الكولونيل شربل بركات: ماذا وراء عودة داعش القوية إلى الساحة؟ وهل يكون انسحاب الحريري مقدمة ليقوم حزب الله بخلق تيار سني متشدد كما داعش في الحسكة والبادية السورية؟

620

ماذا وراء عودة داعش القوية إلى الساحة؟
الكولونيل شربل بركات/24 كانون الثاني/2022

ترى هل يكون اعلان  انسحاب الحريري من الساحة مقدمة لكي يقوم حزب السلاح بخلق تيار متشدد في الوسط السني ليخلف الانفتاح “غير المجدي” يطلقه الحزب، كما داعش في الحسكة والبادية السورية عنصر تهويل على اللبنانيين لمنعهم من الاستمرار في مجابهته وتخويف كل من يتجرأ على الطلب بنزع سلاحه؟ أم أن القوى التغييرية والمؤمنة بلبنان في المركب السني سوف تقرر الاستمرار بمواجهة الحزب وأسياده الايرانيين وتشكل كتلة سياسية قوية داعمة لعودة السيادة ومستعدة للتعاون مع كل من يرغب بالنضال في سبيل تحرير القرار اللبناني واعادة السيادة كاملة وتساوي كافة ابناء المجتمع بالحقوق والواجبات؟

****
كانت محاربة “داعش” الوسيلة الأكثر فعالية لغض النظر عما قام به النظام السوري من تغييرات ديمغرافية لم يعاقب عليها قط حيث وجدت ايران ايضا الغطاء الكافي للدخول إلى هذا البلد بقوة واستغلال طرد كل من لا يماشيها واسكان عناصر مستقدمة من اقاصي الأرض لتستعمل كشعوب موالية تؤمن السيطرة الفارسية عليه. أوليس هذا ما كان قام به كسرى الثاني (أنوشروان) يوم احتل بلاد الشام وأراد دخول لبنان حيث استقدم قبائل جبلية من مناطق شمال إيران وأرمينيا، ربما، أسكنها في الممرات الجبلية التي تتحكم بالطرق المؤدية إلى البحر؟ وماذا عن التدخل الروسي لحماية نظام الأسد، ألم يكن تحت غطاء محاربة الإرهاب الذي قد ينشأ في الدول الاسلامية القريبة من الحدود الروسية في وسط آسيا كما جرى في الشيشان؟ وإذا بدولة الخلافة التي نشأت في سوريا أفضل نقطة جذب لهؤلاء المتطرفين لكي تسهل محاربتهم في مناطق بعيدة عن الحدود الروسية. وهل يكون تغاضي الأوروبيين والأميركيين عن مجموعات المتطرفين الذين التحقوا عبر تركيا بقوافل المجاهدين أيضا من نفس القبيل؟

من هنا يسهل تفهم السرعة التي سحب فيها الرئيس أوباما الجيش الأميركي من العراق تاركا لهؤلاء مجالات التحرك بين الساحل السوري والمدن العراقية. وهكذا انسحب الجيش العراقي من الموصل وسلم داعش ثكناته وأسلحته وكل ادارات الدولة بما فيها البنك المركزي والأموال التي يحوي، ومن ثم سهلت لاحقا سيطرة هذه على بعض حقول النفط في سوريا وبداية بيعه عبر الأراضي التركية بواسطة وسطاء أتراك ما فتح مجالات لهذا التنظيم المسلح بالتمدد وزيادة سيطرته على الأرض باعتباره أمرا واقعا.

وهكذا استطاع الرئيس أوباما اقناع الكونغرس الأميركي بضرورة التفاوض مع إيران حول مشروعها النووي طالما تعهدت بقتال داعش في سوريا وتخليص العالم من شروره لا بل نشر التطرف الاسلامي الذي تمثل بهذا التنظيم وغض النظر عن مشاريع الاخوان المسلمين في المنطقة، إن في تركيا اردوغان أو مع نظام مرسي في مصر، ضاربا بعرض الحائط مخاوف شعوبها ودولها وتوسع النفوذ الإيراني فيها.

