السيد علي الأمين: تدخل حزب الله في سوريا لا يخدم حق السوريين في تقرير مصيرهم بل يزيد من معانات

283

السيد علي الأمين: تدخل حزب الله في سوريا لا يخدم حق السوريين في تقرير مصيرهم بل يزيد من معاناتهم
مشعل النامي في صحيفة “العرب” اللندنية: 04/01/15

أكّد العلامة السيد علي الأمين أن السنّة والشيعة أبناء لأمّة واحدة ولا يستفيد من عدائهم غير أعدائهم. ووجه، في حوار مع العرب، النصيحة للشيعة الخليجيين المنخدعين بالخطاب الديني الإيراني، مبيّنا أن الشيعة في أوطانهم جزء لا يتجزأ من شعوبهم، وولاؤهم هو لأوطانهم ودولهم، ولا يجوز أن تكون لهم مشاريعهم السياسية الخاصة.

وشدّد الأمين المعروف بوسطيته وعدم سقوطه في فخ الطائفية في تصريح لـ”العرب” اللندنية، على أن المرجعيات الشيعية الكبرى لم تفت بوجوب القتال في سوريا دفاعا عن المقامات الدينية، مؤكّدا على أن جذور الصراع تعود لأهداف سياسية على السيطرة والنفوذ وأن الحلّ للخروج من أزمات المنطقة ومواجهة التطرّف الذي بات يخيّم عليها يكمن في الخطاب المعتدل.

وفي إجابته على سؤال حول رؤيته لقوة الحجة الشرعية للميليشيات الشيعية المشاركة في الحرب إلى جانب النظام السوري، يقول السيد علي الأمين: لقد عبّرنا مرارا عديدة عن رفضنا لمشاركة حزب الله وغيره من جماعات وأفراد في القتال الدائر على الأراضي السورية، وقلنا إن ذلك لا يخدم حق الشعب السوري في تقرير مصيره بل يزيد من معاناته وأحزانه، وقلنا لا توجد في اعتقادنا حجّة شرعيّة مقبولة لتدخل حزب الله وغيره في الصراع المسلّح الدائر على الأراضي السورية، وما ذكره من حجّة حماية بعض المقامات الدينية واللبنانيين المقيمين في قرى سورية لا يصلح مبرّرا لتدخله، لأن حماية المقامات الدينية وحماية اللبنانيين في القرى السورية هي مسؤولية النظام السوري وحده، وليست من مسؤولية حزب الله وليس من مسؤولية الدولة اللبنانية أيضا، وإذا كان النظام السوري عاجزا عن حمايتهم فالأجدى للبنانيين الموجودين هناك أن يخرجوا كما خرج الملايين من السوريين من ديارهم حتى تضع الحرب أوزارها، لأن القاعدة العقلية والشرعية تقول “الفرار من الفتنة خير من الوقوع فيها” وقد روي عن الإمام عليّ قوله: “كن في الفتنة كابن اللّبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرعٌ فيحلب” فلا يشرع للمرء أن يكون من الأدوات التي تستخدم في إذكاء نار الفتنة واستمرارها.

وأمّا حديث الدفاع عن مقام السيدة زينب فهو حديث مرفوض لأنه مخالف لما نعلمه من تعظيم الشريعة لحرمة الدماء وكرامة الإنسان، ولما نعلمه من سيرة السيدة زينب وسيرة آبائها وأجدادها عليهم السلام، فإن كلَّ ذلك يدلّنا على رفض الدخول في الفتنة وسفك الدماء تحت عنوان الدفاع عن مقامها، وهي تقول لنا بلسان الحال كما قال أبوها علي بن أبي طالب “لأسلِّمَنَّ ما سَلِمَتْ أمور المسلمين” وكما قال جدها رسول الله عليه الصلاة والسلام “لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض”.

الشرعية الدينية للحاكم والدولة لا تأتي من انتمائه للأحزاب الدينية وإنما من خلال التزامه بمؤسسات الدولة الدستورية والقانونية ومن خلال العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية

ولم يصدر عن المرجعية الدينية للشيعة في العراق وإيران حكم شرعي بوجوب القتال في سوريا دفاعا عن المقامات الدينية، فإن المقامات الدينية للشيعة في العراق هي أكثر قداسة عند الشيعة، ولم تصدر عن تلك المرجعيات الدينية فتاوى بوجوب الدفاع عنها في زمن النظام العراقي والاحتلال الأميركي ولم يذهب حزب الله للدفاع عنها! وقد تعرضت بعض الكنائس المسيحية التاريخية وقرى مسيحية في سوريا للاعتداء ولم تطلب دولة الفاتيكان التدخل العسكري لحمايتها! فمن أين جاءت الشرعيّة الدينيّة للتدخّل في القتال هناك؟! ولذلك فإننا نرى أن مشاركة حزب الله في القتال على الأراضي السوريّة تنطلق من دوافع سياسية ناتجة عن تحالف النظام الإيراني مع النظام السوري وإن أعلن أخيرا وزير الخارجية الإيراني بأن “حزب الله ذهب من تلقاء نفسه للقتال في سوريا”.

