نديم قطيش وايلي القصيفي يتوقعان فوزاً كاسحاً لحزب الله في الإنتخابات النيابية/إيلي القصيفي: إنّها الانتخابات الأهمّ للحزب منذ 1992/نديم قطيش: هنِّئوه من الآن.. “نصرك هزّ الدني

456

هنِّئوه من الآن.. “نصرك هزّ الدني
نديم قطيش/اساس ميديا/11 نيسان/2022

إنّها الانتخابات الأهمّ للحزب منذ 1992!
إيلي القصيفي/أساس ميديا/الأحد 10 نيسان/2022
في سابقة على مرّ تاريخ الانتخابات النيابية في لبنان أعلن حزب الله فوزه سياسياً في الانتخابات قبل إجرائها بنحو 40 يوماً.
ففي تصريح واضح وصريح أعلن أحد أبرز المتحدّثين باسم الحزب الشيخ نبيل قاووق أنّ “أعداء المقاومة أدركوا خطأ تقديراتهم حول متانة تحالفات حزب الله، وعليه فإنّ الحزب يحظى بأوسع تحالفات استراتيجية عابرة للطوائف والمناطق”.
لقد حقّق حزب الله إذاً هدفه السياسي من هذه الانتخابات من خلال تأكيد متانة تحالفاته لا مع حركة أمل الشيعية وحسب، بل ومع قوى سنّيّة ومسيحية ودرزية، فيكون الحزب قد استطاع بذلك إثبات أنّه القوّة السياسيّة الوحيدة القادرة على قيادة حلفائها في هذه الانتخابات، لا من خلال جمعهم بالقدر الممكن والضروري في لوائح مشتركة وحسب، بل أيضاً من خلال مساعدتهم على إيصال بعض مرشّحيهم.
بمعزل عن ذلك كلّه فإنّ فوز حلفاء الحزب هذه المرّة سيُعدّ أكثر من ذي قبل فوزاً صافياً له لأنّه استبق الانتخابات بربطهم به من خلال تدخّله المباشر في تركيب لوائحهم.  وكان الأمين العام للحزب حسن نصر الله قد أعلن أمام كوادره الانتخابية، قبل 4 أسابيع، في حديث نشرت جزءاً منه جريدة “الأخبار” في 16 آذار الفائت، أنّه يخوض هذه المرّة “معركة حلفائنا”: “علينا أن ننجح كل نوابنا وكل حلفائنا. وحتى لو كان هناك مرشح عليه نقاط هدفنا أن ننجحه”.  عليه فإنّ الحزب الذي أعطاه تحالفه مع التيار الوطني الحرّ غطاءً مسيحياً ضرورياً في أوج الصراع الداخلي عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثمّ بعد تدخّل الحزب في الحرب السورية، هو الآن بصدد توسيع الغطاء السياسي – الطائفي – المناطقي له. إذ سيتمكّن حلفاؤه السُنّة والدروز من توسيع حصّتيهما في البرلمان، وذلك سيجعل الحزب قادراً على التحكّم أكثر بـ”لعبة الميثاقية” التي دفع بها مع حليفه التيار الوطني الحر إلى تأويلات راديكالية.
في السياق ذاته ليست قليلة الدلالة مسارعة الحزب، على لسان قاووق، إلى تأكيد عدم قدرة خصومه الدوليين والإقليميّين من خلال الترهيب والترغيب وفرض العقوبات ،على عزل حلفائه عنه.
فبعدما خلّصه تحالفه مع التيار الوطني الحر في العام 2006 من عزلة داخلية عميقة، يؤكّد الحزب اليوم أنّ الالتفاف حول مشروعه بات أقوى داخل الطوائف، ولا سيّما الطائفتين السنّيّة والدرزيّة، وذلك في لحظة تحوّلات إقليمية ودولية كبرى تسعى حيالها إيران حليفة الحزب إلى تأكيد نفوذها في ساحات المنطقة، وفي مقدَّمها لبنان. ولن يتوانى الحزب عن تصوير الغطاء المتنوّع طائفيّاً الذي سيحظى به على أنّه تأكيد لرحابة مشروعه السياسي ضمن الأجندة الإيرانية في المنطقة.
