فارس خشان/مواجهة حزب الله لم تعد… خياراً

134

مواجهة “حزب الله” لم تعد… خياراً

فارس خشان/النهار العربي/06 كانون الثاني/2022

بات واضحاً أنّ “حزب الله” يُقفل كلّ الطرق التي يمكنها أن توفّر للبنان مخارج “معقولة” من مأساته، وأضحى كثيرون على قناعة تامّة بأنّ مواجهة هذا الحزب لم تعد مجرّد خيار، بقدر ما أضحت قدراً.

ومع انطلاق هذه السنة رسّخ “حزب الله” هذه القناعة، بدءاً بالمواقف التي أطلقها أمينه العام حسن نصرالله وصولاً الى ارتكاب ثاني اعتداء ضد دورية لليونيفيل في جنوب لبنان، منذ انتهاء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش الذي دعا الى أن يتحوّل هذا الحزب الى حزب سياسي.

وإذا كانت مواقف نصرالله قد أصابت مقتلاً في المساعي المحلية والعربية والدولية الهادفة الى إعادة وصل ما انقطع في العلاقات اللبنانية- الخليجية عموماً واللبنانية- السعودية خصوصاً، فإنّ الإعتداء على الدورية “الأممية” الذي نسبته نائبة مدير المكتب الإعلامي لليونيفيل كانديس آرديل الى “جهات فاعلة تتلاعب بسكان المنطقة لخدمة أغراضها” يثبت أنّ “حزب الله” يسخّر قدراته لإبقاء لبنان متراساً متقدّماً في صراع تفرضه الأجندة الإيرانية  التي ترفض إقامة أيّ اعتبار للقرارات الدولية 1559 و1680 و1701 ، بعدما رفع كثيرون، سواء في لبنان أو في الخارج، لواء احترامها وتطبيقها.

ولكن، كيف تكون هذه المواجهة؟

 عندما تُلفظ كلمة “مواجهة” يسارع البعض، خبثاً أو براءة، الى القاموس العسكري، في حين أنّ لأبعاد هذه الكلمة مراجع أخرى أكثر إنتاجية وأقلّ كلفة.

إنّ “لبْنَنَة” عبارة مواجهة “حزب الله” تبدأ بوجوب فصل الدولة عن هذا الحزب المسلّح حتى أسنانه والتابع لإيران حتى آخر نقطة ماء يشربها.

وقد بيّنت المأساة التي يعجز لبنان عن تجاوزها أنّ اللبنانيين يدفعون، ثمناً غالياً، نتيجة المزج بين الدولة و”حزب الله”، بحيث إنّ هذا الحزب، كونه حليفاً وجودياً للحكّام وركناً اضطرارياً في الحكومات، يحوّل كل موقف يتّخذه وكل خطوة يقدم عليها، إلى عبء لبناني شامل.

 وإذا كان اللبنانيون أنفسهم على قناعة راسخة بأنّ “حزب الله” يهيمن على وطنهم وعلى مؤسساته وعلى حكّامه، فإنّ ذلك لا يغيب مطلقاً عن نظرة عواصم العالم إلى لبنان.

 وبمراجعة الأدبيات العربية والدولية، في الموضوع اللبناني، فإنّها، في سياق رسم خارطة الطريق الرامية الى “انتشال” لبنان من الحفرة العميقة التي وقع فيها، تجمع على وجوب إنهاء هيمنة “حزب الله” على الدولة ومؤسساتها.

ولعلّ متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، في عظة ألقاها في اليوم الأوّل من العام الجديد، قد وضع “حجر الأساس” لهذه المواجهة، عندما قال:” من يُعِق قيامة الدولة ويصادر قرارها أو يورّطها في نزاعات هي بغنى عنها لا يعمل من أجل مصلحتها، ومن يغض الطرف عن سلاح خارج الشرعية مجرم بحق وطنه”.

 تأسيساً على ذلك، إنّ مواجهة “حزب الله” تقتضي، بادئ ذي بدء، أن يبتعد كلّ من لا يريد أن يكون “مجرماً بحق وطنه” عن أيّ نوع من أنواع التعاون والتحالف وتبادل الخدمات مع “حزب الله”، إذا ما أصرّت قيادته على نهجها الراهن الذي يجعل لبنان على صدام مكلف للغاية مع شرائح وازنة من الشعب اللبناني ومع قوى عربية ودولية مؤثّرة للغاية في الموضوع اللبناني.

 وهذا الإبتعاد يبدأ بتسجيل مواقف صارمة وواضحة ضد نهج “حزب الله” وتشكيل قوى ضغط لبنانية في الداخل والخارج ضد سلوكه وسلاحه ولمصلحة القرارات الدولية ذات العلاقة بالشأن اللبناني، وتمرّ بالتحالفات الانتخابية والإقتراع الشعبي، ولا تنتهي بتشكيل الحكومات.

 إن نجاح هذا النوع من المواجهات ليس سهلاً، في بلد اعتادت طبقته السياسية تقديم مصالحها الأنانية على المصلحة العامة.

وليس سرّاً أنّ “حزب الله” لعب على وتر هذه الأنانيات من أجل إحكام سيطرته على القرار الوطني، فهو قادهم الى حيث يريد بتكتيك “العصا والجزرة”، ففضّلت غالبيتهم الجزرة التي سرعان ما اكتشفوا أنّها انقلبت عصا شعبية ضدّهم.

في العام 2016، ومن دون دخول تفصيلي بالأسماء والمعطيات، طغت على الواقع اللبناني نظرية سياسية نسبت نفسها الى المصلحة العامة.

 يومها، نادى أصحاب هذه النظرية بوجوب احتواء الخلافات السياسية، من أجل إعطاء الأولوية المطلقة لمصالح المواطن المعيشية، بحيث يؤدّي “ربط النزاع مع حزب الله” الى جذب الإستثمارات وضرب البطالة وتنمية الخدمات العامة وتقوية مالية الدولة وتنمية علاقات لبنان الإقليمية والدولية.

 وأنتجت هذه النظرية، وفق مشتهى “حزب الله”، رئيساً للجمهورية ورؤساء للحكومات ولمجلس النواب، بالإضافة طبعاً الى أكثرية نيابية وتشكيلات حكومية وتعيينات.

 وما لم يخسره لبنان في تاريخه، خسره، بعد حوالي ثلاث لبنان على بدء تطبيق هذه النظرية، إذ سرعان ما وجد لبنان نفسه في الجحيم.

وكانت نقطة الضعف الأساسية في هذه النظرية أنّ جميع القوى السياسية اللبنانية أعادت تموضعها وألهت نفسها بمكاسب أنانية ضاعفت الهدر والفساد، في حين أنّ “حزب الله” فعل العكس تماماً، فأمعن في نهجه الذي يقوم على وضع سلاحه ومقاتليه في خدمة “الحرس الثوري الإيراني”، الأمر الذي ألحق ولا يزال يلحق أكبر الأضرار بلبنان واللبنانيين.

 إنّ “حزب الله”، بعد كل التجارب التي خاضها اللبنانيون، يضع اللبنانيين أمام خيارين لا ثالث لهما: الموت لمصلحة المحور الذي ينتمي إليه أو المواجهة حتى تلك اللحظة التي تصبح فيها حياة اللبنانيين أغلى من أن تكون مجرّد وقود في أتون حروب المنطقة وصراعات محاورها.