وحول الصبغة المنطقية التي تطلق على صراعات المنطقة، يقول العلاّمة السيد علي الأمين: نحن نرى أن جذور الصراع تعود لأهداف سياسية على السيطرة والنفوذ، وليست لأسباب مذهبية، فقد عاش الشيعة والسنّة قرونا في أوطانهم ولم تكن هناك من مشكلة مذهبية فيما بينهم، لأنه لم يكن من وجود للصراع على السلطة والحكم بين جماعاتهم، وقد برزت العناوين الطائفية والمذهبية إلى واجهة الأحداث بعد احتلال العراق وإسقاط الدولة العراقية وعدم السعي إلى قيام دولة بديلة، وقد بدا وكأن الهدف الوحيد من احتلاله هو إسقاط الدولة وتدميرها وجعله ساحة للصراعات بين مكوّناته، فولدت في ظل الاحتلال تركيبة طائفية للحكم والسلطة فيه باسم المحاصصة بين الأعراق والمذاهب والطوائف ترفضها أميركا في بلادها!

وقد نشأ عن هذه التركيبة الجديدة صراع بين أهل الحكم على السلطة والنفوذ بتلك المسمّيات والعناوين التي جعلت من العراق ساحة لصراعات طائفية ومذهبية يستقوي فيها كل فريق بعصب الطائفة والمذهب بداعي التّفوّق على الفريق الآخر في السلطة والحصول على المزيد من المكاسب والمواقع فيها، وهذا ما أدّى إلى حصول الاصطفافات الطائفية داخل العراق وكانت البداية لانتشارها في المنطقة، وساعد على بروز تلك العناوين في الصراع دخول جهات خارجية لدعم أطرافه بهدف الزيادة من حدّة الصراع الذي لا ينتج سوى الضعف والتفكيك في جسد الأمّة كلها.

بخصوص المستفيد من الصراع السني الشيعي في المنطقة، يؤكّد العلامة السيد علي الأمين أن السنّة والشيعة هم أبناء لأمّة واحدة، ولا يستفيد من عدائهم غير أعدائهم، وقد يرى بعض صنّاع السياسة الأميركية والغربية في الشرق الأوسط أن الصراع السني الشيعي يشغل دول المنطقة وشعوبها بأنفسهم، ويستنزف قدراتهم ويصرفهم عن بناء دولهم وأوطانهم بشكل قوي يخيف إسرائيل حليفة دولهم الأساسية في المنطقة، ويجعل الصراع بينهم، أميركا وغيرها من الدول الغربية، موضع حاجة لمختلف الأطراف المتصارعة، ولكن ما نراه هو أن هذه السياسة خاطئة لأنها ستزيد من عداء شعوب المنطقة لأميركا وحلفائها من دول الغرب، ولن تكون مصالح تلك الدول بمعزل عن هذا الصراع المدمّر الذي لن تقتصر آثاره السلبية والسيّئة على المنطقة وحدها، بل هو ما سيزيد من انتشار ثقافة الكراهية في المنطقة والعالم في ظلّ توفّر وسائل التواصل الحديثة، وهذا ما سوف يساهم في تغذية الإرهاب عالميّا والذي يعود بالضرر والخطر على كل الدول والشعوب.

