فارس خشّان: فضائح لبنان.. فيلم واقعي من بطولة رئيسي الجمهورية والحكومة

84
A handout picture provided by the Lebanese photo agency Dalati and Nohra shows Lebanon's President Michel Aoun (L) meeting with Prime Minister Najib Mikati (R) at the presidential palace in Baabda, east of the capital Beirut, on April 7, 2022. - The IMF on April 7 announced a conditional agreement to provide Lebanon with $3 billion in aid to help it emerge from a severe economic crisis, following months of negotiations. The country has been battered by triple-digit inflation, soaring poverty rates, and the collapse of its currency since a 2020 debt default. (Photo by DALATI AND NOHRA / AFP) / === RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO / HO / DALATI AND NOHRA" - NO MARKETING - NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS ===

فضائح لبنان.. فيلم واقعي من بطولة رئيسي الجمهورية والحكومة!
فارس خشّان/الحرة/03 حزيران/2022

لم تغيّر الكارثة التي تضرب لبنان شيئاً في سلوك طبقته السياسية وغالبية شرائحه الشعبية، فلا تزال الفضائح فيه تمرّ كما لو كانت جزءاً من رواية خيالية!
جديد هذه الفضائح لم يوردها تقرير إعلامي ولم تُظهرها وثيقة مسرّبة، بل بيّنها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مقابلة تلفزيونية، بالصوت والصورة و”ابتسامة الأطفال”، وليس من خلال كلام منسوب إليه!
واللافت في الفضائح التي رواها ميقاتي لقناة “الجديد” اللبنانية، في الحادي والثلاثين من مايو الأخير، أنّها فيما كانت مخصّصة للنيل من بعض شركائه السلطويين أصابته هو أيضاً!
ولنبدأ بقطاع.. انقطاع الكهرباء!
يعرف اللبنانيون كما المتابعون للشأن اللبناني أنّ ملف الكهرباء هو ملف متفجّر، ليس لأنّه انتهى إلى “إنتاج” ظلمة شبه شاملة، أعادت “بلاد الأرز” التي كانت في طليعة دول منطقة الشرق الأوسط إنتاجاً للكهرباء، إلى عصر ما قبل “توماس أديسون” فحسب، بل لأنّه، أيضاً كبّد خزينة الدولة التي وصلت، حالياً، إلى الإفلاس مبالغ تزيد عن خمسين مليار دولار أميركي، أي ما يوازي خمسة وأربعين بالمائة من ودائع اللبنانيين “المحروقة”.
ويجزم ميقاتي الذي شكّل حكومته الحالية، وهي الثالثة برئاسته، في العاشر من سبتمبر الأخير، بأنّه ليس هناك أسهل من حل مشكلة الكهرباء في لبنان وتأمين التيّار على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم.
هكذا كلام صدم من يستمع إليه، فبادر الإعلامي الذي كان يحاور ميقاتي إلى سؤاله عن الجهة التي تعرقل، فردّ عليه: قُل لي أنت من يُعرقل!
بطبيعة الحال، علّق المحاور على طلب ميقاتي بما يتناسب، إذ قال له: “لو كنتُ أنا رئيس الحكومة، لفعلت”.
في الواقع، كان ميقاتي قد حدّد، بشيء من المواربة، الجهة التي يتّهمها بتعميم العتمة على اللبنانيين، إذ أسهب في الحديث عن دور سلبي لعبه “التيّار الوطني الحر” الذي كان قد سمّى وزير الطاقة الحالي وليد فيّاض كما وزراء الطاقة السابقين، وبمؤازرة تامّة من رئيس الجمهورية ميشال عون.
وإذا كانت أكثريّة اللبنانيّين تعرف الكثير عن الدور السلبي الذي لعبه “التيّار الوطني الحر” برئاسة جبران باسيل، ولا يزال يلعبه في إدارة هذا الملف، إلّا أنّ ميقاتي أخفى عنهم، قبل الذهاب الى صناديق الاقتراع، أنّ رئيس جمهوريتهم شارك رئيس حكومتهم في واحدة من عمليات الإفساد الانتخابي، من خلال استغلال ملف الكهرباء.