ولكن وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض عطل تلك المشاريع لا بل قلّص هيمنة داعش بمساعدة قوات سوريا الديمقراطية من جهة وطلعات طيران التحالف من جهة ثانية فسقطت داعش وتعطل الحلم الايراني بالسيطرة على المنطقة. وهكذا قام الجيش اللبناني بعملية “فجر الجرود” لاتمام القضاء على فلول داعش في منطقة القلمون. وهنا ظهرت بوضوح الخطة الإيرانية التي لا تريد الغاء داعش لتبقى مسمار جحا الذي يستعملونه للقبض على خناق السوريين. ولكنها في العراق استغلت قيام العراقيين بالهجوم المضاد فدفعت بما سمته الحشد الشعبي للظهور بمظهر محاربة داعش وفرضت هذه الميليشيا التابعة لها على العراق للسيطرة والهيمنة ومنع عودة الأمور إلى طبيعتها.

بالطبع قام الرئيس ترامب بفتح حوار مع الدول الاسلامية ليقنع المجتمع الأميركي بأن المسلمين ليسوا داعش ولا إيران ومن جهة أخرى أوقف العمل بالاتفاق النووي مع إيران لكي لا تصبح بين ليلة وضحاها قوة نووية يصعب تحجيمها. ولكن قصيري النظر والمستفيدين من التوسع الإيراني داخل الولايات المتحدة شعروا بأنهم يفقدون الساحة والمبرر، وها هي إيران محاصرة بين صمود الدول العربية في الخليج من جهة وعودة الشعور الوطني للعراقيين واللبنانيين الذين بدأت الغشاوة تزول عن عيونهم شيئا فشيئا. ولذا كانت محاربة الرئيس ترامب بكل ما يمكن لاسقاطه والعودة إلى تمكين التمدد الفارسي من استعادة دوره.

بعد المظاهرات التي قامت ضد تحكم المليشيات في الساحة العراقية وبعد تسلم الكاظمي لرئاسة الوزراء في بغداد بدأت عودة نوع من الشعور الوطني العراقي والمطالبة بزحزحة القبضة الإيرانية ما ظهر جليا في الانتخابات التي أقصت جماعة الحشد الشعبي في العراق، فما كان منهم إلا العودة إلى استعمال الارهاب وسيلتهم الوحيدة فقرروا ازاحة الكاظمي بالقوة. ولكن الكاظمي لم يقتل ولا خاف المناؤون لهم وانتقلت العدوى إلى الشارع اللبناني الذي اكتشف ولو متأخرا بأن كل مشاكله اساسها جماعة الاحتلال الإيراني. وبدأت التحركات المعادية لإيران والكلام العلني عن الموضوع.

من جهة أخرى وحتى بعد سقوط الرئيس ترامب وتغيير سياسة الحكم الجديد بالعودة إلى مداعبة إيران، فإن اصرار دول الخليج على التخلص من دولة المليشيات بطرق مستحدثة جعلت الخط المعادي للتمدد الإيراني يستمر بالنمو ويكاد أن يسيطر على الساحة، وخاصة بعد التقدم الملموس في اليمن بالرغم من قيام الادارة الأميركية الجديدة منذ أول عهدها بشطب اسم الحوثيين عن قائمة المنظمات الارهابية، فكان لا بد من العودة إلى ما يخيف هذه القوى وهو بعبع داعش. ومن هنا رأينا قيام مجموعة أتت من حيث لا يعلم أحد وسيطرت على سجن غويران في الحسكة لتستعمل بعض المساجين والأسلحة والذخائر المتواجدة في السجن ومحاولة التمدد إلى مخيم اللاجئين الذي لا يزال يحوي عددا كبيرا من العائلات والمقاتلين غير المسلحين من جماعة التنظيم، وبعد أن قامت مجموعة أخرى في العضيم بمنطقة ديالى العراقية بهجوم مركز على قوات عراقية راح ضحيته أحد عشر جنديا.

احتلال سجن غويران يأتي في مرحلة يحاول فيها الرئيس الأميركي سحب القوات الأميركية من العراق وسوريا كليا ما سيفتح الطريق لإيران مجددا للسيطرة ودفع المزيد من القوات إلى الساحة السورية لكي تكون سندا لحزب الله ونظام الأسد فلا يحاول أحد منهم التراخي والقبول باي نوع من الحلول التي تقلص سيطرتهم التامة على منفذ ايران على البحر المتوسط.

