عبدو شامي/انصافًا لنصرالله.. ردَّ تحية الحريري بأحسن منها

552

 انصافًا لنصرالله.. ردَّ تحية الحريري بأحسن منها
عبدو شامي
19 شباط/15

ها هي الحوادث تتوالى مؤكدة ما ذكرناه في افتتاحية مقالتنا الأولى لهذا العام من أن عنوان سنة 2015 هو الاستغباء بامتياز، وتحديدًا استغباء المؤيدين قبل المعارضين؛ أما موضوع استغباء الساعة في لبنان فهو “مكافحة الإرهاب”؛ فبعد إطلاق الرئيس “سعد الحريري” مناشدته الانبطاحية: “نداء للجميع وخصوصًا لحزب الله العمل دون تأخير لإيجاد استراتجية وطنية لمواجهة الارهاب”، ردّ عليه الحزب الإرهابي التحية بأحسن منها على لسان أمينه العام، فلم يكتفِ بالترحيب بهذه الدعوة بل أرفقها بدعوة خاصة للحريري وحلفائه نصها: “فلنذهب سويًا الى سوريا والعراق(…) تعالوا لنذهب الى أي مكان نواجه فيه هذا التهديد”.

بداية، لا نفهم “فورة” الإعلام المستقبلي في الرد على دعوة “نصرالله” الخاصة والعامة بالانضمام الى إرهابيه في شتى بقاع الأرض، فالحزب، وبكل بساطة، فَهِم كلام الحريري بدقة متناهية وبنى على الشيء مقتضاه فردّ عليه بمنطق وعقل موزون؛ لأننا وببداهة مطلقة عندما نقرّر أن نزيل بقعة قذرة بخرقة لا تقل عنها قذارة فهذا يعني أننا نعتبر الخرقة الوسخة نظيفة وصالحة لإزالة القذارة، وإلا نكون قد ضاعفنا حجم البعقة ووساختها وهذا لا يقدِم عليه عاقل. من هنا، مجرّد دعوة الحريري الحزب الإرهابي لوضع استراتيجية يكافحان الإرهاب فيها معًا، تعني أمرَين:

أولاً، يعني أن الحريري لا يعتبر الحزب رغم كل جرائمه في الداخل والخارج إرهابيًا لأن الإرهاب لا يكافِح نفسه بنفسه، فضلاً عن أن الحريري نفسه بحسب تصريحاته لا يقبل أن يهادِن الإرهاب والتطرّف؛ ويعني ثانيًا: أن تعريف الإرهاب الذي يريد الحريري مواجهته مع الحزب هو نفسه التعريف العمَلي (ونشدد على قيد العملي) الإيراني-الأميركي-الاسرائيلي للإرهاب الذي يستثني من المكافحة محور الشر السوري-الإيرانى وميليشياته وملحقاته سنيّة كانت أم شيعية، ليبقى المشمول بتعريف الإرهاب كل تنظيم سنّي حصرًا سياسيًا كان أم عسكريًا من شأنه أن يشكل خطرًا على مصالح إيران أو على احتكار السعودية لتمثيل الإسلام لدى السنة، واحتكار التيارات الخاضعة للمملكة للاعتدال الزائف من جهة ثانية؛ إذا أدركنا ما تقدّم جيدًا يصبح كل ما قاله “نصرالله” في دعوته مفهومًا ومنطقيًا وهو: بما أنك لا تعتبرنا إرهابيين وتتفق معنا على تعريف الإرهاب، فهيا بنا نتشارك معًا في نشر المحبة والسلام وإرسال القبلات وتوزيع الورود على شعوب المنطقة خصوصًا في سوريا والعراق واليمن والبحرين، ولا ننسى لبنان حيث الأقربون أولى بالمعروف ابتداءً من هدية “مروان حمادة” الى مكافأة “رفيق الحريري”، مرورًا بالأيام المجيدة وبتوزيع البقلاوة ابتهاجًا بنجاح كل “مهرجان أزهار” يقام على شرف أحد قيادات 14 آذار في الشوارع وعند مفارق الطرق، وليس انتهاء بعرس “محمد شطح”.

الاستنتاجات لا تقف عند هذا الحد، فبعيدًا عن تفسير دعوة الحزب الإرهابي للحريري و14آذار للالتحاق بصفوفه، إصرار الحريري الجدي على مشاركة الحزب في مكافحة الإرهاب هو الدليل القطعي والواضح على أن الحريري لا يمثل “الاعتدال” كما يزعم إنما يستخدم هذا الشعار الزائف لدغدغة مشاعر المسيحيين كما المسلمين الخائفين من موجات التطرّف وتسويق نفسه على أنه المنقذ الوحيد، ويستعمل “الاعتدال” أيضًا كجواز سفر يمرّر عبره مصالح السعودية السياسية في لبنان ومصالحه باحكتاره التمثيل السني. ما نعرفه أن الاعتدال لا يمكن أن يتشارك مع التطرّف ولا يمكن أن يغطيه بشكل من الأشكال، فالضدّان لا يجتمعان. أضف الى ذلك أن الحريري أثبت في الذكرى العاشرة لاغتيال والده أنه يعرّف الاعتدال تعريفًا خاطئًا عندما أكّد وجزم أنه يدرك جيدًا أن “لا نقطة وسطة بين الاعتدال والتطرف” جاهلاً أو متجاهلاً عمدًا أن الاعتدال نفسه هو نقطة الوسط بين تطرّفَين، بين التشدّد والانحلال الذي ينطبق على سياسته اليوم في “الاستراتيجية المهزلة” موضوع مقالتنا فضلاً عن تاريخ انقلاباته القاتلة لثورة الأرز منذ عام 2005.

في 14شباط2015 دخلنا مرحلة اللعب على المكشوف، فمَن لم يرتكب عُشر معشار الإرهاب الذي ارتكبه الحزب في الداخل والخارج يعتبر في مفهوم التيار الأزرق إرهابيًا تجب مكافحته، أما الإرهابي الأصيل الذي يفاخر بإرهابه ويدعو الآخرين للانضام الى إجرامه العابر للحدود فهو شريك يمكن أن يعوّل عليه في مكافحة الإرهاب! فإما أن يلتزم الحريري بتعريف الإرهاب كما ورد لدى المحكمة الجنائية الدولية وكما نص عليه القانون اللبناني، وإما أن يكون بتبنّيه عمليًا التعريف الإيراني يوّجه اغتيالاً جماعيًا لشهداء “ثورة الأرز” أجمعين ونبشًا لقبورهم وتمثيلاً بجثثهم وسَحلاً لها على الطريقة الداعشية التي تطل علينا اليوم معنويًا بزيّها الأزرق. فعذرًا شهداءنا الأبرار ولا تغفروا لهم لأنهم يعلمون جيدًا ماذا يفعلون.