المفصل: نسب الإقتراع
بيد أنّ هناك نقطة أساسية لا يمكن إغفالها، وهي نسب المقترعين ضمن كلّ طائفة، وتحديداً للوائح الحزب وحلفائه. فأن ينال هؤلاء حصصاً نيابية أكبر داخل كلّ الطوائف فهذا لا يعني أنّهم باتوا يحظون بغطاء شعبي أوسع ضمن هذه الطوائف. إذ إنّ نسب التصويت ستكتسب دلالات سياسية مهمّة في الانتخابات المقبلة، ولا سيّما داخل الطائفة السنّيّة بعدما “انسحب” تيّار المستقبل من المعركة. وستتعيّن، تبعاً لذلك، مراقبة الوقائع السياسية الجديدة ضمن هذه الطوائف لجهة تطوّرات الانقسام داخلها حول مشروع الحزب.
سيكون استكمال المفاوضات مع صندوق النقد محطّة مهمّة بعد الانتخابات لا تقلّ أهمّيّة عن تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية
بمعزل عن ذلك كلّه فإنّ فوز حلفاء الحزب هذه المرّة سيُعدّ أكثر من ذي قبل فوزاً صافياً له لأنّه استبق الانتخابات بربطهم به من خلال تدخّله المباشر في تركيب لوائحهم. والأهمّ من خلال وضعه عنواناً سياسياً لمعركته الانتخابية تذوب تحته العناوين الفرعية لجميع حلفائه، وبالأخصّ التيار الوطني الحرّ الذي يخوض الانتخابات بلا عنوان سياسي واضح. ولا سيّما بعدما اضطرّه تراجع شعبيّته إلى الالتصاق أكثر بالحزب والتحالف مع حركة “أمل”. في حين دأب قبل أشهر قليلة على مهاجمة الحركة ورئيسها نبيه برّي بأقذع العبارات، وعلى انتقاد الحزب ومطالبته بتطوير ورقة تفاهمه معه، فإذا به ينسى كلّ ذلك ويخرج بنظرية عجيبة غريبة تقول إنّ تحالفاته هي انتخابية بحت، ولا تُلزمه بأيّ التزام سياسي.
غير أنّ توحيد الحزب لحلفائه لن تقتصر مفاعيله على نتائج الانتخابات، إذ إنّ تبعاته السياسية ستستمرّ بعد 15 أيّار، وستكرّس واقعاً جديداً في تعامل الحزب مع حلفائه بعدما ارتموا أكثر في أحضانه، ولا سيّما التيار الوطني الحرّ. فلن تتوقّف المتغيّرات التي ستفرزها هذه الانتخابات عند قدرة الحزب على تأكيد نفوذه السياسي مقابل تراجع نفوذ خصومه إذا ما أُخذوا بالجملة وحسب، بل ثمّة متغيّر أساسي ستكرّسه هذه الانتخابات يتّصل بعلاقة الحزب بحلفائه لناحية إدارة تناقضاتهم وإظهار انخراطهم جميعاً في مشروعه السياسي. ويمكن تصوّر أنّ الحزب سيعمل على ضمّ حلفائه في جبهة شبيهة بـ”الجبهة الوطنية التقدّمية” التي أنشأها حزب البعث في سوريا وضمّت الأحزاب الحليفة له.
التحكّم بالغالبيّة
ما سلّفه الحزب لحلفائه في هذه الانتخابات سيستردّه منهم في السياسة بعدها. فمن الصعب تصوّر أنّ جبران باسيل سيستطيع التصرّف مع الحزب بعد الانتخابات كما قبلها، وتحديداً لناحية محاولته إظهار أنّ له هامشاً سياسياً يتحرّك فيه بعيداً عن توجّهات الحزب. فالتيار الوطني الحرّ يدخل هذه الانتخابات مهزوماً سياسياً أيّاً تكن النتائج التي سيحقّقها في صناديق الاقتراع. وهي بالتأكيد ستسجّل تراجعاً ملحوظاً عن الدورة الماضية. لكنّ الأهمّ أنّ التيّار الذي كان يبالغ في إظهار شخصيّته السياسيّة المستقلّة اضطرّ إلى إبرام تحالفات انتخابية مناقضة لشعاراته، وظهر أنّه محتاج إلى الحزب أكثر من أيّ وقت مضى، في حين كان يحاول إظهار استقلاليّته عنه. الأكثر أهمّيّة أنّ الحزب لن يسمح بهوامش سياسيّة واسعة لحلفائه بعد الانتخابات ربطاً بالاستحقاقات الدستورية اللاحقة، سواء تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً أنّ الحزب يُجري حساباته للمرحلة المقبلة في ضوء التطوّرات الإقليمية والدولية باعتباره جزءاً من الاستراتيجية الإقليمية لإيران.لذلك فالحزب معنيّ بتثمير انتصاره الانتخابي سياسيّاً من خلال الاستفادة من قدرته على التحكّم بتوجّهات الغالبية النيابية في الاستحقاقات الرئيسية، وليس المقصود الاستحقاقات السياسية وحسب، بل الاقتصادية أيضاً، ولا سيّما توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي على أساس الاتفاق المبدئي الذي توصّل إليه الوفد اللبناني المفاوِض مع بعثة الصندوق، والذي يتضمّن شروطاً إصلاحية محدّدة لم يُظهر الحزب تساهلاً مطلقاً معها طوال الفترة الماضية، إذ لطالما تحدّث عن اتفاق مشروط مع الصندوق، وحتّى عن خيارات بديلة.
