الكولونيل شربل بركات: ما يجب أن يتنبه له اللبنانيون في هذه المرحلة الدقيقة

578

ما يجب أن يتنبه له اللبنانيون في هذه المرحلة الدقيقة
الكولونيل شربل بركات/09 كانون الثاني/2022

إن النضال بوجه قوة متعجرفة ومسلحة ليس بالأمر السهل، خاصة على اللبنانيين الذين مروا بتجارب مؤلمة لا يريدون تذكرها ولا العودة إليها. من هنا وجب استغلال تفهّم الكل لسبب الخراب والعمل على تنظيم المواجهة، ولذا فإن أي اطار يجمع القوى والمجموعات لهدف واحد مركّز مهم في هذه المرحلة، ومنها ما يسمى “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الايراني عن لبنان” والذي سيعلن عن قيامه قريبا. ولكن مع الاحترام لكل الاشخاص العاملين في هذا الاطار وما يمثلون في مسيرتهم النضالية يجب التنبه لبعض النقاط الأساسية التي تستعمل في مثل هذه الحالات لجذب أكبر عدد ممكن من المواطنين والتي قد تسيء إلى القضية الأساسية المتعلقة بخلاص لبنان من السيطرة عليه ومنعه من النهوض والعودة إلى تفاعله ومسيرته. من هذه النقاط ما يتعلق بالتشديد على عروبة لبنان، وهنا يجدر بنا أن نفهم بأن ريادة اللبنانيين في مجال تعميم ونشر الثقافة العربية شيء، والزام الشعب اللبناني المركب، بهوية لا يطالبنا أحد باعتمادها شيء آخر مختلف تماما. فنحن نفاخر بالثقافة العربية والتعاون مع دول الجوار خاصة الدول العربية، ولكننا وفي نظامنا ودستورنا نعترف بالتنوع، والحالة الشيعية اليوم التي تعتمد على إيران خير مثال على ذلك، ونحن لا نريد تهشيل الشيعة ولا الأرمن أو الأكراد أو التركمان وغيرهم وبالطبع نعترف بأن بعض القبائل العربية الأصل ومنها مسيحيون ومسلمون تعود جذورهم إلى أطراف الجزيرة عربية، ولكن التعميم غير مقبول وادخال لبنان في حالة معينة هي لزوم ما لا يلزم، لأن مجلس التعاون الخليجي نفسه يتألف من دول مستقلة تتميز عن بعضها ولها كامل حريتها حتى في اختيار الأمور المصيرية، ولو أنها تقع في أقرب بقعة متشابهة من حيث اللغة والأصول والجغرافيا وحتى الموارد، ولكن لكل منها وضعه واستقلاليته ونظرته للأمور، وخير مثال على ذلك موقف قطر أو عمان أو الكويت من كثير من الأمور المطروحة.

*****
حاول نظام الملالي في ايران منذ نشأته بسط نفوذه على الشرق الأوسط عبر التنظيمات المسلحة والطروحات المذهبية العابرة للدول، كما حاول الرئيس التركي اردوغان منذ استلامه للحكم اعادة احياء نظرية الخلافة العثمانية والتي تصب في نفس اتجاه السيطرة على هذه المنطقة. وقد شجع على ذلك اعتماد القوى العالمية الكبرى طروحات جديدة، خاصة ما بعد انحلال الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفياتي وانفتاح الصين على التعاون الاقتصادي، قللت من اعتماد القوة العسكرية كوسيلة لفرض المفاهيم السياسية وتنفيذ الخطوات الاستراتيجية التي تؤمن عادة سلامة العلاقات الدولية. من هنا دخلت المنطقة في صراع محلي ولو بطابع عالمي تجلى بالعودة إلى نظريات كان “مضى عليها الزمن” ولكنها وبالتخطيط الملائم وجدت لها منافذ وأدوات استعملتها خاصة في سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا وغيرها من الدول التي لم تزل تعاني من عدم الاستقرار اليوم. فاستعمال ما سمي بالمقاومة لمنع اسرائيل من الخروج من لبنان طيلة خمسة عشر سنة كان أحد العوامل التي أنقذت النظام السوري وأطالت عمره وبنفس الوقت عمر نظام الملالي الإيراني الذي اعتمد على ما يشبه ذهنية العروبة المتحجرة في مقاربة المشكلة الفلسطينية ما كان أجهض محاولة عرفات لحل القضية عبر اتفاقيات أوسلو والتي تجلت بالاعتراف بدولة اسرائيل مقابل نشوء دولة للفلسطينيين تسمح لبقية دول المنطقة بتخفيف حالة العداء المستعرة وتعميم العمل باتجاه السلم الذي يدفع للتقدم. وقد كان اعتماد الفكر “الاخواني” أعاد اشعال الحقد ما أدى لنشوء تنظيمات جعلت من الارهاب لاعب اساسي في الساحة العالمية وعطلت عملية الانفتاح بين الشعوب ما استتبع ردات فعل عنيفة.

