شارل الياس شرتوني: مفارقات أم تآلف الكراهيات؟/إن تدمير الكيان الوطني اللبناني لم يتأت عن التعددية الدينية بحد ذاتها وإدارتها في الواقع اللبناني، بل عن تعطيل الدولة اللبنانية من قبل الايديولوجيات التي تنكرت لشرعية الكيان  الوطني اللبناني

135

مفارقات أم تآلف الكراهيات؟

إن تدمير الكيان الوطني اللبناني لم يتأت عن التعددية الدينية بحد ذاتها وإدارتها في الواقع اللبناني، بل عن تعطيل الدولة اللبنانية من قبل الايديولوجيات التي تنكرت لشرعية الكيان  الوطني اللبناني

شارل الياس شرتوني/22 كانون الثاني/2022

يبدو أن المشتركين بهذه الندوة على تنوع مواقعهم السياسية (جواد عدرا رجل أعمال فاسد وانتهازي وقومي سوري محسوب على حزب الله والنظام السوري) وحبيب فياض (عضو في حزب الله ومناظر باسمه، وشقيق النائب علي فياض القيادي البارز فيه) وشربل نحاس (منظم الندوة ومؤسس حركة مواطنين ومواطنات من أجل دولة لديه حسابات نفسية للتصفية مع تموضعاته العائلية والطبقية كما يفصح عنها في حديثه عن سيرته الذاتية، تحتاج الى مقاربة پسيكاناليتية)، والبير كوستانيان (مدير تجمع كلنا إرادة ومحاور تلڤزيوني يسعى الى توسيع  تموضعاته الاعلامية والسياسية واطلالاته كما تشاء المصلحة الظرفية)، ونضال الاشقر مضيفة الندوة (مديرة مسرح بيروت قومية سورية عندها كره هستيري للفكرة والكيان اللبنانيين لأسباب پسيكانليتية لا مجال لمقاربتها ضمن هذا السياق)، وجان عزيز مدير الندوة (مدير الندوة ذات التموضعات الانتهازية والمشبوهة). أما الموضوع فيدور حول كتاب صادر عن حركة مواطنين… عنوانه” اللادولة الطائفية، الانتخابات اللبنانية ٢٠١٦-٢٠١٩”.

السؤال الذي يطرح ما هو سبب اجتماع هؤلاء على مفارقاتهم الظاهرة، القومية السورية دين سياسي ذات ايديولوجية فاشية وحالة پسيكوتية جماعية تعكس شخصية انطون مجاعص مؤسسه، تآمر على الكيان اللبناني منذ بداياته نظرا لرفضه المبدئي لوجوده، وتحول من ثم الى أداة استعملتها كل سياسات النفوذ الانقلابية في المنطقة، وخاصة النظام السوري العلوي، من أجل ضرب الاستقرار في لبنان واستهداف السلم الأهلي عبر الاغتيال والأعمال الارهابية. حزب الله حركة سياسية في الوسط الشيعي اللبناني تعمل انطلاقا من استراتيجية انقلابية شيعية تديرها إيران على مستوى المنطقة، اعتمدت الإرهاب والجريمة المنظمة والاقتصاد المنحرف أدوات أساسية في عملها السياسي والعسكري، وتدعو بشكل علني الى تغيير الجغرافية السياسية اللبنانية على قاعدة الاستواء بين الداخل السوري المتفجر والداخل اللبناني، والمد الاستراتيجي الايراني الذي نشأ مع انفراط العراق. حركة مواطنون …  حركة ناشئة أسسها شربل نحاس، فاعل في الشأن العام ذات ماضي شيوعي تمفصل بين الحزب الشيوعي والعمل السياسي-العسكري الذي مثلته المنظمات الفلسطينية، كاحدى التعبيرات الأساسية عن الارهاب اليساري الدولي في الستينات والسبعينات (التي جعلت من المخيمات الفلسطينية منطلقا لعملها دوليا، بادر-ماينهوف، الجيش الأحمر الياباني، الالوية الحمراء  الايطالية، الارهابي كارلوس …)وصاحب مقاربات إصلاحية حاليًا.

. إن ما يجمع القوميين السوريين وحزب الله (دين سياسي توتاليتاري، توتاليتارية سياسية شيعية) وشربل نحاس هو رفض مبرح للكيان اللبناني(الحزبين الاولين) مدغم بكره مرضي تجاه الفكرة اللبنانية عند القوميين، واستعمال إنتهازي ظرفي لهذا الكيان من قبل حزب الله، الذي لا يمحض لفكرة الدولة الحديثة القائمة على أسس جغرافية متوافق عليها ومحددة دستوريا أية شرعية، لحساب مفهوم دولة الولي الفقيه وحاكمية الله حسب الشرع  الاسلامي الشيعي، والتنكر المشترك مع شربل نحاس لخصوصية التجربة الوطنية اللبنانية، وقواعد الاجتماع السياسي اللبناني الذي انطلق من واقع التعددية الدينية التي أسست للتعددية السياسية والثقافية ،وللتمييز الجدلي بين حيز السلطة السياسية والمجتمع المدني، الامر  الذي حال دون انتقال عدوى الانظمة السلطانية،السائدة في المنطقة العربية،بمتغيراتها الايديولوجية والدينية والعسكرية الى لبنان، والتي كانت بأساس حرية التموضع السياسي الدولي والإقليمي ومواجهة سياسة المحاور والسيطرة التي تمرست بها الانظمة العربية والاحزاب التوتاليتارية والسلطوية ( الشيوعية والقومية العربية والسورية والاسلاموية…)، والتي سمحت للبنان وللمسيحيين وسائر الاقليات فيه الخروج من مبدأ الدولة الاسلامية، ومتحورها القومي العربي القائم على التماثل الايديولوجي النافي للتعددية الاتنية والدينية واللغوية والحياتية وما تفترضه من إدارة وتسوية ديموقراطية للنزاعات.إن سقوط المسيحيين من المعادلات السياسية والوطنية، في بداية التسعينات، لحساب سياسات النفوذ السورية والشيعية-الايرانية كان المدخل لتداعي الدولة والكيان الوطنيين ،لصالح الاوليغارشيات السنية والشيعية ومستنسخاتهم في الأوساط المسيحية  وتبعياتها الاقليمية الناظمة، وما أدى اليه من نهب منهجي للثروات العامة والخاصة.