ويضيف العلاّمة السيد علي الأمين أن من الأسباب المهمّة لطغيان خطاب التّطرّف على المشهد في المنطقة وانخفاض صوت الاعتدال ابتعاد بعض دول المنطقة عن انتهاج سياسة وطنيّة جامعة لكل المواطنين، وهي ما ساعدت على الفرز الطائفي داخل المجتمع الذي تمّ استغلاله من قبل جماعات التطرّف والطّائفيّة في مشاريعها السياسية وطموحاتها السلطوية، أضف إلى ذلك أن بعض الزعامات المحلّيّة الدينية والسياسية ذات الانتماء الطائفي تحاول أن توحي لجماعاتها بأنّها تدافع عن الدّين والمذهب والطائفة من أجل بقاء تلك القيادات في مواقعها، ولا تخلو مسألة ارتفاع صوت التطرّف أيضا من تدخّلات خارجيّة تشجّع على نموّ حالات التّصارع المذهبي في المنطقة لأنّ أصحابها بذلك يضعفون الجميع ليكونوا المستفيد الأوحد من تلك الصّراعات، وهذا ممّا يفسّر لنا عدم تشجيع صوت الاعتدال من قبل تلك الدول داخل مجتمعاتنا ليكون مرجعيّة في بناء الرأي العام.

إيران تختطف قيادة التشيع

بحديثه عن اختطاف إيران لقيادة التشيع في العالم وتمثيله متجاهلة كل مرجعية شيعية لا توافق أجندتها، يشير العلامة السيد علي الأمين إلى أن انتشار الرؤية السياسية والدينية التي يغلب عليها طابع التأييد للنظام الإيراني من قبل الشيعة داخل إيران وخارجها وخصوصا من الشيعة العرب في بلادهم يعود إلى هيمنة النظام الإيراني في الداخل وإسكاته للصوت الآخر، وأما خارج إيران فيرجع السبب فيه إلى هيمنة الأحزاب المرتبطة بسياسة النظام الإيراني على مواقع المرجعية الدينية العليا والمؤسسات الدينية المحليّة والأحزاب السياسية الأخرى.

ويضاف إلى ذلك أن معظم الدول العربية وغيرها اعتبرت تلك الأحزاب والهيئات المرتبطة بالسياسة الإيرانية هي الممثل الوحيد لطائفتها الشيعية في بلادها متجاهلة أصوات الاعتدال فيها، وهذا ما أضعف المرجعيات المخالفة في آرائها للقيادة الإيرانية.

في رده على سؤال حول من يناط به دور محاربة التطرف والإرهاب الشيعي، يجيب العلامة السيد علي الأمين قائلا: “نحن لا نرى أن هناك إرهابا يسمّى بالشيعي تارة وبالإرهاب السنّي تارة أخرى، فالإرهاب ليس إسلاميّا وليس مسيحيّا، ولا شيعيّا، ولا سنّيا، إن الإرهاب هو عمل عدواني يقوم به أفراد أو جماعات خلافا لكل التعاليم المسيحية والإسلامية والمبادئ الإنسانية، ونرى أن الإرهاب هو وصف للفعل والفاعل دون نظر إلى انتمائه الديني والمذهبي والجغرافي، وهذا ما عبّر عنه مؤتمر الأزهر لمكافحة التطرّف والإرهاب في القاهرة برئاسة فضيلة إمام الأزهر والذي شاركنا فيه بحضور المرجعيات الدينيّة المسيحيّة والإسلامية من كل الطوائف والمذاهب، وهذا يدلّ على عدم تمثيل من يقومون بالأعمال الإرهابية لطوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم. ونحن نرى أن مسؤولية مواجهة الإرهاب تناط بالمجتمع الدولي الذي يجب عليه مساعدة قوى الاعتدال والوسطية لنشر ثقافة السلم والتسامح بين الدول وفي المجتمعات، وهذا مما يساهم في محاصرة خطاب التّطرّف ويبطل حججه ويضعف انتشاره في أوساط الشباب”.

جذور الصراع تعود لأهداف سياسية على السيطرة والنفوذ وليست لأسباب مذهبية، فقد عاش الشيعة والسنّة قرونا في أوطانهم ولم تكن هناك من مشكلة مذهبية فيما بينهم.

محاربة الإرهاب الشيعي

بخصوص الدور الذي يجب أن تلعبه دول الخليج في محاربة الطائفية والتطرف عموما والشيعي على وجه الخصوص، يرى العلامة السيد علي الأمين، الذي يعدّ أحد المراجع الدينية الشيعية، أن المطلوب لمواجهة هذه الحالة الطائفية الطارئة التي تهدد الاستقرار في بلداننا أن يتحرك -بالدرجة الأولى- ولاة الأمر والحكام في دولنا العربية والإسلامية ويقوموا بالعمل في بلدانهم على ترسيخ قواعد المواطنية التي تقوم على العدل والمساواة بين المواطنين، وأن يحصروا الخدمات بالدولة ومؤسساتها بعيدا عن الزعامات الطائفيّة والأحزاب والجمعيات الدينية والسياسية التي تستغلّ تلك الخدمات لتعزيز زعامتها داخل طوائفها على حساب الدولة، وأن يقوموا بدعم قوى الاعتدال السياسي والديني وتنظيم التعليم الديني وإقامة المعاهد الدينية المشتركة، وأن يعتمدوا الوسائل الإعلامية والقنوات التلفزيونية التي تنشر فكر الوسطية والاعتدال في المجتمع، وبذلك يتم تعزيز ارتباط المواطن بالوطن والدولة ومؤسساتها، وبذلك نبعد مخاطر استغلال التمايز الطائفي أو المذهبي من قبل السياسيين في الداخل والخارج لتسويق الصراع على أنه مسألة حياة أو موت للطائفة أو المذهب.

