سمير فرنجية/عن الجماعة المارونية التي كانت “كالوردة بين الأشواك” – أسئلة مارونية في زمن العنف والإلغاء

428

عن الجماعة المارونية التي كانت “كالوردة بين الأشواك” – أسئلة مارونية في زمن العنف والإلغاء
سمير فرنجية/النهار/07 شباط/15

في ظل الأخطار الداهمة التي تحدق بمنطقتنا العربية، وانعكاساتها المريعة على الواقع اللبناني، وما يترافق مع ذلك من انهيار بنيوي في مكوّنات الدولة ومؤسساتها، وفي معنى الجمهورية، والعيش معاً، ووجود الجماعات وتفاعلها، وعشية عيد شفيع الموارنة، مار مارون، لا بد لنا من طرح سؤال الأسئلة: تجنباً للأسوأ الماثل في الأفق، ماذا ننتظر كموارنة للعمل على منع الحرب بين المسلمين، حمايةً للمسلمين وللمسيحيين، وللكيان اللبناني؟

ألم يدرك الموارنة بعد، أن المنطقة العربية قد دخلت حرباً دينية تشبه إلى حدّ بعيد “حرب الثلاثين سنة” التي دمّرت المجتمعات الأوروبية من البلطيق إلى المتوسط، في مواجهات دامية ما بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن السابع عشر، وأن لبنان ليس في منأى من هذا العنف؟

ألا يشعر الموارنة، كما جاء في رسالة بطاركة الشرق الأولى، “أن المسيحيين في الشرق هم جزء لا ينفصل عن الهوية الحضارية للمسلمين، كما أن المسلمين في الشرق هم جزء لا ينفصل عن الهوية الحضارية للمسيحيين، وأننا من هذا المنطلق، مسؤولون بعضنا عن بعض أمام الله والتاريخ”؟

ما الذي ينتظره الموارنة، للخروج من التقوقع والعمل على إعادة الاعتبار الى النموذج اللبناني في العيش المشترك، هذا النموذج الذي يكتسب اليوم أهمية استثنائية في منطقة يجتاحها عنفٌ مجنون؟

ألا ينبغي للموارنة، الآن، وأكثر من كلّ وقت مضى، تظهير فرادة التجربة اللبنانية في العالم عموماً، من حيث شراكة المسيحيين والمسلمين في إدارة دولة واحدة، وفرادتها في العالم الإسلامي خصوصاً، من حيث شراكة السنَّة والشيعة في إدارة الدولة ذاتها؟

ما الذي ينتظره الموارنة، لإصدار إعلان نقول فيه إننا نريد تغيير الزمن اللبناني، ووقف دوامة الصراعات في ما بيننا، على حجم طوائفنا، في السلطة والادارة، والعمل على إقامة دولة ديموقراطية، حديثة، مدنية تقوم، كما جاء في المجمع البطريركي الماروني، على “التمييز الصريح، حتى حدود الفصل، بين الدين والدولة، بدلاً من اختزال الدين في السياسة، أو تأسيس السياسة على منطلقات دينية لها صفة المطلق”، و”تطوير مفهوم جديد للمواطنيّة في ظلّ دولة ديموقراطيّة تضمن مساواة الأفراد في الحقوق والواجبات كما تضمن احترام التنوّع الطائفيّ”؟

ألم يحن الوقت عند الموارنة، لـ”تنقية الذاكرة”، كما ورد في الإرشاد الرسولي، وطيّ صفحة الماضي نهائياً وتحصين الوضع الداخلي من احتمالات العودة الى الوراء من خلال إتمام المصالحة الوطنية بصورة شاملة ونهائية على قاعدة الإقرار بالمسؤولية الجماعية والفردية عن خطايا الحرب واعتبار جميع الضحايا شهداء الوطن، لئلا يبقى اللبنانيون – بمن فيهم الضحايا – نصفين، نصفاً خائناً ونصفاً بطلاً؟

ألم يدرك الموارنة بعد، أهمية إرساء ثقافة جديدة، هي ثقافة العيش معاً، في مواجهة ثقافة الإلغاء السائدة في أيامنا هذه؟

ألا يرى الموارنة، أن العيش معاً يتخطى مستوى التساكن أو التعايش بين المجموعات المتعددة، وأنه نمط حياة يؤمّن للانسان فرصة التواصل والتفاعل مع الآخر بحيث تغتني شخصيته من تلقيّها جديد الآخر، وتغني هي بدورها شخصية الآخر، وذلك من دون إلغاء للخصوصيات والفوارق التي تصبح في هذه الحال مصدر غنى للجميع. فالانسان يأخذ من الآخر ما يساهم في رسم معالم شخصيته، وهو يساهم في الوقت ذاته في تكوين شخصية الآخر؟

ألا يدرك الموارنة، أن هذا العيش معاً هو نمط حياة يرى أن غنى الانسان يأتي من تنوع العوامل المكوّنة لشخصيته؟ فالبيئة المغلقة لا توفر تنوعاً، والبيئة المأزومة لا تقبل بالتنوع. وفي الحالتين، يفقد الانسان قدرته على اكتشاف حقيقته وتبقى جوانب من شخصيته في الظلام لأنه لم يأت من يلقي الأضواء عليها ويدفعها الى التعبير عن حالها.