إن ادانة التجربة التاريخية اللبنانية وتصوير واقع التعددية الدينية على انه نظام تمييزي، وتغييب غناها وفرادتها، لجهة  ديناميكية التثاقف التي أوجدتها بين البنيات السياسية التقليدية على تنوع مواطنها والتحديث المؤسسي باتجاه دولة القانون والتداول الديموقراطي للسلطة والتسوية الديموقراطية للنزاعات، والبعد الاصلاحي للعمل السياسي والعام، وحماية التعددية الثقافية وما نشأ عنها من عمل تربوي وثقافي واجتماعي ومهني خلاق وحريات خاصة وعامة في صياغة المسالك الحياتية الفردية، ومسكونية دينية وقيم ليبرالية. إن هذا الافتراء  المرضي على الواقع التاريخي والانتروپولوجي بخلفياته وترسباته الايديولوجية والنفسية والدينية التمييزية، هو ما يفسر التقاء  هذه المفارقات كما خبرناها مع التحالف الفلسطيني- اليساري في مرحلة ما قبل الحرب وما تلاها (١٩٧٥-١٩٩٠)، ومع استعمال النظام السوري وحزب الله لهؤلاء الفرقاء كأدوات من أجل الدفع بالصراعات الاهلية (بين ١٩٩٠-٢٠٠٥، و٢٠٠٥-٢٠٢٢).

إن تدمير الكيان الوطني اللبناني لم يتأت عن التعددية الدينية بحد ذاتها وإدارتها في الواقع اللبناني، بل عن تعطيل الدولة اللبنانية من قبل الايديولوجيات التي تنكرت لشرعية الكيان  الوطني اللبناني، ولقواعد الاجتماع السياسي الخاصة به التي سمحت بتجاوز فكرة الدولة  الاسلامية (ليس من نص دستوري في لبنان يقول بأن لبنان دولة دينية، الدستور علماني ويحترم حرية المعتقد من الناحية المبدئية، حتى ولو صارت هنالك تجاوزات في الواقع. التعددية الدينية واقع تاريخي أسس لتجربة سياسية ديموقراطية اصطدمت بالثقافات السياسية الاقليمية، ونزاعات التقليد والحداثة، واحوال عدم الاستقرار المديدة التي نشأت عن المداخلات الاقليمية). لقد التأمت الاحزاب القومية العربية والسورية واليسارية والاسلامية (لكل اعتباراته) حول رفض مشروعية الكيان اللبناني وعبرت عن ذلك ليس فقط ايديولوجيا بل سياسيا، عندما التحقت بكل سياسات النفوذ الاقليمية انطلاقا من مبادىء السيادة المحدودة والاستنسابية والمعطلة ومن ثنائية (الوطن والقطر عند البعثيين، والامة السورية الموهومة عند القوميين السوريين)، وتوهمات حركات التحرر العربي عند الشيوعيين،التي انتهت كلها أدوات لسياسات النفوذ العربية والسوڤياتية خلال الحروب الباردة الدولية والعربية.

أما اسباب هذه الندوة وايحاءاتها وأطرافها فلا تعدو كونها متحورات داخل انساق ذهنية وايديولوجية مألوفة تنتظم على قاعدة تماثلات ايديولوجية تستفيد من الانفجارات اللبنانية التي ابتدأت مع ثورة الارز (٢٠٠٥) والثورة المدنية (٢٠٢٠)، انطلاقا من نهج إنتهازي يبقي هذه البلاد المنكوبة أسيرة الانقلابات والانقلابات المضادة وما تستحثه من أطماع ووهامات وعقد وأحقاد مبيتة ونزاعات مفتوحة. لا يزال شربل مقيما على تخوم التباساته النفسية الدفينة وخياراته الايديولوجية اليسارية التي انتهت مع الحرب الباردة  الاولى، ومصمم على دخول الحرب الباردة الثانية من المدخل الايراني. لا يرى القوميون وشربل نحاس ومهندس أدائهم حزب الله مشكلة في سياساته المدمرة لفكرة الدولة في بلادنا، كما كان حال اصنائه في التحالف اليساري -الفلسطيني الذي أسس لديناميكية تدمير المشروع الوطني اللبناني واستحالة الدولة في لبنان.