اليوم وفي لبنان الغارق حتى أذنيه في سيطرة الوجه الارهابي على السلطة فيه وما لحقه من دمار للبنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث تعطلت عملية الانفتاح والتطور والتعاون التي كان اتبعها البلد منذ استقلاله والتي جعلت من مجتمعه المركب حالة متقدمة من الديمقراطية البشرية التي اعتمدت الارث الحضاري لكل فئة من سكانه مع كل تاريخها العريق وتجاربها الماضية ليحل محل النظريات الفردية المؤقتة والعابرة التي تعرّض المجتمع لهزات كثيرة ولو عالجت المشاكل الحاضرة بشكل أدق أحيانا كثيرة.

إذا الوضع اللبناني المتردي على مستوى الحكم ليس موضوع نظام أو دستور وقوانين تحكم الناس، إنه موضوع بدأ يفهمه العامة في لبنان اليوم، وهو يتعلق بسيطرة تنظيم مسلح يأتمر من الخارج على أركان الدولة، ويهمه سقوط مؤسساتها والتي تشكل عناصر قوتها، ومن هنا نرى بأن كل حلفائه مجموعة من الفاسدين الذين عملوا على سرقة هذه الدولة وافقارها ليتسنى لأسياده السيطرة عليها بسهولة وتطويع أبنائها. من هنا لا يجب أن يغشنا أي طرح يهادن أو يعطي بعض النفس لهذه الفئة بتغيير الاشخاص أو تبديل المقاعد وتوزيع الحصص، فالهدف المضي في اسقاط الدولة وتفريغها من الطاقات البشرية.

ولكن النضال بوجه قوة متعجرفة ومسلحة ليس بالأمر السهل، خاصة على اللبنانيين الذين مروا بتجارب مؤلمة لا يريدون تذكرها ولا العودة إليها. من هنا وجب استغلال تفهّم الكل لسبب الخراب والعمل على تنظيم المواجهة، ولذا فإن أي اطار يجمع القوى والمجموعات لهدف واحد مركّز مهم في هذه المرحلة، ومنها ما يسمى “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الايراني عن لبنان” والذي سيعلن عن قيامه قريبا. ولكن مع الاحترام لكل الاشخاص العاملين في هذا الاطار وما يمثلون في مسيرتهم النضالية يجب التنبه لبعض النقاط الأساسية التي تستعمل في مثل هذه الحالات لجذب أكبر عدد ممكن من المواطنين والتي قد تسيء إلى القضية الأساسية المتعلقة بخلاص لبنان من السيطرة عليه ومنعه من النهوض والعودة إلى تفاعله ومسيرته. من هذه النقاط ما يتعلق بالتشديد على عروبة لبنان، وهنا يجدر بنا أن نفهم بأن ريادة اللبنانيين في مجال تعميم ونشر الثقافة العربية شيء، والزام الشعب اللبناني المركب، بهوية لا يطالبنا أحد باعتمادها شيء آخر مختلف تماما. فنحن نفاخر بالثقافة العربية والتعاون مع دول الجوار خاصة الدول العربية، ولكننا وفي نظامنا ودستورنا نعترف بالتنوع، والحالة الشيعية اليوم التي تعتمد على إيران خير مثال على ذلك، ونحن لا نريد تهشيل الشيعة ولا الأرمن أو الأكراد أو التركمان وغيرهم وبالطبع نعترف بأن بعض القبائل العربية الأصل ومنها مسيحيون ومسلمون تعود جذورهم إلى أطراف الجزيرة عربية، ولكن التعميم غير مقبول وادخال لبنان في حالة معينة هي لزوم ما لا يلزم، لأن مجلس التعاون الخليجي نفسه يتألف من دول مستقلة تتميز عن بعضها ولها كامل حريتها حتى في اختيار الأمور المصيرية، ولو أنها تقع في أقرب بقعة متشابهة من حيث اللغة والأصول والجغرافيا وحتى الموارد، ولكن لكل منها وضعه واستقلاليته ونظرته للأمور، وخير مثال على ذلك موقف قطر أو عمان أو الكويت من كثير من الأمور المطروحة.