انطلاقاً ممّا سلف، سيكون استكمال المفاوضات مع صندوق النقد محطّة مهمّة بعد الانتخابات لا تقلّ أهمّيّة عن تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية، إذ ستؤثّر طبيعة الاتّفاق الموقّع مع هذا الصندوق عميقاً في بنية الاقتصاد اللبناني لناحية خريطته الاجتماعية والطائفية – السياسية، وستحدّد وجهة لبنان الاقتصادية بين الشرق والغرب، خصوصاً في حمأة الصراع الدولي المتفاقم بعد الحرب الأوكرانية. يعني كلّ ذلك الكثير للحزب الذي يطمح إلى تعزيز نفوذه الاقتصادي في لبنان ترجمةً لنفوذه الديموغرافي والعسكري – السياسي. وليس قليل الدلالة في هذا السياق تركيز وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته الأخيرة لبيروت على استعداد بلاده للاستثمار في لبنان.
من جهة ثانية، تفتح عودة السفيرين السعودي والكويتي إلى بيروت المشهد اللبناني على أسئلة كثيرة تتجاوز الانتخابات وتتمحور حول مجمل المرحلة المقبلة في لبنان والمنطقة التي تشهد حراكاً دولياً وإقليمياً كبيراً بدءاً من تسارع الخطوات نحو توقيع الاتفاق النووي بين أميركا وإيران وردود الفعل الإقليمية عليه، وليس انتهاءً بالتطوّرات اليمنيّة الأخيرة خلال مؤتمر الرياض للحوار اليمني التي تؤذن بمسارات جديدة في طول المنطقة وعرضها، لن يكون لبنان، في نهاية المطاف، خارجها.

 

هنِّئوه من الآن.. “نصرك هزّ الدني
نديم قطيش/اساس ميديا/11 نيسان/2022

باهظة ستكون أثمان التفاؤل اللبناني بالتغيير الحقيقي عبر الانتخابات. أغلب الظنّ، أنّ المجلس المقبل سيُهدي ميليشيا حزب الله أكبر الانتصارات، لا لجهة عدد المقاعد البرلمانية وحسب، بل لجهة الميثاقيّة الأكيدة التي ستحوزها بشكل لم تسبق حيازته لأيّ طرف سياسي في لبنان. إنّها من المفارقات العجيبة، أنّ أكثر المشاريع مذهبيةً في تاريخ الحياة الوطنية اللبنانية، سيخرج من الاستحقاق البرلماني بإمساك مُحكَم بتمثيل الطائفة الشيعية مضافاً إليه تمثيل نصف المسيحيين ونصف السُنّة واختراقات درزية غير مسبوقة، في مقابل تشرذم كلّ القوى المناهضة. أسباب عديدة تقف خلف هذه المشهديّة المدهشة بعد ثورة 17 تشرين الأول 2019، وانفجار المرفأ في 4 آب 2020، وتفاقم الانهيار الاقتصادي مذّاك، إلى درجة بدء الحديث عن مجاعة محتملة، تغذّيها أزمة واردات القمح والمحروقات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. تحصل الانتخابات في ظلّ سياق سياسي ومجتمعي يشهد انهيارات كبرى في كلّ البنى، ما عدا بنية ميليشيا حزب الله، أو أنّ هذه الأخيرة هي الأقل تصدّعاً بين المتصدّعين.
لنبدأ من الثورة!
