المحامي عبد الحميد الأحدب: الهوية الضائعة… كيف نسترجعها؟

116

الهوية الضائعة… كيف نسترجعها ؟
المحامي عبد الحميد الأحدب/25 تشرين الثاني/2021

لماذا هذا الضجيج المتصاعد من لبنان وعن لبنان؟
لقد كتبت مؤخراً مقالاً عنونته “من الشيخ حسن هولاكو الى محمد بشير جعجع”، والعنوان كله رموز، ولكنه لاقى في لبنان كثيراً من التجاوب والجدل!
الى أين نحن ذاهبون بلبنان؟ نحن في هذا المكان العظيم نحاول الإجابة عن هذا السؤال؟

اسمحوا لي أن أكون صريحاً ونحن نتحدث الى أين نحن ذاهبون بلبنان؟ لعلّ مَن اول ما يجب أن نعترف به أننا نمرّ فعلاً في أزمة وجود تطرح الماضي والحاضر والمستقبل وتطرح مفهوم السيادة اللبنانية ومفهوم الهوية اللبنانية وتطرح الأسس التي قام وتفوّق بها لبنان: المدرسة والمصرف والكتاب والقضاء والحرية والديمقراطية.

اسمحوا لي ان ادخل في التاريخ قليلاً وأقسّم تاريخ لبنان الى لبنان الذي عاش آمناً في ظل الانتداب الفرنسي وظلّ آمناً حتى سنة 1975، هذا لبنان جميل نتحسّر عليه كثيراً هذه الأيام ولبنان الآخر، لبنان هذه الأيام الذي نبكي عليه ونبكي منه، الذي دخل في الحروب الأهلية والوصاية الفلسطينية، ثم المخابرات العلوية السورية ثم دخلنا في اتفاق الطائف الذي يحاول رئيس الجمهورية اليوم تعديله وهو أصلاً عدل كثيراً مما كان اللبنانيون يشكون منه!

المسلمون كانوا يشكون من الغبن السياسي في أكثر من أرجحية مسيحية وكان هذا يسبب ضعفاً بل أقول انعدام الولاء للبنان وللهوية اللبنانية، بالمقابل كان المسيحيون يشكون من ضعف او انعدام الولاء للبنان لدى المسلمين! لأن مفهوم الهوية اللبنانية كان مختلفاً وهو عند المسلمين غيره عند المسيحيين!

وقبل ان ادخل في التغيير السياسي الكبير الحاصل عند المسلمين كما وعند المسيحيين، اسمحوا ان أروي هذا الحدث الذي نقله إليّ الرئيس صائب سلام!

بعد انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، حُدِّد له موعد لقاء مع الرئيس صائب سلام لمدة ساعة، ولكن الإجتماع استمر اربع ساعات، وخلال هذا الإجتماع قال بشير الجميل لصائب سلام، أنتم تشكون الغبن ونحن المسيحيين نشكو من ضعف الولاء عند المسلمين، ما هو رأيك يا صائب بك، أن أوقّع كل المراسيم والقوانين التي تجعل للمسلمين حتى أرجحية سياسية ولكن بالمقابل أطالب بالولاء التام المتبين ولن أغفر أي نقصٍ في الولاء!!! وخرج صائب سلام من الإجتماع ليقول لنا “أين كان مختبئاً بشير الجميل؟” ولكن الفرصة ضاعت عندما اغتالوا بشير الجميل…

لم تكن المشكلة في حقيقتها مشكلة ولاء ولا مشكلة غبن، بل الحقيقة انها كانت اختلافاً في مفهوم الهوية اللبنانية! هل هي مسيحية ام اسلامية ام الإثنين معاً وكيف؟ وضباباً على مفهوم العروبة!

الى أن اصبحنا اليوم نرى المسلمين أشد ما يكونوا لبنانية بعد ان ذاقوا مرّ المخابرات العلوية السورية وتراجع ولاء المسيحيين حين اختاروا حليف ايران رئيساً للجمهورية متخلّين عن ثقافتهم وتراثهم اللذان كانا مجبولين بالثقافة والفكر الفرنسيين! ولكن الأمور أخذت تصحح نفسها في هذه الأيام!

الهوية اللبنانية التي أصبحت جامعة هذه الأيام بين الحرية وعروبة مشبّعة بالحرية فيها الثقافة الفرنسية كما والثقافة العربية مجتمعين!

الصراع الدائر في لبنان هو بين ثقافة عربية مختلطة بالثقافة الفرنسية من جهة، وثقافة وسياسة ايرانية لم يعرف التاريخ اللبناني لها مثيلاً او شبيهاً!

صراع على السيادة! صراع بين الإنفتاح على العالم والإنغلاق على الذات!

نادراً ما حصل في تاريخ الأمم هذا الذي حصل ويحصل في لبنان من نهب لأموال الدولة وسرقة المؤسسات من طبقة حاكمة أتقنت فنون السرقة والنهب.

ان ما يحصل في القضاء في تفجير المرفأ في 4 آب دليل فاضح على سقوط الحياء والمعركة بين قضاة السلطة والقاضي بيطار تدل على انحطاط خلقي لم يعرف له لبنان مثيل!

ان الإنتخابات اذا تمت قد تحمل املاً ولكن العصابة الحاكمة لن تُسلِّم بسهولة.

اسمحوا لي ان اقف قليلاً وأقول بصراحة ان الأزمة ازمة اخلاق!

نحن بحاجة الى رجال ونساء رفيعي الأخلاق، وليس هناك مخرج سوى بعودة الأخلاق الى لبنان الذي نهبوه.

بحاجة لأمثال فؤاد شهاب وريمون اده وبشير الجميل وصائب سلام ورياض الصلح وعادل عسيران الخ… الى رجال خلق وليس الى الزعيم.

الى المفاهيم الخلقية الى دولة اخلاقية الى رجال سياسة هم على خلق عظيم! من هنا نبدأ. الى هذا يجب ان يكون الإتجاه رجال ونساء على خلق عظيم يعيدون الأموال المسروقة ويعلقون المشانق.

في هذه الساعات الدقيقة من تاريخنا نتطلع الى فرنسا الى ثقافة فرنسا التي تجمعنا في بلد واحد، ان لبنان عرف كيف يجعل من الثقافة الفرنسية عربية والثقافة العربية فرنسية. ان لبنان يستحق من فرنسا في هذه الأوقات الدعم والمساندة لأن لبنان هو في قلب فرنسا كما فرنسا في قلب لبنان.

انها لحظات خطيرة نتطلّع الى التاريخ ونرى المثال في الجنرال ديغول وكليمنصو.

الى مثل هؤلاء الأبطال نتطلع ومن امثالهم ننتظر الدعم والمساندة، من فرنسا السياسة والثقافة والدبلوماسية، نتطلع كلنا الى الحرية الى مفهوم الهوية اللبنانية الى الحرية التي رفعت عَلَمها فرنسا في التاريخ.