نحن لا نريد للبنانيين أن يعودوا إلى زمن القوميات البغيض ولا إلى زمن النظريات الشاملة التي تجسد الكسل تحت شعارات المساواة وغيرها، ولا نريد أن نعادي حتى الفرس في بلادهم أو الأتراك في تركيا، ولكننا نرفض أن يمد أحد يده على لبنان أو أن يستعمل ابناءه في مشاريعه التوسعية.

نحن كلبنانيين ندعو كل الدول المحيطة للاعتراف بخصوصية لبنان وباحترام خياراته في شأن الحياد والقبول بهذا الحياد لا بل مساندته في هذا الخيار ومساعدته للتخلص من ظروف الاستتباع والانقياد هذه التي يحاول البعض زجه بها. ومن هنا تشديدنا على عدم وجوب الارتماء في حضن للخروج من حضن آخر لأن أحدا من دول الجوار الذين يحترمون سيادة بلدانهم وخصوصياتها لا يدعونا إلى هذا الفعل بل نحن من يرتمي ويستجدي التبعية بدون ثمن إلا ذلك الشعور بالنقص الذي أورثتنا اياه المراحل السابقة من النظريات القومية التي سادت في بداية القرن الماضي والتي كان لبعض اللبنانيين ريادتها إن في القومية السورية أو الفكر البعثي أو القومية العربية وكلها مضى عليها الزمن واثبت عدم فعاليتها العملية.

إن مصر اليوم لم تعد مصر عبد الناصر التي تستسيغ الاستتباع وهي تركز جهودها كما في مرحلة محمد علي باشا على النهوض والبناء الداخلي الذي يخدم شعبها ومصالحه ويعيدها للعب دور مهم على المستوى العالمي، وقد يكون توجهها صوب أفريقيا ومشاريع الاستنهاض والتطوير التي قد تقود بعضها، بدون أن تنسى دورها الاقليمي في شرق البحر المتوسط وعلاقاتها مع دوله، وخاصة تلك التي ربطتها بها مصالح متعددة لا تنحصر بمشاريع الغاز والكهرباء أو السياحة الشتوية وغيرها، هي ما يشغل بالها ويشكل مجالا لشعبها الذي قارب على المئة مليون. كما أن دولا صغيرة كالامارات تسعى للعب دور على المستوى الاقتصادي العالمي وتزين مدائنها كثرة العمران وتعددية الاستثمارات والحركة التجارية بين الشرق والغرب على حد سواء، وهي تمد يدها حتى إلى إيران وتركيا، اللتان حاولتا السيطرة والتطاول على مصالحها وفشلتا حتى الآن، ولكن بدون خجل أو عقد نقص. وإذ تقف المملكة العربية السعودية حامية الحرمين بكل ثقلها بمواجهة التمدد الأصولي، لا بل تحدّث مفاهيم التعاون بين الشعوب وتقود ثورة فكرية واجتماعية وعمرانية لم يسبق لها مثيل، لم تطلب من أحد أن يكون تابعا لها ولا هي بحاجة لطفيليات جديدة لتلتصق بها، فقد باشرت خططا لتحفيذ شعبها على العمل المنتج والعطاء والمشاركة بانجاح المشاريع الكبرى التي يحلم بها الجيل الجديد من قادتها وسوف تسهم بدون تردد بمساعدة لبنان، ولكنها لا تطلب من اللبنانيين أي نوع من الخضوع أو العلاقات الخاصة أو طريقة الزحف على البطون لأن ذلك لم يكن مجديا في السابق ولن يكون الآن.

