عبدو شامي/الحريري في العاشرة.. استغباء وتحريف وتبعية

793

الحريري في العاشرة.. استغباء وتحريف وتبعية
عبدو شامي
15 شباط/15

دون طول سيرة ومقدمات، أهلاً بالشيخ سعد الحريري في بلده لبنان آمِلين أن لا تكون زيارة خاطفة قبل عودته الى مكان الإقامة بين الرياض وباريس. فغياب زعيم “تيار المستقبل” لم يعد مبرَّرًا تحديدًا منذ بداية 2014 حيث أصبح مرحّبًا به في بلده المحتل بمجرّد مشاركته الحزب الإرهابي في حكومة ائتلافية بعد 3 سنوات من المعارضة الشريفة خارج السلطة؛ هذا، وإن كان الاحتياط واجبًا ممن شِيمته الغدر. أما ركيزة مقالتنا هذه فخمس نقاط تطرّق إليها الرئيس “سعد الحريري” في خطابه بمناسبة الذكرى العاشرة لاغتيال والده.

أولاً في ذكر السعودية: استهل الحريري كلمته قبل الخوض في أي موضوع وقبل حتى الترحُّم على والده بتوجيه التعزية بالملك السعودي الراحل رغم قيامه بواجب العزاء الكامل في المملكة، ثم عاد وقدّم التحية والعهد على الوفاء باسم الحاضرين للعائلة الحاكمة وذكر بالاسم الملك الجديد وولي العهد وولي ولي العهد، وكأنه يقدّم المبايعة علنًا! شكلاً ومضمونًا اقحام المملكة في بداية الخطاب لا نرى فيه إلا دليلاً على مدى تبعية التيار الأزرق لها، لا بل ذلك يعيدنا بالذاكرة الى إلزامية ذكر “الشقيقة سوريا” و”وحدة المسار والمصير” في خطابات حقبة الاحتلال السوري، ما يعني أننا من تبعيّة الى أخرى؛ قبل أن يعود في نهاية خطابه “لتجديد الالتزام بتحرير القرار الوطني اللبناني من التبعية الخارجية”، مع أنه لا جدال في أن كل انقلاباته الفجائية على تعهداته ومواقفه إنما أتت بالأمر الملكي السعودي! فهل يحق له بعد ذلك القول: “أنا متطرّف في الحرية والسيادة والاستقلال”؟!

ثانيًا في الهجوم على الحزب: لا نستطيع إنكار أن الحريري هاجم الحزب الإرهابي في مواضيع ساخنة كثيرة من سلاحه الى القتلة المطلوبين من المحكمة الى تدخله في سوريا الخ… بيد أنه رغم وصف الصحف هجومه هذا بـ”الناري” فإن: أولاً، تغطية الحريري بدخوله الحكومة احتلال الحزب لبنان وإرهابه في سوريا، ثم ثانيًا قبوله بشروط الحزب في تحييد كل مواضيع هجومه العلني هذا عن جلسات حوار الدجل الذي يقيمه معه اليوم… كل ذلك يدل على أن الخطاب كان “مائيًا” لا “ناريًا”، وأن الحريري لم يكن يخاطب الحزب الإرهابي إنما يخاطب شعب تياره حصرًا خطابًا دعائيًا شعبويًا لا يُفسد لوُدّ السلطة المشتركة مناصب “صحويَة” ولا حوارًا انبطاحيًا. وهذا يعيدني بالذاكرة الى أيام المدرسة، حيث كان أستاذ الرياضيات بعد أن ينادي على التلميذ الراسب وقبل أن يسلّمه ورقة امتحانه، كان ينظر الى شجرة في الملعب فيبدأ بتوبيخها بلهجة شديدة وهو التوبيخ نفسه الذي يريد توجيهه الى الطالب الكسول، ثم يسلمه مسابقته وبيقى الوضع على حاله كَسل وسَمن على عسل.

ثالثًا في مواجهة الإرهاب: يبدو أن “الشيخ سعد” لا يعتبر الحزب الذي يحاوره بذُلّ ويشاركه في الحكومة حزبًا إرهابيًا! فرغم كل جرائم هذا الحزب على الأقل تلك المرتكبة في لبنان من 2005 الى يومنا هذا، ورغم إرهابه في سوريا، ورغم تفاخره وتمجيده أعماله الدموية وإعلانه مسؤوليته عن بعضها، وجّه الحريري له المناشدة التالية: “نداء للجميع وخصوصًا لحزب الله العمل دون تأخير لإيجاد استراتجية وطنية لمواجهة الارهاب”! وكفى بذلك ذلاً وانبطاحًا ولحسًا للمبرد. وللأمانة لم يُخطئ بقوله: “نحن لا نهادن الارهاب” فقد تجاوز المهادنة الى حد التغطية.

رابعًا في الاعتدال المزعوم: كعادته شدد الحريري على احتكاره شعار “الاعتدال” ليصبح تصنيف كل من لا يؤيد نهجه وسياسته في بيئته السنية متطرفًا، لكنه رغم محاولته البائسة تلك وقع في خطأ كبير حيث قال: “نحن قوة الاعتدال(…) ونحن ندرك جيدًا أن لا نقطة وسط بين الاعتدال والتطرّف”؛ فات الحريري أن الاعتدال نفسه هو وسط بين تطرفَين، أو بعبارة أخرى الاعتدال هو نقطة الوسط بين التطرف والانحلال، كما يقال عن طقس لبنان إنه معتدل أي ليس بشديد البرودة ولا الحرارة، وبمراجعة بسيطة لتاريخ الحريري منذ 2005 نجد أنه يمثل الانحلال والانهزامية بجدارة. أما عن وصفه السعودية بأنها تمثل الاعتدال، فلا شك أن حرية الرأي والصحافة وآلية تداول السلطة وقيادة المرأة السيارة وسواها… تثبت صحة كلامه.

خامسًا في تحريف الدستور اللبناني: اعتبر الحريري أن حدود المعتقد هو البيت والكنيسة والمسجد أما الدولة فلا دين لها، هذه مغالطة شنيعة، فلبنان ليس دولة علمانية بكل ما للكلمة من معنى، الطائفية السياسية هي الحاكمة بدليل تأكيد الحريري نفسه على صون المناصفة، فضلاً عن أنه يحق لرؤساء الطوائف الطعن في أي قانون يمس بدينهم، فلماذا هذا التنقاض؟!

لا يسعنا في الختام إلا أن نكرر دعوتنا للشيخ سعد أن يكون خطابه موجهًا لكافة العقول، لا مقتصرًا على من سلّموا له عقلهم بالتصفيق الدائم، فثمة عقول تنطلي عليها هذه النوعية من الخطابات وثمة عقول ترفض الاستغباء شكلاً ومضمونًا.