرس” مضاد للدروع من المسلحين على المحور الغربي من البلدة، استشهد الجندي علي محمد خضارو الذي كان برفقته.
ومن الجندي أحمد علي الحاج حسن، إلى الجندي أول حسين ملحم حمزه، مروراً بالرقيب يحيى علي الديراني وغيرهم، أسماء ستبقى محفورة بسجل تاريخ لبنان كشهداء دفعوا حياتهم في مواجهة الارهاب