تذهب الثورة بقواها العديدة إلى الانتخابات وسط تنازعات بين مكوّناتها تطغى على التنازع بين قوى الثورة وما يُفترض أنّه عدوّ مشترك يوحّد جهودها ومسعاها. في صلب أزمة الثورة أيضاً، أنّها بالغت في التعفّف والطهرانية السياسية بحيث أصابت نفسها إصابتين بالغتين:
1- أنّها حرمت نفسها من التجسير مع بعض مكوّنات الواقع السياسي اللبناني، ممّن يحملون، بدرجات متفاوتة، نقمة مماثلة على التركيبة الحاكمة ومصالحها وفسادها وأدائها.
2- بسبب هذه الشمولية الطفولية في انتفاض قوى الثورة على “كلّن يعني كلّن”، جرى دمج خطير للمسؤوليّات وخلط للمخاطر على البلاد، بحيث باتت مسؤولية أضعف السياسيين مساوية، في خطاب الثورة، لمسؤولية زعيم ميليشيا حزب الله حسن نصرالله.
ما فعلته هذه الشمولية أنّها أزاحت موضوع السلاح عن النقاش باعتباره أمّ الأزمات ومقدّمة مقدّمات الانهيار الكبير، وراحت تتلهّى بتدبيج النظريّات كيف أنّ فساد موظّف في دائرة يساوي، بل يتقدّم على، منظمة عابرة للحدود تمتلك مئات آلاف الصواريخ غير الشرعية وتأتمر بأوامر عاصمة أجنبية معادية في العمق لمصالح أغلبية اللبنانيين!!
سذاجة الثورة، بهذا المعنى، لا تنفصل عن وصول الواقع الانتخابي اليوم إلى ما وصل إليه.
أمّا داخل قوى التركيبة السياسية التقليدية اللبنانية فتبرز 3 أعطال رئيسية، تؤدّي في النهاية إلى سيادة حزب الله المرتقبة على البرلمان بشكل غير مسبوق حتى في الانتخابات الأخيرة، حين كانت القوى المناهضة لحزب الله تتمتّع بحدّ أدنى من التنسيق السياسي:
1- التشرذم السنّيّ:
كان يمكن لتعليق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مشاركته السياسية وحزبه في الانتخابات المقبلة أن يتحوّل إلى حالة اعتراض وعصيان سياسي، يعيد وضع جذور الأزمة اللبنانية على طاولة التباحث، وأن يعطّل الانتخابات برمّتها، باعتبارها آليّة لشرعنة هيمنة السلاح لا آليّة سليمة لإدارة مصالح المجتمع. بيد أنّه لا خطاب التعليق حمل هذه المضامين بشكل حاسم، ولا التفلّت السنّيّ المتعدّد من قرار التعليق سمح لتطوّر الأمور في هذا الاتجاه السياسي. ما نتج عن ذلك هو حالة من التشرذم السنّيّ الأهليّ والسياسي، أدّت إلى تعطيل قدرة مكوِّن كبير من مكوِّنات الحياة الوطنية اللبنانية على إنتاج حالة مواجهة لحزب الله ومشروعه واندفاعته. سيعزّز حزب الله اختراقه للواقع السياسي السنّيّ، وستنبت على أطراف الواقع السنّيّ حالات مناطقية، وحديثو نعمة وحديثو سياسة، وفلتات أشواط لا يجمعها شيء مع بعضها البعض، في مقابل كتلة سنّيّة وازنة تدور في فلك حزب الله.
2- الأزمة الوجوديّة الدرزيّة:
تتداخل ثلاثة تحدّيات تواجه الحالة الجنبلاطية الدرزية بشكل غير مسبوق في تاريخ هذا البيت السياسي. لا وريث محسوم ولا دور ولا حليف!
أ- تكفي صورة واحدة، كانتشار صور داليا جنبلاط في ذكرى جدّها أكثر من صور شقيقها تيمور، أو خبر زيارة، كخبر مرافقة داليا والدها إلى موسكو، كي يتصدّر القلق أذهان الجنبلاطيين عن مستقبل هذه الزعامة وهويّة وريثها. انعدام اليقين، أو ضعفه، في موضوع بهذه الحيوية لمستقبل أيّ مجموعة سياسية، ليس من الأمور التي يمكن القفز فوقها بسهولة، كما ليس من الإشارات التي يمكن حملها على محمل العاديّات التي ترافق التوريث والتكهّنات المتّصلة به! هذا دليل على أحوال “أمّة قلقة”، بحسب وصفٍ للشيعة نحته وضّاح شرارة، ويُستعار اليوم في وصف الدروز.
