يوسف الخوري يرثي صديقه في الندوة اللبنانية الجديدة، كابي الديك: كسَرتِـلْنا طاوْلِة الـ Cénacle وِمْشيت من دون ما تِستأذن

264

يوسف الخوري يرثي صديقه في الندوة اللبنانية الجديدة، كابي الديك: كسَرتِـلْنا طاوْلِة الـ Cénacle وِمْشيت من دون ما تِستأذن…

03 آذار/2022

يوم السبت الماضي رَنْ تِلِفوني الصبح بكّير، وكانت المُتُّصْلِي صديقتي، وزميلتنا بالـ Cénacle، المُمَثلِي كريستين شويري. ردّيت وبدل ما قول “آلو”، قِلتلها أنا وعم اضحك: “شو هَـالمفاجأة عن غير عادي بـهـالوقت!؟”

– كريستين: شكلَك مش عارف.
– أنا: شكلِك مش عم تتلفني تَ تسألي عنّي، الهيأة فـ… (تقاطعني)
– كريستين: عَنـجَد ما عرفت!!؟
– أنا: في شي لازم أعرفُه؟ عَن شو عم تِحكي؟
– كريستين: غابي… (وسكتت)
(فجأة تجمّد الدم في عروقي، وبعد تردُّد…):
– أنا: صاير شي مع غابي؟ أوّل مبارح حكينا…
(شعرت أنّ كريستين تبكي بصمت…)
– كريستين: العَوَض بسلامتك…

ما صدّقت، اتّصلت برفقاتنا بالـ Cénacle تَ حدا يقلّي إنّو حِكِى مع غابي من عشر دقايق، مثلًا، ويكذّب خبريّة كريستين. ما حدا كان عندو علم بِ شي. الكل صار يقول لازم نتصل بِ هُدى مَرتو، بَس ما حدا عندُه لْ جرأة يعملها. يوسف اِنت أقرب شي بيناتنا لَ عيلتو، اتّصل. تردّدت، وبيني وبين نفسي عَم قول يمكن الخبر مش مزبوط، ولو في شي منّو، كانت عَيْلتو اتّصلت وخبّرتنا.

انطرت شوَي وبالي مشغول قبل ما تجرأت تَلفِن. غابي عندو رقمين: الأوّل ما رَنْ، حرارة صفر! طلبت تاني رقم، مِشي الحال رنّ!! غمّضت عيوني وصرت اتمنّى هوّي يردّ. طيّب إذا مش هوّي ردّ، شو بَـعمُل؟ بِـسأل إذا غابي مات!؟ وبَركي عم يحلُق دَقنو وقال لَ بنتو تْرِد عَـالتلفون، معقولي صير أنا عَم فَوِّل عَـالزلمي ويكون هُو ما بِه شي!؟… ما بعرف كم فِكرَة مَرَقِت بْ راسي هوّي والتلفون عم يرِنْ، لَ حَدّيِّت ما سْمَعِت صوت هُدى مَرتو عم تقلّي: “يا يوسف راح غابي…”!

لْ مَسا اجتمعنا بِـالـ Cénacle تَ نقرّر كيف بدنا نشارك بِـالدفن، وطلَبِت منّي المجموعة حضّر كلمي نقولها بعد الجنّاز، في حال كان في مجال. حاولت كلّ الليل اِكتُب شي عن غابي اللي بَـعرف صفاتو وأخلاقو متل ما بَـعرف حالي، ما كان يطلع معي شي!

تاني يوم سألوني بْ سَاحّة لِ كنيسي إذا حضّرت الكلمِي، كذّبت وقلتلّن “اِيه”. كنت قايل أكتر شي بِـرتِجِل، بَس اللي كان مخوّفني إنّو مش عم اِقدر لاقي شي قولو عن غابي، وكأنّو حدا مَسَح ذاكرتي.

رِحت عَـالسكرستيّا وسألت الأبونا إذا بـيسمحولنا نقول كلمِي باسم الـ Cénacle، جاوبني إنّو ما عندُو مانع إذا العَيلي بِـتوافق. تردّدت اِسأل عَيلِة غابي إذا بِـتوافق، لأن انْمَحِت من ذاكرتي كل ذكرى لَ غابي. رجعت لْـعِند صحابي وقِلتلّن ما سمح الخوري نِرثي غابي. صحيح كذَّبِت، بَس هيك أريَح راس طالما ما عم لاقي شي قولو.

دفنّاه، ومِن عشّيّي صرت فتّش عَ صوَرو بِـألبوماتي، وصرت اِتذكّر جلساتنا بِـالـ Cénacle، وخناقاتي أنا وِيّاه بالإجتماعات، وكيف كان يوصل صوتنا للبحر وبعد دقيقَه كأنّو ما صار شي. جماعة الـ Cénacle تعوّدوا علينا وصاروا يِعتبروا خناقاتنا هيّي النكهة الخاصة تَبع اِجتماعاتنا، ولَمّا يكون عنّا ضيف من برّات المجموعَة، كانوا السِتّات يحذّروه بلباقة إذا سمع صريخ ما يِنقَز، وإنّو هيدا شي عادي وطبيعي بين غابي ويوسف. وتذكّرت كمان الندوات والمؤتمرات اللي حضرناها سوا، والمشاريع المشتركة (المهنيّة) اللي نفّذناها بلبنان وبرّات لبنان، وسهراتنا العائليّي، وسهراتنا الفنيّي والثقافيّي… رجَعت استجمعت كلّ هَـالذكريات، بس تَ كنت اِقدر اِكتب شي عن غابي، ما كنت اِقدر! مرَق يوم وتنَيْن وتلاتي وما كنت اِقدَر!!

بالصدفي عم يتّصل فيّي صديق وهوّي طبيب نفسي، ومش مِـتذكّر كيف إجا الحديث وخبّرتو إنّي ما قدرت اِكتُب عن غابي، قلّي “بكرا بْـتِكتُب، عم يصير معك هَيك، لأنّو بَعدك مش مصدّق إنّو غابي مات”.

اِحتِمال كبير يكون هَيْك. مش هَيني تلاقي بْ فَرد إنسان صفات خيَّك، وصديق عَيلتك، ورفيقك بالنضال وخلوات التفكير الوطنيّي، وشريكك بالمشاريع المهنيّي، وشريكك بالهموم… وفَجأة تخسرُه!

لمّا ردّت عليّي هُدى وقالتلي “راح غابي”، كمّلت تخبّرني هَيّي وعم تبكي كيف غابي عيشهُن بـالبيت بِ همّي يوم اللي دخلت عَـالمستشفى بسبب الكورونا. وأنا بَـعرف كمان كيف عيشهُن بَ هَمّي يَوم اللي صدر قرار توقيفي من محكمة التمييز.

هيدا غابي، قلب كبير ودايمَن بْـيِحمُل فَوق طاقتو تَ بـالآخر عَ غفلِه انفجر. غابي كان عندو محطّ كلام يستعملُه بنبرات مختلفي، للدهشة كان يقلّك “خَلَص بَقَا”، وللتحبُّب كان يقلّك “خَلَص بَقَا”، وللتساؤل كان يقلّك “خَلَص بَقاَ”، وللحسم كان يقلّك “خَلَص بَقَا”، بس ما كان يعرف يحسمها مع قلبو ويقلّو “خلص بقا، حِبْ عَ قد طاقتك وبس”!

غابي، كسَرتِـلْنا طاوْلِة الـ Cénacle وِمْشيت من دون ما تِستأذن…
ويا ألله، خلص بقا!!!