ووفق ميقاتي، فإنّ عون، وحتى لا يتضرّر “التيّار الوطني الحر” في الانتخابات النيابية، طلب من ميقاتي المسؤول دستورياً عن وضع جدول أعمال مجلس الوزراء، سحب ملفّين: الأوّل يتعلّق بمعملي “التغويز” اللذين يفترض أن يوّفرا الغاز لمعامل توليد الطاقة الكهربائية، لعدم لحظ إنشاء معمل في بلدة سلعاتا البترونية، حيث كان يريد باسيل تعزيز حضوره الانتخابي “المتراجع”، أمّا الثاني، فيتعلّق بملف تكليف شركة فرنسية وضع دفتر شروط من أجل تلزيم شركات متخصّصة إنشاء معامل جديدة للكهرباء.
ومن أجل ألّا يتضرّر “التيّار الوطني الحر” في الانتخابات النيابية، لبّى ميقاتي طلب عون، وبقي صامتاً على هذه الفضيحة إلى ما بعد إصدار نتائج صناديق الاقتراع، بحجة غضبه لأنّ الوزير المختص المحسوب على “التيّار الوطني الحر”، عمد قبل انتقال الحكومة إلى مرحلة تصريف الأعمال، وفي جلستها التي تلت حصول الانتخابات، إلى استرداد هذين الملفين، على اعتبار أنّه “معروف عنه تسرّعه”.
إنّه اعتراف مميّز، أليس كذلك؟
على أيّ حال، إنّ كلّ ذلك يُظهّر واحدة من أبشع حقائق لبنان: رئيسا الجمهورية والحكومة يتواطآن على واحد من أهم الملفات التي تمس مصالح اللبنانيين اليوميّة، من أجل مساعدة فريق سياسي للفوز في الانتخابات النيابية.
وهذا التواطؤ يقدّم بذاته صورة واضحة عن الجهات المتورطة بتعميم الظلمة على اللبنانيين، فنجيب ميقاتي الذي يفضح رئيس الجمهورية وفريقه السياسي هو نفسه نجيب ميقاتي المتواطئ مع حكومته التي شكّلتها المنظومة السياسية التي عاثت في البلاد تدميراً وفساداً وهدراً واستغلالاً ومحاصصة.
في الواقع، لم تترك المنظومة السياسية الحاكمة ملفاً إلّا واستغلّته من أجل أن تُرسّخ حضورها الانتخابي، بعدما كانت قد موّلت عملها السياسي المتمادي بواحدة من أفظع مظاهر الزبائنية في العالم، حيث تتحكّم بكلّ ما يعني اللبنانيين، وعلى حسابهم، من المهد الى اللحد!
وفي المقاييس الديموقراطية الحقيقية، وفي ضوء هذه المنهجية السلطوية الحاكمة التي قدّم ميقاتي واحداً من نماذجها الفاضحة، يمكن اعتبار النتائج التي حصلت عليها القوى السياسية المعارضة كما القوى التغييرية، في الانتخابات النيابية، انتصاراً هائلاً، بغض النظر عن المقاعد التي بدأت تشغلها في البرلمان، إذ إنّ المواجهة لم تكن متكافئة على الإطلاق، فالفساد السلطوي المتحالف مع السلاح الميليشياوي “الحر” هو الذي كان يُواجه، بشراسة ما بعدها شراسة، وبخبث ما بعده خبث، وبفساد ما بعده فساد.
وعليه لا يعود مستغرباً على الإطلاق أن تتمكّن هذه المنظومة الحاكمة، من أن تتكاتف من أجل أن تحصد هيئة مكتب مجلس النواب: رئيساً ونائباً للرئيس وأميني السّر وثلاثة مفوّضين.
إنّ التواطؤ على الصالح العام الذي فضح ميقاتي جزئية بسيطة من أوجهه الهائلة، يعُين هذه المنظومة السلطوية على أن تتكاتف وتتآزر لكسب معاركها في وجه القوى المعارضة لها حتى لو توحّدت، فالمكاسب أكبر من كلّ الخصومات والمبادئ، وهي تُبرّر لمن يُمكن أن يخشى خسارتها ليس أن ينام مع الشيطان في سرير واحد فحسب بل أن يصبح هو الشيطان نفسه، أيضاً.