فهل سنشهد مزيدا من التراخي من قبل القوات الأميركية التي لا تزال متواجدة في المنطقة؟ وهل سيماشي الروس، الذين كانوا بدأوا العمل على نوع من التغييرات على الساحة السورية قد تتوافق مع تطلعات الشعب السوري والمجتمع الدولي على السواء، الوضع؟ وهل ما يفقده حزب الله في لبنان من تماسك ساحته مقابل تعاظم الانتقادات لا بل المعارضة الناشئة ضده، والتي تبشر بتعاون كافة الفئات اللبنانية وحتى بعض أبناء الطائفة الشيعية ضد سيطرته وسلاحه وتحكمه بالساحة اللبنانية التي تعيش أقصى درجات الضغط من الناحية الاقتصادية وغياب الرؤية لدى من يدعون الحكم وهم مقيدون بأوامر الولي الفقية وتمنياته، سيستمر؟

هنا يبرز دور الرئيس الحريري الذي مثل تيار والده الشهيد نوعا من التعاون اللبناني بين مركبات المجتمع والتوجه نحو الانتاجية والانفتاح والذي كان اغتيل لعدم مجاراته الخط المتشدد هذا، هل يكون اعلانه الانسحاب من الساحة مقدمة لكي يقوم حزب السلاح بخلق تيار متشدد في الوسط السني ليخلف الانفتاح “غير المجدي” يطلقه الحزب، كما داعش في الحسكة والبادية السورية، كعنصر تهويل على اللبنانيين لمنعهم من الاستمرار في مجابهته وتخويف كل من يتجرأ على الطلب بنزع سلاحه بأن هناك خطراً على لبنان من تنظيمات مسلحة لا يمكن إلا لهذا الحزب محاربتها؟  أم أن القوى التغييرية والمؤمنة بلبنان في المركب السني سوف تقرر الاستمرار بمواجهة الحزب وأسياده الايرانيين وتشكل كتلة سياسية قوية داعمة لعودة السيادة ومستعدة للتعاون مع كل من يرغب بالنضال في سبيل تحرير القرار اللبناني واعادة السيادة كاملة وتساوي كافة ابناء المجتمع بالحقوق والواجبات؟

الأيام القادمة سوف تظهر تماسك الخط المواجه لإيران أو تماسك الخطة الإيرانية للسيطرة مجددا على الساحة الشرق أوسطية بالطبع. وما تحرك دول الخليج باتجاه لبنان إلا من هذا القبيل فمطالبة هذه الدول في بنود المذكرة التي حملها الوزير الكويتي إلى الدولة اللبنانية أمس للعمل على تنفيذ القرارات الدولية خاصة 1559هي اساسية لاعادة التساوي بين اللبنانيين قبيل الانتخابات النيابية المزمع تنظيمها قريبا والتي لا يجب أن تعطي الحزب شرعية جديدة ولا ايران ساحة مفتوحة لصراعها ضد من لا يعجبه تمددها خارج الحدود ومشاريع السيطرة على المنطقة واعتبارها أمبراطورية تتحكم بمصير سكان وثروات الشرق الأوسط.

أخيرا نقول بأن النضال في سبيل الأوطان والحرية عملية مكلفة أحيانا كثيرة ولكنها عند الشعوب التي تعشق هذه الحرية والتي تحاول جاهدة التمسك بالمنجزات ليست بقيمة ما تعنيه لهم، فكيف إذا ما كانت الأوطان بكاملها على المحك، فإما أن تبقى وتستمر وإما أن تنهار وتصبح فارغة من أهلها ومعانيها وقيمها وحتى من ذلك التاريخ مهما عظم ليستبدل بالتبعية لقوى تستسيغ الاذلال وتزايد في الاستعباد باستعمال أوهام ومركبات حقد زالت من قواميس الأمم ورفضتها كل الشعوب التي تتوق إلى الحرية والكرامة منذ زمن بعيد…