ومما نراه من الوسائل النافعة في هذا المجال، العمل على تنظيم قيام الأحزاب على أسس من البرامج السياسية والاجتماعية والثقافية بعيدا عن احتكار الصفة الدينية التي توحي للقواعد الشعبية وكأن الخلاف السياسي بين بعض الأحزاب والنظام وغيره يجري بين أتباع الدين والمخالفين للدين! فإن الشرعية الدينية للحاكم والدولة لا تأتي من انتمائه للأحزاب الدينية، وإنما من خلال التزامه بمؤسسات الدولة الدستورية والقانونية التي ارتضاها الشعب ومن خلال العمل المتواصل لتحقيق العدالة الاجتماعية والدفاع عن مصالح الشعب والوطن.

وتطرق الحوار إلى أهمية الخطاب الديني في نشر السلم الأهلي، وفي هذا السياق يقول العلامة السيد علي الأمين إن شعوبنا مؤمنة بالدين، وعليه ترتكز المعتقدات والبنيان الثقافي لهم، وله الأثر الكبير في رؤية المجتمعات والأفراد للحياة والعلاقات، ولذلك يدخل الخطاب الديني في توجيههم وإرشادهم وتكوين آرائهم وتربيتهم، ومن هنا تظهر أهميّة الخطاب الديني في الاعتماد عليه لنشر ثقافة السلم الأهلي التي تعتبر من الأسس لاستمرار الدول والأوطان وبنائها على قواعد الأمن والاستقرار والتطور والازدهار.

وفيما يتعلّق بالشوائب التي تشوب خطاب الاعتدال فهي في رأيه تأتي من كون خطاب الاعتدال يفتقر إلى المؤسسة التي تجمع أركانه وأفراده وتجعل له الحضور الجماعي الفاعل والمؤثر في المجتمع، فهو ما يزال خطابا يغلب عليه طابع الفرديّة، ولذلك هو بحاجة إلى الجامعة التي تجعل منه منهجا في التعليم يتخرج منها الدعاة بشكل منتظم حفاظا على استمراريته ونوعيّته، ويحتاج إلى وسائل انتشاره في المجتمع انطلاقا من المدرسة الأكاديمية والمعاهد والمعابد الدينية وصولا إلى وسائل الإعلام.

أما بخصوص سبل انتشار الخطاب الطائفي والمتطرف وكيف تتم محاربته، فبيّن العلامة السيد علي الأمين أن ما ساعد على انتشار الخطاب الطائفي والمتطرّف يرجع في بعض أسبابه إلى تدخلات خارجية، ويعود في بعضه الآخر إلى عوامل داخلية تمثّلت في ضعف بعض الدول في منطقتنا وممارساتها الطائفية مما أوجد المناخ لنمو الأحزاب والجماعات الطائفيّة، وقد ذكرنا فيما سبق جملة من الوسائل لمواجهته وإضعافه.

شيعة لبنان

في حديثه عن وضع الخطاب الشيعي المتطرف في لبنان بعد أن قاد أتباعه إلى نفق مظلم وجعل لبنان يعيش حالة من التوتر الدائم، يؤكّد العلامة السيد علي الأمين قائلا: نحن نرفض خطاب التطرّف من أي مصدر أتى، ولذلك كنا قد رفضنا خطاب وأداء الواجهة السياسية للطائفة الشيعية في لبنان خلال الفترة الماضية، وعملنا على إبقاء جسور التواصل بين الطوائف اللبنانية من خلال آرائنا الدينية ومواقفنا الوطنيّة التي دعوناهم فيها إلى نبذ الاحتكام إلى السلاح، والعودة إلى الحوار والتفاهم واعتماد مرجعيّة الدولة اللبنانية وحدها والانخراط في مؤسساتها، وقد دفعنا وما زلنا حتى اليوم ندفع ثمن رفضنا لذلك الخطاب والأداء إقصاء وإبعادا وتهجيرا مستمرّا وغير ذلك من تلك الواجهة. فالأداء الذي قامت به الواجهة السياسية للطائفة الشيعية والمتمثلة بالثنائي الشيعي “حزب الله وحركة أمل” قد أوقع الضرر الكبير بالطائفة الشيعية في محيطها العربي، وأضرّ بالعيش المشترك بين الطوائف في لبنان وخصوصا بين المسلمين السنّة والشيعة، وكان خطابهم ولا يزال سببا من أسباب تصاعد الاحتقان المذهبي في لبنان والمنطقة. ونأمل من الحوار الداخلي الذي ابتدأ أخيرا بين تيار المستقبل وحزب الله أن يكون بداية لصفحة جديدة تعيد الثقة بين اللبنانيين في قيام دولتهم.

