شارل الياس شرتوني/لا حل خارجا عن التدويل، لبنان الحاضر انتهى

84

لا حل خارجا عن التدويل، لبنان الحاضر انتهى
شارل الياس شرتوني/04 حزيران/2022
إن مجرد متابعة الاحداث المتلاحقة في بلادنا على مفارقاتها المميتة، يطرح سؤالًا أوليًا على أي مراقب لجهة التنامي السرطاني للمشاكل الحياتية والمالية والسياسية والأمنية على نحو نسأل معه أنفسنا، هل هنالك من قدرة ذاتية، بعد اليوم، على ضبط الأمور أولًا والتفرغ لمعالجتها ثانيا، الجواب كلا في الحالين. إن الفلتان الأمني، ونوبات الاستعلاء المرضية، وترسخ ذهنية الاستباحات الآخذة في كل إتجاه، والتقدير غير المسؤول لمترتبات الغرور العسكري على الحدود الجنوبية مع اسرائيل، وتفاعلات المداخلات الاقليمية من خلال التموضع على تخوم سياسة إيران الانقلابية داخل الوسط الشيعي، تحيلنا إلى السؤال الأساس، هل من دور بعد اليوم للمؤسسات الدستورية في إدارة الحياة السياسية في بلادنا، أم تحولت الى رديف يستعمل استنسابيًا في سياق المواجهات السياسية المفتوحة على قاعدة اللعبة المصفرة(Zero Sum Game). لقد إنتهت مفاعيل العملية الانتخابية في وقت قياسي، على خلفية مشهد من التشرذم والتخبط والانطواءات النزاعية التي لا تؤهل لأي عمل سياسي اصلاحي، يبدأ بالاستقرار الأمني وينتهي بإعادة بناء حوكمة فعلية تعمل بشكل فوري على معالجة المشاكل الحياتية القاتلة.

إن توارد صورة البطر الذي يحيلنا إليه سلوك نبيه بري وزعرانه يوم إعادته الهزلية الى رئاسة المجلس النيابي الاسمي للسنة الثلاثين على التوالي، وصورة المواطنين ذوي الحاجات الخاصة المتروكين على قارعة الطريق فريسة للمرض والموت المحتومين، وحسابات الاوليغارشيات المالية والسياسية، وأولويات السياسة الانقلابية الشيعية التي تقودها إيران من خلال لبنان على المستوى الاقليمي، يفضون إلى سؤال بديهي، ماذا بقي من الدولة اللبنانية ومن لبنان في ظل هذا التآكل البرصي الذي لن يترك حجرًا على حجر، ولن يبقي لبنانيًا نزيهًا في لبنان. إن مهاترات النواب الجدد لجهة حسم خيار إيجاد جبهة جامعة من أجل مواجهة سياسة التدمير المنهجي الإرادية التي تعتمدها الفاشيات الشيعية، وحسم مسألة الحكومة العتيدة على قاعدة ائتلاف جامع حول برنامج اصلاحي فوري، مبني على خيارات سياسية ومالية وحياتية واضحة المعالم بعد انقضاء سنتين ونصف على إهدار الوقت، وتثبيت واقع الانهيارات البنيوية المعممة، والتسيب الأمني من خلال الاغتيالات، وافتعال المواجهات غير المبررة مع اسرائيل، وتحويل السياسة الخارجية اللبنانية الى رديف لسياسة وضع اليد الإيرانية على دول الجوار الاقليمي القريب والابعد. لا حجة للنواب المستقلين الجدد حيال ضرورة الخروج من المراهقة السياسية، بإتجاه منطق الائتلافات الهادفة الساعي الى وضع حد لسياسات الاستباحة السائدة في الأوساط الشيعية، من خلال سياسة مضادة تعيد الاعتبار للمؤسسات الدستورية، وتعيد للبنان حيثيته الاقليمية والدولية كبلد سيد ومستقل في شؤونه الوطنية.

إن عدم تبلور وعي أولي على مستوى هذه الأولويات المرحلية هو نذير لمرحلة تفكك واهتراء مديدة سوف تقضي على البلاد في وقت أقرب مما نتخيله. قناعتي الضمنية والعلنية بعد انقضاء خمسين سنة على حياتي العامة، لبنان انتهى ولا بد من وصاية دولية من أجل العمل على بلورة أفق وسياق سياسي فعلي يخرجنا من دائرة المطبات القاتلة، ومبدأ “النزاعات المتناسلة”الذي يوصف أداء الفاشيات الشيعية و يفسر مراميها: نهاية لبنان هي بداية الزمن الشيعي الاقليمي، واستمرار لسياسة الاستباحات المطبعة والجريمة المنظمة، ولكن دون ذلك استحالات اختبرناها مع حرب الأوهام القاتلة في العام ٢٠٠٦، ونعاينها كل يوم مع انفراط العقد الاجتماعي وأسسه الاخلاقية لحساب منطق همجي قائم على التنافي والسيطرة والنزعات النهيلية التي تحكم متخيل هذه الشيع السياسية واداءاتها.