ألسنا نحن الموارنة في حاجة الى تنظيم علاقتنا بمحيطنا من خلال اعلان يؤكد أننا جزء أصيل من هذا العالم العربي، لنا عليه وله علينا، فلا مجال للفصل بيننا وبينه، فمستقبلنا رهن بمستقبله؟ ألا يجب أن نشارك نحن الموارنة، من هذا المنطلق، في الجهود المبذولة على أكثر من صعيد لإخراج العالم العربي من أزمته وقيام مشرق عربي جديد ديموقرطي وتعددي، وأن نستلهم تراث النهضة لإطلاق نهضة جديدة تخرجنا من مأزق الخيار بين إبقاء الأوضاع كما هي، وبين سلوك طريق التطرف والعنف لإحداث التغيير؟

ألا ندرك نحن الموارنة، أن لدينا كلبنانيين تجربة غنية في هذا المجال: لدينا تجربة العنف الذي مارسناه والذي لم يؤد في نهاية الأمر سوى الى الخراب والدمار. وأن لدينا تجربة التعدد الذي أوجدنا له صيغة في ميثاقنا الوطني وفي ديموقراطيتنا؟ وأن لدينا تجربة الحداثة التي هي وليدة تراثنا وهويتنا، وليست سلعة مستوردة؟ وأن لدينا تجربة الانفتاح على العالم الذي يعود تاريخه الى زمن بعيد، وهو اليوم مهم في عملية إعادة تحديد موقعنا في العالم؟

السؤال الأخير: ماذا ننتظر نحن الموارنة، لنسج علاقات شراكة وتضامن بين جميع اللبنانيين من مختلف الطوائف، الذين يرفضون العنف، ويُبدون استعداداً للنضال معاً ضد كل أنواع التطرف؟

ليس قدر لبنان أن يكون منذوراً لحروب مستدامة، وإنما هو وطن يستحق الحياة الحرة الكريمة كسائر الأوطان. ودور الموارنة، اليوم، في هذا الصدد، ينبغي ألاّ يقلّ عما كان عليه دورهم في كلّ آن.

http://newspaper.annahar.com/article/212171-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%AA-%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D8%AF%D8%A9-%D8%A8-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B4%D9%88%D8%A7%D9%83–%D8%A3%D8%B3%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B2%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81

 

فاقد الشيء لا يعطيه
الياس بجاني/07 شباط/15
نعم المطلوب من الموارنة هو كل ما جاء في مقالة الأستاذ فرنجية وربما أكثر لأنهم في المفهومين الوطني والإيماني هم العجين الذي دوره دائماً تخمير الوطن ليبقّ وطناً بكل ما في المصطلح من معاني. وطن تكلله وتظلله قيم الحريات وقبول الآخر والانفتاح والسلم والعلم والديموقراطية والتقدم والرقي والأهم المحبة التي هي الله. نعم هذا هو دور الموارنة ولكن فاقد الشيء لا يعطيه لأن النخبة المارونية في سوادها الأعظم ونعني هنا قادتنا الزمنيين والروحيين لم يعودوا موارنة في إيمانهم وفكرهم وثقافتهم وتواضعهم وممارساتهم وعنفوانهم، وقد لهثوا وراء الأبواب الواسعة وتحولوا إلى تجار هيكل وكتبة وفريسيين، ولنا كبيرين من قادتنا خير مثال على حالة المحل التي حلت بنا. الأول ديني نذر العفة والطاعة والفقر إلا أنه دفنهم يوم تسلم دفة القيادة وقتله الاستكبار وغرق في التجارب وراح يساوي بين الخير والشر ويتخبط في مواقفه حتى وصل الأمر به إلى أن يقاسم السياسيين العفنين المغانم والمنافع. والثاني زمني هو مسيح دجال مصاب بلوثة جنون العظمة واسخريوتي انسلخ عن الواقع ويعيش في قوقعة أحلامه والأوهام ولا يرى غير كرسي بعبدا. أما شعبنا وهنا تكمن الكارثة ففي غالبية أفراده قد تغيرت أولوياته ولم يعد لا الإيمان ولا الشهادة للحق ولا العطاء من ضمن هذه الأولويات. إنه فعلا زمن محل القياديين الموارنة الزمنيين والروحيين، ولكن هذا زمن لن يطول وما بقي من خمائر مارونية وهي كثيرة سوف تخمر العجين وتخلصه من الأوبئة السرطانية التي تمسك بقرارنا الديني والزمني في الوقت الراهن. الشعوب تمر في أزمنة بؤس ونحن الآن في هكذا زمن إلا أن إيماننا إن حافظنا عليه وعملنا بهداه سوف يكون وسيلة ناجحة لخلاصنا وعودتنا إلى ذاتنا.