ختم العلامة السيد الأمين موجها النصيحة للشيعة الخليجيين المنخدعين بالخطاب الديني الإيراني، مبيّنا أن الشيعة في أوطانهم جزء لا يتجزأ من شعوبهم، لهم ما لشعوبهم وعليهم ما عليهم من حقوق وواجبات، وولاؤهم هو لأوطانهم ودولهم، ولا يجوز أن تكون لهم مشاريعهم السياسية الخاصة بهم بمعزل عن تطلعات إخوانهم وشركائهم في الوطن، ولا أن يكون لهم ارتباط خارج أوطانهم وعلى حسابها. والروابط المذهبية بين الشيعة في لبنان ودول الخليج وبين الشيعة في إيران لا يصح أن تكون على حساب الدول والأوطان، لأن الرابط المذهبي هو عبارة عن علاقة تمتزج فيها بعض مظاهر الثقافة المشتركة التي تستدعي علاقات المودّة والاحترام، ولا تعني أبدا رابطا سياسيا على حساب الأوطان.

الإرهاب ليس إسلاميّا وليس مسيحيّا، ولا شيعيّا، ولا سنّيا، إن الإرهاب هو عمل عدواني يقوم به أفراد أو جماعات خلافا لكل التعاليم المسيحية والإسلامية والمبادئ الإنسانية

فالعلاقات بين الدول يجب أن تكون بين دولة ودولة، فالشيعة في لبنان هم لبنانيون قبل أن يكونوا شيعة، وهم رعايا للدولة اللبنانية، وليسوا رعايا لدولة أخرى كإيران وغيرها، ومثلهم في ذلك الشيعة في دول الخليج وغيرها، وهذا ما كانوا عليه وما يزالون، فدولة إيران كانت قبل الثورة الإسلامية شيعيّة ولم يكن للشيعة في لبنان وغيره ارتباط بالدولة الإيرانية، بل ارتباطهم هو بدولهم وأوطانهم وشعوبهم.

والمشكلة التي ظهرت مؤخّرا نشأت من بعض الأحزاب الموجودة في لبنان والخليج التي عملت على جعل العلاقة بينها وبين دولة إيران بشكل مباشر وارتبطت بها، وهذا ما نراه خطأ يجب الانتباه إليه من قبل الشيعة في تشكيل الأحزاب والانتساب إليها، وهو ما يجب اجتنابه من قبل تلك الأحزاب أنفسها، لأن العلاقة يجب أن تكون بين دولة ودولة، وليس بين طائفة ودولة، أو حزب ودولة.

ونحن لسنا ضد أن يكون لشيعة لبنان مثلا علاقة مع إيران دولة وشعبا، ولكن يجب أن تكون تلك العلاقات من خلال الدولة اللبنانية وقوانينها، وليس من خلال بعض الأحزاب والجمعيات التي تجعل لها ارتباطات خارج حدود دولها مبنية على أسس مذهبية وتبعية سياسية، والدولة الإيرانية الحالية، وإن قامت على أساس ولاية الفقيه السياسية، فهي برأينا ليست ولاية عابرة للحدود والأوطان، بل هي ولاية ضمن الأراضي الإيرانية وتخص الشعب الإيراني فقط، وليس لإيران ولاية على الشيعة في أيّ دولة أخرى، فالولي الفقيه إذا تمّ اختياره في إيران حاكما، تكون ولايته على الشعب الذي اختاره، أما نحن الشيعة في لبنان وفي دول الخليج وغيرها فلم يكن لنا حق إبداء الرأي في اختياره بحسب الدستور الإيراني، فكيف يكون حاكما علينا؟