ب- أمّا القلق فمردّه أنّ الجنبلاطية اليوم بلا أيّ من دورَيْها التاريخيَّيْن. فلا هي “بيضة قبّان” في لحظة “اصطراع” مشاريع سياسية، ولا هي “رأس الحربة” في مشروع تقوده كما قاد كمال جنبلاط الحركة الوطنية أو وليد جنبلاط في مرحلتين، أولى حين أسقط مع نبيه برّي نظام المارونية السياسية في انتفاضة 6 شباط 1984، وثانية حين قاد ثورة 14 آذار 2005 وصولاً إلى إخراج سوريا من لبنان.
ج- لا حليف لوليد جنبلاط في المنطقة أو العالم يرى في الجنبلاطية قيمة مضافة لمشروعه ومصالحه. لا سوريا هي سوريا حافظ الأسد، ولا دروز في أوكرانيا ليركب جنبلاط موجة انشغال روسيا في حروبها الأوروبية، ولا العمق العربي معنيّ بلبنان بمثل ما كانت عنايته في العقود التي رافقت تشكّل التجربة السياسية لوليد جنبلاط في الثمانينيّات ونضوجه في التسعينيّات وتألّقه بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
3- الترهّل المسيحيّ:
منذ مقاطعة العام 1992 بدأت الحيوية المسيحية، في ذروة ما سُمّي آنذاك “الإحباط المسيحي”، تبذر بذور الخطاب السيادي في لبنان، من الدور الجبّار للكنيسة المارونية بقيادة البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، إلى تحويل نادي الحكمة لكرة السلّة إلى نادي السياديين وفخرهم، وما بين الاثنين، الحركة الطالبيّة في الجامعات، ولا سيّما طلاب القوات والتيار الوطني الحرّ، والنضال السياسي في المنفى، للرئيسين أمين الجميّل وميشال عون. لا شيء من ذلك الآن. فالعونية السياسية جعلت من اللحّوديّة تجربة عابرة في مدرسة الالتحاق والذمّيّة. والقوات اللبنانية، فقدت من حيويّتها ونضارتها، على الرغم من كونها الأقرب إلى تمثّيل الإرث المسيحي السيادي والدولتي. وحزب الكتائب بقيادة سامي الجميّل الذي كان يمكن أن يكون رافعة موضوعية للثورة، منذ أن انحاز إلى البرنامج المدني عام 2015، حوّلته الثورة إلى عنوان انقسام لصفوفها فآذته وتأذّت من الانقسام حوله. أمّا الكنيسة المارونية، وعلى الرغم من المواقف المتقدّمة لسيّدها في مسألة الحياد، تعاني صورتها من أزمة عدم الثبات السياسي والوطني، ولا تبثّ قدراً كافياً وثابتاً من الثقة المطلوبة لأن تتزعّم وتقود حالة سياسية نضالية بمثل ما قادت الكنيسة فيما مضى. أضف إلى كلّ ذلك أنّ أيّ حالة مسيحية سيادية ترتبط حيويّتها بأفق واضح لمشروع الدولة، في حين أنّ ما يعانيه لبنان اليوم من يأس شبه تامّ يغلّف الغد، وما تدلّ عليه حالات النزف المستمرّ للبشر والمؤسسات، لا يترك المجال لأيّ حيويّة سياسية ونضالية. الانتخابات المقبلة مناسبة لإعلان الهزيمة الكاملة أمام مشروع حزب الله الذي سيتسنّى له بعدها “قيادة الدولة والمجتمع” إلى أن تولد ظروف لمشروع مضادّ. وهذا المشروع لا يمكن أن يولد إلّا من رحم المتغيّرات التي تحفّ بالمنطقة وأبرزها موجة السلام العربي السنّيّ الكبير مع إسرائيل. أمّا مقدّمة ذلك لبنانياً، فكان يمكن لها أن تكون عبر إعلان العصيان السياسي والدستوري بالكامل وعزوف كلّ المأزومين عن المشاركة في الانتخابات، إلى حين تحرير البلاد والمؤسّسات والنظام من احتلال السلاح. السلاح أوّلاً وقبل كلّ شيء. والسلام أوّلاً وقبل كلّ شيء. أما وأنّ الشجاعة الفكرية والسياسية والثورية في لبنان مفقودة، فهنيئاً لحزب الله.. نصرك هزّ الدني!