ولهذا، فإنّ هذه المنظومة السلطوية الحالية، سوف تفعل كلّ ما أمكنها، بعدما سيطرت على مكتب المجلس النيابي، من أجل أن تسيطر على رئاسة الحكومة الجديدة وعلى الأكثرية المقررة في مجلس الوزراء الجديد، وعلى رئاسة الجمهورية في الحادي والثلاثين من أكتوبر المقبل.
وعليه، فإنّ القوى المعارضة والتغييريّة تقف أمام تحدّيات كبيرة جدّاً، فهي إن لم تستطع أن تتسلّم السلطة يقع عليها واجب أن تُصبح معارضة مدوية.
إنّ الرئيس نجيب ميقاتي، في المقاييس السياسية اللبنانية السائدة، يُعتبر شخصية مقبولة، على قاعدة براعته في “تدوير الزوايا”، ولكنّه، في المعايير التغييريّة التي يحتاج لبنان إليها، ليس الرجل المناسب.
في مقابلته التلفزيونية الفضائحية نفسها التي تحدّث فيها عن شروط “صندوق النقد الدولي” لمساعدة لبنان، أسهب في الحديث عن آليات غامضة ومبهمة تتمحور حول طريقة إعادة الودائع المصرفية “المحروقة” الى أصحابها، ولكنّه لم ينسَ أن يذكر، عندما اضطر الى ذلك، أنّه هو شخصياً سحب ودائعه من لبنان، عندما تمّ رفع الفائدة على الليرة اللبنانية الى مستوى 16 بالمائة.
بفعلته هذه، لم “يتباهَ” ميقاتي بمستوى “ذكائه المالي” غير المتوافر لدى ثلاثة ملايين مودع لم يحذوا حذوه، فحسب بل قدّم اعترافاً غير مباشر وغير متعمّد، بعدم صدقية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كان يزعم، مستعيناً بأدوات دعائية منتشرة في مختلف وسائل الإعلام، أنّ الودائع المصرفيّة كما الليرة اللبنانية، بألف خير!
وميقاتي الذي بيّن أنّ حاكم مصرف لبنان وجوقته الدعائية لم ينجحوا في “الضحك عليه” كما “ضحكوا” على أكثر من ثلاثة مليون مودع آخر، وقف، منذ وصوله الى رئاسة الحكومة، في مقدّمة المجموعات السياسية التي ترفض كلّ بحث في إمكان تغيير سلامة.
إذا، إنّ ميقاتي الذي تفكّر المنظومة السياسية في إبقائه في منصبه حتى إنجاز الاستحقاق الرئاسي، يُراد له أن يدير فقر اللبنانيين، وهو ملياردير متوّج، وأن يهتم بمصير الودائع، وهو الذي كان في طليعة من أخرجوا ودائعهم من لبنان، وأن يعيد الثقة بنظام مصرفي يتحّكم به حاكم مصرف لبنان الذي كان ميقاتي نفسه أوّل من لم يصدّق تطميناته… الواهية!
إنّ معركة انتزاع رئاسة الحكومة من المنظومة الحالية، ووضعها في عهدة شخصيات خارجة من رحم المعاناة وتتمتّع بحصانات أخلاقية ولم يظهر يوماً أنّها تلوّثت بالتواطؤ على الصالح العام من أجل مصالح أيّ فريق سياسي، هي المعركة التي لا بدّ من أن تقودها القوى المعارضة والتغييرية، ولو أخسرتها إيّاها المنظومة السلطوية الحالية، لأنّ هذه المعركة هي التمهيد الضروري لرصّ الصفوف قبل حلول موعد الاستحقاق الرئاسي.
وهذا ليس مجرّد صراع على المناصب السلطوية في لبنان، بل هو صراع من أجل خلاص اللبنانيين من نهج خطر للغاية قدّم نجيب ميقاتي، في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، نموذجاً بسيطاً عنه، حيث التواطؤ من أجل مصلحة فريق سياسي يتقدّم على المواجهة من أجل توفير مصالح الناس.
وثمّة من يسأل عن حق أنّه إذا كانت السلطة من أجل مصالح “التيّار الوطني الحر” ارتكبت كلّ هذه الموبقات، فماذا تُراها فعلت ويُمكن أن تفعل من أجل مصالح “حزب الله” الذي يتسيّد على المنظومة السلطوية ويديرها ويحميها؟