بارعة الأحمر/النهار: الصندوق الأسود للانتخابات اللبنانية

105

الصندوق الأسود للانتخابات اللبنانية
بارعة الأحمر/النهار/20 نيسان/2022

هل هذا تحليل جيوسياسي انتخابي عقيم، لا يقدم اقتراحا؟ لا…ليس كذلك. هذا تحريض على انقلاب أبيض، أو من لون يستعيد دماء من قُتلوا غَدرا، يضع حدا لذل الناس وجوعها ويوقف هول الموت الآتي. على اللبنانيين أن يعودوا الى المواجهة. لأنهم إن لم يفعلوا، فهم أعلنوا استسلامهم، ويهدرون أنفاسهم الأخيرة، زحفا…كلنا يعرف أن نتائج الانتخابات لا يقررها المقترعون. كلنا يعرف أن صناديقا ستختفي، لتظهر صناديق أخرى. كلنا يعرف أن السيطرة على أقلام الاقتراع كاملة. وأن لجان الإشراف مجرد مزهريات.

لأن المجرمين يحكمون. ولأن الجرائم بحق لبنان لا تتوقف ولا تستكين. فالبيع والشراء مستمر، لسيادة الدولة ولأرضها ولحدودها ولمياهها ولبرلمانها طبعا. والسؤال عن جدوى الانتخابات التشريعية بات ملحا، وخصوصا حول خطورة أهدافها.

خيارات اللبنانيين اليوم محصورة بعدد من الخنادق، وهذا بعض عناوينها:
أنا دمرت الدولة وأفلستها وسرقت أموالكم. كنت مضطرا صدقوني. لكنني سوف اُصلح كل شي، أعدكم، وأحلف بشرفي.. انتخبوني من جديد.
أنا فخخت الثورة ولا خبرة لي في السياسة. ثقوا بي ولا تخافوا. سوف أتعلم. بكم.. انتخبوني.
أنا أمضيت عمرا في النضال،  ترشحت وخسرت. وبات المقعد النيابي  حقا مكتسبا لي ومكافأة. انتخبوني.
أنا “ما خلوني”.. أنا استقلت من المجلس ولم تنجح استقالتي في تغيير أي شيء.. لكنني أريد العودة. وأنا ..وأنا..

طيب، يسألهم اللبناني، كيف ستخرجوننا من هذه الكارثة، المصيبة المتشعبة والمعقدة؟ ويجيبون بكل ثقة أن، لا تقلقوا سوف نجد الطريقة. ولكن انتخبونا.
وكأن الذئب يعنيه أن تكون نباتياً. وكأنه سيحترم التزامك، ولن يفترسك…
وكأن التحالفات الدولية تؤرقها أحزاننا. وتؤثر بها خطابات السيادة الرنانة.
وكأن البنك الدولي سيُقَدر حماسنا فيفتح ذراعيه والحسابات إكراما لعيوننا البريئة.
وكأن حزب الله سيخجل من حماستنا ومحبتنا للوطن، فيسلم سلاحه للجيش، أو يعيده الى إيران،  ويتحول الى جمعية خيرية تساعد الفقراء لترضي الله، أو حركة ثقافية ترعى المعارض الفنية.

الكل يعرف أننا تحت رحمة المفاوضات النووية الإيرانية، والتوازنات الروسية الأميركية، وعقود إعادة  إعمار سوريا، وأننا سنهوي بسرعة من على حافة البكاء والاستجداء، بعدما تحولنا الى أمة من الشحادين.  وأن العالم سيطلق علينا رصاصة الرحمة بتكرار القول “أنتم انتخبتوهم”. هذا العالم الذي غسل يديه من دمائنا ومن ذلنا ومن ضعفنا، وانهمك بمصائب أكبر من “قضيتنا” بعدما رمانا  في سلة من التسويات المتشابكة، يسحب منها خيوط مصالحه وانتخاباته.

لا يمكن الحسم في سرعة انهيار الدولة والمجتمع اللبناني، هو انحداري حتما، مع برلمان جديد أو من دونه. لكن رهان  قسم من اللبنانيين على الانتخابات البرلمانية خاطيء وسيء، لأنهم يملأون رؤؤسهم بالأوهام، وقد أضاعوا البوصلة تماما. يعيشون في الجحيم، ويتعايشون مع كل أنواع الفساد ثم يقنعون أنفسهم بأن هذا الوهم هو أملهم الوحيد بالحياة. هؤلاء خطرون على أنفسهم وعلى لبنان. لأنهم يساهمون في اكتمال الكارثة، ويتحملون المسوؤلية أسوة بمن في السلطة.

البرلمان الجديد، إذا ما ولد، سيحافظ على توازنات القوى نفسها. سيُثَبت الاحتلال الايراني. سيعزز من قدرة حزب الله على استكمال الاستيلاء على مفاصل الدولة من خلال “تعيين” رئيس جديد للجمهورية.

وللمراهنين على “إصرار المجتمع الدولي على الانتخابات” أن يقرأوا قليلا.  فسيناريو التأجيل بدأ يتشكل، بعدما قلبت الحرب في أوروبا كل الأولويات الدولية والتحالفات. المطلوب اليوم إخماد الحرائق المتناثرة وتهدئة الوضع في الشرق الأوسط. وقد انطلق تصدير الضمادات، لوضعها على جراح الحروب النازفة وحقنها بالمسكنات. يحتاج العالم للتركيز على تشكيل التحالفات ضد روسيا، وتحتاج أوروبا المنهارة والمرعوبة للملمة نفسها. هذا هو الواقع الجديد الذي يستغله المفاوض الايراني على أوسع نطاق، مستفيدا من ليونة الأميركي حياله.

وفي مواجهة ذلك، يخترع اللبنانيون تحالفات داخلية هجينة لدرجة الهزلية. وتؤدي الحملات الإنتخابية  مهامها في استفتاء شعبية الأطراف وتضخيمها، وفي توزيع الصور والشعارات، والتسابق في الشعبوية. وجُل نتاج هذا الضجيج، شيء من النجومية تؤهل البعض الحديث عن تراكمية العمل السياسي.

فشلت قوى التغيير في التأسيس على الانتفاضة للإطاحة بالسلطة،  حين كان ذلك ممكنا. وهي اليوم تسعى الى حجز مقاعد نيابية، تقول إنها تُخولها التغيير من الداخل. لكن هذه الاستراتيجية أثبتت فشلها بمواجهة نظام المافيا  في المجلس الحالي.  وستفشل حتما في ظل تفاقم الأزمات المعيشية والسياسية والاقتصادية والمالية التي تُهدّد أسس النظام اللبناني. ويتناسى التغييرون كل التجارب الفاشلة للانتخابات في المنطقة، التي قيل فيها إنها “حرة ونزيهة وديموقراطية” كي يقنعوا أنفسهم بالمستحيل.

وألخطير أن إلهاء اللبنانيين بهذه الأوهام هو جزء من مخططات أوسع. فبينما يضيع المعارضون وقتهم بالحملات الانتخابية،  ويسمحون لأهل الحكم بالاستخفاف بهم. يَمضي حزب الله في تنفيذ خطوات مدروسة، لا تأثير للمعارضة السياسية فيها. وتبقى المعارضة هامشية، لأنها لا تملك القدرة على فرض حضورها أو وقف الانهيار.

هل هذا تحليل انتخابي متشائم لا يقدم اقتراحا؟ لا، ليس كذلك…
إنها دعوة لقلب المعادلة. بدل التسول على قارعة الأمم وهدر الكرامات، وبدل رمي لبنان في صندوق انتخابات اسود.