إن على اللبنانيين أن يعرفوا بالضبط موطن الخراب ويشيروا إليه، وعليهم أن يسعوا للتخلص من براثن المحتل ويطلبوا المساعدة، ولكنهم يجب أن يشعروا بعزة النفس وكبرها وبالانتماء لوطن مهم وتاريخ طويل من العطاء في كل الاتجاهات، ومستقبل زاهر سيكون لهم فيه دورا بناء في التعاون مع الشعوب قاطبة. ومن هنا يجب الابقاء على دورهم الطبيعي وكرامتهم المعهودة وعدم التنازل عن مفاهيم الاستقلال والسيادة والحرية التي طالما نادوا بها.
فلنسير إلى الأمام ولنتحد على مطالبة الدول الصديقة قريبة كانت أم بعيدة للتنادي والوقوف بجانب مطالب اللبنانيين باخراج المرتزقة من ساحات الوطن، وتسليم أسلحتهم كما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة المتتالية، ولننهي مفهوم الساحة وننطلق لمفهوم التعاون والتحاور مع كل القوى الفاعلة بالمنطقة ومنها اسرائيل، فنحن كما الفلسطينيين عندنا بعض الأمور التي قد نتوهم بأنها عالقة ولكن يمكن حلها بالحوار بدل القتال الغير المجدي والانفتاح على الجيرة، فأكثر الدول العربية تقيم علاقات مع الجارة الجنوبية فلما لا تكون لنا ايضا أفضل العلاقات لا بل التخطيط للمستقبل ليكون لبنان من ضمن المشاريع الكبرى في المنطقة ويبقى لمرفأ بيروت دوره ونتشارك في موضوع التنقيب عن الغاز ونتفاهم على الحصص وتنفتح طرقنا البرية إلى الخليج ومصر وكامل أفريقيا جنوبا. وهنا نريد توجيه بعض اللوم لصاحب الغبطة الذي يفصّل مفهوم الحياد ويخاف أن يعممه على كل الجيران، بأن الحياد لن يقوم طالما هناك ساحة مفتوحة للحرب منطلقها لبنان وأول ما يجب المطالبة به لسماع صوتنا عالميا هو وقف التهجم على الجيران أولا ومن ثم الاستعداد للتعاون مع كل من يحترم حقوقنا ويعترف بحيادنا وسيادتنا واستقلالنا.

إن لبنان الذي يمر بمسار صعب أوصله إلى حافة الفقر لا بد له من النهوض وعودة الازدهار، ولكن عليه أولا أن يتخلص من قيود التبعية من اية جهة أتت، وأن يلتزم شعبه محاسبة المسؤولين عنه مهما كان انتماءهم، والتخلص من الاحتلالات وكل ذيولها خاصة تلك النفسية التي تسعى لتأمين المصالح الفردية والتي يورثها كل احتلال، ومحاولة التلطي خلف بعض الأقوياء وتغيير البندقية من كتف إلى آخر، وعدم تحمل المسؤولية وملاحقة الشأن العام، وعلى أبنائه أن يلتزموا العمل المبدع وقد انفتحوا على الحضارات ويستفيد من التنوع الذي يتألف منه شعبه والخبرة التي صقلها تاريخه الطويل من العلاقات بين الدول والمجتمعات المختلفة.

إن سياسة واضحة ومطالب محددة قادرة على تغيير الوضع الحالي وعلى اقناع الكثيرين لدعم لبنان ومساعدته للخروج من هذا المستنقع الذي يتخبط فيه فهل يفهم اللبنانيون المستعدون لمساعدة بلدهم للنهوض كيفية التوجه بخطى ثابتة بهذا الاتجاه ووضع خطط العمل الايلة إلى الخلاص؟ أم أنهم لم يستفيقوا بعد من سياسات المحاصصة الكريهة والرضوخ لأوامر المحتل أو الاتكالية الفارغة على الغير؟..